هنموت من الحر

هذا التعبير المجازي الدارج على ألسنتنا جميعًا، كناية عن شدة الحر، قد يتحول إلى تعبير حقيقي لدى الملايين، خاصة مع تصاعد ظاهرة الاحترار العالمي Global warming نتيجة التدهور البيئي .. الخ، مما يجعل ارتفاع الحرارة في كل عام أكثر من سابقه. والمنطقة العربية عمومًا تتصف بالحرارة الشديدة طوال شهور الصيف، خاصة يوليو وأغسطس، وتتضاعف أهمية التحذير من ارتفاع الحرارة في أوقات الموجات الحارة المتفاقمة كالتي تمر بها مصر هذه الأيام، ويتوقع استمرارها لفترات من شهر أغسطس/آب و سبتمبر/أيلول المقبلين.


مضاعفات الحرّ بين تهوين وتهويل

قد يرى البعض أن هذا التقرير يندرج تحت بند تهويلات الأطباء في نصائحهم، وفي سياق الفكرة السائدة لدى الكثيرين عن وسوستهم، والتي توحي أنهم لو استطاعوا منعك من الأكل والشرب والتنفس، ووضعك في سرداب نقي تحت الأرض إلى يوم الدين لفعلوا ! وقد يحتج هؤلاء بأن الملايين يتعرضون للحر كل عام، ويمارسون حياتهم بشكل طبيعي، ويتنزَّهون، ويصطافون، ويعملون في الصحاري المكشوفة، كما في المكاتب المغلقة. لا شك أن تلك الفكرة خطأ وخطيرة للأسباب التالية:

  • لا يجوز تعميم الاستثناءات، واعتبارها قواعد.
  • من مَأمَنِهِ يُؤتى الحَذِر .. فاعتيادنا على حر الصيف في خلفية حياتنا، قد يخدعنا، ويعرضنا لأخطاره الجسيمة.
  • الأطباء أكثر احتكاكًا بالمضاعفات، والحالات الطارئة. وما قد يبدو لغيرهم مبالغة، قد يكون سببه الفارق في الاطلاع على حجم المشكلة.
  • من يبدو أمامك طبيعيًا، قد لا يكون كذلك بالفعل، وقد يكون الفاصل بينه وبين كارثة صحية دقائق أو ساعات، ولم تبدأْ إرهاصاتها بعد.
  • بالتأكيد لا يستوي في خطورة الإهمال الصحي في قصة الحر، شاب يافع، صحيح البنية، حسن التغذية، وعجوز مصاب بأمراضٍ مزمنة كالسكر والضغط والكلى .. الخ، فالأخير احتمالات حدوث المضاعفات معه عدة أضعاف الأول. لكن لا يقلل هذا بتاتا من أهمية الوعي الصحي لدى الشاب، وألا يترك نفسه لاحتمال خطورة شديدة ولو كانت أقل من ١٪.

التعامل الأمثل مع الحر الشديد:

لا يفل الحرارة إلا الماء

سنبدأ أولًا بما ينبغي فعله لتجنب مشاكل الحر، ثم ننتقل إلى أخطر ما يمكن حدوثه إذا لم يتم الالتزام بهذه التعليمات.

  • تجنب التعرض لضوء الشمس المباشر قدر الإمكان.
  • تجنب القيام بأي مجهود بدني – ما أمكن – في أوقات ذروة الحرارة. حتى المشي لمسافة متوسطة قد يمثل خطورة على بعض أصحاب الأمراض المزمنة، لذا فكلما جعلت أنشطتك مساءً .. كان أفضل.
  • دائما احتفظ بزجاجة مياه باردة – ليست شديدة البرودة – في حقيبتك أثناء الحركة نهارًا، لإرواء نفسك أولًأ بأول.
  • تبريد الجسم برش بعض الماء على الرأس والوجه خاصة.
  • ارتداء الملابس القطنية الخفيفة، خاصة الألوان الفاتحة والأبيض.
  • توصي الأكاديمية الأمريكية للأمراض الجلدية بوضع كريمات الحماية من الشمس sunscreen على أجزاء الجسم غير المغطاة بالملابس. وأفضل الأنواع هي واسعة المدى ضد الأشعة فوق البنفسجية بنوعيها UVA و UVB، والمقاومة للماء، والتي تقدم معدل حماية SPF 30 على الأقل (يحجب على الأقل 93% من الأشعة الضارة عن الجسم). هذه الكريمات تقي خصيصًا من حدوث سرطانات الجلد، ولسعات الشمس للجلد sunburn، لكنها كذلك قد تساهم في تقليل حدوث ضربات الشمس.
  • تتضاعف أهمية التعليمات السابقة، ويتوجب الالتزام الحرفي الكامل بها لدى مرضى السكر والضغط والقلب والكلى وجلطات المخ خاصةً، وكل كبار السن فوق الخمسين، والأطفال بشكل عام.

