لو سألت أيا من المسئولين عن دعوة الصحفيين المصريين إلى المهرجانات المصرية على الأسس التي يتم بناء عليها توجيه الدعوة لتغطية فعاليات المهرجان! فإن الاجابة غالبا سوف تنحسر في أهمية المطبوعة أو الموقع الذي يكتب فيه هذا الصحفي أو ذاك.

هذا هو العنصر الأساسي والوحيد تقريبا في اختيار الصحفيين، يليه مباشرة عنصر العلاقات الشخصية، والتوصيات القادمة من الفنان الفلاني الذي يرغب في وجود صحفي بعينه -لأن بينهم اتفاقا غير معلن على نشر أخباره ومتابعة صفحته على السوشيال ميديا- أو أمر مباشر من رئيس المهرجان أو المدير الفني.

فيما عدا ذلك فإن الصفات أو المميزات التي يجب توافرها في الصحفي الذي يقوم بتغطية مهرجان دولي –حتى لو مقام في مصر- تكاد تكون غائبة تماما عن أغلب الصحفيين الذين تتم دعوتهم، مع كامل احترامنا لهم.

ومهما كان هذا الصحفي صاحب أسلوب جيد أو نشاط فعال في مجال الصحافة الفنية بكل أشكالها، لكن المهرجانات تحديدا تحتاج إلى ميزات أخرى، هي التي يؤدي غيابها إلى خلو قاعات العروض من الصحفيين في كثير من المهرجانات، وتواضع المحتوى الإخباري والمعلوماتي عن أغلب الفعاليات، بل زاد على الأمر في الأعوام الأخيرة الاكتفاء بالبيانات الصحفية التي يرسلها المركز الصحفي على مجموعات (الواتس آب) التي تضم الصحفيين، ليسارع كل صحفي بنشرها في موقعه على اعتبار أنه بذلك أتم عمله، ومنح المهرجان ما يستحقه من تواصل بينه وبين جمهور الموقع أو المطبوعة.

هل يكفي أن نضرب مثلا بمجموعة الصحفيين الذين تمت دعوتهم لتغطية مهرجان الإسماعيلية في دورته الأخيرة، وهو مهرجان نوعي لا يحتوي على أسماء لامعة لنجوم مصريين أو أجانب، وأغلب ضيوفه من مخرجي وصناع الأفلام الروائية القصيرة والتسجيلية، فإذ بنا نفاجأ أن ثمة صحفيين لم تطأ أقدامهم قاعات العروض المتعددة، ولم يشاهدوا فيلما واحدا من أفلام المهرجان، حتى المصري منها.

أما الفئة الثانية التي كانت تحاول أن تشق طريقها بصعوبة تجاه الأفلام –نظرا لفقدانها العنصر الأساسي في القدرة على المشاهدة وهو اللغة الأجنبية– فكم كان الوضع مؤسفا وهم يبحثون عمن يترجم لهم الأسئلة الهزيلة التي وضعوها لصناع الأفلام من ضيوف المهرجان الأجانب، والتي كانت عادة ما تبدأ بأكثر سؤال مستفز، وهو: «ممكن تعرفنا بنفسك؟»

أجل هناك عدد كبير من الصحفيين الذي وصل بهم تدني مستوى الخبرة وغياب الكياسة والحرفية إلى حد أنهم لم يكلفوا أنفسهم عناء النظر في الكتالوج الخاص بالمهرجان الذي يحتوي بالمناسبة على كل المعلومات التي يمكن أن تكون نواة لإجراء مقابلة مع هذا المخرج أو ذاك، والمكتوبة باللغة العربية وليس بالإنجليزية.

يلهث الصحفيون المصريون وراء النجوم المصريين، يليهم النجوم العرب، ولا يحوذ الفنانون الأجانب إلا على قدر ضئيل من اهتمامهم

يفتقد صحفيو المهرجانات في مصر إلى عنصر اللغة الأجنبية بشكل كبير، قراءة وحديثا، يفتقدون إلى القدرة على البحث في خلفية المخرج أو الممثل الأجنبي الذي يريدون إجراء مقابلة معه، يفتقدون إلى خطة العمل الخاصة بكيفية تغطية مهرجان دولي، بداية من التعرف على أهم الأفلام والفعاليات الخاصة وأقسام كل فعالية، وترتيب الضيوف حسب الأهمية والمشاركة. ناهينا عن أن المهرجانات نفسها لا تساعدهم بتقديم قوائم مهمة جدا لم تصل بعد لعلم إدارات المهرجانات المصرية، وهي قوائم («who is who»، و«who is where»)

الأولى هي المختصة بالتعريف الخاص بالضيف وطبيعة تخصصه (مخرج-ممثل- منتج- ناقد- موزع) وإيميله الاحترافي وكيفية التواصل معه، سواء بشكل مباشر أو عبر إدارة المهرجان أو المركز الصحفي، والقائمة الثانية هي المعنية بالمعلومات اللوجيستية الخاصة بأين يقيم هذا الضيف، خاصة في المهرجانات التي تتعدد فيها فنادق الإقامة، والفترة التي سوف يقضيها الضيف في المهرجان، لكي يقوم كل صحفي بترتيب جدول لقاءاته فلا يفوته ضيف مهم قد يحضر ليوم أو يومين فقط، ويهتم بضيف آخر سوف يقيم كامل المدة وهكذا.

