تعرف على سر تغيير الأندية الأوروبية لملاعبها مؤخرًا

في نهاية عام 2015،ظهر إعلان على موقع «زوبلا-Zoopla» المتخصص في عمليات البيع والشراء داخل المملكة البريطانية، تُعرض فيه وحدة سكنية للبيع داخل مدينة هايبري والتي قد بُنيت مكان ملعب هايبري القديم لنادي أرسنال. الوحدة التي تم عرضها للبيع بسعر يتخطى النصف مليون جنيه إسترليني، ربما تقع الآن تحت ملكية أحد الأثرياء من خارج المملكة، أو حتى من داخلها، ربما هو شخص لا تُعد كرة القدم أحد اهتماماته الكثيرة، فمن المؤكد أنه لن يدرك قيمة الأرض التي بنيت عليها هذه الوحدة التي يملك الآن.

لكن هل يقع اللوم على هذا الثري صاحب هذه الوحدة أو على بقية الملاك من حوله؟، بالقطع لا، اللوم الواجب توجيهه الآن سيكون على تلك الفرق التي تسعى لهدم ذكرياتها العتيقة من أجل نقل أرواحهم -وجماهيرهم- إلى موضع جديد مختلف عن الذي اعتادوا عليه. لِمَ قد تقرر إدارة أرسنال الاستغناء عن ذكريات دوري اللا هزيمة -مثلًا- من أجل البكاء على أطلال الأمجاد فوق أرضية ملعب الإمارات الفاخرة؟، ما السبب الذي يجعل الإدارة في مدريد تضحي بحائط «كالديرون» المنيع لصالح فخامة المقاعد في «ميتروبوليتانو»؟.

هذه النقطة تحديدًا تستحق العديد والعديد من التساؤلات والتخيلات التي قد تدفعنا إلى رحلاتٍ طويلة من البحث الاستقصائي حول ماهية الرغبة التي تدفع تلك الأندية العريقة إلى قرار كهذا. وفي هذا الصدد، ومن أجل الوصول إلى طرف خيط الإجابة على هذا السؤال مستمر التكرار، سنأخذ أربعة أمثلة على سبيل البحث والدراسة هم: أرسنال، توتنهام، أتليتكو مدريد ووست هام.

لا تمسح دموعك بأقل من نصف مليار باوند

خلال موسم 2003/2004، تمكن أرسنال من الظفر بلقب الدوري بدون هزيمة واحدة، بل إنه أكمل الإنجاز لما هو بعد ذلك، ليتمكن من إكمال 49 لقاء دون هزيمة. من خلال هذه الأرقام، ليس بإمكانك أن تذكر أفضل 5 فرق في العالم، خلال ذلك الوقت، بدون ذكر اسم أرسنال في المقدمة. وهو ما قد تغير تمامًا بعد عام 2006، فقد انتفى من بعده أي وجود قوي لصالح الجانرز. ما الذي تغير؟ نفس قوام اللاعبين تقريبًا، نفس المدرب -بدون أدنى شك-، لكن ليس نفس الملعب.

تصريحات أرسن فينغر للموقع الرسمي للنادي.

لا يخفى على الجميع أن الفرنسي على رأس الجهاز الفني لأرسنال لديه ماجيستير في الاقتصاد، لذلك فيما يخص الشئون الاقتصاية فهو على دراية كبيرة بخبايا هذا الشأن. وبالرغم من أن الأغلبية تظن أن أرسنال كان في أريحية مادية قبل الانتقال من الملعب، فإن الوضع في النادي كان ينذر بكارثة اقتصادية قادمة.

الوضع الاقتصادي لنادي أرسنال في الموسم الأخير على ملعب هايبري.

أرسنال كان يعاني من عجز في الميزانية يقارب $12,000,000، إذا ما لم يتم حساب العائد من التجارة في اللاعبين والتطوير الضئيل لملعب الهايبري، فكان لزامًا على الإدارة أن تفكر في كيفية تطوير هذين الجانبين من أجل زيادة العوائد المالية للنادي.

