تمر الأرض الآن بالانقراض الجماعي الكبير السادس sixth mass extinction في تاريخها، وذلك بسبب وجود الإنسان، والذي ربما سيكون أول المتأثّرين، والمنقرضين. كانت هذه هي نتيجة للبحث الذي عمل عليه مجموعة من العلماء من جامعات عالمية مختلفة. فالدراسة التي أصدرها فريق بحثي من جامعات ستانفورد Stanford University وبرنستون Princeton University وبركلي University of California, Berkeley وفلوريدا University of Florida والجامعة الوطنية المستقلة بالمكسيك Universidad Nacional Autónoma de México، تأتي بتلك الأخبار السيئة، وتؤكدها. كما تطلق نداء للجميع للمشاركة في محاولة الحفاظ على الأنواع المهددة بالانقراض، والحد من تأثير البشر على البيئة. فالفرصة المتاحة لعكس الوضع الحالي وإيقاف الانقراض ما زالت قائمة، وإن كانت ضعيفة للغاية، وتحتاج تحركا سريعا لاستغلالها.

(بول إيرلخ من الفريق البحثي متكلما عن النتائج)

فـعلى الرغم من الأثر السيء لنشاط الإنسان على البيئة، خصوصا بعد الثورة الصناعية، واستخدامه للمحروقات في توليد الطاقة، وتسببه في انقراض العديد من الأنواع، لم يتوقع العلماء من قبل أن يكون هذا الأثر من الشدة ليسبب انقراضا كبيرا يماثل انقراض الديناصورات كمثال. لكن جاءت الدراسة، لتثبت عكس هذا التوقع. يقول الفريق في البحث المنشور أن معدلات الانقراض الآن، مع أفضل الاحتمالات الممكنة، أكثر مئة ضعف من متوسط معدلات الانقراض في فترات الكوكب المزدهرة، بعيدا عن أحداث الانقراض الكبرى السابقة. ويقول جيراردو سيبالوس Gerardo Ceballos عضو الفريق والعالم بمعهد البيئة بجامعة المكسيك الوطنية المستقلة:

||لو سمح لهذا الانقراض بأن يستمر، ستحتاج الحياة ملايين السنوات حتى تتعافى من أثره، ومن المرجح أيضا أن يكون نوعنا، البشر، من أوائل المنقرضين||


هل تلك النتائج دقيقة؟

اتبع فريق العمل آليات شديدة الحرص لحساب ومقارنة معدلات الانقراض الحالية والقديمة. فباستخدام السجلات الأحفورية، وسجلات تحليلية متعددة تصف انقراض الأنواع المختلفة حاليا، وجد الفريق أن معدلات الانقراض القديمة هي ضعف ما يعتقده العلماء عموما، ثم قاموا بمقارنتها بأكثر المعدلات الحالية تفاؤلا على الإطلاق، وذلك محاولة للوصول لنتيجة مؤكدة لا غبار عليها.

ويقول الفريق:

حاولنا أن نتأكد من أن حساباتنا ستقلل بأكبر قدر ممكن من شدة حدث الانقراض الحالي، وذلك لأن هدفنا هو تحليل التأثير الحقيقي للبشر على التنوع البيولوجي دون مبالغة

وبدراسة الفقاريات خصوصا، يقول الفريق أنه منذ العام 1900 انقرض حوالي 400 نوع أو أكثر من الفقاريات، وبالمعدلات الطبيعية يحتاج هذا العدد لأكثر من 10 آلاف عام لينقرض. وهنا تظهر المشكلة، فهذا المعدل يكاد يكون مماثلا لمعدل انقراض الديناصورات منذ حوالي 65 مليون عام بسبب ارتطام كويكب بالأرض، أي يمكن القول أن تأثير البشر الضار على البيئة مماثل لتأثير ارتطام كويكب. وتتوافق النتائج مع بحث ستيوارت بيم Stuart Pimm عالم الأحياء والمتخصص في الانقراض بجامعة ديوك Duke University والذي نشره العام السابق. إلا أن ستيوارت يقول أن معدلات الانقراض الحالية تبلغ ألف ضعف المعدلات الطبيعية.


