ستراه في الصالون، في المطبخ، على المائدة أو معلقًا في السقف. لا يخلو بيت من أدوات أو أوانٍ نحاسية، مقابض وحلي وآنية للزينة وثريا. ربما يكون الألومنيوم والسبائك المتنوعة قد حلت محل أواني الطبخ النحاسية القديمة، إلا أن النحاس ما زال يحتفظ بقيمته في تذكيرنا دائمًا بالماضي.

ولأن الزمن يجري بنا ولا يعود باستطاعتنا تعويض ما يمضي، كان حريًا بنا أن نجد طرقًا للحفاظ على المخزون الموروث الضئيل. وبما أن عادة الناس أن يبتكروا دائمًا عند الحاجة، ظهرت الوصفات القديمة لتقوم بشتى الوظائف دون فهم كيفية عملها.

من ضمن هذه الوصفات: تنظيف النحاس والمواد النحاسية بالخل. ترى لماذا كان الخل –وما زال- فعالاً في تنظيف النحاس؟، الكيمياء تجيبك.


نحاس ونحاس

اللون الأخضر نتيجة أكسدة النحاس المصنع منه التمثال

يعد النحاس من أقدم المواد التي عرفتها البشرية واستغلتها بحذق وذكاء، ويعود أول ظهور تم تسجيله له في عام 9000 قبل الميلاد في العراق، كما شاع ظهوره في أقدم الآثار المكتشفة في مصر والهند الصين القدامى. لكن الخرز المكتشف في هذه البقايا لم يكن الصورة الأساسية التي استُعمل فيها النحاس، بل كانت تلك الصورة مجرد صورة للجانبية للشكل الرئيسي الذي استخدم فيه النحاس؛ ألا وهو السبائك.

عرف العالم القديم السبائك دون أن يعي وجودها، حدث ذلك عند استخدام النحاس الأصفر والنحاس الأحمر والبرونز كمواد خام لأعمال الحدادة الأساسية. من النحاس بأنواعه صنعت الفؤوس والمطارق وطليت الحلي والزينة بل وحتى بدايات التعامل النقدي بوساطة العملات كان للنحاس دور أساسي فيه.

لكن ما الفارق بين البرونز والنحاس الأصفر والأحمر؟.

يطلق لفظ Brass على سبيكة تجمع بين الزنك والنحاس بشكل أساسي، يضاف –سواء طبيعيا أو عن عمد- للعنصرين نسبة ضئيلة للغاية من الرصاص وبعض القصدير؛ مما يؤدي لاختلاف الخواص الفيزيائية للسبيكة. يتميز النحاس الأصفر بنسبة مرتفعة من الزنك تصل إلى 40% وبلونه الأصفر اللامع. ولأن نسبة الزنك مرتفعة فإن الحاجة لتنقيته أقل وثباته أعلى وبالتالي فإن تكلفة تصنيعه اقتصاديًا أقل (بالنسبة إلينا كما بالنسبة للقدماء الذين احتاجوا نارًا وحرارة أقل وطأة لصهر النحاس وتشكيله). أما النحاس الأحمر فإنه يكتسب لونه الأحمر من انخفاض نسبة الزنك والقصدير فيه حيث تهبط النسبة إلى 10 بالمائة فقط على وجه التقريب.

أما مصطلح برونز فيشير إلى سبيكة تتشكل أساسًا من النحاس والقصدير Tin. يشكل هذا الأخير ما يقارب 12% بالمئة من السبيكة وهي السبائك الأكثر صلابة وقوة وبالتالي الأكثر استخدامًا في الأسلحة القديمة، خاصة إذا تصادف احتواء السبيكة على نسبة قليلة من الفوسفور.

بين هذه الأنواع الثلاثة، ستجد مصابيح الصالون المعلقة في مسكنك ومقابض الأبواب الذهبية وحوامل الشموع العريقة.

ولأن الزمن يمر ومعه التفاعلات الكيميائية، لا تلبث هذه الأشياء حتى يتحول لونها من النحاسي إلى الأسود أو الأخضر، وهنا يجب علينا التصرف فورًا.


خل وليمون

كيمياء أكسدة نحاس تمثال الحرية

لدينا إناء نحاسي قديم يعطي مظهرًا عتيقًا رائعًا للغرفة، لكن للأسف، إنه مغطى الآن بطبقة خضراء وسوداء – قد تتدرج الألوان حسب كل حالة-أفسدت عليه مظهره. هذه الطبقة تعرف باسم “باتينا” أو أكسدة النحاس. لهذه الطبقة يعود اللون الأخضر المميز الذي يغطي تمثال الحرية الشهير.

ما نراه هو طبقة ناتجة عن أكسدة النحاس ببطء بواسطة مكونات الجو على مر السنين –داخل البيوت-أو بسرعة إذا كان السطح النحاسي معرضًا للتلوث. في وجود الأكسجين، يتفاعل النحاس معه لينتج أكسيد النحاس الأحادي Cu2O والذي يخوض المزيد من التفاعل ليعطي أكسيد النحاس الثنائي CuO.

يتفاعل أكسيد النحاس الثنائي في وجود الرطوبة وثاني أكسيد الكربون الجوي ليعطي العديد من الأملاح حسب عدد الجزيئات المتفاعلة. تتدرج هذه الأملاح – كربونات وهيدروكسيدات وكبريتات النحاس إذا وجد ثاني أكسيد الكبريت أيضًا- في ألوانها لتعطي الألوان التي نسميها باسم الباتينا.

من ضمن هذه المركبات والأملاح نجد اللون الأخضر المميز للمالاكايت CuCO3.Cu(OH)2 ممتزجا بالأزوريت الأزرق 2CuCO3.Cu(OH) بينما يأتي اللون الأسود من أكسيد الحديد الثنائي CuO واللون الأحمر من أكسيد الحديد الأحادي كيوبريت Cu2O. ما علاقة ذلك بمكونات أطباق السلاطة المذكورة من خل وليمون؟.

حسنًا، تكمن الإجابة في الطبيعة الكيميائية للخل والليمون، أو بالأحرى طبيعتهما الحمضية.

تذوب طبقات أملاح النحاس المتراكمة في تركيزات حمض الأستيك Acetic acid الموجودة في الخل وحمض الستريك Citric في الليمون، كما تذوب في حمض الأسكوربيك في الكاتشب وحمض الماليك في ماء البصل.

بالطبع تعمل طبقة الباتينا كحماية للنحاس من المزيد من الأكسدة والتي تعود للعمل مجددًا ما إن تتم إزالتها، إلا أنك إذا أردت الحفاظ على المظهر العام فعليك إعادة إزالة هذه الطبقات كل فترة حتى يصبح الأمر غير مُجدٍ.

كانت تلك زيارة أخرى للمنزل حيث تعمل الكيمياء مختبئة وراء الألوان. لا تقتصر عملية الأكسدة على النحاس فقط بالطبع، فالأمر ذاته تمر به أدوات الطعام الفضية غالية الثمن. تميل الطبيعة لتحويل أي مادة نقية إلى مركب حتى تستقر وتستريح حتى غير عابئة بالقيمة الاقتصادية المهدرة؛ لذا علينا دائمًا أن نكون لها بالمرصاد.

المراجع
  1. Housecroft, Sharpe: Inorganic Chemistry
  2. Alternative methods for copper corrosion studies in household plumbing systems
  3. Copper Development Association