على بعد خطوات قليلة من قوس النصر الشهير في قلب باريس، في إحدى أفخم الشوارع التجارية والسياحية في العالم، تتوقف سيارة على جانب الطريق، يترجل راكبها متجهًا إلى حافلة للشرطة الفرنسية، صعق ركابها عندما رأوا الأخير شاهراً عليهم سلاحه الكلاشنيكوف.

يفتح المترجل من السيارة النار على الجميع ليقتل شرطياً، وينجح اثنان آخران في الفرار، يطاردهما الرجل بعد ذلك راكضاً، في ذلك الشارع الذي تمتليء جوانبه بأرقى المقاهي والمطاعم في باريس، محاولاً قتلهما.

هذا ليس مقطعا مقتبسا من رواية بوليسية، أو من فيلم هوليودي من أفلام الأكشن، هذا هو الحدث الذي جرى في قلب باريس مساء أمس الخميس 20 أبريل/ نيسان في جادة الشانزليزيه، والذي قد يؤثر بدوره بشكل كبير على مسار الانتخابات الفرنسية بعد ساعات قليلة.


تنظيم الدولة يتبنى هجوم الشانزليزيه

http://gty.im/497047846

أعلنت وكالة أعماق التابعة لتنظيم الدولة أن منفذ هجوم الشانزليزيه هو أحد مقاتلي التنظيم يدعى أبو يوسف البلجيكي، ويأتي هذا الهجوم بعد يومين من إلقاء القبض على شابين فرنسيين في مرسيليا كانا يحضران لهجمات وشيكة بحسب السلطات الفرنسية. كما يأتي في وقت تستمر فيه حالة الطوارئ في فرنسا التي شهدت سلسلة متتابعة من الهجمات منذ عام 2015.

و قد أعلن المدعي العام الفرنسي أن المسلح الذي قتل شرطيا في جادة الشانزليزيه يسمى كريم شرفي وهو مجرم مدان ذو سوابق جنائية، حيث كان متورطاً في مجموعة من عمليات السرقة المصحوبة بالعنف.

ذكر متحدث باسم وزير الداخلية الفرنسية أن المسلح القتيل كان في التاسعة والثلاثين من عمره، وعاش في ضواحي باريس، وكانت الأجهزة الأمنية تراقبه بوصفه عنصراً متطرفاً محتملا.

وقد ذكرت مصادر مقربة من التحقيق أن المعتدي كان يخضع لتحقيق جهاز مكافحة الإرهاب، ولم يتضح إن كان الرجل نفسه الذي نشر التنظيم اسمه. وأفادت المصادر أن الرجل كان يخضع للتحقيق بعد أن أعرب عن نيته قتل شرطيين وأوقف في 23 شباط/ فبراير ثم أفرج عنه لعدم كفاية الأدلة. وكان حكم عليه 2005 بالسجن لنحو 15 سنة لمحاولة قتل شرطي وطالب وأخيه في منطقة باريس.


السلطات البلجيكية تفند بيان داعش بخصوص منفذ الهجوم

فندت الداخلية البلجيكية، اليوم الجمعة، ادعاءات تنظيم الدولة الإسلامية بشأن حمل منفذ الهجوم المسلح على الشرطة الفرنسية مساء أمس الجنسية البلجيكية. حيث صرح وزير الداخلية في بروكسل، جام جامبون، بأن الاسم الذي أعلنه تنظيم داعش لا تربطه أي صلة ببلجيكا، وربما ليس هو المنفذ الحقيقي للهجوم، و أن ما يمكن تأكيده هو أن الجاني مواطن فرنسي.


المكاسب التي حققتها لوبان واليمين الفرنسي إثر هجوم الشانزليزيه

http://gty.im/499324358

جدير بالذكر أن هذا الهجوم قد جاء قبل ثلاثة أيام من توجّه الناخبين الفرنسيين إلى صناديق الاقتراع يوم الأحد، في الجولة الأولى من إحدى أكثر الانتخابات الرئاسية الفرنسية صعوبةً في توقع نتائجها في تاريخ فرنسا الحديث.

وقد اتهم رئيس الوزراء الفرنسي، برنارد كازينوف، في هذا السياق، مرشحة اليمين المتطرف للانتخابات الرئاسية الفرنسية، مارين لوبان، بأنها استغلت حادثة جادة الشانزليزيه لتحقيق مكاسب سياسية.

في أول استطلاع للرأي أجري بالكامل بعد هجوم باريس، اكتسبت مرشحة أقصى اليمين في الانتخابات الرئاسية الفرنسية، بعض الدعم، إلا أن المرشح المستقل المنتمي للوسط إيمانويل ماكرون ما زال متقدما عليها في الجولة الأولى، التي تجرى الأحد وفي جولة الإعادة بعدها بأسبوعين.

وقد أظهر الاستطلاع الذي أجرته مؤسسة «أودوكسا» لصحيفة «لوبان»، ونشر اليوم الجمعة، أن ماكرون سيحصل في الجولة الأولى على 24.5 % من الأصوات، بما يقل نصف نقطة مئوية مقارنة بالاستطلاع السابق. وجاءت لوبان في المركز الثاني بنسبة 23% من الأصوات بارتفاع قدره نقطة مئوية.

لا يخفي في هذا السياق أن الأحزاب اليمينية الفرنسية المتطرفة قد استغلت الهجمات التي شهدتها البلاد منذ هجوم باريس الدامي في نوفمبر 2015 (130 قتيلا)، مرورا بهجوم الدهس في نيس (84 قتيلا)، وصولا إلى الاعتداء الأخير، من أجل الترويج لسياسياتها.

حيث وضع الترويج لهذه السياسيات، مرشحة الجبهة الوطنية اليمينية المتطرفة مارين لوبان، في المرتبة الثانية بين 5 مرشحين للرئاسة، لوبان التي هاجمت في أكثر من مناسبة خلال حملتها الانتخابية المهاجرين، وربطت بين حماية مسيحيي الشرق والقضاء على ما سمته بـ«التطرف الإسلامي»، كما أطلقت تصريحات وصفها البعض بأنها عنصرية تجاه اللاجئين.

من أهم نتائج ذلك الهجوم الأخير أيضاً، أنه أعاد قضيتي الأمن والهجرة إلى صدارتها في فرنسا، و هو ما يصب بقوة في دعم حملة لوبان التي أعلنت قبل أيام من الهجوم، أنها ستقوم بوقف تأشيرات الدخول طويلة الأمد إلى فرنسا فور توليها السلطة، في محاولة على ما يبدو لمنع دخول متشددين إلى البلاد، وسط تصاعد واضح لنبرة الكراهية تجاه اللاجئين في فرنسا.