ليزا، شابة أمريكية في منتصف العشرينات من عمرها، تعمل في وظيفة جيدة، وكبقية الفتيات تحب أن تظهر بمظهر حسن طوال الوقت. بجانب مظهرها الأنيق، تجد عينيها الجميلتين تتلونان باللون العسلي (البني الفاتح)، الرمادي، الأخضر كل فترة، بكل تأكيد تتدخل العدسات اللاصقة في هذا التغيير. الأمر بالنسبة لها جمال، وإبصار أيضًا.

في المصانع، ومن خامات بولي ميثيل ميثاكريلات[1]، والسيليكون، والبوليمرات الفلورية، تصنع العدسات اللاصقة. تستخدم هذه المواد من أجل إنتاج مادة أكثر نعومة تسمح للأكسجين بالمرور عبرها إلى العين. وإذا نظرنا لحجم العدسة وماهيتها، فإنها لا تتعدى حجم مقدمة عقلة الإصبع، شفافة، مرنة، وكل صغير دائمًا لا يستهان به.

ومن المصنع إلى الأسواق إلى أعين المستخدمين، يكون مثواها الأخير لا يليق بهدف صناعتها، والذي كان في المقام الأول من أجل الجمال والوضوح. يكون مثواها ومصيرها في مياه الصرف الصحي!

بلاستيكات صغيرة شفافة

للعدسات اللاصقة أنواع متعددة حسب الاستخدام كالآتي:

1. العدسات اللاصقة الصلبة «RGP»:

هي الأكثر شيوعًا بين العدسات خاصة المستخدمة لتصحيح الرؤية، خاصة الأشخاص الذين يعانون من الإستجماتيزم، وحالات القرنية المخروطية، حيث توفر رؤية أكثر وضوحًا من العدسات اللينة. تصنع عادة من البلاستيك مع مواد أخرى، وتتميز باحتفاظها بشكلها مدة طويلة، وتسمح للأكسجين بالتدفق عبر العدسة إلى عينيك.

2. العدسات اللينة:

يفضل أغلب الناس ارتداء هذ النوع، نظرًا لمرونتها وسهولة التعامل معها، وهي العدسات الملونة التي يرتديها أغلب الناس سواء للنظر أو للزينة فقط أو الإثنين معًا. تستخدم العدسات يوميًا؛ أي يمكن ارتداؤها لمرة واحدة في اليوم ثم التخلص منها، أو يمكن استخدامها مدة أسبوع على الأكثر.

أما عن عدد مرتدي العدسات اللاصقة في الولايات المتحدة وحدها، فيقدر بنحو 45 مليون شخص، ليزا واحدة منهم، وواحدة أيضًا ممن يساهمون في تلوث البيئة. كيف ذلك؟

تأتينا الإجابة من خلال إ حصائية من جامعة أريزونا تفيد بأن نحو 2.6 إلى 2.9 مليار من العدسات اللاصقة تُلقى في البالوعات يوميًا في الولايات المتحدة وحدها؛ أي ما يزن من 6 إلى 10 أطنان مترية من العدسات البلاستيكية كل عام، وفقًا لدراسة نشرتها «الجمعية الكيميائية الأمريكية – American Chemical Society».

أما مواجهة تلوث العدسات اللاصقة فهو يعد تحديًا، فمن جهة يصعب ملاحظتها في المياه بسبب شفافيتها، ومن جهة أخرى تعمل أعدادها الهائلة على جعل كثافتها أكبر من كثافة المياه، فتترسب في محطات معالجة الصرف الصحي. كذلك كشف الباحثون في الدراسة عن بعض التغيرات الملحوظة في العدسات بعد مكوثها فترة كبيرة في محطات الصرف الصحي، حيث تعمل الكائنات الدقيقة والميكروبات المتواجدة في البيئة على إضعاف الروابط الجزيئية للبوليمرات المصنعة منها، بالتالي تفكك العدسات إلى أجزاء بلاستيكية صغيرة.

