محتوى مترجم
المصدر
Jacobin
التاريخ
2017/07/11
الكاتب
بير ليندر – أليكسي ساخنين

بعد حوالي خمس سنوات من الهدوء السياسي في روسيا، ظهرت حركة مناهضة للرئيس «فلاديمير بوتين» وحكومته الاستبدادية، وفي حين أن الموجة الكبيرة الأخيرة من الاحتجاجات في عامي 2011 و2012 كانت قد ضمت مجموعة كبيرة من الحركات السياسية التي طالبت بانتخابات نزيهة وحقوق ديموقراطية، إلا أن هذه الحركة الجديدة يهيمن عليها رجل واحد؛ هو اليميني الشعبوي «أليكسي نافالني».

حيث تم التخلص من قادة المعارضة الآخرين المعروفين بطرق مختلفة، فسُجن الزعيم اليساري المتطرف «سيرجي أودالستوف» منذ خمس سنوات، واغتيل الليبرالي البارز «بوريس نيمتسوف» عام 2015، ونُفي معارضون آخرون مثل «جيري كاسباروف»، و«إيليا بونوماريف».

ونجا نافالني من حملة شُنت لقمعه، واستمرت حملته السياسية بحرية نسبيًا، لكن السؤال هو هل سيُسمح له بمنافسة بوتين في الانتخابات الرئاسية المقبلة؟


من هو أليكسي نافالني؟

أليكسي نافالني

بعد ضمّ شبه جزيرة القرم إلى روسيا عام 2014، حصل بوتين على دفعة من الدعم الشعبي، والذي تراجع بعد ذلك، وأدى انخفاض سعر النفط، والعقوبات الغربية إلى تزايد المشاكل الاقتصادية مما سبب صعوبات يومية لمعظم المواطنين الروس.

وكانت نسبة المشاركة في الانتخابات البرلمانية السابقة قد انخفضت إلى مستوى قياسي، في إشارة إلى عدم ثقة الشعب في حزب بوتين «روسيا الموحدة» على الرغم من حصولهم على المركز الأول، لذلك يدرك بوتين أنه لن يتمكن من تحقيق هذا الانتصار المزدوج مرة أخرى. ولذا فإنه في عام 2018 سيحتاج لاستعادة شعبيته لتأمين دعم شعبي حقيقي ليستمر في الحكم في ظروف مستقرة.

والطريقة الوحيدة للقيام بذلك؛ هي هزيمة مرشح معارض حقيقي؛ شخص يمكن تقديمه في وسائل الإعلام التابعة للسلطة كعدو للشعب وأنه يشكل تهديدًا خارجيًا لروسيا، وأنسب شخص لذلك هو أليكسي نافالني.

كان لدى نافالني نشاط سابق في الحزب الليبرالي (الديموقراطي الروسي المتحد والمعروف بـ«يابلوكو»)، ولكنه أيضًا كان ذا نشاط يميني متطرف، وشارك بانتظام في الاحتفال الوطني السنوي «مارس الروسي» المعقود في موسكو، وقد أصدر سلسلة من التصريحات العنصرية حول المسلمين والشعب القوقازي والجمهوريات السوفيتية السابقة في آسيا الوسطى، والأسوأ من ذلك، إعرابه عن تأييده لأعمال الشغب في بريليوفو عام 2013، والتي هاجم فيها المجندون الروس المهاجرين في موسكو.

ويعتبر نافالني الأكثر شهرة، وذلك على الرغم من محاربته للفساد الصحفي، فقد قام – بمساعدة فريق من مناصريه – بنشر قصص مهمة عن النخبة السياسية الروسية، فبدأ أولًا بالنشر على مدونة خاصة، ويدير الآن قناة على موقع يوتيوب مع أكثر من مليون مشترك، وقد جذب أحد أفلامه الوثائقية الأخيرة – والذي يتهم رئيس الوزراء ديميتري ميدفيديف بأخذ الملايين من الرشاوى من نخبة الدولة- عشرات الملايين من المشاهدين على موقع يوتيوب، مما أدى إلى انخفاض شعبية الحكومة الروسية بنسبة تتراوح ما بين 10% و15%.

وقد أعلن نافالني اعتزامه الترشح للانتخابات الرئاسية العام المقبل. وعلى الرغم من محاولات السلطة لتشويهه وعرقلته، فقد بدأ في جمع التبرعات وفتح المكاتب في معظم المدن الكبرى، وجذب أكثر من ثلاثمائة ألف متطوع للتسجيل للعمل في الحملة.

وكان تقديمه مؤخرًا لبرنامج سياسي جرئ يناقش فيه الأمراض المجتمعية في الدولة، هو أحد الأسباب خلف شعبيته المتصاعدة، وخلط نافالني بين النيوليبرالية الاقتصادية والخطاب الوطني خلال الحركة الاحتجاجية عام 2012م، وكان غامضًا للغاية حول السياسات التي يتبناها، وأعلن عن معارضته لبوتين في قضايا «الهجرة غير الشرعية» والفساد، لكنه لم يفصح عن أي بديل واضح.

