على الرغم من المحاولات، لم نفلح في إنهاء حالة الفراغ القائمة والمستمرة حتى إشعارٍ آخر.
هكذا صرح سمير جعجع رئيس حزب القوات اللبنانية حول حالة الفراغ الدستوري التي تمر بها لبنان بسبب عدم وجود رئيسٍ للجمهورية حتى الآن.ويعد لبنان من أكثر البلاد العربية التي تضم الكثير من الطوائف، فمن حيث الطوائف الإسلامية يوجد السنة والشيعة والإسماعيلية والدروز، ومن حيث الطوائف المسيحية يوجد الموارنة والكاثوليك والأرثوذكس، كما تتنوع تلك الطوائف ما بين العرب والأرمن. وقد كان لذلك التنوع الطائفي انعكاسه على الحياة السياسية اللبنانية منذ اللحظات الأولى للاستقلال.

الأحزاب والتكتلات

انعكست حالة التعددية الطائفية في لبنان على الأحزاب والتكتلات السياسية هناك، فهناك عدد كبير من الأحزاب الطائفية وهي تلك التي تتسم بالقوة في مقابل الأحزاب القليلة التي لا تمثل طائفة بعينها. من أبرز الأحزاب الطائفية، هي الممثلة للطائفة المارونية (حزب الكتائب، حزب التيار الوطني الحر، حزب القوات اللبنانية وحزب الوطنيين الأحرار)، وتعد أحزاب الموارنة قريبة من فرنسا في التحالفات الدولية.بينما يمثل الشيعة حركة أمل وحزب الله، وهما أقرب في تحالفاتهما الدولية إلى إيران وسوريا. ويعد حزب الله هو الحزب الوحيد – بعد انتهاء الحرب الأهلية اللبنانية – المحتفظ بميليشياته العسكرية خارج إطار الجيش اللبناني.أما فيما يخص السُّنة فلم يعرف لهم وجود بأحزاب طائفية مثلما عرفتها الطوائف الأخرى، حتى عام 2005 بعدما شكل رئيس الوزراء الراحل رفيق الحريري تيار المستقبل ليكون معبّرًا عن الطائفة السنية، وهو الأقرب في تحالفاته الدولية إلى المملكة العربية السعودية.ويمثل الطائفة الدرزية حزبان رئيسيان هما الحزب الاشتراكي التقدمي، والحزب الديمقراطي الدرزي.وتنقسم التكتلات اللبنانية إلى تكتّليْن رئيسييْن، تيار 14 آذار (يضم تيار المستقبل، وحزب الكتائب، وحزب القوات اللبنانية، إلى جانب بعض القوى الإسلامية والمسيحية الأخرى)، وتيار 8 آذار (يتشكل من حركة أمل، وحزب الله، والتيار الوطني الحر). ويحظى تيار 14 آذار، في تحالفاته الدولية، بدعم سعودي مصري فرنسي، بينما يحظى تيار 8 آذار بدعم إيراني سوري.

الحياة السياسية

البرلمان اللبناني.

ومثلما انعكست التعددية الطائفية في لبنان على الأحزاب والتكتلات السياسية، فقد أثّرت أيضا على الحياة السياسية والانتخابية بلبنان منذ اللحظات الأولى للاستقلال، حيث يتم تولي المناصب التشريعية والتنفيذية في لبنان على أساس طائفي. ووفق ذلك النظام يكون رئيس الجمهورية من المسيحيين الموارنة، ويشغل رئاسة الوزراء مسلم سني، وتكون رئاسة مجلس النواب للمسلمين الشيعة، وذلك وفق الميثاق الوطني الصادر عام 1943 عقب استقلال لبنان.كما يتم توزيع مناصب مجلس النواب مناصفة بين المسلمين والمسيحيين، ويتم توزيع مقاعد كلّ من المسلمين والمسيحيين على حسب الوزن النسبي لكل طائفة داخل ذلك التقسيم، كما يتم مراعاة تمثيل المناطق وفق عدد سكانها، فعلى سبيل المثال:يتم حساب عدد سكان الدوائر الانتخابية في لبنان، وعلى أساس ذلك الحساب يتم تحديد عدد نواب كل منطقة ومن ثم يتم حساب عدد السكان من الطوائف. وعلى أساس ذلك العدد يتم تحديد عدد نواب كل طائفة داخل كل منطقة، مع مراعاة أن يكون نصف عدد النواب لكل منطقة من المسلمين والنصف الآخر من المسيحيين. ويجب على الناخب اللبناني أن ينتخب مرشحي كل الطوائف وفقًا للعدد المحدد مُسبقًا.ويعد النظام اللبناني نظامًا شبه رئاسي بداية من عام 1989، وفقًا لاتفاق الطائف الذي أنهى الحرب الأهلية اللبنانية، ويقوم المجلس التشريعي في لبنان بانتخاب رئيس الجمهورية بأغلبية الثلثيْن، ولا يجوز أن يتولى الرئيس سوى فترة رئاسية واحدة لمدة ست سنوات. كما يقوم المجلس التشريعي بإعطاء الثقة للحكومة التي يتم اختيارها وفقًا للمشاورات بين الكتل النيابية داخل المجلس.

