ماذا لو اجتمع كل البشر في مكانٍ واحدٍ على الأرض؟ ماذا لو تجمّدت كل الأنهار فجأة؟ ماذا لو اختلّت فجأة كل قواعد الفيزياء التي تحكم الكون؟ | «ماذا لو #WhatIf» | سلسلة من المقالات التي يجيب فيها «راندل مونرو»، فيزيائي أمريكي على بعض الأسئلة الفيزيائية الغريبة، ويشرح الاحتمالات الخيالية المصاحبة لبعض الفرضيّات العلمية المستحيلة، والتي يرسلها له القراء.


هذا السؤال من أكثر الأسئلة التي سُئلت في هذه السلسلة، وقد تمت الإجابة عنه سابقًا في أماكن أخرى بشكلٍ يتناول الطاقة الحركية وأثر القفزة على الكوكب، لكن لم يحكِ أحدٌ من قبل القصة الكاملة شديدة البؤس.

ولهذا، سنلقي سويًّا نظرةً أكثر دقة على المشهد.

في البداية، سنفترض أن قوةً سحريةً ما أصبحت قادرةً على نقل كل سكان كوكب الأرض لمنطقةٍ واحدة. سيتكمن كل البشر حينها من التجمع في مساحةٍ تبلغ 4000 كيلومترًا مربعًا تقريبًا؛ نفس مساحة الولاية الأمريكية جزيرة رود، لذلك فسنحكي قصتنا بافتراض أنهم اجتمعوا هناك بالفعل.

ثم، في لحظةٍ واحدة، ومع شروق الشمس كعلامة، قفز الجميع في الهواء ثم هبطوا.
ماذا سيحدث لكوكب الأرض؟

يجب أن نعرف أولاً أن كتلة كوكب الأرض تفوق كتلة البشر مجتمعين بأكثر من ألف مليار ضعف، ولو قدّرنا أن الجميعَ قفزوا لمسافة نصف مترٍ وهبطوا؛ فإن القوة التي سيصدمون بها الكوكب لن تحركه لأكثر من سمك ذرة، كما أنها ستكون موزعةً على مساحةٍ كبيرة؛ ولذلك فكل ما ستتركه القفزة فعليًّا هو أثر أقدامهم على الرمال. كما أن القفزة سينتج عنها صوتٌ هادرٌ سيستمر لثوانٍ معدودة. ثم بعد ذلك، لا شيء.

هذا بشأن القفزة نفسها، لكن هل يمكن بالفعل أن يجتمع كل البشر في مكان واحد؟ وماذا سيحدث حينئذ؟

بعد القفز سيقرر أحدهم أن ينظر في هاتفه ليجد أنه لا توجد شبكة، ثم تليه الست مليارات من البشر؛ فالمنطقة المجتمعين فيها لن يكفيها أيّ عددٍ من أبراج التقوية لإمداد المكان بشبكة هاتف، وفي خارج الجزيرة ستبدأ الآليات العملاقة المهجورة في المصانع والسدود ومولدات الطاقة في التوقف التام عن العمل؛ مسبّبةً شللًا لكل الكوكب. دقت الساعة، وبدأت حضارة الأرض في الانهيار.

سيحاول البشر العودة لمنازلهم.

ماذا لو؟

في مطار جزيرة رود – والذي تبلغ سعته بضعة آلافٍ من المسافرين يوميًّا – وبافتراض أنهم عملوا بشكلٍ منظّمٍ تمامًا وبدون حدوث مشاكل، وبافتراض توفر الوقود الكافي للطائرات؛ سيحتاجون للعمل بخمسة أضعاف قدرته ولأكثر من مئة عامٍ دون أن يستطيعوا نقل ولو جزءٍ بسيطٍ من هذا العدد من الركاب. كما أن الأمر سيظل كما هو حتى لو شاركت باقي المطارات القريبة في المهمة المستحيلة، سيلجأ حينها المليارات لاعتلاء القطارات وسفن الشحن العملاقة للهرب والعودة لبلادهم، لكن ستظهر حينئذ مشكلة أخرى:

كيف يمكن توفير الغذاء والمياة العذبة لستة مليار مواطنٍ في وقتٍ ضيقٍ ومكانٍ محدد؟ وكيف يمكن إمداد السفن بالمستلزمات اللازمة لرحلةٍ طويلة وهي تحمل آلاف البشر العاطلين عن العمل؟

سيبدأ المسافرون في الموت!

ماذا لو؟

على أرض الجزيرة، ستحدث أكبر أزمةٍ مروريةٍ في التاريخ؛ فالجزيرة التي تستوعب ربما نصف مليون سيارة، سيحاول أصحابها الخروج بها من الجزيرة بعد إتمام القفزة. لكن، ازدحام الجزيرة بستة مليار مواطنٍ سيجعل المهمة مستحيلة. وإن قدر أحدهم على الخروج بالفعل سيتمكن من الانطلاق بسيارته في باقي أنحاء القارة وربما الكوكب، والذي سيكون مهجورًا وقتها، ولن تقيّده حينئذ قواعد المرور، هذا أيضا بافتراض تمكّنه من توفير الوقود والغذاء اللازم لرحلةٍ طويلةٍ كتلك. لكن وفي عدم وجود نظام، يمكنه ببساطة سرقة الوقود والطعام أو حتى إبدال سيارته بأي سيارةٍ فارغة، عالقٌ صاحبها في زحام جزيرة رود.

بعد فترةٍ ليست بالقصيرة، سيصبح هذا الجمع منتشرًا في الأنحاء حول الجزيرة، وبسبب التنوع الشديد سيكون احتمال وجود لغة تواصلٍ مشتركة بين أي فردين احتمالًا واهيًا، كما أن الأغلبية لن تكون على درايةٍ بجغرافية المنطقة، في عدم وجود شبكة وطاقة لربطهم بالإنترنت أيضًا سيكون الوضع شديد الفوضوية والعنف، وسيكون الجميع جائعين وعطشى، ستُنهب كل محلات الأطعمة، كما أن نظام توزيع المياة العذبة سيتعطّل سريعًا عن العمل وسيبدأ الناس في الاقتتال على لقمة خبزٍ ورشفة ماء.

خلال أسابيع، ستصبح جزيرة رود والمنطقة المحيطة بها مقبرةً جماعيةً للمليارات من البشر.

سيتبقى بالتأكيد بعض البشر الناجين، والذين سينتشرون وقتها بسهولةٍ في أنحاء الكوكب؛ بسبب انعدام المنافسة وكفاية الموارد القليلة المتبقية لعددهم، سيحاولون بداية حضارة جديدة على أنقاض الحضارة المتهدمة بسبب هجرهم لها، وستبدأ البشرية في الانطلاق مرةً أخرى بعد أن فقدت الكثير من قوتها وعددها.

خسر البشر الكثير بسبب تجمعهم في مكانٍ واحد، ولم يتأثر كوكب الأرض بالقفزة، وسيظل يدور حول نفسه ومداره بنفس السرعة كما لو كنا لم نقفز؛ لكن على الأقل، تأكدت البشرية بأنها أضعف مما تعتقد.

المراجع
  1. Everybody Jump