الانتقال لملعب الإمارات ساعد الإدارة وفينغر في زيادة الوارد لخزينة النادي بأكثر من الضعف «حوالي بنسبة 107%». التكلفة المقدرة لبناء الملعب، والتي ساعدت فيها شركة طيران الإمارات مقابل الانتفاع بالملعب لعدد سنوات محدود ووضع اسمها عليه، قُدرت بـ £390,000,000. وبالرغم من أن رقمًا كهذا كفيل بأن يشتري لك حوالي أربعة لاعبين من طراز ميسي -بالأسعار القديمة-، لكن الدراسة الاستباقية أكدت بأن الوضع يستحق المغامرة حقًا والأرقام فيما بعد أثبتت ذلك.

العائد من بيع التذاكر بعد الانتقال للملعب الجديد تخطى حاجز الـ £70,000,000 سنويًا. وبالرغم من أن ليس كل هذه الأموال تدخل خزينة النادي، بموجب الاتفاق مع شركة طيران الإمارات، إلا أنه وفي خلال 10 سنوات فقط استطاع الملعب أن يغطي حوالي ضعف تكاليف بنائه من خلال بيع التذاكر فقط.

بناء الملعب على هذا الطراز أعطى للإدارة الحرية الكاملة في أن تجعل تذكرة الدخول إلى الملعب هي الأغلى في إنجلترا، وحسب تقرير البي بي سي للموسم المنقضي فإن فقط باريس سان جيرمان «£2,588.75» هو الفريق الذي لديه قيمة تذاكر موسمية أعلى من أرسنال، حيث يجعل جماهيره تدفع ما يعادل £2013 من أجل الحصول على تذكرة موسمية و£97 من أجل تذكرة اللقاء الواحد.

وبالرغم من أن الجماهير لا يمكن أن تفكر في مثل هذه الشئون المالية، لكن لا يمكن أبدًا إنكار أن فينغر ومعه إدارة النادي قد تعاملوا خلال هذه الأزمة المادية الطاحنة بمنتهى الحرفية، وتمكنوا بالفعل من تخطيها بأفضل شكل ممكن. وأن قرار تغيير الملعب كان الأصلح اقتصاديًا، نؤكد اقتصاديًا فقط. وإن كانت جماهير الفريق الآن تبكي على أطلال المجد في هايبري، فإن تجفيف البكاء بنصف مليار باوند يُعد مُريحًا جدًا.

هل تدرك معنى أن بيتك بات قديمًا؟

الجانب الاقتصادي لا يمكن إغفاله في كل عملية تخص كرة القدم في العصر الحديث، لكن من المؤكد أن هناك أكبر من الجانب الاقتصادي الذي يدفع الفرق لقرار ضخم مثل الاستغناء عن البيت القديم، لاسيما فيما يخص الأندية العريقة.

الأندية حديثة المنشأ لن تحتاج أبدًا لتغيير ملاعبها، الملعب يعود تاريخه المعماري إلى عصرٍ حديث بالتالي فهو يملك بعضًا من الرفاهية من أجل الجماهير. لكن فريق كوست هام، فإن تاريخ إنشاء ملعبه يعود إلى أكثر من 100 سنة حيث أُسس عام 1904، وبالرغم من كل الإصلاحات التي مرت على الملعب خلال السنين المتتابعة، فإنها لم تجعله يتخطى عملية الانتظار الرتيبة بعد انتهاء صافرة كل لقاء للفريق.

الصحفي المتخصص في شئون وست هام «جرايم هوليت»تحدث في أحد المرات عن أنه ليس لديه شك على الإطلاق في أن عملية الانتقال إلى ملعب جديد ستنقل فريقه خطوات للأمام.

الفرصة لبناء ملعب جديد بطراز معماري مختلف يواكب التطور الذي يجذب الجماهير للتواجد في أرضك، لا يمكن أن تفوت تمامًا، وحسب رأي أحد أساطير وست هام، «دافيد جولد»، فإنك بدون ملعب بطراز عالٍ لن تتمكن من مواجهة كبار الفرق: «يجب أن تتحول إلى سمكة كبيرة لتأكل السمك الصغير»،هكذا قال.

توتنهام، أو سمكة لندن الكبيرة

ربما كانت مقولة «دافيد جولد» هي السبب الذي دفع توتنهام للتغيير في الوقت الحالي، ففي السنوات السابقة أظهر توتنهام قوة كبيرة فيما يخص المنافسة على لقب الدوري الإنجليزي الممتاز، تمكن من تخطي أرسنال لأول مرة منذ عشرات السنين في جدول ترتيب الدوري، لكنه خسر اللقب في الأمتار الأخيرة لصالح ليستر سيتي. الجميع سأل -ولا زال يسأل- ماذا يعيق توتنهام عن مجابهة الكبار والظفر باللقب في النهاية؟.