مؤخرًا بدأ نافالني التركيز على المشكلات التي تعاني منها الدولة، وبدأ يهاجم بعنف النخبة التي تسرق ثرواتها منذ عام 1990م، وأعلن تأييده لرفع الحد الأدنى للأجور، وزيادة المعاشات، وقال إن الرعاية الصحية والتعليم اللذين تأثرا بالخصخصة في السنوات الأخيرة يحتاجان لمزيد من الموارد.

ومن نواحٍ كثيرة، يمكن اعتبار نافالني النسخة الروسية لدونالد ترامب؛ فكما وعد ترامب بـ «تجفيف المستنقع» في واشنطن وإنقاذ الاقتصاد الأمريكي باستخدام فطنته في العمل، كذلك وعد نافالني بالتعامل مع البيروقراطية الروسية سيئة السمعة، والحد من تأثيرها على الدولة، وخلق رأسمالية بأداء أفضل، وألقى باللوم في أغلب المشاكل الروسية على «الهجرة غير الشرعية»، ولذلك يريد إقامة نظام للتأشيرات يحظر دخول المواطنين السوفييت السابقين من آسيا الوسطى، والعمال الفقراء الذين يأتون إلى روسيا بالملايين أملًا في حياة أفضل.

مثل ترامب، تبدو مناهضة نافالني للمؤسسات فقط صورة خارجية خادعة، حيث إن العديد من أولئك الذين يبرزون بجانبه كانوا أعضاء في الكرملين، أمثال النيوليبرالي اليميني فلاديمير ميلوف، نائب وزير الطاقة السابق في حكومة بوتين، والذي صمم البرنامج السياسي الاقتصادي لنافالني، وكان ميلوف قد انتقد بوتين، ولكن عند وقوع الاحتجاجات في عام 2012م حيث أصبح سيرجي أدالستوف الممثل للحراك اليساري الشعبي، أعلن ميلوف تأييده لبوتين بدلًا من أدالستوف.

ومن الشخصيات الأخرى وراء هذا المشهد، ليونيد فولكوف، وهو مدير حملة نافالني، والذي يعمل جاهدًا لإقناع النخبة والشركات الكبرى بأن نافالني لا يشكل أي تهديد لممتلكاتهم، على عكس أدالستوف الذي يتحدى بجدية قوتهم الاقتصادية.

وعلى وجه الخصوص؛ يتملق نافالني المواطنين الروس الذين سئموا احتكار بوتين للسلطة ويريدون أن يروا بديلًا، تمامًا كما هو الحال في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، حيث يوجد شقاق متزايد بين النخبة الروسية حيث النيوليبراليين الدوليين الذين يريدون مواصلة بيع المواد الخام الروسية كالنفط في السوق العالمية، والرأسماليين الصناعيين المحافظين الذين يعتمدون على السوق المحلي ويميلون أكثر لدعم سياسة حماية المنتجات الوطنية.


بداية العاصفة

روسيا، أليكسي نافالني

خلال انتخابات الولايات المتحدة العام الماضي، لم يُخفِ إعلام الكرملين دعمه لدونالد ترامب، وكان فوزه مرحبًا به منذ البداية في موسكو، لكن الآن يواجه بوتين تحديا من شبيه ترامب الروسي، وهو الرمز الذي يتبنى سياسة كارهة للأجانب، بينما يهاجم مجموعة من الحكام الذين يُعرفون بأنهم نخبة سياسية فاسدة.

لا يتذكر الشباب الروسي وجود حاكم لهم خلاف بوتين، لكن هذا لا يعني أنهم على استعداد لقبول الأمر، إنه نفس جيل الألفية الذي رفض دعم هيلاري كلينتون في الولايات المتحدة، وبدلًا من ذلك احتشد في حملة بيرني ساندرز، وعندما فازت كلينتون، تحول الفوز لدونالد ترامب.

لذلك؛ إذا كان لدى روسيا الآن نظير لدونالد ترامب، فهل هناك فرصة أن يظهر آخر لبيرني ساندرز؟

من المحتمل أن أدالستوف -والذي سيُطلق سراحه الشهر المقبل بعد قضاء خمس سنوات في السجن- هو المرشح الواضح، ولكن بما أن ليونيد رازفوزياف، زعيم اليسار المتطرف والذي أُطلق سراحه مؤخرًا بعد قضاء أربع سنوات ونصف في السجن، قد تلقى حظرًا من المشاركة في المظاهرات والفعاليات السياسية الأخرى لمدة عامين، فمن الممكن جدًا أن يُمنى أدالستوف بحظر مشابه.

وفي حين يبدو أن بوتين يستغل سلطته بشكل كامل، فإن فترة طويلة من الهدوء السياسي في روسيا شارفت على الانتهاء، ومن المرجح أن يتسم العام المقبل بصراع مثير على السلطة.