البشر هم الكويكب الذي سيسبب الانقراض

وزيادة أعداد البشر ونشاطاتهم تلقي بظلال كئيبة على باقي الكائنات الحية، وذلك لأن تأثير الإنسان ممتد على نطاق واسع. فيد الإنسان دائما ما تطال البيئات الطبيعية لحياة باقي الأنواع فتأتي عليها. فالإنسان يزيل الغابات وذلك لاستخدام أشجارها العملاقة في الصناعة والبناء، ثم يقوم باستصلاح أراضيها للزراعة، مدمرا البيئة الطبيعية المتوافقة مع الأنواع المقيمة بها. كما يقوم بإدخال أنواع غازيَة غير متناسبة مع البيئة تقوم بالتأثير سلبا على الأنواع الأصلية أو تُدمر البيئة العائلة. ويُضاف لذلك إطلاق الإنسان لسمومه، من ثاني أكسيد الكربون أو المخلفات العضوية والصناعية على البيئة، مسببا اختلال في خصائص الغلاف الجوي وتغير المناخ، وزيادة حموضة المحيطات، وتسمم النظم البيئية الطبيعية. وكل هذا يؤثر سلبا على جميع الكائنات الحية.

إزالة الغابات في الهند

مستقبل مرعب

يقول بول إرليخ Paul Ehrlich عضو الفريق والعالم بقسم الأحياء بجامعة ستانفورد: “هناك أمثلة كثيرة من الأنواع الحالية في مختلف أنحاء الأرض يمكن وصفها بالموتى الأحياء”. فشبح الانقراض يخيم على 41% من البرمائيات، و 26% من كل الثدييات. وحسب تصريح الاتحاد الدولي للحفاظ على الطبيعة (The International Union for Conservation of Nature IUCN)، كل عام يضاف أكثر من 50 نوعا لقائمة الأنواع المعرضة للانقراض. والأثر المباشر لهذا الانقراض سيشعر به الإنسان بعد ثلاثة أجيال مع الانقراض المتوقع للنحل، الحشرة الأهم للإنسان، وذلك لدورها الرئيسي في تلقيح وتكاثر النباتات، مما يعني تدهور سريع ومؤكد في الامتدادات الغذائية لمليارات من البشر.

أهم الحيوانات المعرضة للانقراض: نمر الشمال، غوريلا النهر، السلحفاه البحرية صقرية المنقار، وحيد القرن الأسود

انقراضات سابقة

أثناء تهيئة الأرض لاستقبال الحياة، ثم تطور الحياة بعد ذلك، واجهت الأرض خمسة أحداث انقراض جماعية كبرى، والعديد من الانقراضات البسيطة. وأول حدث هو كارثة التأكسج Oxygen Catastrophe، حيث أدى ظهور الأكسجين في الغلاف الجوي إلى انقراض أغلب أنواع البكتريا اللاهوائية التي كانت تسود الأرض وقتها. وأيضا انتهى العصر الكامبري منذ 488 مليون عام بحدث انقراضي كبير يسمى حدث الانقراض الكمبري-الأوردوفيشي Cambrian–Ordovician extinction event والذي أدى لانقراض العديد من الشعب البدائية التي كانت مسيطرة على الأرض وقتها. وقرب نهاية حقبة الحياة القديمة حدث الانقراض البرمي الترياسي Permian–Triassic extinction event، والذي يطلق عليه الموت العظيم. وقضى هذا الانقراض على 90% من الكائنات البحرية، و 70% من الفقاريات، و57% من عائلات الحشرات. واحتاجت الحياة لأكثر من 10 ملايين عام تالية لتستعيد عافيتها مرة أخرى. وانقرضت الديناصورات فيما يعرف بـانقراض العصر الطباشيري-الثلاثي Cretaceous–Tertiary (K–T) extinction والذي تقول أقوى النظريات المفسرة له أن السبب هو ارتطام كويكب أو نيزك بكوكب الأرض، فقضى على حوالي 75% من الحياة على سطحه. (طالع: تاريخ الأرض.. تهيئة الكوكب وتطور الحياة)

الديناصورات


إنقاذ ما يمكن إنقاذه

يقول بول إرليخ عضو الفريق:
تجنب حدوث الانقراض السادس يحتاج تدخل سريع، ومجهودات مركزة، للحفاظ على الأنواع المعرضة للانقراض، وإزالة الضغوط التي تتعرض لها، وخصوصا المتعلق بأماكن توطنها، والتوقف عن استغلالها لتحقيق مكاسب اقتصادية، وأيضا الحفاظ على المناخ

ويأمل فريق العلماء بعد نشر البحث أن تهتم الحكومات والأفراد والكيانات الاقتصادية بتلك النتائج، وأن يقوموا بأي رد فعل سريع يهدف للحفاظ على ما تبقى من التوازن البيئي الطبيعة، ومحاولة إصلاح الأمور قبل فوات الأوان.

المراجع
  1. 1
  2. 2