على الرغم من قضاء محكمة القضاء الإداري بمجلس الدولة ببطلان توقيع اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر والسعودية بعد صدور أكثر من حكم قضائي ضد نقل السيادة على الجزيرتين، أقر مجلس الشعب المصري في جلسة عامة بسيادة المملكة عليهما.

وكانت لجنة الدفاع والأمن القومي قد ناقشت الاتفاقية في اجتماع مغلق، ثم رفعت تقريرها إلى هيئة مكتب المجلس، التي بدورها حددت جلسة عامة للتصويت النهائي على الاتفاقية؛ حيث وافقت اللجنة على الاتفاقية بأغلبية 11 نائبًا موافقًا، مقابل رفض أربعة نواب فقط.

وكانت جلسة عامة بالبرلمان قد أحالت الاتفاقية إلى لجنة الدفاع والأمن القومي، لإعداد تقرير بشأن مضمون الاتفاقية، وإحالته إلى الجلسة العامة مرة أخرى للتصويت عليها. ومنها قد وافقت لجنة الشئون الدستورية والتشريعية بالمجلس يوم الثلاثاء على طريقة إقرار الاتفاقية بالعرض على البرلمان.

وأيد 35 نائبًا قرار اللجنة، بينما رفضه ثمانية نواب، وتعتبر موافقة اللجنة التشريعية إقرارًا بدستورية الاتفاقية ونصوصها، وبأنها لا تخالف صحيح الدستور والقانون، حتى صوت أعضاء البرلمان في الجلسة الثالثة بسعودية الجزيرتين برفع اليد ثم الوقوف دون تسجيل أسماء النواب للتمييز بين الرافض والموافق، وتمت الموافقة على الاتفاقية وسط رفض وبكاء النواب الرافضين، ومنهم نواب 25-30 مهددين بالدخول في إضراب عن الطعام، وبعضهم باستقالة جماعية، بهدف إحداث فراغ تشريعي، وحتى الآن استقال نائب بمجلس الشعب، يدعى محمد فؤاد، من منصبه احتجاجًا على القرار.


تهديد بالتظاهر تبعته حملة اعتقال شرسة

أعلنت 4 أحزاب سياسية مصرية رفضها لقرار البرلمان بالموافقة على اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر والسعودية ونقل جزيرتي تيران وصنافير للسعودية. وأكد (المصري الديمقراطي الاجتماعي، والدستور، والتحالف الشعبي الاشتراكي، وتيار الكرامة، والعيش والحرية -تحت التأسيس-) في بيان صحفي أن

الجزيرتين مصريتان باعتبار أن البرلمان لم يكن مفوضًا بالأساس للنظر في الأمر بعد الأحكام القضائية النهائية التي أقرت بمصرية الجزيرتين… إدارة البرلمان أصرت على عدم إجراء أي نقاش جاد حول الموضوع داخل اللجان وداخل الجلسة العامة، وأصرت على حرمان بعض نواب المعارضين للاتفاقية من الكلام، وحرمت النواب من سماع شهادة الخبراء الذين يؤكدون مصرية الجزيرتين

وأشادت الأحزاب بموقف النواب الرافضين للاتفاقية على الرغم مما أسمته «ممارسات السلطات ضدهم من تهديد ووعيد». وأكدت الأحزاب تمسكها بـ «مصرية الجزيرتين ورفض هذه الاتفاقية بكل الأساليب والطرق الاحتجاجية السلمية الممكنة».

بدأت الدعوات المطالبة بالنزول للتظاهر ضد الاتفاقية منذ إقرارها بالبرلمان بالتوازي مع التظاهرات الصغيرة التي وقفت أمام الأحزاب الرافضة ونقابة الأطباء ونقابة الصحفيين؛ حيث وقف عشرات الصحفيين والنشطاء للاحتجاج ليلة الثلاثاء على الاتفاقية ومناقشة البرلمان لها، في مقر نقابة الصحفيين وسط القاهرة، فيما أكد شهود عيان أن الأمن أرغم المتظاهرين على دخول مبنى النقابة وعدم التظاهر خارجها وقبض عشوائيًا على عدد منهم، صحفيين وشعراء وكوادر سياسية، ثم أُخْلِي سبيلهم بكفالة.

وقبل نهار يوم الخميس 15 يونيو/حزيران شنت قوات الأمن حملة تخللتها عمليات اعتقال ومداهمة منازل 20 من الشباب الذين خرجوا لإعلان رفضهم لاتفاقية التنازل عن جزيرتي تيران وصنافير في 7 محافظات، منهم محامون وأعضاء بحزب العيش والحرية والمصري الديموقراطي والدستور وتيار الكرامة وحركة 6 أبريل ومتهمون سابقون في قضايا سياسية مثل قضية مجلس الشورى والاستيلاء على هواتفهم وأجهزة الكمبيوتر الخاصة.

