محتوى مترجم
المصدر
Jacobin
التاريخ
2017/05/01
الكاتب
JONAH WALTERS

اشتُهِر يوم الأول من مايو عام 1886، عندما أضرب ثلاثمائة ألف عامل في ثلاثة عشر موقعًا عبر الولايات المتحدة. لقد كان عرضًا هائلاً لقوة الحركة العمالية الأمريكية التي كانت من بين الحركات الأعنف في العالم آنذاك.

احتشدت جموع العمال التي بلغت نحو 40 ألفًا في شيكاغو وحدها، المضربين تحت لافتات المنظمات الاشتراكية والأناركية. تقدمت الاتحادات العمالية ذات الخلفيات الإثنية المتنوعة، ومعظمها لمهاجرين محدَثين، كتفًا إلى كتف، بمطلب واحد هو يوم عمل لا يتجاز ثمانِ ساعات.

للحد من يوم العمل، وضعت الحركة تهديدًا واضحًا للصناعيين الأمريكيين الذين كانوا متَّهمين بطلب ساعات أطول كثيرًا من عمالهم.

ففي خواتيم القرن التاسع عشر، جلبت موجات متتابعة من الهجرة ملايين المهاجرين إلى الولايات المتحدة، فكّر كثير منهم في العمل في المصانع. ولأن البطالة كانت مرتفعة جدًا، كان ممكنًا بسهولة للمشغِّلين استبدال أي عامل يطالب بشروط أفضل أو أجور كافية، طالما كان ذلك العامل يتصرف وحده. كأفراد، لم يكن لدى العمال ما يسمح لهم بمعارضة العمل اللاإنساني الذي انتظره منهم رؤساؤهم.

لكن عندما تحرك العمال سويًا، أمكنهم فرض سطوة هائلة على مشغِّليهم وعلى المجتمع كله. لقد فهم راديكاليو الطبقة العاملة السطوة الفريدة لحركتهم الجماعية، مناضلين في سبيل تأكيد أن عجرفة المشغِّلين ستقابَل بموجات من المقاومة العمالية.

وعبر العقود الأخيرة من القرن التاسع عشر، لم ينم عمالقة الصناعة كأندرو كارنيجي وجورج بولمان في سلام قط؛ فقد كانت الانفجارات الدورية للنشاط العمالي اختبارًا لسلطتهم ومكانتهم. لكن الصناعيين وحلفاءهم في الحكومة غالبًا ما ردّوا بعنف وحشي لمحق موجات النضال العمالي التي طالبت بنوع مختلف جذريًا من الازدهار الأمريكي؛ نوع يكون الفقراء والمطحونون جزءًا منه.

كانت الحركة من أجل يوم عمل لا يتجاوز ثمانِ ساعات نضالاً جماهيريًا على هذا النحو. في الأول من مايو 1886، اجتمع العمال في جميع أنحاء البلد، في الشوارع للمطالبة بحياة أفضل واقتصاد أكثر عدالة، واستمرت المظاهرات لأيام.

لقد كانت انتكاسة شديدة للحركة العمالية، لكن القمع لم يكن ليطفئ جذوة النضال في سبيل الخير؛ وكما قال أوجست سبايز أثناء محاكمته:

إذا كنت تظن أنك بشنقنا يمكنك اجتثاث الحركة العمالية؛ الحركة التي يأمل ملايين المطحونين الملايين الذين يكدحون ويعيشون في عوز وبؤس، رقيق الأجور في أن تكون سبيلهم إلى الخلاص
إذا كان هذا هو ظنكم، فاشنقونا! آنذاك تدعسون الشرارة، لكن هنا وهناك وخلفكم وأمامكم وفي كل مكان، سيتوهج اللهيب. إنه لهيب خفي، لا يمكنكم إخماده. إن الأرض التي تقفون عليها مشتعلة.

ستبدو تلك الكلمات كنبوءة صادقة. فمايو التالي، وكل مايو مُذاك، يحتشد العمال عبر العالم في الشوارع لوضع معايير الازدهار الرأسمالي على المحك، في نزوع نحو عالم مختلف جذريًا؛ عالم لا يخضع فيه الإنتاج للربح، بل للحاجة الإنسانية.

