تأتي هذه الحلقة ضمن تغطية إضاءات المستفيضة للوثائق المفرج عنها مؤخرًا من الخارجية الأمريكية، حول اتفاقية السلام المصرية – الإسرائيلية، المعروفة تاريخيًّا باتفاقية كامب ديفيد.

للاطلاع على الملف المجمع للتغطية اضغط هنا.


الثورة الإيرانية كان لها الأثر الأكبر في تحول مسار عملية المفاوضات المصرية الإسرائيلية، عداء شديد بين إسرائيل والولايات المتحدة من جانب وإيران منذ قيام ثورة الخميني وحتى يومنا هذا من الجانب الآخر، تشير وثائق الخارجية الأمريكية إلى أن إيران من أكثر الدول التي دفعت بالتعجيل بتوقيع اتفاقية السلام المصرية – الإسرائيلية في نفس العام من الثورة، كما سنعرض.

لن يبيعونا النفط مباشرة. لقد سمعناك، وكثيرًا ما نوضح أنه لا ينبغي لنا أن نخجل من عملية السلام. الأحداث في إيران تعتبر ضربة خطيرة للغاية لوضعنا النفطي، الآن يطلب منا التخلي عن النفط تحت سيطرتنا وليس لدينا نفط خاص بنا ولدينا جارة ترفض اعتبارنا كجار.
شيمول تامير – وزير العدل الإسرائيلي آنذاك

دفعت الثورة الإيرانية مصر وإسرائيل بشكل عاجل إلى معالجة المسائل العالقة من أجل إبرام معاهدة السلام، ومن ثم التأثير في عملية التفاوض حول أزمة توريد النفط إلى إسرائيل.


الوثيقة الأولى

في مذكرة أعدها وليام ب. كونت أحد موظفي مجلس الأمن القومي الأمريكي أكد وجود مخاوف إسرائيلية في أعقاب الثورة الإيرانية. لقد أدى رحيل الشاه إلى زيادة القلق الإسرائيلي من عدم الاستقرار الإقليمي ووصول إمدادات النفط. وأشار إلى أن إسرائيل تطالب بتوريد 50 ألف برميل من النفط من مصر، وهو ما قد يكون أكثر مما ترغب مصر في بيعه.


الوثيقة الثانية

تأكيدًا على هذا أشار رئيس الوزراء الإسرائيلي بيجن في اجتماعه مع أثيرتون – مبعوث الرئيس الأمريكي – إلى أن التغييرات الثورية في إيران جعلت من الضروري ضمان توريد ما يبلغ 2.5 مليون طن سنويًا من النفط المصري، بينما أضاف موشيه ديان على أنه دون تلك الضمانة سيقول الكنيست إن إسرائيل «تنتحر» ولن يوافق على معاهدة سلام تتضمن التخلي عن حقول نفط خليج السويس.


الوثيقة الثالثة

في سياق متصل أكدت المخابرات الأمريكية أن الثورة الإيرانية دفعت كلًا من مصر وإسرائيل إلى مزيد من المواقف المتصلبة حول القضايا الرئيسية العالقة في مفاوضات السلام بالرغم من أنها قد أثرت بشكل مباشر على قضية واحدة فقط وهي رغبة إسرائيل في تأمين إمدادت النفط من الحقول المصرية في سيناء.


الوثيقة الرابعة

بينما أوضح فانس وزير الخارجية الأمريكية أن الأحداث قد تكون تسببت في تشدد الجانبين لأنهما قد لاحظا مخاطر متزايدة في إبرام معاهدة سلام، ناتجة عن تداعيات محتملة للمنطقة للأحداث الإيرانية، فإسرائيل قلقة أكثر من أي وقت مضى من التنازل عن حقول نفط خليج السويس دون التزامات توريد مصرية، كما أنها مصممة على ضمان التزام مصر الراسخ بالسلام والتطبيع بغض النظر عن التطورات في أي مكان آخر في المنطقة.

كانت المخابرات الأمريكية قد أوضحت أن تنامي الحماسة الإسلامية في إيران، وتأييد الخميني الصريح للفلسطينيين، وانهيار النظام الأمني الواقع في منطقة الخليج كانت من الضغوط الكبرى على الرئيس السادات لمطالبة إسرائيل بالتزام أكثر صراحة بتسوية شاملة واحترام سيادة مصر والتزامات العرب، لاسيما بتأييد السعودية للقرارات المعادية لمصر في قمة بغداد، وخشيةً من تعاظم دور القوى المناوئة له وعلى رأسها سوريا والعراق في أعقاب الثورة الإيرانية.


الوثيقة الخامسة

أيضًا أكد رئيس الوزراء المصري مصطفى خليل أن الأحداث في إيران وأماكن أخرى زادت من أهمية إبرام معاهدة سلام مصرية إسرائيلية لن تعزل مصر عن العرب الآخرين، بل يجب أن تضمن دورًا أساسيًا تلعبه مصر في استقرار السودان وشمال اليمن والسعودية، فمصر أكثر ملاءمة لاتخاذ إجراءات لدعم القوى المعتدلة أكثر من إسرائيل وهو ما يعني ضمنًا أن اسرائيل ستسفيد من السلام مع مصر.