واستمرت التظاهرات في معظم محافظات مصر بأعداد قليلة سمحت لقوات الأمن بفضها والقبض على المتظاهرين في حملة اعتقال شرسة، وصل عدد المقبوض عليهم 75 شخصًا وجهت لهم النيابة تهمة: «التحريض على التظاهر، والإخلال بالأمن العام والنظام العام، وتعطيل الإنتاج، وتعطيل مصالح المواطنين، والحيلولة دون ممارستهم لها، والتأثير على المرافق العامة، وقطع الطرق والمواصلات، وتعطيل حركة المرور، والاعتداء على الأرواح، والممتلكات العامة والخاصة، وتعريضها للخطر».


جمعة رفض التنازل عن الأرض

استمرت الدعوات للتظاهر بتحديد يوم الجمعة 16 يونيو للانطلاق من الأحزاب والمساجد، وجاءت الدعوات من عدة أحزاب وحركات سياسية في مصر إلى مظاهرات حاشدة احتجاجًا على موافقة البرلمان على اتفاق تعيين الحدود البحرية مع السعودية؛ وكان من أبرز الداعين للتظاهر الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي، وحزب الكرامة، والتحالف الشعبي الاشتراكي، وحركة شباب 6 أبريل، وجماعة الإخوان المسلمين.

في الوقت نفسه انتشرت مدرعات وعربات قوات الأمن في مناطق متفرقة من وسط القاهرة وميدان التحرير والكورنيش باتجاه مبنى اتحاد الإذاعة والتلفزيون ماسبيرو وشارع التحرير باتجاه الدقي؛ وتمركزت مدرعات الأمن في شارع الفلكي الواصل لميدان التحرير، فيما استقرت سيارات الأمن المركزي بالقرب من مسجد عمر مكرم. وقررت السلطات المصرية إغلاق محطة مترو أنفاق السادات بميدان التحرير وسط العاصمة القاهرة، لما قالت إنه “اعتبارات أمنية”.

وفي صباح يوم الجمعة كان ميدان التحرير قد تحول إلى ثكنة عسكرية ممتلئة بسيارات مصفحة وسيارات أمن مركزي وأتوبيسات بها مجندون بزي مدني مع غلق كل الطرق المؤدية لميدان التحرير حتى خلت الشوارع من السيارات والمارة والسيطرة على كل التجمعات قبل أن تبد،أ إلا تظاهرة واحدة انطلقت بوسط البلد، وفُرِّقت بإطلاق الرصاص الحي.


فجر يوم جديد وصعب

بعد انتهاء يوم الجمعة وأحداثه صُودر عدد جريدة الصباح ومُنِع طبعه بمطابع الأهرام بسبب احتواء الصفحة الأولى على صورة من فيلم الأرض مع كلمة واحدة: «مصرية».

وفي حملة جديدة لزوار منتصف الليل من قوات الأمن، أُلْقِي القبض على «طارق حسين» المحامي بمركز الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، وكانت الأحراز التي ضبطتها النيابة أوراق بخط اليد مكتوب عليها (الحرية لمعتقل التيشرت، الحرية لمالك عدلي). وتم توجيه تهمة التحريض على التظاهر له خلال الفترة الحالية رغم أن قضية معتقل التيشرت (أخو المتهم) و«مالك عدلي» قد قضيت منذ عام وفقًا لمحاميه «خالد علي».

وقالت المحامية «ماهينور المصري» إن قوات الأمن بالإسكندرية ألقت القبض صباح يوم السبت على المحامي الحقوقي محمد رمضان، وأحمد فهمي ومحمد جمال، وأضافت أن قوات الأمن سبق أن اقتحمت منزل رمضان ليومين متتاليين، ولا نعرف تفاصيل القبض عليه سوى أنه تم في منطقة المنتزه.

وانضمت الأقصر لباقي المحافظات، حيث قررت نيابة الأقصر حبس النشطاء «علاء عبد الهادي»، و«أحمد حجازي»، و«إسلام طارق»، المعارضين لاتفاقية التفريط في تيران وصنافير، 15 يومًا على ذمة التحقيقات بتهمة التحريض على مؤسسات الدولة، والدعوة للتظاهر ونشر الفوضى، وترويج أخبار كاذبة، ومحاولة زعزعة الاستقرار؛ كما أُلْقِي القبض على ناشطين آخرين في الهجمة الأولى يوم الجمعة، هما «مايكل يوسف»، و«وليد محمد»، ومازالا مختفيين على الرغم من تأكيد المحامين أنهما محتجزان بالأمن الوطني، ولم يُعْرَضا على النيابة.

يذكر أن أحمد حجازي شاب قعيد ولا يستطيع المشى إلا بكرسي متحرك، وعلاء عبد الهادي رئيس اتحاد معلمي الأقصر، ومايكل يوسف الذي كان يرفع علم مصر الشهير في أحداث محمد محمود.

انتهت جلسات البرلمان بالموافقة على اتفاقية التنازل، لكن حالة الاحتجاجات على قرار الحكومة يبدو أنها لن تنتهي دفاعًا عن مصرية الجزيرتين، ويبقى الوضع على ما هو عليه.