تأتي هذه الحلقة ضمن تغطية إضاءات المستفيضة للوثائق المفرج عنها مؤخرًا من الخارجية الأمريكية، حول اتفاقية السلام المصرية – الإسرائيلية، المعروفة تاريخيًّا باتفاقية كامب ديفيد.

للاطلاع على الملف المجمع للتغطية اضغط هنا.


الوثيقة الأولى

شهد يوم السابع والعشرين من مارس/ آذار 1979 مؤتمرًا ضم 18 دولة عربية ومنظمة التحرير الفلسطينية في العاصمة العراقية بغداد، لبحث تنفيذ عقوباتٍ على مصر، جراء توقيعها معاهدة السلام المصرية الإسرائيليلة. شن صدام حسين نائب رئيس حزب البعث في ذلك الوقت هجومًا لاذعًا على القيادة المصرية والإدارة الأمريكية، وعلى ذات النهج تحدث سعدون حمادي وزير دفاع منظمة التحرير.حاول العراق أن يحل محل مصر في قيادة النظام الإقليمي العربي. حذر صدّام أي دولة من معارضة قرارات بغداد التي ستصدر بأنها ستكون في مرمى العدو الصهيوني. كما دعا عرفات الدول العربية إلى اتخاذ قرارات لمعاقبة الولايات المتحدة وفرض المقاطعة عليها في حقول النفط والمال والتجارة. خرج المؤتمر بمجموعة قرارات تستهدف محاصرة مصر اقتصاديًا وسياسيًا وعزلها بصورة تامة، إلا أن السعودية عارضت راديكالية تلك الإجراءات ووجدت ضرورة الاكتفاء ببعضها بما يمنع خروج الوضع عن السيطرة، وهو ما دفع عرفات لشن هجوم كبير على السعودية ووزير خارجيتها سعود الفيصل. المحصلة كانت تعليق عضوية مصر من جامعة الدول العربية، والعمل على نقل مقرها إلى تونس، بجانب مجموعة من القرارات الاقتصادية. عبّر جيمي كارتر عن قلقه للسادات بشأن قرارات مؤتمر بغداد، إلا أنه فوجئ برد فعل السادات، الذي وصف ما يحدث بأنه مجرد صراخ سرعان ما سيهدأ وسينتهي دون شيء يذكر.


الوثيقة الثانية

حاول السادات الحصول على وعد أمريكي بمعاملة مصر بالمثل كما تعامل إسرائيل، لاسيما في الجانب العسكري. ظل يلح على طلبه في الدعم الأمريكي لحصوله على السلاح النووي، أو على الأقل منع انتشاره في كل من القاهرة وتل أبيب، إلا أن الإدارة الأمريكية لم تمنحه قولًا نهائيًا في هذا الشأن، نتيجة التحفظات الإسرائيلية. كانت الإدارة الأمريكية تخشى من اهتزاز ثقة السادات في وعودها ما يؤثر على عملية استكمال المفاوضات.


الوثيقة الثالثة

أرسلت السفارة الأمريكية تقريرًا مفصلًا إلى وزارة الخارجية الأمريكية عن حالة الوضع السياسي والاقتصادي الذي تعيشه مصر عقب توقيع معاهدة السلام. أكدت السفارة أن هناك مزاعم كثيرة تدور حول إمكانية اغتيال السادات، مضيفةً أن تلك المزاعم تعززت بشدة بعد توقيع المعاهدة. ازدادت التهديدات بإزاحة السادات من منصبه عن طريق الاغتيال في ظل أجواء مشحونة.يعيش السادات حالة من العزلة النفسية والجسدية عن البلاد. يواجه المسئولون صعوبة في اتخاذ القرارات ومتابعتها، ومعظم هؤلاء المقربين من الرئيس لن يعطوه أخبارًا سيئة. ركز تقرير السفارة على قضية خليفة السادات في الحكم، لاسيما مع غياب وضعف شتى الأطراف السياسية الأخرى، سواء كانت في الحكم أو المعارضة. كان أكثر ما يقلق الأمريكيين هو أي مسار سيتخذه من سيخلف السادات، هل سيضطر إلى الخضوع للضغوط والركون إلى الأمان في أحضان الحظيرة العربية، وبالتالي الانسلاخ من معاهدة السلام، أم سيستكمل ما بدأه السادات؟ أكدت السفارة أن المعارضة مجزأة وبدون قيادة فعالة، الإعلام الجماهيري والعمالي الذي يقوده اليساريون لا يمثل أي تحدٍ حالي للنظام. المنظمات الإسلامية الأصولية تعارض العديد من الإجراءات الحكومية، بما في ذلك معاهدة السلام، لكنها خالية من القيادة الحقيقية ولا تشكل تهديدًا حاليًا. لدى السوفيت، الذين يعارضون قيادة السادات وعملية السلام، القليل من الأصول التي يعملون بها.تعاني البلاد من أزمة في الإسكان إذ يعيش في القاهرة 10 ملايين نسمة في حين أن الوضع الطبيعي لا يتطلب إلا 3 ملايين على الأكثر. كما أن البنية التحتية تعاني ترهلًا كبيرًا في المواصلات والخدمات والمرافق العامة والمياه والصرف الصحي، أما السادات فهو لا يرغب في سماع تلك الأخبار، في الوقت الذي تتوقف فيه الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية على قراراته، نظرًا لطريقة صنع القرارات التي تتوقف على هرم السلطة، الوضع كارثي.علاوة على ذلك، فإن قدرة الحكومة على التصدي للمشاكل محدودة بسبب أوجه الضعف المؤسسي، بما في ذلك الفساد الكبير. لقد نمت البيروقراطية المصرية بشكل كبير لدرجة أنها بالكاد تعمل في كثير من الحالات. أدى هذا الوضع لامتداد الفساد إلى أعلى مستوى في المجتمع المصري. ويعتقد أن زوجة السادات وأقرب مستشاريه يشاركون في الأمر.