يلهث الصحفيون المصريون وراء النجوم المصريين، يليهم النجوم العرب، ولا يحوذ الفنانون الأجانب إلا على قدر ضئيل من اهتمامهم، يتعاملون مع المعلومات الخاصة برحلات النجوم وجولاتهم على اعتبار أنها أكثر أهمية من الأفلام والندوات، لأنها سوف تمكنهم من مطاردة النجوم والحصول على صور ولقاءات حصرية حول أهم الأعمال وآخر الأخبار –رغم أنه غالبا ما يكون نجوم المهرجانات في الفترة الأخيرة من المتوقفين عن العمل، أو أصحاب المشاريع المؤجلة والخاملة- بل إن قدرة الصحفيين تبدو خارقة عند لقاء نفس النجم خلال ثلاثة مهرجانات متوالية، وتوجيه نفس الأسئلة له، والحصول على نفس الإجابات ونشرها على اعتبار أنها سبق حصري.

بالطبع فإننا لا نستطيع أن نضع كل اللوم على الصحفيين فقط، فالمواقع التي يعملون بها والمطبوعات الخاصة بهم تعطي أولوية قصوى لمثل هذا «الهراء الصحفي»، إن جاز التعبير، كما أن أغلبهم لا يملك ثقافة سينمائية واسعة أو مطلعة أو حتى شغفا حقيقيا بالسينما يجعلهم يتمكنون من إحداث التوازن بين اللهاث وراء النجوم وبين حضور الأفلام وتغطية الندوات والحصول على لقاءات ذات قيمة فنية وليس إعلانية فقط.

ويكفي أن نستمع إلى أسئلتهم في المؤتمرات الصحفية والندوات التي تعقب الأفلام المصرية التي يكتفون بحضورها فقط –نتيجة أزمة اللغة الأجنبية- لكي ندرك تواضع المستوى الثقافي، بل التعليمي في بعض الأحيان الذي يجعل حتى من تكوينهم للجمل والأسئلة عبئا على أذهانهم البسيطة.

إن كل المهرجانات المصرية تقريبا تحتاج إلى «غربلة» حقيقية لكل قوائم الصحفيين الذين يحضرونها، بل النقاد أيضا، لأن المدعين منهم أصبح لهم الغلبة العددية في الحضور، في مقابل النقاد الجادين أصحاب الرؤى والهمم الحقيقية في المشاهدة والمشاركة، ويكفي أن نضرب مثلا بواحد من هؤلاء (النقاد) الذي يحرص على الحضور في أغلب عروض مهرجان الإسماعيلية، ولكنه حين يأتي إلى اللحظة التي من المفترض أن يسأل فيها فإن السؤال الأساسي الذي يوجهه لصانع الفيلم هو؛ «لماذا اختار هذا الموضوع بعينه لصناعة فيلم عنه ولم يختر لفيلمه الموضوع الفلاني أو القصة العلانية؟»

هذا السؤال العبثي غير الفني -وغير الإنساني- هو الذي يمكن أن يلخص لنا حال المهرجانات المصرية دون مجاملة: أن نأتي بصناع الأفلام من كل الدانيا لكي نسألهم لماذا يصنعون أفلاما تناسب أفكارهم ولا يصنعون أفلاما تناسب أفكارنا ومهرجاناتنا العظيمة!


ملاحظات على سؤالي «متى»، و«من»

تحتاج بعض المهرجانات المصرية إلى إعادة تقييم مواعيد إقامتها، وعلى رأسها بالطبع مهرجان الإسماعيلية الدولي الذي تحرك موعد إقامته من شهري أكتوبر/تشرين الثاني، وسبتمبر/أيلول، إبان رئاسة الناقد «علي أبو شادي»، إلى شهر يونيو/حزيران لأسباب تخص السنة المالية والميزانيات المؤجلة في الدورة التي رأسها «أمير العمري»، ثم إلى شهر أبريل/نيسان في الدورات الأخيرة (14-16-17).

ما لا يدركه الكثير من صناع المهرجانات في مصر -أو اللجنة العليا للمهرجانات القائمة على تنسيق المواعيد وتحديد متى يقام كل مهرجان- أننا بحكم كوننا ننظم مهرجانات صغيرة –حتى مع صفاتها الدولية- تعتمد على العروض الثانية والثالثة للأفلام العالمية، فيجب أن يكون موعد كل مهرجان مناسبا لطبيعته النوعية التي تحتاج إلى البرمجة من المهرجانات الكبرى وأسواقها التي تسبق مهرجاناتنا.

