هل يكتئب الأطفال؟ نعم. وقد يؤدي هذا لانتحار بعضهم، وقد سُجلتْ في مصر وحدها 44 حالة انتحار لطفل في عام 2015، فما هو الاكتئاب وكيف يمكن التعرف عليه؟ وكيف نتعامل معه قبل أن يؤدي لتطورات لا يحمد عقباها؟

الاكتئاب هو اضطراب في المخ ينتج عنه شعور عميق بالحزن والأسى وفقدان السعادة،ويعتقد العلماء أن الاكتئاب يرتبط بالتغيرات في كيمياء الدماغ التي تساعد على نقل الرسائل من خلية عصبية لأخرى. فعندما يكون هناك انخفاض في بعض الناقلات العصبية، فبالتالي الدماغ لا يعمل بشكل طبيعي، فيؤدي ذلك إلى الاكتئاب أو غيره من أشكال الأمراض النفسية والعقلية.


هل يمكن أن يعاني طفلي من الاكتئاب؟

نعم، والكثير من البالغين ينكرون ذلك ولا يدركونه، فحتى عام 1980 لم يعترف بالاكتئاب بأنه من أمراض الطفولة. ولكننا اليوم نعلم أنه مرض خطير إذا لم يُعالج مبكرًا.

وليس بالضرورة أن يُشَخَّص طفلك بالاكتئاب لأنه حزين معظم الوقت؛ فمن الطبيعي أن يشعر الأطفال، كما الكبار، بالحزن في بعض الأوقات وانخفاض الطاقة واليأس، لكن أن يستمر حدوث ذلك لفترات متكررة أو فترات طويلة؛ ففي تلك الحالة لا يعتبر هذا طبيعيًّا، وعليك البحث عن المساعدة والتأكد من سلامة طفلك.


أعراض الاكتئاب

من الأعراض التي تصاحب الاكتئاب لدى الأطفال والمراهقين:

  • حزن متكرر أو مبالغ فيه، وربما يكون غير مُبرر في بعض الأوقات.
  • تقلب المزاج بشكل غريب بين الفرح والسعادة.
  • الرغبة في الهروب من المنزل أو محاولات واقعية بالهروب من المنزل، وبغض الأقرباء.
  • الشعور بالملل المستمر، وعدم الرغبة في اللعب مع الأصدقاء، والامتناع عن الكلام والمشاركة.
  • الخوف الشديد من الموت.
  • الحساسية الفائقة من بعض التصرفات العادية، كالرفض أو الفشل.
  • ازدياد الغضب والدخول في نوبات هستيرية، والتحدي.
  • مشاعر الحزن المستمرة والقلق.
  • الإحساس بالذنب أو العجز.
  • فقدان الاهتمام والمتعة مرة واحدة في الأنشطة التي كان يستمتع بها من قبل.
  • نقص مفرط للطاقة والحماس.
  • أفكار كثيرة عن الموت والانتحار.
  • مشاكل مستمرة في النوم.
  • حدوث تغيرات في الشهية والوزن بشكل ملحوظ.
  • عدم الرغبة أو القدرة على التركيز.
  • انخفاض الثقة بالنفس والإحساس بالعجز.

قد يكون من الصعب معرفة إذا كان سلوك طفلك أمرًا طبيعيًّا أو فيه ما يدعو للقلق، فبعض هذه الصفات قد يكون طبيعيًّا وبعضه لا يكون، يتوقف هذا على شدة العرض وعدم منطقيته.

والأطفال الذين يعانون من الاكتئاب قد يواجهون صعوبات أخرى في الوقت نفسه، فالاكتئاب عند الأطفال غالبًا ما يصاحبه مشاكل أخرى مثل القلق، واضطراب نقص الانتباه، أو اضطرابات السلوك، أو اضطرابات الأكل، أو مشاكل تعاطي المخدرات.

لكن إذا لاحظت على طفلك العديد من الأعراض المذكورة ولعدة أسابيع، وكانت هذه الأعراض تؤثر على سلوك الطفل في المنزل أو المدرسة أو مع الأصدقاء، فعليك زيارة الطبيب وطلب المساعدة. فالطبيب هو الذي سيحدد إذا كان سلوك طفلك طبيعيًّا أم يحتاج إلى تدخل من متخصصين نفسيين للأطفال.


ما الذي يسبب الاكتئاب؟

ليس هناك سبب واحد محدد ومعروف للاكتئاب. ترجح معظم الأبحاث أن الاكتئاب ينتج عن مجموعة من عوامل بيولوجية أو بيئية، ويمكن أن يكون المسبب الرئيسي للاكتئاب أمورًا أخرى بجانب العوامل المتعلقة بالجينات. مثل: تعرض الطفل لأحداث صادمة، أو حدوث مشكلة مزمنة في المدرسة، أو الانتقال المفاجئ في حياة الطفل من حال لأخرى، أو من مكان لآخر، أو تعرض الطفل لأي نوع من أنواع الإساءة (بدنية أو جنسية أو عاطفية)، أو فقدانه لشخص عزيز أو حيوانه الأليف.