الوثيقة الرابعة

يدرك السادات من دون شك الآن أن المجتمعات الإسلامية في الحرم الجامعي ذات الصلة بالإخوان المسلمين هي أفضل قوة منظمة في البلاد خارج الجيش والشيوعيين، وهي ملتزمة بشدة بقضيتها. إنهم يسيطرون على الاتحادات الطلابية في العديد من الجامعات، إذ يعارضون سياسات التطبيع التي يقوم بها السادات، ويرون أن النظام فشل فيما يخص قضية استرداد القدس. ومع ذلك فإن اليمين الديني محروم من قادة حقيقيين إذ لا يشكل في الوقت الحاضر تهديدًا حقيقيًا.أظهر السادات أنه يدرك التهديد المحتمل وبدأ سياسة ثنائية المسار، وقد حذر من أنه سيشن حملة على الإخوان والقوى الإسلامية، وفي الوقت نفسه، يقدم حوافز مالية لشخصيات دينية رئيسية. تم تخصيص المزيد من الأموال لبناء المساجد، وتم رفع الأجور في القطاع الديني، وعدد كبير من المساجد على وشك أن تخضع لسيطرة الحكومة، لسحب البساط من تحت أقدام الإخوان المسلمين. على الجانب الآخر، قام السادات بمواجهة الاتحاد السوفيتي وعناصره الداخلية من اليسار، إذ قام بإغلاق قنصلياتهم ومراكزهم الثقافية، فضلًا عن مراقبة أنشطتهم بعناية. إلا أنه يدرك جيدًا حقيقة ضعف اليسار، لاسيما بعد أن فقدوا مصداقيتهم إبان فترة عبد الناصر الاستبدادية. لذا فهم غير قادرين على التحرك بمفردهم دون دعم الإسلاميين.


الوثيقة الخامسة

وفيما يخص خلافة السادات،في هذه اللحظة يبدو أن نائب الرئيس مبارك هو المرشح الواضح. يفتقر مبارك إلى قاعدة سلطة مستقلة. مبارك صناعة السادات، بدون معلمه في الرئاسة سيكون رجلًا ضعيفًا بشدة. ينظر الكثيرون إلى مبارك على أنه خفيف الوزن، غير مناسب فكريًا لإدارة شئون مصر. ومع ذلك، قيل الشيء نفسه، وأكثر من ذلك، عن السادات بعد وفاة عبد الناصر، تعلم السادات بسرعة وأربك منتقديه. في حين لم يكن لدى السادات حكمة أو خبرة، كان مبارك يتمتع بتلمذة مهنية أطول في عهد السادات أكثر من تلك التي تمتع بها الأخير في عهد عبد الناصر. لقد فوّض السادات سلطة أكبر بكثير لمبارك مما حصل عليه السادات من عبد الناصر. يتمتع مبارك الآن بخبرة كبيرة في الحكومة المحلية والأحزاب والشئون الدبلوماسية. لديه طاقة هائلة، ويبدو أنه نما في العمل. أكبر مسئولياته هي ميله إلى تبني أساليب مبسطة للقضايا المعقدة، ومحاولاته المتكررة لإضفاء طابع شخصي على المشكلات المجردة. نحن نعتقد أنه سيكون مؤهلًا بشكل أفضل للحكم بعد المزيد من التوابل. سيسير مبارك على نفس استراتيجية السادات الخاصة بتحقيق مزيد من التقدم في عملية السلام في المنطقة، بجانب التركيز على تحقيق التنمية الاقتصادية. وفيما يخص الوضع الفلسطيني، لقد أخبر مبارك السفير الأمريكي أكثر من مرة أنه يمكن إعطاء حكم ذاتي لغزة، وترك الضفة الغربية لمصيرها إذا رفضت الانضمام لعملية السلام.