واليوم، قوة الحركة العمالية الأمريكية متردية، جرّدتها التوافقات النيوليبرالية المناهضة للعمال من كثير من أهم مكاسبها – بما فيها حق العمل لثمان ساعات في اليوم. لكن عيد العمال ما يزال يشرق كإرث باقٍ من الحركة الدولية لتحرير الطبقة العاملة.

من الواضح أن الكثير قد تغير منذ تلك العقود المتفجرة في نهاية القرن التاسع عشر. فالهزائم التي تكبّدتها الحركة العمالية الأمريكية تبدو عميقة حدّ الإغواء باعتبار النضال الذي رجّ يومًا أباطرة المال والرؤساء كشيء لا يزيد عن تاريخ مضى.

لكن ليس علينا التفرس بعيدًا جدًا في الماضي بحثًا عن أمثلة ملهمة للنضال، فأعياد عمال أقرب كثيرًا تقدم لنا لمحات عن القدرة التحولية للحركات العمالية.

منذ عشرة أعوام فقط، في 2006، وقف العمال المهاجرون في كل أنحاء البلاد ضد قوانين الهجرة التقييدية وممارسات العمل المسيئة، منظمين حركة ضخمة من العمال غير المسجَّلين بلغت ذروتها في اليوم المعروف باسم «المقاطعة الأمريكية العظيمة». في عيد العمال من تلك السنة، اجتمعت منظمات المهاجرين وبعض نقابات العمال لتنظيم انسحاب مدته يوم واحد للعمالة المهاجرة – أُطلق عليه اسم «يومٌ بغير المهاجرين» – لتوضيح الدور الأساسي للعمال المهاجرين في الصناعة الأمريكية.

بدأت الاحتجاجات في مارس/آذار واستمرت ثمانية أسابيع. الأرقام مذهلة – بدأ مائة ألف متظاهر في شيكاغو موجة المسيرات، وتبعهم نصف مليون متظاهر في لوس أنجلوس بعد بضعة أسابيع، ثم يومٌ مُنسَّق للتحرك في العاشر من أبريل/نيسان، شهد مسيرات في 102 مدينة عبر البلاد، بما فيها مسيرة شملت ما بين 350000 و500000 متظاهر في دالاس.

بحلول عيد العمال، اكتسبت الحركة زخمها، محققة دعمًا شعبيًا في كل أنحاء الولايات المتحدة وحول العالم. في الأول من مايو لذاك العام، خرج أكثر من مليون في لوس أنجلوس، وانضم إليهم 700000 متظاهر في شيكاغو، و200000 في نيويورك، و70000 في ميلووكي، وآلاف غيرهم في مدن بكافة أنحاء البلاد. تضامنًا مع المهاجرين من أمريكا اللاتينية، احتفلت نقابات العمال حول العالم بيوم «الامتناع عن الأمريكيين البيض»، وهو مقاطعة مدتها يوم واحد لكل المنتجات الأمريكية.

منذ ذلك الحين، يُعرف عيد العمال بأنه يوم للتضامن مع المهاجرين غير المسجلين – تذكيرٌ ملائمٌ بأصول عيد العمال في حركة شهدت اتحاد العمال المحليين والمهاجرين للدفاع عن مصالحهم المشتركة.

وفي العام الحالي، يقدم لنا عيد العمال مزيدًا من الفرص لحشد الدعم حول حركة عمالية أمريكية مبرزين دلائل الإحياء. في عيد العمال هذا، سينهض العمال والنشطاء في كل أنحاء البلاد متضامنين مع حوالي أربعين ألفًا من عمال فيريزون المضربين، الذين يرفض مدراؤهم المتعنتون حتى الآن التفاوض مع النقابة بأيّ حسن نية.

في عيد العمال هذا نتبع خطى أجيال راديكاليي الحركة العمالية. رأى هؤلاء الراديكاليون في الرأسمالية أهوال الاقتصاد غير العادل، لكنهم تجرّأوا على الحلم بشيء مختلف – اقتصادٍ مُجدَّدٍ يتيح مشاركة ثمار الرخاء بالتساوي، بين جميع الناس، في مجتمع عادل وديمقراطي.

رغم إخفاقات الحركة العمالية – في الولايات المتحدة وحول العالم – ما يزال ذاك الحلم حيًا، ويتواصل النضال.

عيد عمال سعيد. توجهوا إلى الشوارع.