بإعلان الرواية الفائزة بجائزة بوكر العربية 2017 آخر الشهر الحالي يسدل الستار على عشر سنوات من عمر الجائزة الأشهر والأهم عربيًا، والتي كانت محط أنظار الكثير من القرّاء والكتّاب والناشرين العرب، بل كانت على مدى سنواتها السابقة كلها مثارًا لجدلٍ واسع سواء للروايات المختارة على قوائمها، أو الروايات الفائزة حتى أو اتهامها طوال الوقت بما أطلق عليه «المحاصصة الجغرافية»، أي أن لكل دولة عربية حصةً ودورًا في الفوز بالجائزة بغض النظر عن جودة الروايات أدبيًا وفنيًا، وهو ما كان ملاحظًا في أنه لم يحصل بلد على الجائزة أكثر من مرتين مثلًا (مصر والسعودية)، كما لم تحصل دولة من الدول العربية على الجائزة في عامين متتاليين.

وبدا أن القائمين على لجنة بوكر العربية قد ضاقوا ذرعًا بكثرة الروايات التي تردهم كل عام، وقد عبّر بعض أعضاء لجان التحكيم عن هذا الأمر بشكل واضح وفي مقالات منشورة، نذكر في هذا الصدد مقال «بروين حبيب» الذي هاجم «الروايات العربية» بشكل بدا للكثيرين فجًا، وفيه قدر من التعالي حين قالت:

لقد أصبت بصدمة كبيرة جدًا وأنا أقرأ نصوصًا لكتاب أشاد بهم إعلاميون، لكنهم كارثة حقيقية، إذا سمحنا لهم أن يعيشوا في هذه الفقاعة من الوهم. والعتب هنا ليس على الكاتب وحده، بل على دور النشر أيضًا، التي تتسابق لترشيح أعمال لم تكلّف نفسها حتى أن توظف مصححًا لتصحيحها […] فالأدب ليس مجرد بناء قصصي، وحوار وفضاء مكاني وزماني، وحبكة تشد القارئ، الأدب قبل كل شيء لغة، شاء من شاء وأبى من أبى، وإن كان وضع اللغة العربية اليوم وضعًا مزريًا، فهذا بسبب هذا الإهمال لما يقدم للقارئ، وهذه اللامبالاة لمحتوى النص العربي، بدءًا بلغته إلى أدق تفصيل سردي فيه.

كما لامت الروائية الفلسطينية «سحر خليفة»، رئيسة لجنة تحكيم الجائزة في الدورة الحالية، دور النشر التي رأت أنها تقدم وترشح روايات «لا تستحق ثمن الورق الذي طبعت عليه» على حد تعبيرها في كلمتها التي نشرتها على صفحتها الشخصية على فيس بوك ملقية باللائمة على

الناشرين الذين يتخذون من النشر عملية تجارية ولا يولون أي اهتمام للمستوى الفني والإنساني، ولا يولون أيضًا أي اهتمام للفائدة التي يجنيها القارئ ولا خسارته المادية حيت يشتري رواية لا يستطيع إكمال قراءتها لركاكتها وفجاجتها وسطحيتها

وهكذا بدا أن الجائزة تتجه إلى أن تعاقب هؤلاء الناشرين السطحيين التجاريين غير المهتمين بالمعايير الفنية، التي لا يعرفها إلا القائمون على بوكر فيما يبدو، وأدى ذلك إلى تقنين استقبال الروايات المرشحة للجائزة، حيث فوجئ المتابعون مع بداية استقبال «بوكر» للروايات في دورتها الجديدة 2018 بالشروط الجديدة التي تم الإعلان عنها بالموقع الرسمي للجائزة، والتي جاءت كالتالي:

تتأهل للمشاركة في دورة العام 2018 الروايات المكتوبة بالعربية والصادرة في الفترة الواقعة بين أول تموز (يوليو) 2016 و30 حزيران (يونيو) 2017. تتوقف حصة الروايات التي يقدمها الناشرون المؤهلون للتقدم على عدد المرات التي وصلت فيها كتب الناشر المعني إلى القائمة الطويلة في السنوات الخمس السابقة (2013-2017)، وذلك على النحو التالي: * رواية واحدة للناشرين الذين لم يسبق لهم الوصول إلى القائمة الطويلة • روايتان للناشرين الذين سبق وصولهم إلى القائمة الطويلة مرة واحدة أو مرتين • ثلاث روايات للناشرين الذين سبق وصولهم إلى القائمة الطويلة ثلاث أو أربع مرات • أربع روايات للناشرين الذين سبق وصولهم إلى القائمة الطويلة خمس مرات أو أكثر إذا ما تقدمت دار نشر برواية لكاتب سبق له أن أُدرج على القائمة القصيرة في دورة سابقة، فإن هذا العمل لا يُحسب من نصاب الترشيح، أي أنه يتم قبوله بصورة آلية ويكون علاوة على الروايات المسموح التقدم بها. لا يمكن للكاتب أن يرشّح روايته بنفسه ولا تتأهل للجائزة الكتب المنشورة إلكترونيًا أو في أجزاء (مطبوعة أو إلكترونية) قبل يوليو 2016.

تجدر الإشارة إلى أنه كان من حق كل دار نشر عربية أن ترشّح ثلاث روايات للجائزة قبل هذه الشروط، وعليه فلن يكون من المتوقع أن تصل روايات إلى القائمة الطويلة لبوكر من خارج عدد من دور النشر التي أصبحت معروفة بأسبقية وصول رواياتها إلى قائمة بوكر، وهي على التحديد:

من مصر: دار العين ـ دار الشروق.

