1999…

كان «جاك ما» يستخدم أكياس الثلج في الصيف لتبريد شقته الحارة في مدينة هانغتشو الصينية أثناء العمل على موقع علي بابا مع فريقه المكون من 19 صديقًا وشريكًا، كان تشغيل المكيف كفيلاً بقطع الكهرباء عن المكان، وكانت السلطات الصينية تحظر تشغيل المكيف في الموجات الحارة. ليس الحال هكذا الآن في المقر الرئيسي لشركة علي بابا في نفس المدينة، أو في مقراتها الثلاثة عشر الأخرى والتي تنتشر في أنحاء العالم.

الآن، يمكن لـ «جاك ما»، ثاني أغنى رجال الصين، الثالث والعشرين بين مليارديرات العالم، أن يستخدم المكيف كما يريد.


الإنترنت لأول مرة

«ما يون»، أو «جاك ما» كما يسميه أصدقاؤه الأمريكان لصعوبة نطق اسمه الصيني، لم يكن يعرف الإنترنت على الإطلاق. بعد أن ذهب لأمريكا أول مرة وشاهد هذا الشيء السحري، الإنترنت، لأول مرة في عام 1994، قضى وقته محاولاً أن يقتحم هذا المجال، والذي لم يكن للصين فيه أي شأن يذكر. أنشا جاك China Yellowpages، ربما أول موقع صيني على الشبكة العالمية. كانت الميزانية المتاحة 20 ألف دولار، وحقق الموقع أرباحًا بلغت 800 ألف دولار في ثلاثة أعوام من إنشاء صفحات ومواقع خاصة للشركات الصينية.

يقول جاك عن موقعه الأول: «اليوم الذي وصل لنا اتصال الإنترنت، قمت بدعوة أصدقائي وبعض العاملين بالتلفاز لمنزلي، كان الاتصال بطيئًا جدًا من خلال خط الهاتف، انتظرنا ثلاث ساعات ونصف قبل أن تقوم نصف صفحة ويب فقط بالظهور على الشاشة.. شربنا وشاهدنا التلفاز ولعبنا كثيرًا ليلتها، وكنت فخورًا جدًا، أثبت لهم أن الإنترنت موجود بالفعل».

لكن هذا لم يكون طموح جاك ما والذي عاد مع فريقه لمنزله الصيني بعد أن جاءت على باله فكرة، سينقل السوق المحلي الصيني من المتاجر لعالم الويب، الآن قد ولد علي بابا.

قبل البداية، كنت أفكر في كيف أن الإنترنت عالمي، ولهذا يجب أن يكون اسمنا عالميًا ومثيرًا للاهتمام. في ذلك الوقت كان أفضل اسم هو ياهو!، فجأة جاء على بالي «علي بابا» وكان اسمًا جيدًا. كنت في سان فرانسيكو هذا اليوم. سألت نادلة المقهى: «هل تعرفين علي بابا؟»، قالت: «افتح يا سمسم»، خرجت في الشارع وسألت حوالي 20 شخصًا، كلهم أجابوا بأنهم يعرفون علي بابا، قررت أنه اسم جيد، كما أنه يبدأ بحرف «A»، دائمًا على القمة.
«جاك» ما مؤسس علي بابافي حوار لبلومبرج

أراد جاك القمة، وأمس، بعد ثمان سنوات من البداية، بلغت حركة المبيعات على مجموعة مواقع علي بابا 25.4 مليار دولار من المنتجات، متخطية وبفارق ضخم المبيعات الأمريكية في الأعياد كعيد الشكر ويوم الجمعة الأسود، وذلك في يوم العزاب الصيني، حيث يحتفل العزاب الصينيون بوحدتهم فيقومون بشراء الهدايا لأنفسهم، وحوّل علي بابا اليوم لاحتفالية عملاقة تقدم فيها العروض والخصومات على كل المنتجات. لم يصل علي بابا لهذا بسهولة، ظل أول ثلاثة أعوام بدون أرباح حتى أن جاك كان لا يستطيع دفع فاتورة المطعم، في يوم ما دفعت الفاتورة وكان من دفعها أحد أصحاب الشركات التي تستخدم علي بابا لتسويق منتجاتها، قال له صاحب الشركة: «أنا أربح كثيرًا من علي بابا، وأعلم أنك لا تحقق أرباحًا حتى الآن، لذلك أردت أن أشكرك». كيف بدأت علي بابا بجني المليارات وبناء النهضة العملاقة إذن؟.


السيطرة

كان جاك ما يعمل محاضرًا للغة الإنجليزية قبل تأسيسه موقع علي بابا، قبل ذلك قدم في أكثر من 30 وظيفة ورفض فيهم جميعًا، كما قدم في جامعة هارفرد 10 مرات ورفض فيهم أيضًا.

