بلغ إجمالي ما واجهته مصر من عمليات عنف سياسي وتطرف منذ بداية يناير وحتى نهاية مارس 2015، أي خلال الربع الأول فقط من العام 2015، بلغت قرابة 1461 عملية بحسب تقرير نشرته مؤسسة “مؤشر الديموقراطية” وهو ما يعني في المتوسط وقوع عملية واحدة كل ساعة ونصف.

ومع رقم كبير مثل هذا مقارنة بالبداية الصغيرة يثور التساؤل حول أسباب هذه الطفرة ومآلاتها، وتوقعات مسارات ظواهر العنف المسلح خلال العام الثاني من حكم عبد الفتاح السيسي. ولا يمكن إجراء كل ذلك من دون رسم خريطة زمنية ﻷهم المحطات الفارقة خلال العام الماضي في هذا الملف. وهو ما نقوم به هنا:

تفجيرات الاتحادية 30 يونيو 2014

كانت التفجيرات في محيط قصر الاتحادية في بداية الحكم الرسمي لعبد الفتاح السيسي في يونيو 2014 ضربة قوية من جماعات العنف المسلح للدلالة على قدرتها على اختراق كافة التحصينات اﻷمنية والوصول لزرع عبوات ناسفة على أسوار القصر الرئاسي في مصر الجديدة.

ليس هذا فحسب، بل إن إعلان جماعة أجناد مصر الاستباقي من خلال صفحتها الرسمية على موقع تويتر للتواصل الاجتماعي، وتحذيرها للمواطنين من نجاحها في زرع ثلاث عبوات ناسفة في محيط قصر الاتحادية وإلغائها العملية في اللحظات اﻷخيرة نظرًا ﻷنها أيقنت في احتمالية وقوع ضحايا مدنيين من المارة أثناء تلك اللحظة! وإثر توارد النشطاء لهذا البيان أعلن مصدر من وزارة الداخلية لبعض وسائل الإعلام المصرية عن قيامهم بتمشيط المنطقة وأنه لا توجد أي عبوات ناسفة وأن هذا البيان ما هو إلا إثارة للشائعات ونشر الترويع بين المواطنين.

ولم تمضِ سوى أيام حتى قامت قوات الداخلية بمحاصرة أماكن العبوات الناسفة أخيرًا. وكانت الكارثة أن الضباط الذين كانوا يقومون بتفكيك العبوات الناسفة لم يتبعوا معايير السلامة، ولم يرتدوا أيًا من البدل المخصصة لمكافحة المفرقعات. فأودت عملية تفكيك عبوتين ناسفتين بحياة ضابطين هما العقيد أحمد عشماوي والمقدم أحمد لطفي من خبراء المفرقعات. وإصابة اللواء علاء عبد الظاهر مدير الإدارة العامة لمكافحة المفرقعات بوزارة الداخلية بالعاصمة القاهرة!

لحظة تفجير قصر الاتحادية

أكتوبر ونوفمبر 2014 (كرم القواديس وصولة اﻷنصار)

جاء الإصدار المرئي المثير للجدل “صولة الأنصار” الذي أطلقته جماعة أنصار بيت المقدس بعد أيام من إعلانها الولاء والبيعة لأبي بكر البغدادي كخليفة للتنظيم الذي يطلق على نفسه الدولة الإسلامية في العراق والشام. ليشكل طفرة كبيرة في أداء الجماعة وانتهاجها لتكتيكات العنف المسلح ضد اﻷجهزة اﻷمنية للدولة المصرية.

صولة الانصار أنصار بيت المقدس

فبعد اللجوء لتكتيك العبوات الناسفة وتفجيرها عن بعد، أو استهداف وقنص الجنود أو الضباط من مسافات كبيرة. كانت الطفرة في اللجوء لعملية عسكرية كاملة من هجوم على أحد الكمائن الحصينة التابعة للجيش المصري وهو كمين كرم القواديس في طريق العريش الدولي في 22 أكتوبر 2014.

