هوليوود مدينة السينما الأكثر بريقًا في العالم، وقبلة  السينمائيين جميعًا، ربما لا يوجد مكان آخر في هذا العالم قادر على استحضار السحر والأحلام مثل هوليوود.

هوليوود المتهمة دومًا بتزييف الواقع، وبيع الأوهام للعالم، ماذا تقول عن واقعها هي؟ ما الذي يدور داخل أحشاء آلة الترفيه العملاقة التي تغذي العالم بفائض الأحلام والنهايات السعيدة؟ ما الذي يوجد على الناصية الأخرى للحلم؟ ماذا عن كوابيس هوليوود؟

يكتب الشاعر والمسرح الأمريكي نورمان روستن في بداية كتابه الإلهة:

إن هوليوود مصنع الأحلام، خلق فتاة حالمة. هل يمكن أن تستيقظ هذه الفتاة على الحقيقة؟ وكيف هي تلك الحقيقة؟ هل يمكن أن يكون لها حياة خارج الحلم؟

هذه قائمة بأهم الأفلام التي استطاعت أن تصور لنا الجانب الآخر من الضوء، الجانب المظلم لهوليوود الساحرة.

Sunset boulevard 1950

تحفة بيلي وايلدر التي يفتتح بها عقد الخمسينيات. الإدانة الأولى لآلة السينما الهوليوودية التي يطبعها الفيلم بطابع كانيبالي، إنها تتغذى على أرواح الجميع، حتي نجومها السابقون تحولهم إلى أشباح تعيش في ظلال مجدهم الآفل. يفتتح وايلدر فيلمه بجثة تطفو على سطح بركة سباحة أحد المنازل الهوليودية التي تنتمي لنورما ديزموند / جلوريا سوانسون إحدى نجمات السينما الصامتة التي غابت عنها الأضواء، لكنها لا تزال تعيش في وهم العودة، يصحبنا صوت هذا الجثة القادم من عالم الموتى ليحكي لنا حكايته مع نورما، والتي تستغرق زمن الفيلم.

هذه الجثة التي تفتتح الفيلم هي لكاتب مفلس مطارد من دائنيه، يلتقي مصادفة بنورما التي تقنعه بالإقامة معها لمراجعة السيناريو التي ستعود من خلاله إلى سابق مجدها.

وايلدر حاضر هنا بتشاؤمه المعتاد وسخريته السوداء، يستعين بشخصيات حقيقية لنجوم غرب مجدهم القديم، يعيشون كالأشباح الآن،مثل باستر كيتون، المخرج ماكس فون ستروهايم وجلوريا سوانسون نفسها التي تؤدي شخصية. نورما ديزموند. مصنع الأحلام بلا قلب، واقع قاس يضج بالاستغلال والأكاذيب.

حلم نورما ينقلب إلى كابوس دموي، لا تصعد إلى المجد من جديد بل تهبط إلى هاوية الجنون.

Barton fink 1991

العمل الرابع للأخوين كوين، والمتوج بالسعفة الذهبية في مهرجان كان عام 1991. لدينا الكاتب المسرحي بارتون فينك بأداء استثنائي من جون تورتورو، الذي تنهال عليه عروض كثيرة للعمل في هوليوود بعد النجاح الكبير الذي حققه عمله المسرحي الأخير على مسارح برودواي مطلع أربعينيات القرن الماضي، بارتون الحالم بمسرح جديد يتحدث فيه عن بشر عاديين، والكاره لهوليوود واستعباد واستغلال أستوديوهاتها الكبرى، يترك حلمه ويتجه نحو هوليود، على اعتبار أنها وظيفة مؤقتة، وربما آملًا في أن يعبر عن شيء من أفكاره الحقيقية يتم تكليفه بكتابة فيلم عن المصارعة، لكنه تحت وطأة صراعه الداخلي، واغترابه يجد نفسه عاجزًا تمامًا عن الكتابة، الفيلم الذي بدأ واقعيًا تمامًا، ينقلب في النهاية إلى كابوس سريالي. مزيج أنواعي فريد يجمع بين الكوميديا السوداء والإثارة والرعب. الفيلم في إحدى طبقاته بلا شك هجائية لاذعة لهوليوود آنذاك وتقاليدها التي تستعبد أرواح المبدعين مقابل المال.

