عرف العصر العباسي بعض القضايا الخلافية التي لم يكن للقضاة أن يبتّوا فيها، فاحتاج الأمر إلى هيئة لها سلطة وهيبة لإصدار أحكام قاطعة لا يجوز الطعن عليها وتُنفذ في الحال، واتخذت هذه الهيئة مسميات عدة منها «مجلس المظالم» أو «ديوان الحوائج».

يذكر الدكتور صابر محمد دياب في كتابه «الدولة الإسلامية في العصر العباسي. قضايا ومواقف»، أن القاضي كان يؤدي عمله في الدولة الإسلامية في نطاق من العدالة والكفاءة، وكذلك كان صاحب الحسبة يؤدي وظيفته في تسيير الأمور، وحماية المجتمع من الغش والجشع والتدليس وفساد الذمم، غير أنه كانت تنشأ في بعض الأحيان مشكلات وقضايا يستعصي حلها، أو البت فيها أمام القضاء العادي، كما يصعب التعامل معها بمقتضى سلطات المحتسب، كأن يكون الخصم صاحب مركز سامٍ ومقام كبيرٍ، أو أن تكون المظلمة مرتبطة بجهاز الدولة في شكل والٍ أو عامل أو ديوان خراج أو بيت مال، ما استدعى إنشاء هيئة لها هيبتها ورهبتها، لتبت في الأمر المستعصي على الحل، وتقضي في الخلاف الشائك.

جذور أموية

رغم إنشاء هيئة للنظر في المظالم في الدولة العباسية، لكن جذورها ترجع إلى سابقتها الأموية. يذكر علي محمد مرسي في دراسته «نظر المظالم منذ بداية العصر الإسلامي حتى نهاية العصر المملوكي في ضوء البرديات العربية»، أن الظلم انتشر في عهد الدولة الأموية، وتجاهر الناس به، فاحتاجوا إلى رادع للظالم وإنصاف للمظلومين يمتزج به قوة السلطان بإنصاف القضاة، فكان الخليفة عبد الملك بن مروان أول من خصص يومًا ينظر فيها المظالم، وكان يوكل تنفيذ أحكامها لقاضيه أبي إدريس الأزدي، واستمر هذا الوضع حتى عهد الخليفة عمر بن عبد العزيز الذي باشر بنفسه نظر المظالم وردها، خصوصًا تلك التي كان المشكو في حقه فيها من بني أمية أو من عمالهم.

صاحب الحوائج

يذكر عبد الرازق علي الأنباري في كتابه «منصب قاضي القضاة في الدولة العباسية منذ نشأته حتى نهاية العصر السلجوقي»، أن الخليفة في العصر العباسي كان ينيط بشخص ما مهمة عرض قصص المتظلمين عليه، يطلق عليه اسم «صاحب الحوائج»، كما يُطلق على ديوان المظالم «ديوان الحوائج».

وكان الخليفة ينيب عنه أحيانًا من ينظر في مظالم سكان المناطق البعيدة عن عاصمة الخلافة، فولى الخليفة المأمون مظالم الجزيرة وقنسرين والعواصم والثغور إلى محمد بن حسان الضبي سنة 215هـ، ثم أضاف إليه بعد ذلك مظالم الموصل وأرمينيا. والراجح أن من يتولى النظر في مظالم هذه البلدان الكبيرة، إنما كان ينيب عنه من يتولى هذه المهمة فيها، ويتولى هو بدوره الإشراف عليهم.

ويروي «الأنباري»، أن الخليفة كان يجلس للمظالم، فيتقدم صاحب الحوائج بتنظيم دخول الناس عليه، لينظر في مظالمهم، ويأمر في قضاء حوائجهم. وكانت بعض أحكام المظالم تصدر مكتوبة على شكل توقيعات تشبه النصوص الأدبية، حتى يقرب فهمها للعامة، ولا يخرج معناها عن المقصد الرئيسي لها.

فالخليفة المنصور وقّع (أشّر) يومًا إلى قوم تظلموا من عاملهم «لا ينال عهدي الظالمون»، ووقع الخليفة المهدي في قصة متظلمين من بعض عماله: «لو كان عيسى (ولده) عاملكم عدناه إلى الحق كما يقاد الجمل المخشوش (المنقاد)»، ووقع المأمون في قصة متظلم من عمرو بن مسعدة مسؤول ديوان الرسائل «يا عمرو عمر نعمتك بالعدل، فإن الجور يهدمها».