الآن يعمل في مجموعة علي بابا حوالي 36 ألف موظف، كما خلق الموقع أكثر من 14 مليون وظيفة في الصين بشكل غير مباشر. إلا أن أثر علي بابا على الاقتصاد الصيني لم يكن فقط بسبب الوظائف التي خلقتها، والمبيعات التي حققها التجار من خلال الموقع، فبعد 3 سنوات من البداية ومع انعدام الأرباح بسبب عدم دعم البنوك الصينية للشراء الإلكتروني المباشر، ورفضهم التعاون مع جاك، قرر جاك أن ينشئ بنكًا إلكترونيًا يشبه الباي بال، وأطلق عليه علي باي Alipay، والتي تحولت Ant Financial. انطلقت الشركة بشكل خرافي وتجاوزت الباي بال لتصبح أكبر منصة دفع إلكتروني على مستوى العالم في 2013، وتخدم أكثر من 800 مليون مستخدم.

أحد مقرات الشركة

لم تسلم علي بابا من المؤمرات عليها؛ كونها شركة تنطلق بقوة من جنوب شرق آسيا محاولة السيطرة على الأسواق الإلكترونية على مستوى العالم، ربما لهذا قامت منافستها الرئيسية Ebay بمحاولة يائسة لمنع بيل كلينتون الرئيس الأمريكي السابق من إلقاء خطاب في المؤتمر السنوي للشركة، فأرسلوا لمكتبه معلومات عن سلع غير مشروعة تعرض على موقع علي بابا، كالسلاح، واليورانيوم المشع، وأدوات للتزوير والتنصت، حسب CNN. لم يؤثر هذا على قرار كلينتون. ولجاك ما العديد من الجلسات والنقاشات مع رؤساء أمريكا؛ كلينتون وأوباما وأخيرًا ترامب.

مع التطور والسيطرة التي تحققها علي باي على السوق الصيني وجزء من السوق العالمي، وصلت علي بابا للشركة رقم 63 على مستوى العالم، بدخل بلغ 23 مليار دولار في 2017. بلغت حركة الأموال على علي باي في الربع الأخير من 2016 حوالي 54% من حجم المال المتدفق في السوق الإلكتروني الصيني والبالغ 5.5 ترليون دولار، وهو الأضخم في العالم. تصل قيمة علي بابا السوقية الآن حوالي 264.9 مليار دولار، وتتكون من مجموعة من الشركات العملاقة، متجر علي بابا، Tmall، منصة الدفع الإلكتروني Alipay، ومنصة الخدمات السحابية والحوسبية Alibaba Cloud Computing و AliExpress.com.


25 مليار دولار في يوم واحد

علي بابا، علي اكسبريس، يوم العزاب الصيني

يمثل يوم العزاب تحديًا خاصًا أمام الشركة، حيث إنها هي من قامت بتحويل لمهرجان استهلاكي وطني، خصوصًا مع تاريخه 11/11 حيث يرمز رقم واحد للوحدة، وتستهدف الشركة في هذا اليوم لتحقيق أكبر قدر ممكن من حركة المبيعات، وهو ما تنجح فيه كل عام بالفعل. هذا العام بلغت حركة المبيعات 25.4 مليار دولار، مقارنة بـ 17.8 مليار دولار في 2016 و 14 مليار دولار في 2015.

أنشأت علي بابا أكثر من 1000 متجر مؤقت خاص بالمناسبة، يحتوي كل متجر على محاكاة لمنزل كامل يحتوي الكثير من السلع والتقنيات المختلفة التي يمكن أن يجربها العميل قبل أن يقرر شراءها مباشرة من موقع علي بابا بعد مسح QR code خاص على السلعة يفتح صفحتها على المتجر مباشرة. بلغت مبيعات الأمس 812 مليون عملية، حوالي 1.5 مليار تحويل مالي على علي باي، حققت أعلى ستة متاجر دخلاً بلغ 150 مليون دولار لكل منهم. أول نصف ساعة فقط حققت حركة مبيعات بلغت 7 مليارات دولار، ولا نتحدث هنا عن كل ما تم بيعه في العروض السابقة المتعلقة بالحدث لكن كانت قبل اليوم نفسه.

عام 2000، كان جاك يلقي محاضرة بمؤتمر في برلين وكانت علي بابا ما زالت جديدة وصغيرة، لم يحضر المحاضرة سوى 3 فقط رغم أن القاعة تسع 500 فرد. بعدها بست سنوات، كان جيف بيزوس في قائمة الحضور لمحاضرة لجاك، وكان يسجل الملاحظات على كلام جاك بتركيز. نال جاك في مسيرته نحو القمة الكثير من الجوائز والتقديرات الصينية والعالمية.

يريد الآن جاك ما -والذي يملك الآن أقل من 10% من شركته- أن يصل لأكثر من 2 مليار عميل؛ ثلث سكان الكوكب، وأن يصبح نشاطه منتشرًا في جميع أنحاء العالم، وهو ما يبدو أنه في طريقه لتحقيقه وبقوة. حسنًا، فلننتظر الوحش الصيني القادم.