محتوى مترجم
المصدر
The Conversation
التاريخ
2018/04/12
الكاتب
كاتارينا جراف

عندما تظاهر المصريون عام 2011، خرجوا حاملين في أياديهم قطعًا من الخبز، مطالبين بـ «عيش.. حرية.. عدالة اجتماعية». ومنذ اندلاع الأزمات الاقتصادية في 2007-2008 و2010-2011، أدى ارتفاع أسعار الغذاء مرارًا، لاسيما الخبز، إلى خروج المواطنين العاديين في تظاهرات احتجاجية في شتى أنحاء منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

لقد أصبح الخبز رمزًا لمطالب أكبر بتوفير ظروف معيشية معقولة ميسورة التكلفة. وفي حين انهارت بعض الحكومات، وأبرزها نظام حسني مبارك في مصر، فإن حكومات أخرى استمرت في سدة السلطة مثل النظام الملكي في المغرب.

على الرغم من ذلك، فقد شهدت المغرب احتجاجات، بما في ذلك احتجاجات حركة 20 فبراير/شباط عام 2011 التي بدأت في العاصمة الرباط للمطالبة بتنازل الملك محمد الخامس عن بعض من صلاحياته. وقد أدى إصلاح دستوري في وقت لاحق من العام نفسه إلى وضع مستقر نسبيًا.

لقد قدم أساتذة العلوم السياسية والاقتصاديون ووسائل الإعلام الدولية تحليلات قيمة، كما قاموا بتحديد الأسباب الرئيسية لاندلاع الاضطرابات بالمنطقة. على الرغم من ذلك، تبقى وجهات نظر المواطنين العاديين غير مدروسة بشكل مثير للدهشة.

ولاستكشاف السبب وراء عدم نزول المغاربة الفقراء في المناطق الحضرية إلى الشوارع على الرغم من الظروف السياسية والاقتصادية المتشابهة مع جيرانهم، يجدر بنا إدراك أن الخبز ليس رمزًا للتعبير عن السخط فحسب، بل أيضًا أداة لتحليل الأوضاع الاقتصادية والسياسية في البلاد.


الخبز والدولة المغربية

كما هو الحال في الدول المجاورة، كان الخبز محوريًا لمسألة الاستقرار السياسي في المغرب على مدى عقود. حيث إن النظام الملكي وحلفاءه السياسيين، والذين يُشار إليهم بمصطلح «المخزن»، قد وضعوا أنفسهم كمُقدِم للأمن الغذائي: بمعنى أن قوتهم السياسية كانت تكمن في تخزين الحبوب لمواجهة النقص المنتظم الذي يتسبب فيه الجفاف أو الجراد.

في العام 1912، أنشأ الفرنسيون محمية تستند بشكل كبير للأسطورة القائلة بأن المغرب هي «مخزن حبوب روما»، وحاولوا إنتاج القمح لتصديره إلى فرنسا. وفي أعقاب استقلالها عام 1956، استمرت المغرب في كونها مصدرًا للقمح، وبقيت هكذا منذ ذلك الحين.

لقد تضاعف عدد سكان المغرب 3 مرات منذ ذلك الحين، كما أن التحرر الاقتصادي قد وعد بمزيد من توفير فرص العمل وارتفاع الدخول. على الرغم من ذلك، لا تزال معدلات البطالة والفقر مرتفعة، لاسيما في المناطق الحضرية التي يعيش بها أكثر من نصف المغاربة في الوقت الحالي. ورغم ارتفاع تكلفة الغذاء، لا تزال الحكومة المغربية تسيطر على واردات وإنتاج وأسعار القمح. وبالتالي، يظل الخبز عنصرًا أساسيًا حساسًا على الصعيد السياسي.


فهم الأمور المتعلقة بإنتاج الخبز

لفهم السبب وراء استمرار سيطرة الحكومة على إنتاج وتوزيع واستهلاك القمح، وكيف يرتبط ذلك بالاستقرار السياسي النسبي للمغرب، قمت بتتبع خط عمل رغيف الخبز بداية من مراحل الإنتاج وحتى الاستهلاك.

بفضل المنحة المقدمة من صندوق أكسا للأبحاث، جعلني ذلك البحث الذي يركز على دراسة العرقيات البشرية، أتنقل بين منازل الفقراء المغاربة في مدن «مراكش» و«بني ملال»، مرورًا بالمخابز والمطاحن، فضلًا عن الأسواق الحضرية والقروية وداخل الحقول المحيطة بها.