توتنهام لا يعاني من أزمات مادية طاحنة، فملعبه، بالرغم من قدمه، لكنه لا يبدو عليه مرور السنوات، فما الدافع وراء زحزحة الملعب لليمين قليلًا وتكبد الكثير من الأموال مقابل ذلك؟، المدير الفني الأرجنتيني يظن أن هناك العديد من الأمور يحتاجها النادي سيجدها في تغيير الملعب وإعادة بنائه بشكلٍ أكثر تنظيمًا وحداثة، وضع على رأسها ملعب التدريبات وكل الأدوات المساعدة التي يجب توافرها فيه.

تصريحات بوتشيتشينو تقول إن الأرجنتيني لا يظن أن فريقه الآن يمتلك الأدوات التي تجعله يتدرب على أعلى مستوى في أوروبا، فاتفق مع الإدارة أن هذا يُعد سببًا رئيسًا في رجوعه عن المقدمة في الأمتار الأخيرة من السباق. ربما نظن جميعًا أن سببًا كهذا ليس كافيًا، لكن يكفي أن الإدارة وجدت ضالتها في ماوريسيو بعد طول بحث، ومن المؤكد أنها يجب أن تستمع لآرائه.

وبالرغم من وجود احتمالية اختلاف الرؤى بين الإدارة في توتنهام ونظيرتها في وست هام، لكن هناك شيء مؤكد وحيد وهو أن ذات السبب الذي جال في خاطر الإدارة الإنجليزية لوست هام في العاصمة لندن هو نفسه الذي خطر ببال الإدارة الإسبانية في العاصمة مدريد.

لا تهدم حائطًا منيعًا إلا لتبني حائطًا أكثر مناعة

منذ سنين طوال اتخذت إدارة أتلتيكو مدريد قرار الانتقال إلى «فيثنتي كالديرون» والآن تتخذ قرارًا جديدًا بالانتقال منه إلى «واندا ميتروبوليتانو»، الغرض في كلا الانتقالين واحد؛ النادي يرغب في التطور أكثر وأكثر.

الصحفي بجريدة «التايمز المالية-Financial Times»، «سيمون كوبر» -حاول أن تتخطى اسم الصحفي عزيزي القارئ إن كنت مصري الجنسية-، قد دفع ثمن رحلة إلى مدريد من أجل دراسة عملية انتقال أتلتيكو مدريد إلى الملعب الجديد. كل الدلائل هناك تشير إلى أن الجماهير تتفهم تمامًا عملية الانتقال هذه، بالرغم من تعلقهم الشديد بالأجواء داخل المنزل القديم.

الـ«كالديرون» كانت تثار حوله العديد من الشكاوى من قبل الجماهير -الحال ذاته عند جماهير وست هام-، لا توجد وسائل رفاهية كافية للجماهير داخل الملعب، لا يوجد أي مطاعم أو كافيهات أو حانات كما تحب الجماهير أن تجد في كافة الملاعب الأخرى.

الانتماء للنادي والرغبة في التواجد خلفه في كل الملاعب شيء مهم جدًا، لكن أن تجد في منزلك كافة وسائل الرفاهية التي تجعلك ترغب في العودة مرة أخرى، أمرٌ هام بكل تأكيد، وهو ما سعت إدارة مدريد لتحقيقه في الملعب الجديد الذي تم افتتاحه بالفعل، من أجل أن تجعل هذه الجماهير التي كانت تخلق الجحيم في الملعب القديم، تخلقه بشكلٍ أكبر في الملعب الجديد، بالإضافة إلى أن زيادة عدد المقاعد عن الملعب القديم بحوالي 7500 مقعد -مريح- للجماهير، سيجعل منزل «روخي بلانكوس» الجديد منيعًا أكثر من ذي قبل.

ربما من رؤية خارجية للقصة نجد أن عملية تغيير الملاعب عملية ترفيهية بحتة تقوم بها الأندية الكبيرة من أجل الغطرسة أو شيء من هذا القبيل، لكن بعد التدقيق قليلًا في كل التفاصيل سنجد أن كافة الأندية لن تدفع هذه المبالغ الطائلة من الأموال من أجل أمور ثانوية لا هدف منها.