قد لا تبقى العدسات طويلًا في محطات الصرف الصحي بسبب البيئة البيولوجية هناك، فتتسرب إلى البحار والمحيطات مما يجعل الأمر أكثر خطورة على الحياة البحرية. فمن الممكن أن تختلط العدسات -أو حتى الأجزاء الصغيرة منها- بطعام الكائنات البحرية، وتتناولها دون ملاحظتها، مما يتسبب في اختلال أجهزتها الهضمية بسبب صعوبة هضمها، وبقائها فيه.

لذا يأمل الباحثون في إيجاد سبل جيدة للتخلص من العدسات اللاصقة المستهلكة تعمل عليها الشركات المصنعة، بخلاف إلقائها في مياه الصرف الصحي، من أجل الحد من خطورتها البيئية.

اقرأ أيضًا: موت في المحيطات، وأداة الجريمة: مخلفات بلاستيكية

مسببات للعمى

تنصح الأكاديمية الأمريكية لطب العيون بعدم ارتداء العدسات نهائيًا للأسباب الآتية:

تعطيك العدسات وضوحًا في الرؤية، لكن ماذا لو كانت مسببًا للعمى أيضًا؟

أظهرت نتائج دراسة نشرت في المجلة البريطانية لطب العيون، أوضحت أن استخدام العدسات اللاصقة -سواء للرؤية أو كتحسين مظهر- خاصة تلك القابلة لإعادة الاستخدام عدة مرات قد يصيب مستخدميها بعدوى، تتسبب في إصابتهم بالعمى. قد تكون هذه العدوى ناتجة عن عدم حفظ العدسة بشكلٍ جيد، أو ارتدائها أثناء النوم.

في العام 2010، وفي الولايات المتحدة الأمريكية، سجلت نحو مليون إصابة بالتهاب القرنية الميكروبية بأنواعها المختلفة. وعلى مدار 11 عامًا بعد ذلك، لم يتم الإبلاغ سوى عن نحو 1.075 إصابة بعدوى القرنية المرتبطة بالعدسات اللاصقة، وسجلت الإحصاءات في قاعدة بيانات «MedWatch» التابعة لإدارة الغذاء والدواء الأمريكية.

كان النوم بالعدسات من بين أكثر السلوكيات التي تزيد من خطر الإصابة بالعدوى من 6 – 8 أضعاف، حيث يعد هذا السلوك الأكثر شيوعًا بين مرتديها من المراهقين والبالغين. لا يعني النوم هنا هو النوم خلال الليل فحسب، بل القيلولة أو «الغفوة» التي يستريح فيها الشخص لبضع دقائق خلال النهار.

وبالنسبة للعدوى ذاتها، فيقول البروفيسور «جون دارت – John Dart»، مؤلف الدراسة في معهد طب وجراحة العيون، والطبيب في مستشفى مورفيلدز للعيون، إن هذه العدوى لا تزال نادرة الحدوث جدًا، وتصيب عادة 2.5 من بين 100 ألف مستخدم للعدسات اللاصقة سنويًا في جنوب شرق إنجلترا، لكن يمكننا منعها إلى حد كبير.

يتسبب نوع من الأميبا الدقيقة تدعى «Acanthamoeba» في حدوث مرض التهاب القرنية الميكروبية النادر الذي يصيب قرنية العين، محدثًا آلامًا والتهابات فيها، قد ينتج عنه ضعف بصري دائم أو عمى. يكون معدل الرؤية لدى المصابين به أقل من 25%، وقد يصابون بالعمى كليًا، مما يتطلب علاجًا مطولًا، وزراعة قرنية في النهاية.

عين مصابة بالتهاب القرنية الميكروبية

توجد هذه الأميبا المسببة للمرض في المملكة المتحدة بكثرة عن البلدان الأخرى، ويرجع سبب ذلك على الأرجح وفقًا للدراسة، إلى وجودها بمستويات كبيرة في إمدادات المنازل المنزلية، بحيث يكون تلوث العدسات اللاصقة مثيرًا للقلق بسبب المياه.