أزمة الرئاسة

تعاني لبنان من حالة من الفراغ الرئاسي منذ ما يقرب من عام ونصف، عقب خروج الرئيس ميشال سليمان من قصر الرئاسة اللبناني، وتعد تلك الحالة من الفراغ هي الأطول منذ عام 1988. وأثرت تلك الحالة على باقي مؤسسات الدولة؛ فقد تحول مجلس الوزراء إلى مجلس رئاسي يدير شؤون البلاد، ويتطلب موافقة جميع أعضائه على أي قرار يصدره المجلس. كما تعطلت العديد من التعيينات مثل تعيينات القيادات الأمنية في الجيش وتعيينات السفراء، حيث أنها تُعد واحدة من مهام الرئيس.ويرجع فراغ المنصب الرئاسي اللبناني إلى عدم اتفاق الخصوم السياسيين في لبنان داخل البرلمان على مرشح بعينه. فخلال العام والنصف السابقيْن تم عقد 32 جلسة برلمانية من أجل انتخاب الرئيس، إلا أنه طوال تلك الفترة لم يصل نصاب الجلسات إلى الثلثيْْن، وهو النصاب المطلوب لانتخاب الرئيس من قبل المجلس.ويعود فراغ المنصب أيضًا إلى عدم توافق القوى الإقليمية حول مرشح ليكون رئيسًا للبنان؛ حيث لا تريد المملكة العربية السعودية – والقريبة من تيار 14 آذار – أن يأتي مرشحٌ للرئاسة يعارض رؤيتها وسياستها تجاه سوريا، وهو الموقف المعارض لإيران وحليفتها في لبنان، من خلال حزب الله وحركة أمل والذين يحملون مشروعًا مغايرًا تجاه الوضع في سوريا.

سيناريوهات الحل

سمير جعجع وميشال عون.

وفي سبيل الخروج من حالة الفراغ الرئاسي تلك، ظهرت العديد من المبادرات والسيناريوهات لحل الأزمة:فهناك مقترح صفقة تقاسم السلطة الذي عرضه سعد الحريري، رئيس تيار 14 آذار. وقد عرض الحريري أن يتولى الرئاسة سليمان فرنجية، عضو تيار 8 آذار، والمعروف بميوله تجاه الأسد وإيران، وأن يتولى هو [الحريري] رئاسة الوزراء، بعدما فشل مرشح تيار 14 آذار، سمير جعجع، ومرشح 8 آذار، ميشال عون في الوصول للمنصب؛ فتم اقتراح تلك الصيغة التوافقية من قبل الحريري، بعدما أدركت بعض القوى السنية خطورة الموقف وضرورة فك الارتباط بين القضية السورية والوضع اللبناني الداخلي.ولكن يبدو أن ذلك التوافق لم يدم طويلًا؛ ففي 21 يناير 2016 أعلن سمير جعجع رئيس حزب القوات اللبنانية وعضو تيار 14 آذار دعمه لترشيح ميشال عون، زعيم حزب التيار الوطني الحر و عضو تيار 8 آذار، مما أدى لحدوث العديد من الأزمات داخل تيار 14 آذار المُعلِن عن مقترح تقاسم السلطة والتي رشحت فيه تولي النائب سليمان فنرجييه رئاسة الجمهورية، كما انتقلت تلك الأزمة بطبيعة الحال إلى تيار 8 آذار والتي يمثلها المرشحان عون وفرنجييه.
لقد بتنا على قاب قوسين أو أدنى من الهاوية ، فصار لا بدّ من عملية إنقاذ، عملية إنقاذ غير اعتيادية، حيث لا يجرؤ الآخرون، ومهما كان ثمنها، نضع فيها كل إقدامنا وجرأتنا ونكراننا للذات.
وقال جعجع موضحًا موقفه من دعم العماد ميشال عون: {لقد بتنا على قاب قوسين أو أدنى من الهاوية ، فصار لابد من عملية إنقاذ، عملية إنقاذ غير اعتيادية، حيث لا يجرؤ الآخرون، ومهما كان ثمنها، نضع فيها كل إقدامنا وجرأتنا ونكراننا للذات}. حيث اعتبر جعجع أن دعمه للمرشح عون، قد يكون بمثابة طوق الخروج من تلك الأزمة وحالة الفراغ التي يمر بها لبنان. كما رأى ضرورة التفاف الفرقاء السياسيين حول ترشيح عون كخطوة للخروج من حالة الاحتقان والعداء بينهم.

جلسة 8 فبراير

jaaja-600×320
يرى البعض ضرورة إجراء بعض التعديلات في الدستور اللبناني للخروج من تلك الأزمة اللبنانية وحالة الفراع التي تعانيه، مثل أن يصبح حضور النواب إلزاميًا لجلسات انتخاب الرئيس، أو أن يصبح انتخاب الرئيس بشكل مباشر من الشعب مثلما ينتخبون المجلس؛ حتى يُصبح الشعب هو صاحب الكلمة في الانتخاب بعيدًا عن تلك الانقسامات بين القوى.الوضع في لبنان معقد للغاية وهناك الكثير من حسابات القوى الإقليمية حول الأزمة اللبنانية، ولكن يبقى المواطن اللبناني يدفع ثمن تلك الانقسامات، فتتردى الأوضاع الاقتصادية والسياسية في البلاد وتغيب المؤسسات السياسية عن أداء دورها. ويبقى السؤال: هل ستنجح لبنان في انتخاب رئيسٍ جديدٍ في الجلسة البرلمانية المنتظرة، في يوم 8 فبراير 2016، أم سيظل الوضع على ما هو عليه ويغيب ثلثا الأعضاء عن جلسة انتخاب الرئيس؟.
المراجع
  1. محمد صفي الدين خربوش، النظم السياسية العربية. كلية الاقتصاد والعلوم السياسية جامعة القاهرة، القاهرة، 2014، ص 101.