كل هذه الأسباب يمكن أن تؤدي للاكتئاب إذا لم توجد بيئة داعمة حول الطفل تدعمه في مثل هذه المواقف، وتساعده على تخطيها بأقل الخسائر.


طرق العلاج

لو ظهرت الأعراض لمدة أسبوعين ينصح باستشارة الطبيب قبل التشخيص؛ لكي يحدد هل هو اكتئاب أم شيء عارض. ويشمل العلاج شقين:

شق دوائي

ويستخدم عند ظهور ميول انتحارية أو إيذاء للذات لدى الطفل.

شق نفسي

نستخدم العلاج النفسي، خاصة العلاج السلوكي المعرفي، وأيضًا يمكن استخدام العلاج باللعب مع الأطفال الأصغر سنًّا والأقل تعبيرًا عن أنفسهم، فمن خلال اللعب يستطيعون التعبير عن أنفسهم بسهولة أكبر.

وأحيانًا يوصي المعالج بالعلاج الأسري أو تقديم المشورة للأهل أيضًا، لكي يساعد الطفل على العلاج، فهو يحتاج لتوفير بيئة آمنة حوله تساعده على تخطي مرض الاكتئاب، وهذا لن يحدث لو كان هناك توتر في البيئة الداعمة حوله، أو وجود مشاكل أسرية. بالعكس ذلك سيؤدي إلى زيادة مرض الاكتئاب وصعوبة التعافي منه.

ويمكن بعد الانتهاء من العلاج الفعال وشفاء الطفل أن تتكرر نوبات الاكتئاب لاحقًا. لذلك فهو بحاجة للدعم المستمر من البيئة المحيطة به.

ومن المهم جدًّا عند اختيارك للمعالج الخاص بطفلك أن تتأكد من تخصصه، ومن أنواع العلاج وطرقه التي يستخدمها، وأن يكون لك ولطفلك علاقة جيدة مع المعالج الخاص به، وأن يشعر كلاكما بالرحة في التعامل معه، لذلك في البداية يمكن أن تطلب مقابلة المعالج قبل الذهاب بطفلك إليه، فإذا وجدته متخصصًا وشعرت بالراحة النفسية معه يمكنك بدء العلاج معه. أما إذا لم تشعر بالراحة معه فمن الضروري البحث عن آخر تستطيع ائتمانه على ابنك وأنت تشعر بالراحة معه.


دور الأهل في علاج الاكتئاب

رؤية طفلك يعاني أمر صعب، لذلك ربما تحتاج لطلب دعم نفسي لك أيضًا أثناء فترة علاج طفلك، حتى تستطيع أن تحافظ على ثبات اتزانك الانفعالي، والتحلي بالصبر، والرضا، ومساعدة طفلك بأحسن وجه على قدر الإمكان.

  • يمكنك تشجيع طفلك على الحفاظ على نظام غذائي جيد، والاستماع إلى حديث طفلك دائمًا دون الحكم على ما يقول.
  • دائمًا اجعله يشعر أنك موجود حوله مهما حدث أو سيحدث، فوجود شخص بجانبه يدعمه دعمًا غير مشروط من أهم وسائل العلاج التي يحتاجها في هذه الفترة.
  • ساعده على الحصول على قسط كافٍ من النوم والراحة.
  • حاول تقليص أعمال طفلك وتقليل الضغط عليه قدر الإمكان.
  • البقاء على تواصل جيد مع معالج طفلك، ومعرفة الإرشادات الخاصة التي يمكن أن تدعم بها طفلك.
  • إذا كان طفلك يأخذ الدواء، تأكد أنه يحصل عليه في المواعيد المحددة، وتعرف على الآثار الجانبية له وكيفية التعامل معها، والحد منها.

وتذكر أن الاكتئاب مرض عضوي مثله مثل أي مرض، فلا تتجاهله أو تنكره، وتعرف على الطرق الصحيحة لمساعدة طفلك على التعافي منه. فكلما كان اكتشاف الاكتئاب وعلاجه مبكرًا، أمكن أن يساعد ذلك طفلك على التعافي منه تمامًا، وجعل احتمالية أن يعاني منه مرة أخرى في المستقبل ضئيلة جدًّا. ما عليك سوى طلب المساعدة عند تحديد المشكلة، ومساعدة طفلك على تخطيها.