أهم المخاطر الصحية للموجات الحارة على الإنسان:

مشاكل الحر الشديد، وضوء الشمس المباشر لا حصر لها، وتتباين كثيرًا في مدى خطورتها، ومدى تأثير الحر كسبب مباشر على حدوثها. فمثلا .. بعض أنواع تسمم الأطعمة تزداد في الصيف الذي يزيد نشاط الكثير من البكتيريا. وهناك مشاكل جلدية والتهابات تحدث نتيجة تراكم العرق الشديد، وهناك أنواع من السرطانات الخبيثة الجلدية قد يسبب التعرض الدائم لضوء الشمس مثل الميلانوما Melanoma وسرطان الخلية المفلطحة SCC…..الخ. لكن ما يعنينا هنا هو المشاكل المباشرة التي قد تمثل خطورة حقيقية على الحياة خلال ساعات قليلة، وأهمها ضربات الشمس، وجلطات الدم.

ضربات الشمس Heat stroke:

ضربات الشمس أشهر المضاعفات الشديدة للتعرض للحر وضوء الشمس اللافح (يتشابه في الخطورة من يعملون في أماكن داخلية شديدة الحرارة كعمال الأفران مثلًا ). وهذه أهم عوامل الخطر التي تزيد احتمالية حدوثها وشدتها:

  • كبر سن الإنسان، خاصة المصابين بأمراض عقلية تؤثر على الوعي والاستيعاب كخَرَف الشيخوخة dementia.
  • زيادة مدة التعرض للحر الشديد، وحدوث العرق الغزير. كالعمال في الأماكن المكشوفة كالصحراء، أو الجنود في الطوابير والتشكيلات الثابتة والمتحركة في أوقات القيظ.
  • عدم شرب الماء بكمية وافرة، خاصة لو كان الشخص قريبًا من الجفاف.
  • شرب الكحوليات التي ترفع درجة الحرارة.
  • بعض الأدوية مثل الجرعات الزائدة من مدرات البول، وكذلك بعض المخدرات كالأمفيتامينات.

وأهم أعراضها: ( ارتفاع الحرارة > 40 درجة – احمرار وسخونة شديدة بالجلد – اضطراب في درجة الوعي – صداع شديد – تسارع في النبض ومعدل التنفس ).

التأخر يعرض الشخص لمضاعفات كارثية من أشهرها تحلل عام للعضلات والفشل الكلوي وتورم المخ واضطراب شديد في درجة الوعي والغيبوبة العميقة وربما الوفاة.

و التعامل الأولي مع الحالة يتضمن تبريد الجسم بأسرع ما يمكن، وذلك بخلع الملابس، والنقل إلى غرفة مكيفة أو حتى إلى الظل، وغمر الجسم بالماء البارد أو الثلج. ثم النقل إلى الطوارئ.

في المستشفى سيُسْتَكمل تبريد الجسم ( باستخدام بطانيات مبردة يُلَف بها الجسم، وكذلك وضع كمادات مثلجة تحت الإبط، وأعلى الفخذ، والرأس، والرقبة .. الخ ). مع عمل تحاليل عاجلة وأشعات للاطمئنان على أجهزة الجسم الحيوية، ويتم كذلك إعطاء المحاليل الوريدية بكثافة للحفاظ على الدورة الدموية، وعلاج الجفاف القاتل.

موسم الجلطات:

يمثلُ الصيف الحار مناخًا ملائمًا لحدوث جلطات الدم ( أشهرها جلطات شرايين المخ والقلب والأمعاء الدقيقة )، وتزداد الخطورة مع الموجات شديدة الحرارة، وكلمة السر هي الجفاف.

يؤدي العرق الغزير المصاحب للتعرض للحرارة الشديدة، إلى فقدان الجسم والدورة الدموية للكثير من السوائل، فتزداد لزوجة الدم، وتصبح مكونات الدم أكثر تركيزًا، مما يزيد احتكاك الصفائح الدموية ببعضها وبجدران الأوعية الدموية، فتزداد فرص حدوث الجلطات داخل الشرايين والأوردة، خاصة لدى كبار السن، والمصابين بعوامل خطر مزمنة تسبب تصلب الشرايين atherosclerosis، كالسكر والضغط وزيادة الكولسترول بالدم، وزيادة الوزن، ونقص النشاط البدني .. الخ.

وجلطات الشرايين المغذية للأعضاء الحيوية كالمخ والقلب .. الخ، تقطع وصول التغذية الدموية إليها، مما يؤدي إلى ضرر قد يصبح دائمًا إذا لم يتم التعامل سريعًا معها خلال دقائق وسويعاتٍ قليلة. أو قد تسبب الوفاة الفورية كما ينتج من الاختلالات الكهربية في القلب التي تؤدي إلى توقف عضلة القلب cardiac arrest.

الخلاصة:

لا يفل الحرارة إلا الماء
  1. تجنب الشمس ما أمكن.
  2. وجعلنا من الماء كل شيءٍ حي.
  3. توعية أنفسنا ومحيطنا = حياة.