شملت الدراسة أيضًا نحو 63 شخصًا مصابًا بالتهاب القرنية الميكروبية، حيث ركزت هذه المرة على معرفة الروتين اليومي المتبع في التعامل مع العدسات. وجد الباحثون أن خطر الإصابة بالمرض كان أكثر من 3 أضعاف بالنسبة للأشخاص الذين يهملون نظافة العدسات، أو الذين لم يهتموا بنظافة أيديهم وغسلها جيدًا وتجفيفها قبل استخدام العدسات.

أيضًا من ضمن هؤلاء المصابين، كان الأشخاص الذين استخدموا مطهرًا للعدسات يحتوي على مواد «أوكسيبول» -الذي لم يعد ينتج الآن-، وكذلك الأشخاص الذين ارتدوا عدساتهم أثناء تواجدهم في حمامات السباحة، أو أحواض المياه الساخنة.

كيف نحافظ على سلامة أعيننا عند ارتداء العدسات؟

1. إذا كان لديك حساسية منها.

2. تعاني عيناك من الإصابة بأي عدوى أو التهابات بسهولة.

3. ظروف عملك أو معيشتك تكون في مكان مليء بالغبار والأتربة.

4. جفاف عينيك.

5. تمنعك ظروف عملك أو روتين حياتك اليومي من الاعتناء بالعدسات بشكلٍ صحيح.

أما إذا كنت تستطيع ارتداء العدسات، فهناك أيضًا بعض الإرشادات لتجنب إصابة العين كالآتي:

1. عدم ارتداء العدسات عند النوم.

2. لا ترتدي العدسات أثناء الاستحمام، أو داخل المسابح، أو أي تصرف يسمح بدخول المياه إلى العين أثناء ارتداء العدسات، أو الاقتراب من أي مصدر حار أثناء ارتدائها.

3. تأكد من غسل اليدين جيدًا بالماء والصابون، وتجفيفهما بمنشفة خالية من الوبر.

4. إذا شعرت أن العدسات جافة عند ارتدائها، فلا تحاول ترطيبها بفمك!

5. لا تستخدم المياه لحفظ العدسات، بل استخدم محلولًا خاصًا بها، وتأكد أنه غير منتهي الصلاحية.

6. لا تستخدم قطرات العين (قطرة العين) أثناء ارتدائها.

7. بعد استخدام العدسات، تخلص من المحلول الذي كان يحفظها، ثم ضع قطرات محلول جديدة لحفظها، وتأكد من غلق علبة المحلول جيدًا وحفظها في علبتها الورقية بعيدًا عن الضوء.

8. حافظ على نظافة العدسات، واستبدلها كل 3 أشهر على الأقل. فالعدسات قد تتعرض لخدوش أو تلف إذا استخدمت لفترة طويلة، كما يجب استبدالها على الفور في حالة حدوث خدوش أو تلف بها حتى لو كانت جديدة.

9. إذا احتفظت بعدساتك دون استخدام لفترة زمنية طويلة؛ تحقق من تعليمات ارتدائها، ولا ترتديها دون تعقيم إذا قمت بتخزينها لمدة أكثر من 30 يومًا.

10. في جميع الأحوال يجب استشارة طبيب قبل ارتداء العدسات اللاصقة.

أخيرًا؛ لا مانع من الاهتمام بالمظهر، أو حتى تحسين الرؤية من خلال العدسات اللاصقة، لكن سوء الاستخدام دائمًا يحوّل أي شيء حسن إلى مصدر للمشاكل والأمراض. فالبيئة ليست في مأمن من هذه الدوائر الشفافة الصغيرة، ولا أعيننا أيضًا. لذا قبل أن تقرر ما إذا كنت سترتديها، فكر مليًا بالعواقب.

المراجع
  1. methyl methacrylate