«هذا المرض تسببه أرواح شيطانية» .. ليست هذه الجملة اقتباسًا لأحد المشاهير، أو مقطعًا من كتاب طبي من العصور الوسطى، إنما هو ترجمة مُقرَّبة لجملة Ka-dinga pepo باللغة السواحيلية المنتشرة في أفريقيا، والتي اقتبس منها المستعمرون الأسبان كلمة Dengue عندما كانوا يصفون تلك الحمى العنيفة التي جلبها الأفارقة معهم بعد اختطافهم من سواحل أفريقيا إلى العالم الجديد.

حمى الدنج Dengue fever أو حمى الضَّنك كما يحلو للبعض تسميتها عربيًا بهذا الاسم المعبر بقسوة عما تحدثه في معيشة ضحاياها، هي مرض فيروسي يسببه 4 فيروسات شقيقة تحمل اسمها، وهي قريبة الشبه من فيروسيْ الحمى الصفراء، و حمى غرب النيل. وتنقله إلى الإنسان لدغة بعوضة الأييديس إيجيبتي Aedes Egypti. المصابة نتيجة انتقاله إليها من دم إنسان مصاب، ولحسن الحظ لا يستطيع الفيروس تخطي هذا الوسيط، والانتقال من إنسانٍ لآخر مباشرة عدا حالة نقل الدم الملوث. وتلك الحلقة الوسيطة الضعيفة هي مدار أهم جهود مكافحة هذه الحمى كاسرة العظام break-bone fever كما سماها بعض الأطباء منذ أكثر من قرنيْن من الزمان، فملايين الدولارات تنفق سنويًا على مكافحة هذه البعوض حاملة الضنك.

ووظيفيًا، فالصورة الشديدة من المرض والتي تسمى حمى الدنج النزفية Dengue hemorrhagic fever، والتي تحدث لأكثر من 10% من المصابين، قد حجزت له مكانًا مهيبًا وسط فيروسات الحمى النزفية الخطيرة، كاللاسا والإيبولا والماربرج والحمى الصفراء.


حمى الدنج .. قصفٌ إحصائي:

تنذرنا منظمة الصحة العالمية في نشراتها عن حمى الدنج، بتصاعد معدلات الإصابة بها في العقود والسنوات الأخيرة، وهذه نماذج تبيِّن فداحة الأمر:

  • تقدر بعض الدراسات أعداد الإصابات السنوية بفيروس حمى الدنج بحوالي 390 مليون إصابة، منها حوالي 96 مليونا أدت إلى ظهور أعراض المرض بمختلف درجات شدته، من بينها أكثر من نصف مليون من حالات حمى الدنج الشديدة severe Dengue والتي يصل معدل الوفيات منها إلى أكثر من 2.5%
  • أظهرت دراسة موسعة أعلنت نتائجها عام 2012، أن أكثر من نصف سكان العالم (حوالي 3.9 مليار إنسان)، خاصة في أفريقيا وجنوب شرقي آسيا، وغرب المحيط الهادئ، وأمريكا الوسطى .. الخ، معرضون لخطر الإصابة بحمى الدنج.
  • قبل عام 1970، لم تسجل أوبئة حمى الدنج الشديدة إلا في 9 دول فقط، أما الآن، فقط أصبحت متوطنة في أكثر من 100 دولة حول العالم. وحتى البلدان البعيدة عن المناطق الإستوائية كالقارة الأوروبية، لم تسلم من ظهور بعض الحالات خاصة من الوافدين. ففي 2010 سجلت حالات في خمس دول منها فرنسا وكرواتيا، وفي 2012، حدث وباء محدود في إحدى جزر البرتغال، سجل خلاله 2000 حالة.
  • في عام 2008 سجل حوالي مليون و200 ألف حالة إصابة بحمى الدنج في الأمريكتيْن وغرب المحيط الهادي، وجنوب شرق آسيا .. بينما في 2015، سجلت أكثر من 3 ملايين و200 ألف حالة في نفس هذه المناطق.

حمى الدنج على طاولة السؤال والجواب:

1. كيف ينتقل المرض من إنسان لآخر ؟

ينتقل الفيروس من الإنسان المصاب من خلال لدغة البعوضة الناقلة Aedes Aegypti إليها، فتنقله البعوضة المصابة بلدغتها إلى إنسان سليم. وهناك طريق نادر لانتقاله وهو من خلال نقل دم ملوث بالفيروس إلى الشخص السليم. وهذه البعوضة تنشط في المناطق مرتفعة الحرارة والرطوبة، ولذا قد تسبب العدوى في المناطق الشمالية من العالم في الصيف إذا وصلتها.

2. ما هي أهم أعراض المرض؟

أعراض حمى الدنج

تبدأ الأعراض (وهي مجمَّعة في الصورة أعلاه) بعد حوالي أسبوع من اللدغة، بأعراضٍ شبيهة بالأنفلوانزا لمدة 3-5 أيام، وأهمها الحرارة الشديدة (غالبًا فوق 40 درجة)، مصحوبة باثنين على الأقل من الأعراض التالية (آلام شديدة المفاصل والعظام، ومن هنا جاءت تسمية بكاسرة العظام – الصداع – ألم خلف العين – تورم العقد اللمفاوية – الطفح الجلدي).