وبدء الاستهداف بتفجير “انغماسي” كما يطلق عليه المنتمين للتنظيم في العراق وسوريا، أي تفجير انتحاري يقوم به أحد اﻷفراد عن طريق عربة نقل محملة بالمتفجرات. ثم الإغارة الشاملة عن طريق عناصر التنظيم على الكمين، ومطاردة الجنود والضباط الذين حاولوا اللواذ بالفرار. وكان من أكثر المشاهد إثارة للصدمة مشهد محاولة هروب دبابة الجيش من المهاجمين، ومطاردة اﻷخيرين لها. ثم اعتلاء بعض أفرادهم عليها رافعين العلم اﻷسود لتنظيم داعش!

مارس 2015 انعقاد مؤتمر المانحين الاقتصادي في شرم الشيخ

شكّل انعقاد المؤتمر الاقتصادي الدولي في مدينة شرم الشيخ جنوب سيناء تأكيدًا من الدولة على قدرتها على تأمين حدث دولي مثل ذلك، وإن لم يكن في شمال سيناء نفسها. وقد شهدت البلاد بأكملها حالة من التأهب اﻷمني القصوى. وخصوصًا مع تزايد بعض أعمال العنف ضد مؤسسات وشركات اقتصادية، وظهور مجموعات جديدة وإن كانت صغيرة تتبنى العنف المسلح مع بدايات يناير 2015.

السيسي في المؤتمر الاقتصادي

ظهرت مجموعات مثل العقاب الثوري والمقاومة الشعبية وتبنى كل منها العديد من أحداث العنف داخل المدن في كل من العاصمة وضواحيها القاهرة الكبرى، والفيوم والعديد من مدن ومحافظات الدلتا وبشكل أقل بكثير في بعض محافظات الصعيد.

ولم تستخدم تلك المجموعات كميات كبيرة من اﻷسلحة النارية في عملياتها المختلفة، بل على العكس لجأت لاستخدام قنابل المولوتوف وبعض بنادق الخرطوش والذي يجعل من تقييم أدائها أميل إلى كونه في المجمل أداء إثارة شغب أكثر من كونه أداءً إرهابيًا يتبنى مستوى متطورًا من العنف المسلح.

لكن في نفس الوقت فإن تلك المجموعات الجديدة استباحت ما لم تقم باستباحته الجماعات اﻷكثر تسليحًا مثل أنصار بيت المقدس وأجناد مصر. فقد وسعّت تلك المجموعات الصغيرة من دوائر الاستهداف، ولم تجعلها مقصورة على شن هجمات على المنتمين للأجهزة اﻷمنية للدولة المصرية فحسب، بل استهدفت العديد من محلات شركات الاتصالات، وبنوك مثل بنك الإمارات – مصر، وأبراج الكهرباء، بحجة أن هدفهم هو إفشال المؤتمر الاقتصادي. وإفساد مصالح رجال اﻷعمال الداعمين للنظام، والذين يصفونهم ب”داعمي الانقلاب”.

وهي اﻷعمال التي تنسب كثيرًا إلى جماعة الإخوان المسلمين خصوصًا مع تزايد اعتراف العديد من كوادر الجماعة لمثل هذه العمليات، ومدحهم والإشادة بها في تطور نوعي كبير شهدته الجماعة على مدار العام الماضي.

اغتيال زعيم أجناد مصر أبريل 2015

أعلنت وزارة الداخلية عن قيامها بمداهمة وتصفية زعيم جماعة أجناد مصر في منطقة الطالبية بمحافظة الجيزة في 5 أبريل 2015. وهي الإعلانات التي أصبح يتم التعامل معها من قبل الكثيرين بحذر أكبر، خصوصًا مع ثبات عدم صحتها في بعض اﻷحيان، وكان من أهمها إعلان مصادر في وزارة الداخلية قيامها بقتل شادي المنيعي أحد كوادر وقيادات جماعة أنصار بيت المقدس في سيناء وذلك في مايو 2014. وقامت الجماعة عقب ذلك بتكذيب الخبر عن طريق نشر صور لشادي المنيعي وهو يقرأ خبر وفاته على الحاسب الشخصي!

ولكن هذه المرة مع مرور أطول فترة من الوقت زادت عن شهرين متصلين لم تعلن فيهما جماعة أجناد مصر عن تبني أي عملية جديدة. كما أنها لم تسارع إلى إنكار خبر مقتل ما زعمت الداخلية من كونه زعيمها. كل هذه المؤشرات ترجح من صحة الخبر. ولكنها تثير مزيدًا من التساؤلات حول جدوى وصلاحية أسلوب وسياسة التصفية بدلًا من إعمال القانون ومحاسبة المخالفين في محاكمات عادلة.