أركان المجلس

ولم يكن مجلس النظر في المظالم يُعقد إلا بعد أن تجتمع فيه أصناف خمسة من الرجال، وهو ما يمكن تسميته بتشكيل هيئة ديوان المظالم. يذكر «دياب» في كتابه المذكور آنفًا، أن الصنف الأول هم الحماة والأعوان، وهم الذين يجلبون القوي، ويقوّمون الجريء الذي يحاول العبث بالحق واللجوء إلى القوة، أو الفرار من وجه القضاء.

والصنف الثاني هم القضاة والحكام، ومهمتهم الإحاطة بما يصدر من الأحكام لرد الحقوق إلى أصحابها، والعلم بما يجري بين الخصوم، فيلمون بذلك بشتات الأمور الخاصة بالمتقاضين لاستدراك النقص الذي يمكن أن يكون في والي المظالم، من حيث إلمامه بالأصول والأعراف القضائية.

أما الصنف الثالث فهم الفقهاء، ليرجع إليهم ناظر المظالم في المسائل الإشكالية، ويسألهم عما اُشتبه لديه من أمور تختص بعمله. والصنف الرابع هم الكُتاب ليثبتوا ما جرى بين الخصوم، ويدونوا ما توجه لهم أو عليهم، من الحقوق. والخامس هم الشهود ليشهدهم ناظر المظالم على ما أوجبه من حق، وما أمضاه من حكم. ومن مهمتهم إثبات ما يعرفونه عن الخصوم، والشهادة على أن ما أصدره القاضي من الأحكام لا يتنافى مع مبادئ الحق والعدل.

وكان من حق صاحب المظالم، أو والي المظالم، النظر في غلاء الأسعار إذا زادت عن الحد، بحيث تدخل في نطاق الاستغلال البشع، أو الربح الباهظ أو الجشع التجاري، بما يضر بالرعية. كما ينظر أيضًا في ظاهرة إيداع السجون من غير نظر دقيق في دعاويهم (ما يعرف حاليًا بالاعتقال أو الحبس التحفظي لدواعي الأمن)، وكذلك مصادرة أملاك بعض الناس زعمًا منهم بأن تلك المصادرات جاءت بغير حق.

تناقض أبي جعفر المنصور

تذكر الدكتورة ندى موسى عباس في دراستها «المظالم في عهد الخلفاء العباسيين 132- 656 هـ / 749 – 1258م»، أن عهد الخليفة أبي جعفر المنصور (137- 158هـ/ 754- 774م) هو المرحلة التي تجمعت فيها الأسباب والعوامل لتأسيس ديوان النظر بالمظالم، رغم أنه لم يجلس للنظر بالمظالم وكان يعهد إلى قضاته للنظر فيها، فكان المتظلمون يحاولون بشتى الطرق إيصال رقاعهم التي تحمل تظلماتهم إلى الخليفة ليوقع هامشه عليها برفع الظلم عنهم.

ولم يكن الخليفة المنصور يشدد مع عماله لرفع الظلم عن رعيته، وهو ما بينته هوامشه، كمثل توقيعه على رقعة رجل تظلم من عامله على بلاد فارس مخاطبًا إياه «إن آثرت العدل صحبتك السلامة، فأنصف هذا الرجل من هذه الظلامة».

وكان بعض المتظلمين يخشون شدته وبطشه، لذا فإنهم كانوا يحتالون في إيصال مظلمتهم أو مظلمة غيرهم إليه، مثلما حدث في أحد مجالسه في بغداد إذ جاءه سهم عابر فسقط بين يديه فذُعر منه لأول وهلة، ثم تناوله، فإذا به وقد نُقشت عليه أبيات شعرية مكتوبة على الريشتين وبينهما وعلى جانب السهم، تخبر عن رجل حُبس في سجنه ظلمًا، ففتش الخليفة المنصور سجونه ولما عثر على الرجل وعرف ظلامته أطلقه وأنصفه ممن ظلمه، حسبما روى أبو الحسن المسعودي في كتابه «مروج الذهب ومعادن الجوهر».