من لبنان: المؤسسة العربية للدراسات والنشر – دار الساقي – دار الآداب – الدار العربية للعلوم – المركز الثقافي العربي – دار التنوير – دار الجمل.

لا شك أن هذه القسمة ستقلل من فرص الكثير من الكتّاب والروائيين في الفوز أو الترشيح للجائزة، لا سيما إذا ذكرنا في مصر بعض دور النشر التي تهتم بإصدارات أدبية مهمة ترقى لمستوى الحصول على الجوائز، لن يكون بمقدورها إلا أن ترشح عملًا واحدًا ذلك أنه تصادف أن إصداراتها لم تصل إلى قوائم البوكر من قبل (مثل «دار الكرمة» و«الكتب خان») أو صادف أنها لم تصل في السنوات الخمس السابقة (مثل «دار ميريت»)، ويكون من حق («دار روافد» و«المصرية اللبنانية») أن ترشحا عملين، وبغض النظر عن أن بعض دور النشر المحظوظة قد تصل أكثر من رواية لها في القوائم القصيرة (مثل دار التنوير والمؤسسة العربية للدراسات) كما حدث في أعوام سابقة!

ولا شك أن هذا الشرط جائر، ولا يعطي القيمة الأدبية العمل المرشح المكانة الأولى، بل يضع اعتباراتٍ أخرى وحسابات مختلفة تمامًا، وهو ما يقلل بالضرورة من قيمة هذه الجائزة ويغيّر من نظر الناس لها باعتبارها الجائزة الأهم عربيًا إلى أن تكون مجرد جائزة لدور النشر العربية!


الجائزة بين كبار الكتّاب والشباب

من جهة أخرى، لا شك أن تلك الجائزة تمثل دافعًا قويًا ومحفزًا ماديًا للعديد من الكتّاب الشباب الذين لا يزالون يخطون خطواتهم الأولى، ويريدون أن يحظوا بهذا التقدير الكبير وهذه الجائزة التي تلفت أنظار القراء كلها إليها، لكن من الملاحظ على مدى السنوات العشر للجائزة أنها لا تولي اهتمامًا كبيرًا للكتاب الشباب، بل على العكس يبدو وصول روائي شاب إلى القائمة القصيرة في جائزة يتنافس عليها كبار الكتّاب أمرًا صعبًا، وبالرصد نجد أنه قد وصل إلى القائمة الطويلة في بوكر من الشباب 21 روائيًا فقط، هم بترتيب أعمارهم:

  1. أحمد سعداوي (1973) ـ العراق
  2. روزا ياسين الحسن (1974) ـ سوريا
  3. سمير قسيمي (1974) الجزائر
  4. سلطان العميمي (1974) الإمارات
  5. لينا هويان الحسن (1975) سوريا
  6. يوسف رخا (1976) مصر
  7. شهلا العجيلي (1976) سوريا
  8. منصورة عز الدين (1976) مصر
  9. محمد عبد النبي(1977) . مصر
  10. حمور زيادة (1977) السودان
  11. إسماعيل غزالي (1977) المغرب
  12. محمد ربيع(1978) مصر
  13. أحمد مراد (1978) مصر
  14. محمد حسن علوان (1979) السعودية
  15. عبد الوهاب الحمادي (1979) الكويت
  16. سعود السنعوسي (1981) الكويت
  17. فادي عزام (1983) سوريا
  18. جنى الحسن (1983) لبنان
  19. حوراء النداوي (1984) العراق
  20. أحمد محسن(1984) لبنان
  21. طارق بكاري(1988) المغرب

تجدر الإشارة إلى أنه لم يصل منهم إلى القائمة القصيرة إلا 11 روائيًا فقط، كما نلحظ أن تمثيل الروائيات قليل (6 كاتبات فقط) كما لم يحالف الحظ كثيرين لكي يتكرر ظهورهم في القائمة القصيرة (محمد حسن علوان، وجنى الحسن)، ولم يحصل على الجائزة الكبرى إلا اثنان هما العراقي «أحمد سعداوي» عام 2014 والروائي الكويتي «سعود السنعوسي» عام 2015 عن روايته «ساق البامبو».

أضف إلى ذلك أن الجائزة وعلى امتداد سنواتها العشر أغفلت عددًا من الروائيين العرب المهمين (ممن صدرت لهم أعمال روائية مهمة في السنوات الماضية) مثل «سليم بركات» و«رشيد بو جدرة» و«جان دوست» و«وحيد الطويلة»، ومن جيل الشباب «طارق إمام» و«أحمد عبد اللطيف» و«نائل الطوخي» و«أحمد القرملاوي» و«أسامة علام» و«عبد الله البصيص» و«بثينة العيسى» و«هلال شومان» وغيرهم الكثير.

عرفت الجائزة على مدى سنواتها العشر أيضًا تواجد عدد من كبار الروائيين، الذين أثروا الساحة الأدبية العربية من قبل الجائزة وأصبح لهم حضورهم اللافت والمميز، من هؤلاء مثلاً «واسيني الأعرج» و«إبراهيم نصر الله» و«إسماعيل فهد إسماعيل» و«إلياس خوري» و«أمير تاج السر» و«إبراهيم الكوني»، والملاحظ أن هذه الأسماء الكبرى كثيرًا ما تظهر في القائمة الطويلة لجائزة البوكر، وقد يتكرر بعضهم أكثر من مرة، ولكنهم لا يفوزون بالجائزة الكبرى.

لقراءة الملف الكامل لجائزة البوكر 2017 من هنا