الوثيقة السادسة

خطوات أسرع نحو حل المشاكل العالقة حول توقيع اتفاقية السلام وأبرزها قضايا توريد النفط لإسرائيل، فقد أشار فانس إلى تأكيد مصطفى خليل على فتح محتمل لحل مشكلة التزام التوريد لإسرائيل، فإسرائيل تستطيع أن تشتري متطلباتها من النفط على أساس تجاري من مصادر مصرية عندما يكون هناك سلام، ولكن مع ذلك فإن مصر لا تستطيع أن تضع هذا الفهم كتابيًا. من ناحية أخرى ، اقترح خليل أيضًا أن عملية التوريد تتم على أساس توريد من شركة إلى شركة مع منح الحكومة المصرية موافقتها للشركة البائعة.


الوثيقة السابعة

في سياق آخر أوضح وليام ب. كونت أن المصريين سيوافقون على إرفاق اتفاقية خاصة بالنفط بمعاهدة السلام، لكنهم لا يريدون كتابة ذلك، بينما طرح الرئيس كارتر على مساعديه أعلى تقديم عرض لمصر يضمن أن تقوم مصر ببيع 1.5 مليون طن من النفط للولايات المتحدة، ثم تقوم الأخيرة ببيعها لمن ترغب في إشارة إلى إسرائيل، على الرغم من أن إسرائيل تفضل الحصول على النفط مباشرة من مصر.


الوثيقة الثامنة

أعرب بريجنسكي مساعد الرئيس الأمريكي لشئون الأمن القومي عن أن السادات طلب منه أن يبلغ الرئيس كارتر بأنه سيعطيه بعض «الأسلحة السرية» لنقلها إلى القدس، موضحًا أن تلك الأسلحة هي عرض السادات لبناء خط أنابيب نفط من سيناء إلى إسرائيل على أن الأمر لا يتم إدراجه في أي اتفاق رسمي.


الوثيقة التاسعة

بينما أكد الرئيس كارتر في لقائه مع بيجن لاحقًا على أن مصر مستعدة لنقل هذا النفط إلى الولايات المتحدة ومن ثم إلى إسرائيل على أن تضمن الولايات المتحدة هذا العرض. مؤكدًا رفض مصر الاقتراح الإسرائيلي الخاص بالكمية التي تريد شراءها والمقدرة بـ 2.5 مليون طن من النفط سنويًا، مشيرًا إلى أن الإدارة الأمريكية عملت على نهج تعاقد «متجدد» وسيكون هناك تجديد سنوي، على أن تضمن الولايات المتحدة العرض إذا كان هناك أي انقطاع. بينما برر فانس الموقف المصري الرافض لتلك الكمية على أن مصر لا تبيع كمية ثابتة من النفط لأي شخص ولا تدخل في عقود متعددة السنوات.

رفضأرئيل شارون وزير الزراعة آنذاك بقبول الحصول على النفط المصري عبر الولايات المتحدة. مؤكدًا أن القضية ليست بين الولايات المتحدة وإسرائيل – فإسرائيل ذاهبة نحو سلام حقيقي – لا تقبل فيه أي قيود على بيع النفط إليها. ومع إصرار الوزير تمير أيضًا على إزالة جميع الجواجز التمييزية الخاصة بتوريد النفط المصري عند الانتهاء من الانسحاب المؤقت، أكد كارتر أن مصر ستبيع النفط إلى إسرائيل على أساس تنافسي، وأن ما تطالب به إسرائيل مخالف لجميع عقود القانون الدولي.


الوثيقة العاشرة

انتهى لقاء كارتر وبيجن بعدم التوصل إلى اتفاق حول مسألة النفط، لكن يبدو أن موشيه ديان كان له توجه آخر، حيث أكد لفانس أنه يتفهم أن المصريين لا يستطيعون الاتفاق في الوقت الحالي على بيع النفط لإسرائيل على أساس طويل الأجل وبسعر مخفض، وهو ما دفعه إلى التوسط لإيجاد حل، وهو ما نجح فيه الطرفان. توصل الطرفان في النهاية إلى إعداد مسودة اتفاقية النفط كمرفق ضمن المرفق الثالث من نص المعاهدة والخاص بتطبيع العلاقات الاقتصادية بين مصر وإسرائيل.نصت الاتفاقية على إقامة علاقات اقتصادية طبيعية بين الطرفين، ووفقًا لذلك فإن العلاقات ستشمل المبيعات التجارية العادية للنفط من مصر إلى إسرائيل ، وأن إسرائيل يحق لها بالكامل تقديم عطاءات على النفط المصري المنشأ غير الضروري لاستهلاك النفط المحلي المصري.


الوثيقة الحادية عشرة

في نهاية المطاف أكد كارتر أن السادات قبِل بالكامل كل المقترحات المتعلقة بتسوية مختلف المشاكل المتضمنة في معاهدة السلام بين إسرائيل ومصر، كما قبل الدقائق المتفق عليها للملحق الثالث، مشيرًا إلى أن السادات عرض أيضًا بناء خط أنابيب نفط من الآبار القائمة إلى إيلات مما يوفر لإسرائيل إمداداتها من النفط على أن هذا العرض لا يعرض للجمهور.