وبينما كنت أتتبع مسارات حبوب القمح وتحويلها إلى دقيق وخبز، كنت أراقب وأشارك أيضًا في حصر مصادر الحبوب وطحنها وتحويلها إلى دقيق ثم عجين أيضًا. كما أجريت لقاءات مع مستهلكين وخبازين وأصحاب مطاحن وبائعين ومزارعين لربط الممارسات الثقافية بالعمليات الاقتصادية والسياسية الأوسع.


صناعة الخبز وتشكيل النظام الغذائي المغربي

جميع العائلات التي عمِلت معها كانوا يعتمدون على الخبز المُصنَّع في المنزل بشكل أكبر من المُصنَّع تجاريًا. وعلى الرغم من أن النساء اللائي كُنّ مسئولات بشكل عام عن إعداد الطعام، يسعيْن بشكل متزايد للحصول على قدر مناسب من التعليم ومن ثَمَّ عمل وأجر مناسبين، فإنهن يحاولن صناعة الخبز في المنزل كلما كان ذلك ممكنًا.

لقد قيل لي مرارًا:

إن الخبز المنزلي يتم إعداده من الماء والملح، وعادة نوعين من الدقيق؛ أحدهما مصدره من القرويين أو من الأسواق الأسبوعية في شكل حبوب ودقيق، بينما يتم شراء الآخر في صورة دقيق مكرر ذي ثمن أرخص، وذلك بفضل القيود الحكومية المفروضة على الأسعار.

وفي حين أن هناك العديد من الأسباب لاستخدام نوعين من الدقيق، فإن مسألة المزج تعكس التقدير العام للأغذية محلية الصنع في مواجهة الفقر والتحضر.

وغالبًا ما تتم الإشارة إلى الأغذية محلية الصنع في المغرب بكلمة «بلدي» التي تشير أيضًا إلى مسقط رأس الشخص وبلده. كما تسمح صناعة الخبز للعديد من المهاجرين حديثًا إلى الحضر بالحفاظ على هويتهم الريفية، وإقامة مكان ينتمون إليه في مسكنهم الجديد.

في الوقت نفسه تحافظ الحكومة على الدقيق الصناعي المكرر قليل التكلفة من خلال وضع حدود قصوى للأسعار. ويقوم الكثيرون من المغاربة، لاسيما في المناطق الحضرية التي باتت فقيرة مؤخرًا، بخلط الدقيق الأقل جودة مع الدقيق المفضل محلي الصنع للاحتفاظ به لفترة أطول. ويسمح ذلك لهم بالتمسك بممارساتهم الثقافية الخاصة بالطهو، وبالتالي المساهمة في تشكيل النظام الغذائي المغربي.


صناعة الخبز كمؤشر للاستقرار السياسي

يبدو أن ثمة مجتمعات حضرية أخرى بمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا قد تخلت إلى حد كبير عن صناعة الدقيق والخبز في المنزل. ومن الأمثلة البارزة على ذلك القاهرة، حيث تراجعت عمليه إنتاج «الخبز البلدي» داخل المنازل، وأصبح السائد هو الخبز المدعوم، والمُصنَّع لأغراض تجارية في المخابز.

ومع أخذ المقارنة لما هو أبعد من ذلك، فقد يجازف المرء بالإشارة إلى أن فقراء المناطق الحضرية في مصر لم يعودوا يساهمون في صناعة غذائهم الأساسي، وبالتالي فهم صاروا لا يتمتعون بقدر أكبر من المشاركة الثقافية والاقتصادية والسياسية.

وعلى النقيض من ذلك، يساهم الفقراء المتمدينون في المغرب مؤخرًا بشكل فعال في الاستقرار الاقتصادي والسياسي النسبي لبلادهم، من خلال صناعة الخبز والحفاظ على القيمة الثقافية.

ومع وجود توقعات باستمرار تقلب أسعار الغذاء العالمية مستقبلًا، فإن الحكومة المغربية تتجه بشكل متزايد إلى موازنة الإصلاحات الاقتصادية مع الحاجة إلى الأمن الغذائي لاسيما بالمناطق الحضرية.