The player 1992

عن رواية للكاتب الأمريكي مايكل تولكين، ومن إخراج روبرت آلتمان، الذي يصف فيلمه بأنه نقد ناعم جدًا لهوليوود. لدينا مدير تنفيذي لأحد أستوديوهات هوليوود الكبرى نهاية الثمانينيات، يتلقى خطابات تهديد بالقتل من كاتب مجهول لأنه رفض أحد سيناريوهاته، فيلم ينتمي لنوع الإثارة لكن بنبرة هادئة ومتأملة وسرد غير تقليدي، نحن هنا في داخل الآلة الهوليودية، حيث لا يوجد أي اعتبارات للأصالة الإبداعية، أو الابتكار بل تدوير الصيغ الفيلمية التي حققت نجاحات مادية سابقة. فيلم عن هوليوود، لا بد أن يشبه فيلمًا هوليوديًا بنهاية سعيدة، لدينا هنا جريمة قتل، يفلت منها القاتل دون ندم أو عقاب، بل يتزوج امرأة القتيل، هوليوود هنا بلا روح، لا مكان لأحلام الفن، وحيث المال هو الواقع الوحيد. يتحدث آلتمان في أحد حواراته عن فيلمه:

إنه عن الطمع، المرض الأكبر لحضارتنا، وهوليوود هي مجازه الأبرز.

Mulholland drive 2001

ربما هو الإدانة الأقسى لهوليوود منذ (Sunset boulevard). تحفة لينش التي تتربع على رأس قائمة (BBC) كأفضل أفلام القرن الحالي. في العمل الذي كان مقررًا له أن يكون حبكة تلفزيونية قبل أن يصير فيلمًا، لدينا فتاة حالمة بالنجومية تدعى بيتي/ ناعومي واتس، تلتقي في شقة تعود ملكيتها لعمتها بامرأة فاقدة للذاكرة. بناء سردي معقد يمزج الحلم بالواقع، يفكك خلاله لينش زيف ورعب مصنع الأحلام الهووليودي، حيث عجوز مريض يتلاعب بمقاليد الصناعة.

مرة أخرى نشاهد الأحلام البريئة تدهس تحت عجلات الواقع القاسي، هوليوود في فيلم لينش، مليئة بالأشباح والمنازل المسكونة وأرواح ضائعة فقدت هويتها، وحقيقتها.

Inland empire 2006

مرة أخرى يدلف بنا لينش نحو عالم الظلام والحيرة المحبب له، سرياليته البسيطة تغزو مرة أخرى كواليس مصنع الأحلام لتضيء لنا الوجه الحقيقي الذي ينام تحت أقنعته البراقة. أجواء جريمة وشخصيات غامضة. لدينا نيكي، ممثلة غير معروفة ومرشحة لدور أمام ممثل شهير، في فيلم بعنوان «غد حزين في الأعالي»، سبق أن قتل بطلاه، بسبب لعنة لها علاقة بحكاية الفيلم البولندية. عجائز مرضى وغامضون يتحكمون في مصائر الشخصيات، فيلم داخل فيلم، وأحلام تتناسل في ظلمة قاتمة. في مشهد قرب النهاية، نرى بطلتنا التي تلقت لتوها طعنة قاتلة، تهرول على أرصفة هوليوود الرخامية الشهيرة ببصمات ونجوم ممثليها، ثم تتقيأ دمها على وشم نجم هوليوود على مقربة من زنجية مشردة تتخذ الرصيف سريرًا.

Maps to the stars 2014

أول أفلام الكندي الكبير ديفيد كرونينبرج في هوليوود. ساخر، تهكمي، وسوداوي النزعة، بعيد قليلًا عن أفلام رعب الجسد التي حملت بصمته الخاصة. يغوص في حياة مشاهير هوليوود بشخصياتهم المضطربة، بخليط الجنس والعنف والإدمان الذي يسم هذه الحياة.

سيناريو بروس واجنر يعود للتسعينيات، كتبه من وحي تجاربه الحقيقية كسائق ليموزين في هوليوود. رؤية قاتمة لهوليوود ونجومها. خرائط كرونينبرغ ترسم الخراب الداخلي، والخواء العميق لهذه الأرواح البراقة.