في حالة تطور الحالة إلى الصورة الشديدة، يحدث أي ٌّ من الآتي خلال أسبوع من بداية الأعراض (صعوبة في التنفس – ألم شديد بالبطن – قيء مستمر – قيء دموي – .. ) والغريب أن الحمى قد تهدأ في ذلك الوقت وكأنها خديعة حرب.

3. ما هي أخطر مضاعفات المرض؟

أخطر المضاعفات هي حمى الدنج النزفية Dengue hemorrhagic fever. حيث تبدأ الصفائح الدموية مانعة النزيف بالتكسر، مما يسبب النزيف الشديد من أماكن مختلفة من الجسم أشهرها الجهاز الهضمي (القيء الدموي – نزيف لثة الفم)، والنزيف تحت الجلد، مما يسبب الأنيميا الحادة.

وقد تتطور الحالة إلى الخطورة القصوى بحدوث هبوط في ضغط الدم، وانهيار عام في الدورة الدموية Dengue shock، نتيجة فقد الجسم للدم في النزيف، ونتيجة حالة الالتهاب والتسمم العام في الجسم الناجمة عن الإصابة، مما يؤدي إلى انهيار وظائف الأعضاء الحيوية كالقلب والرئتيْن والكلى والكبد .. الخ، وتحدث الوفاة.

4. كيف أشك أنني مصاب بحمى الدنج، وماذا أفعل حينها؟

حدوث الأعراض السابقة، مع سفر قريب لإحدى المناطق الاستوائية أو تحت الاستوائية التى يتوطن فيها المرض خلال الأسبوعين السابقيْن، يرفع درجات الشك كثيرًا. توجه فورًا إلى طبيب مختص بالأمراض المتوطنة. أما إذا ظهرت الأعراض الشديدة كالنزيف، فلابد من الحجز بالمشفى.

5. ما علاج حمى الدنج؟

لا يوجد علاج جذري خاص بها، إنما المتابعة الجيدة وعلاجات عامة ..

  • متابعة العلامات الحيوية بدقة خاصة هبوط ضغط الدم، وارتفاع معدل النبض والتنفس.
  • شرب كمية كبيرة من السوائل مع الراحة التامة لحين الشفاء.
  • الباراسيتامول كمسكن وخافض للحرارة، مع تجنب باقي المسكنات لأنها قد تفاقم المضاعفات خاصة النزيف.
  • نقل الدم لتعويض النزيف الشديد.
  • الأدوية الداعمة للدورة الدموية كالنور-أدرينالين الوريدي في حالة هبوط الدورة الدموية.

باتباع هذه التعليمات .. تكون احتمالات الوفاة أقل من 1%.

6. هل يوجد تطعيم وقائي من حمى الدنج؟

حتى الآن لا يوجد تطعيم يعتمد عليه. وجدير بالذكر أن الإصابة بفيروس من الأربعة، يكسب الجسم – إذا تجاوز المرض الحاد – مناعة طول العمر من هذا النوع فقط، بينما يظل معرضًا للإصابة بأيٍّ من الثلاثة الباقية، وباحتمالية أكبر لحدوث الإصابة الشديدة.

7. كيف يمكن الوقاية الفردية منها؟

يمكن تلخيص الوقاية في مناطق توطن الحمى في عبارة واحدة .. (فِرَ من البعوضة فرارك من الأسد !).

  • ارتداء ملابس طويلة الأكمام، ووضع الدهانات الطاردة للبعوض على المناطق المكشوفة.
  • النوم تحت الناموسيات المطعمَّة بمبيدات خاصة تطرد البعوض. خاصة لمن أصيب بالفعل بالحمى، وذلك لمنع انتشار المرض منه إلى غيره عن طريق لدغ البعوض له. فالشخص المصاب يمكن أن يظل معديا لحوالي 12 يومًا بعد الإصابة.
  • غلق الشبابيك والأبواب بإحكام.
  • تكييف الهواء يقلل فرص التعرض للدغ البعوض.
  • رش المبيدات جيدًا في مكان الإقامة.
  • البعد عن المستنقعات والمياه الراكدة، فهي البيئة الأفضل لانتشار هذه البعوضة.

8. والوقاية العامة؟

أعراض حمى الدنج
النقطة المركزية فيها هي مكافحة وسيط العدوى وهو بعوضة الـ A.Aegypti.
  • تطهير الأماكن التي تضع فيها البعوضة بيضها، مثل (الزجاجات – خزانات المياه – البرك والمستنقعات – فازات الزهور – الثقوب في الأشجار – المراكب الخشبية الراسية – إطارات السيارات القديمة الملقاة .. الخ).
  • تنظيف خزانات المياه أولًا بأول، ومنع ركود الماء فيها طويلًا.

وكفانا الله وإياكم شر كل ضنك.