وناقض الخليفة المنصور نفسه في شكل واضح ما بين أقواله وأفعاله بمظالم رعيته، ففي الوقت الذي نُقل عنه قوله في مواصفات صاحب الخراج الذي يريده أن «يستقصي ولا يظلم الرعية فإني عن ظلمها غني»، نجده هو نفسه يصادر الأموال من غير وجه حق ويعزلها في بيت مال يسميه «بيت المظالم»، وحينًا آخر يوصي ولده المهدي بالعدل قائلاً له «يا أبا عبد الله لا يصلح السلطان إلا بالتقوى.. ولا تُعمر البلاد بمثل العدل».

والغريب أنه طلب من ولده أن يرد الأموال التي جمعها ووضعها في بيت المظالم إلى أصحابها «إني قد هيأت لك شيئًا ترضي الخلق ولا تغرم من مالك شيئًا، فإذا أنا مت فادع هؤلاء الذين أخذت منهم هذه الأموال التي سميتها المظالم، فاردد عليهم كل ما أُخذ منهم، فإنك تُستحمد إليهم وإلى العامة».

إنصاف وتصفية حسابات

كان من الطبيعي بعد كل المظالم التي جرت في عهد الخليفة المنصور، والتي أقر بها في وصيته لابنه المهدي أن يفتتح الخليفة المهدي 158) – 169 هـ/ 747 – 785م) عهده برد المظالم وإنصاف المظلومين، وأن يجلس للنظر بالمظالم نفسه، مسجلًا سابقته على من جاء بعده من الخلفاء.

وكان من صدق مجلسه أنه أنصف أحد المتظلمين ويدعى المسور بن مساور من نفسه (أي من الخليفة)، فقد غصب وكيل الخليفة ضيعة المسور للخليفة، فنزل المهدي عند حكم القاضي عبد الله بن علاثة ورد الضيعة لمسور.

أما الخليفة موسى الهادي (169 – 170هـ / 785 – 786م) فكان مداوما على رد المظالم متحمسا لعقد مجالسها بنفسه، حتى أنه هو نفسه كان يُختصم بالحق، فقد اُختصم إلى قاضيه أبو يوسف يعقوب بن إبراهيم بن حبيب (المتوفى سنة 182هـ – 897م) في بستان، وكان في الظاهر للخليفة وفي الباطن لخصمه، فطلب القاضي من الهادي أن يحلف فرفض الخليفة ذلك، وطلب من القاضي أن يرد البستان إلى خصمه. وقد احتال القاضي أبو يوسف على الخليفة الهادي في هذا الأمر لعلمه أنه لا يحلف.

ويروي الدكتور السيد عبد العزيز سالم في كتابه «العصر العباسي الأول»، أن الهادي تأخر عن الجلوس للمظالم أيامًا، فدخل عليه أحد المقربين منه، ويدعى علي بن صالح، وقال له إن العامة لا تستقيم أمرها إن لم تجلس للمظالم، فأمر الهادي بفتح الأبواب، فدخل الناس عن بكرة أبيهم، فلم يزل ينظر في المظالم إلى الليل.

رغم ذلك كان الهادي يستغل جلوسه في رفع المظالم لمضايقة من كان يحقد عليهم، حسبما ذكر «سالم»، ومنهم عمارة بن حمزة متولي الخراج بالبصرة أيام كان الهادي وليًا للعهد، فلما ولي الهادي الخلافة دس إليه رجلاً يدعي على ابن حمزة أنه غصبه الضيعة المعروفة بـ«البيضاء» بالكوفة، وكانت قيمتها ألف ألف درهم، «فبينما الهادي ذات يوم قد جلس للمظالم وعمارة بحضرته، وثب الرجل وتظلم منه، فقال الهادي لعمارة: ما تقوله فيما ادعاه الرجل؟، فقال «إن كانت الضيعة لي فهي له، وإن كانت له فهي له»، وانصرف عن المجلس.

هارون الرشيد وأبناؤه

بحسب «عباس» في دراستها، جلس الخليفة هارون الرشيد (170 – 193هـ/ 786 – 808م) للنظر بالمظالم عددًا من المرات، وكان ذلك بتأثير من قاضي قضاته أبي يوسف يعقوب ونصيحته.