وعلى سبيل المثال فإن موعد إقامة مهرجان مثل الإسماعيلية المتخصص في الأفلام التسجيلية في شهر أبريل/نيسان يجعله يخسر عددا من المهرجانات المهمة المتخصصة في نفس النوع مثل «سالونيك»، و«إدفا»، و«لايبزج» التي تقام في الفترة من مارس/آذار وحتى مايو/أيار من كل عام، وبالتالي يفوت المهرجان فرصة برمجة أفلام من نفس دورة العام للمهرجانات الكبيرة، ويضطر إلى أن يبرمج أفلاما من دورات العام الماضي.

ثمة فرقا بين المبرمج المحترف الذي يملك الخبرة والقدرة علي المشاهدة المكثفة والفرز بين الغث والثمين، وبين شخص تولى منصبه بحكم الاختيار الإداري

الحديث عن (متى) فيما يخص مواعيد إقامة المهرجانات المصرية يستلزم بالضرورة الحديث عن أساليب البرمجة المتبعة لأفلام هذه المهرجانات، أو بمعنى أدق (من) الذي يقوم باختيار وبرمجة الأفلام؟ فلا يزال الكثير من المهرجانات المصرية يعتمد على نظام لجان المشاهدة، وهم مجموعة من النقاد والمتخصصين الذين يجلسون بالشهور لمشاهدة الأفلام التي تأتي عبر التسجيل أو الطلب المباشر، وترشيح الجيد منها للمدير الفني ليشكل الجانب الأساسي من أفلام المسابقة الرسمية والفعاليات الموازية.

ولكن التطوير الحقيقي والنمو الخاص بالمحتوى السينمائي وقوته لن يتأتى إلا باعتماد المهرجانات المصرية على نظام المبرمجين المحترفين الذين يسافر كل منهم إلى مجموعة مهرجانات دولية ذات عروض أولى وأسواق توزيع ضخمة للمشاهدة والاختيار ولقاء صناع الأفلام بشكل مباشر، والاتفاق مع الموزعين مع مراعاة التنوع في المستوى الفني وليس فقط تنوع البلدان، أي أن تنتمي الأفلام إلى مدارس وتيارات سينمائية مختلفة وجديدة حتى ولو بعيدا عن المخرجين الكبار، كما أن تكون الأفلام متنوعة الموضوعات أو تدور حول تيمة بعينها من زوايا مختلفة وطازجة، كل هذا لن يتاح بشكل ناضج وقوي لمجموعة تجلس في غرفة مغلقة بالقاهرة تنتظر (رزقها) من أفلام هذا المهرجان أو ذاك.

كما لا يمكن أن تتحول البرمجة إلى مجرد تذاكر ودعوات لرؤساء المهرجانات المصرية ومديريها الفنيين من أجل الاختيار أو المشاهدة العشوائية، لأن ثمة فرقا بين المبرمج المحترف الذي يملك من الرؤية والخبرة واللغة والقدرة على المشاهدة المكثفة والفرز بين الغث والثمين والسطحي، وبين شخص تولى منصبه بحكم الاختيار الإداري أو رئاسة الجمعية المنظمة للمهرجان، مع كامل احترامنا وتقديرنا للجميع.

ويكفي أن نضرب مثلا بالشكل الهزلي والعبثي الذي ظهرت عليه مسابقة الأفلام التسجيلية الطويلة لمهرجان الإسماعيلية هذا العام، حيث أفلام متواضعة المستوى لا تغطي الكثير من تيارات السينما التسجيلية الحديثة، ولا تلتفت لإنتاجات مخرجيها الكبار أو مغامراتها على مستوى الشكل والمضمون، كما أن الموضوعات جاءت مكررة بشكل غير مسبوق حتى أن عرض بعض الأفلام بشكل متوالٍ خلال برنامج المهرجان جعلنا نشعر أنها فيلم واحد طويل من عدة أجزاء.

ولنا في الفيلمين اللذين عرضا عن مدينة «كوباني» السورية وحربها مع داعش أبرز مثال، حيث أصابتنا الدهشة من عرض فيلم متواضع المستوى وبدائي مثل «المقاومة هي الحياة» (تركي أمريكي) في مقابل الفيلم الرائع «راديو كوباني» الذي حاز على الجائزة الكبرى للمهرجان، فكيف بمن اختار وأدرج الفيلم الثاني هو ذاته من قام باختيار الفيلم الأول، سواء على مستوى الحكي أو الصورة أو الأسلوب التسجيلي، ناهينا عن الموضوع الواحد، وهو حرب كوباني مع داعش.