إذ لطالما تبنت جماعة أجناد مصر في خطابها أسلوبًا ثوريًا، وأن ما تقوم به من عنف مسلح لم تلجأ إليه إلا بعد غلق النظام لكافة مساحات التعبير عن الرأي والتظاهر والاعتراض على ممارساته! وبالتالي فمع لجوء النظام إلى أسلوب التصفية معها بدلا من القبض وإعمال القانون يزيد من خطر جعل فرضياتها كنبوءة تحقق ذاتها!

الإعدامات العسكرية مايو 2015

شادي المنيعي

بعد أقل من 24 ساعة من مقتل 4 قضاة ومواطن كان يقود السيارة لهم في استهداف مسلحين لهم بمدينة العريش في سيناء. قامت السلطات المصرية في 17 مايو 2015 بتنفيذ حكم الإعدام بحق ستة من المواطنين الذين سبق وأدانتهم عن طريق محاكمة عسكرية في قضية معروفة إعلاميًا بمسمى قضية عرب شركس.

وأثار ذلك الإعدام جدلا كبيرا في توقيته المفاجئ والذي كرّس من انتهاج الدولة لأسلوب الثأر بدلا من ترسيخ القانون. كما لملابسات القضية أصلا، إذ أكدت العديد من المنظمات الحقوقية ومجموعات النشطاء والمحامين على أنه تم إلقاء القبض والاحتجاز التعسفي على ما لا يقل عن اثنين من الشباب الذين تم إعدامهم على ذمة قضية عرب شركس قبل واقعة المداهمة اﻷمنية لتلك المنطقة.

أي أنه تم إخفائهم قسريا بطريقة غير قانونية من قبل اﻷجهزة اﻷمنية قبل واقعة المداهمة التي تم الإدعاء في القضية على أنه تم القبض عليهم فيها!

الخلاصة

ما شهدته مصر في العام اﻷول من التنصيب الرسمي لعبد الفتاح السيسي رئيسا للجمهورية، كان على عكس توقعات كلا المعسكرين. فقد غابت احتمالات النصر المطلق لأحد الطرفين وإلحاقها الهزيمة الكاملة بالطرف الآخر. فلم تنجح الدولة في القضاء التام على جماعات العنف المسلح. وبالطبع لم تنجح اﻷخيرة في إلحاق الهزيمة الكبرى للنظام الحاكم، وطرد حاكميه من على رأس السلطة.

ويمكن استنباط العديد من الملامح المميزة في متابعات ملف مكافحة الإرهاب والعنف المسلح الحيوي على مدار عام كامل وهي زيادة انتشار وتوسع تلك الجماعات. وتوجه الدولة لتبني منطق الثأر في التعامل مع هذا الملف بالرغم من كونه يزيد من العواقب الوخيمة والمخاطر بدلا من الحد منها.

إضافة إلى توجه جماعة الإخوان المسلمين للمرة اﻷولى بعد شهور طويلة من تأكيدها على منهج السلمية، توجها إلى شرعنة بعض أعمال العنف المسلح ضد النظام، من خلال البيان الذي أقرت على ما يحويه وهو بيان نداء الكنانة في مايو 2015 الذي تم نسبه إلى مجموعة من العلماء الشرعيين على مستوى العالم من مناهضي النظام المصري الحالي عقب 3 يوليو 2013.

كل هذه الملامح والمؤشرات اﻷولية تميل إلى افتراضنا بكون العام القادم وهو الثاني من حكم السيسي عام أكثر زخما بالحوادث، ولن يتم فيه الحسم والقضاء على طرف كامل من أطراف النزاع سواء أنصار بيت المقدس التي تطلق على نفسها الآن ولاية سيناء أو الدولة المصرية بالطبع.

ولكن ستزيد مستويات حرب الاستنزاف التي بدأت منذ قرابة العامين بعد يوليو 2013. ويبقى الخطر اﻷكبر هو لجوء تلك الجماعات لاستباحة واستهداف جموع المواطنين المدنيين وإدخالهم في هذا الصراع المحموم على السلطة. وهو ما قد يهدد بسقوط عشرات الآلاف من المواطنين نظرا لكونهم الحلقة اﻷضعف في المعادلة.