أما ابنه الخليفة محمد الأمين (193- 198هـ/ 808 – 813م) فلم يجلس للمظالم، وعلى العكس كان أخوه الخليفة المأمون (198- 218هـ/ 813 – 833م) أمارًا بالعدل، فاعتنى بمجالس المظالم، ولم يغفل موعدها، ولم ينقطع عنها طوال عهد خلافته، وعُرفت مجالسه بكثرة من يحضرها، وخاصة من العلماء، وقد حل فيها بعض قضايا الكسور (نوع من الضرائب).

ولم يستثن الخليفة المأمون في إحقاق الحق وإنصاف المتظلمين أحدًا، حتى المرأة البسيطة التي خاصمت ابنه «العباس» في ضيعة، فقد دعا القاضي للحكم بينهما وباشر بنفسه تنفيذ الحكم وإلزام ابنه برد الضيعة للمرأة، حسبما روى إبراهيم بن محمد البهيقي في «المحاسن والمساوئ».

ومن طريف ما جاء على لسان الخليفة المأمون من قصص إلحاح المتظلمين ما رواه بقوله «ما أعياني جواب أحد مثل ما أعياني جواب رجل من أهل الكوفة قدمه أهلها، فشكا عاملهم، فقلت: كذبت بل هو رجل عادل، فقال: صدق أمير المؤمنين وكذبت أنا، قد خصصتنا به في هذه البلدة دون باقي البلاد.. خذه واستعمله على بلد آخر يشملهم من عدله وإنصافه مثل الذي شملنا، فقلت: قم في غير حفظ الله، عزلته عنكم»، ذكر جلال الدين السيوطي في كتابه «تاريخ الخلفاء».

وعُرف الخليفة المتوكل على الله (232- 247هـ / 846- 861م) بشدته في رد المظالم، ويُروى أنه أرسل إلى نائبه بمصر أمرًا بأن يحلق لحية قاضي القضاة أبي بكر محمد ابن أبي الليث وكان ظالمًا، وأن يضربه ويطوف به على حمار، وأن يضربه كل يوم عشرين سوطًا ليرد الظلامات إلى أهلها.

ولعل الخليفة المهتدي بالله (255- 256هـ/ 868- 869م) هو الأكثر بين الخلفاء العباسيين ذكرًا في المصادر في اهتمامه الكبير بمجالس المظالم، ومخاطبته لأصحاب الحوائج والظلامات بنفسه بشكل كبير وبسيط وسلاسة، وكان من فضائله مساواته بين الصغير والكبير.

ومما يُروى في هذا أن رجلًا حضر يومًا يستعديه على ابنه، فأمر الخليفة المهتدي بإحضار الابن، فحضر فأقامه إلى جانب والده وهو خصمه، وسأله عما ادعاه أبوه، فأقر الابن بحق والده، فكتب الخليفة المهتدي بنفسه كتابًا للرجل بحقه على ابنه.

وكان المهتدي لا يحيد عن اللطف بالرعية لأي سبب من الأسباب، فقد رُفعت إليه في مجلسه يومًا رقعة فيها قصص في الكسور، فسأل عنها، فشُرحت له، فإذا بها جور باق من أيام عمال بني أمية، فقال «معاذ الله أن ألزم الناس ظلمًا تقدم العمل به أو تأخر.. أسقطوه عن الناس»، فقال أحد كُتابه «إن أسقط أمير المؤمنين هذا ذهب من أموال السلطان في السنة اثنا عشر ألف ألف درهم»، فقال المهتدي «علي أن أقرر حقًا، وأزيل ظلمًا، وإن أُجحف بيت المال»، روت «عباس».

ويذكر كل من أبو الحسن الماوردي في كتابه «الأحكام السلطانية والولايات الدينية» وعبد الرحمن الشيرازي في كتابه «النهج المسلوك في سياسة الملوك»، أن الخليفة المهتدي بالله هو آخر خليفة عباسي جلس للمظالم، إلا أن مصادر أخرى مثل أبي الفداء إسماعيل بن كثير في «البداية والنهاية» وأبي عبد الله شمس الدين الذهبي في «دول الإسلام» وأحمد القلقشندي في «مآثر الإنافة في معالم الخلافة» يشيرون إلى جلوس عدد من الخلفاء من بعده، منهم الخليفة المكتفي بالله (289- 320هـ / 901- 907م) الذي باشر المظالم بنفسه ورد حقوقًا كثيرة، وكذلك جلس الخليفة المقتدر بالله (295- 320هـ / 907 – 941م) للنظر بالمظالم بنفسه بنصيحة وتشجيع من وزيره أبي الحسن علي بن محمد بن موسى بن الفرات.

كما أشارت المصادر إلى إنصاف الخليفة المعتضد بالله (279- 289هـ/ 892 – 901م) لرعيته من تجاوز جنده وقادة جيشه، أما الخليفة القاهر بالله (320 – 322هـ/ 941- 943م)، فوعد وهو يطلب الخلافة لنفسه بجلوسه للنظر في المظالم بنفسه، لكنه لم ينفذ من وعده شيئًا.

وزراء وحجاب وقضاة ونساء

رغم جلوس الخلفاء بأنفسهم للنظر في المظالم، فإنهم أوكلوا أمرها لكثيرين، منهم الوزراء، مثل جعفر بن يحيى البرمكي في عهد الرشيد، وأبي عبد الله أحمدبن أبي جرير الأيادي وزير وقاضي الخليفة المقتدر بالله، وأبي الحسن علي بن عيسى بن داوود بن الجراح وزير الخليفة المعتضد.

ومن الحجاب من تولوا ديوان المظالم عند اضطرار الخلفاء العباسيين للخروج من العاصمة، فقد ترك الخليفة المعتضد بالله حاجبه صالح الأمين ناظرًا للديوان عند خروجه من بغداد سنة 285هـ/ 898م، وكذلك فعل الخليفة المسترشد بالله (512- 529هـ/ 1118- 1134م) عندما قلد ديوان المظالم لحاجبه وصاحب شرطته أبي الفتوح حمزة بن طلحة (وهو أخوه من الرضاعة) ولقبه بـ«الأجلّ أثير الدولة»، بحسب «عباس».

كما عهد الخلفاء إلى القضاة بالنظر في المظالم، وبعضهم جمع بين ديواني القضاء والمظالم بحكم اختصاصهم الشرعي، ففي عهد الخليفة هارون الرشيد تم استحداث منصب قاضي القضاة وتولاه لأول مرة القاضي أبو يوسف وأعطيت له أيضًا ولاية المظالم، وأعطى الخليفة المأمون ولاية المظالم إلى قاضيه أبي محمد يحيى بن أكثم بن محمد الصيفي، وفي عهد الخليفة المعتصم بالله ولى أبو عبد الله أحمد بن أبي دؤاد منصب قاضي القضاة وجمع له ديوان المظالم.

وتولى ولاية ديوان المظالم عدد من شخصيات بغداد المهمة، ممن توفرت فيهم عدد من الشروط والمواصفات أهلتهم لذلك، فالخليفة هارون الرشيد ولى على ديوان المظالم العالم والمحدث إسماعيل بن علية، لجلالة قدره ومكانته العلمية، إلا أنه أُعفي من منصبه وعاد الخليفة محمد الأمين فولاه الديون مرة أخرى. كما تولى العالم النحوي أبو جعفر محمد بن عمر بن زياد الضبي ولاية الديوان في عهد الخليفة المعتز بالله.

وكان للنساء نصيب من تقلد ولاية هذا الديوان، فـ«شغب» أم الخليفة المقتدر هي أول امرأة جلست للمظالم في عهد ابنها، ثم وكلت النظر بديوان المظالم إلى قهرمانتها «ثمل» سنة 306هـ/ 918م، ومع أن الرعية عابوا جلوسها وطعنوا به خاصة في اليوم الأول، فإن حضور كل من الوزير والفقهاء والقضاة وأهل العلم في الأيام التالية أضفى فيما يبدو على مجلسها الهيبة، وأسبغ النفع فحققت الفائدة من جلوسها، وكانت تقضي للعامة والخاصة وتضع توقيعها على الرقاع.