إذا لم نواجه الخطر المتمثل في الإرهاب والأنظمة المارقة المسلحة بأسلحة دمار شامل فإن الخطر سيبقى حاضرًا ولن يزول.

توني بلير رئيس الوزراء البريطاني الأسبق في 19 مارس/آذار 2003م عشية غزو العراق

بعد 13 عامًا من الحرب على العراق هل زال الخطر؟ هل نجحت الحرب في إبادة الإرهاب؟ لقد تسببت الحرب في دمار يعاني منه العراق والعالم حتى اليوم، علاوة على ذلك يواجه العالم إرهاب داعش وليس فقط القاعدة.

كانت تلك تجربة سياسات «الحرب على الإرهاب» التي شنتها الولايات المتحدة الأمريكية بعد أحداث 11 سبتمبر/أيلول، فما هي خبرة مصر مع الإرهاب؟ وما هو مدى نجاح حربها على الإرهاب؟

لم تبدأ حرب مصر على الإرهاب في يوم الرابع والعشرين من يوليو/تموز 2013م مع طلب الرئيس السيسي تفويضًا من الشعب المصري لأجل مكافحة الإرهاب، ولكنها بدأت من قبل ذلك. فقد اجتاحت مصر بين 1992 و1997م عمليات إرهابية استهدفت في البداية مسئولين أمن وسياسيين وأقباط ثم مناطق سياحية ومدنيين، وفي المقابل شنت الحكومة هجمات مضادة لمكافحة الفكر الجهادي والتكفيري من خلال تمرير عدة قوانين عرفت جميعًا باسم «قانون مكافحة الإرهاب».

تم إدراج أفعال عديدة كجرائم إرهابية تحت أحكام هذه القوانين، وعلى إثره تم التضييق على الحقوق والحريات إلى جانب توسيع دائرة المحاكمات الاستثنائية لأعضاء الجماعات الإسلامية وأحكام بالإعدام والسجن. غالت الحكومة في حملاتها بحيث قُدّر عدد المعتقلين بحلول عام 2011م بين 12 ألف و 16 ألف معتقل، قضى عدد كبير منهم أكثر من 10 سنوات رهن الاعتقال رغم حصول الكثير منهم على أحكام إفراج، ولكن لم تنفذ.


سياسات الرئيس السيسي لمكافحة الإرهاب

لم ترُق حملة «الحرب على الإرهاب» بعد عزل الرئيس الأسبق محمد مرسي لمجموعات عدة، استخدم بعضها العنف في مواجهة الدولة فازدادت نسب العنف بشكل عام. وفي عام 2015م شهدت مصر ارتفاعًا غير مسبوق في الهجمات الإرهابية في كافة أنحاء الجمهورية، حيث في يونيو/حزيران 2015م وقع انفجار في موكب النائب العام «هشام بركات» مما أدى إلى وفاته.

هذا إلى جانب تفجير يوليو/تموز في ذات العام الذي وقع بجانب القنصلية الإيطالية بوسط القاهرة! وفي أغسطس/آب أيضًا حدث تفجير ضخم في محيط الأمن الوطني بدائرة قسم أول شبرا الخيمة مما أسفر عن إصابة 6 من رجال الشرطة وتلفيات في المبنى، وأعلنت داعش مسئوليتها عن تنفيذ آخر حادثين. أخيرًا وليس آخرًا لعام الإرهاب و/أو مكافحة الإرهاب، أعلنت ولاية سيناء مسئوليتها عن تحطيم الطائرة الروسية في أكتوبر ومقتل كل من كان على متن الطائرة.

أطلقت مصر في المقابل عدة تدابير لمكافحة الإرهاب، اعتمدت في البداية على شن حملة ضد جماعة الإخوان المسلمين وإدراجهم كجماعة إرهابية وحظر كافة أنشطتهم:

1. حملة ضد الإخوان المسلمين: استهدفت تلك الحملة كل العناصر المرتبطة بجماعة الإخوان المسلمين بعد إعلانهم جماعة إرهابية في ديسمبر/كانون الأول 2013م، وحسب تقرير مؤسسة التحرير لسياسات الشرق الأوسط فقد شكلت الحملات ضد الجماعة بحلول عام 2016م حوالي 71% من إجمالي حملات مكافحة الإرهاب ‪(غير شاملة لحملات سيناء).

في أعقاب الأحداث الإرهابية المتتالية التي استهدفت الجيش والشرطة تم تعريف الإرهاب في سياق قوانين جديدة استخدمت لغة فضفاضة وغير دقيقة.

في أعقاب الأحداث الإرهابية المتتالية التي استهدفت عناصر الشرطة، الجيش، المدنيين والمنشآت العامة، وكما هو في الحرب القديمة على الإرهاب، تم تعريف الإرهاب في سياق قوانين جديدة استخدمت لغة فضفاضة وغير دقيقة، وبالتالي اتسعت دائرة سلطات الدولة على المجال العام:

2. إصدار قانون تعريف الكيانات الإرهابية في فبراير/شباط 2015م: أقر القانون أحكامًا قاسية على جرائم تندرج تحت تعريف الإرهاب، وأعطى القانون الجديد للنيابة العامة سلطات أكبر في تقدير المشتبهين بالإرهاب واحتجاز الأشخاص دون مراجعة قضائية لفترات غير محددة ودون تهم.

3. إصدار قانون مكافحة الإرهاب في أغسطس/آب 2015م: أثير جدل حول القانون باعتباره محاولة من الدولة لتوسيع سلطاتها وتقييد الحقوق والحريات وضمانات المحاكمة العادلة، لكن تم تمرير القانون من البرلمان في يناير بنسبة معارضة ضئيلة جدًا.

4. لم تخل الحرب على الإرهاب من الهجمات العسكرية مثال حملة حق الشهيد: أعلنت القيادة العامة للقوات المسلحة عن عمليات في سيناء في سبتمبر/أيلول 2015م تحت اسم «حملة حق الشهيد»، وهي عبارة عن حملة عسكرية موسعة بمناطق مكافحة النشاط الإرهابي بوسط وشمال سيناء لمداهمة البؤر الإرهابية.

5. والجدير بالاهتمام في الحرب الجديدة على الإرهاب إستراتيجية الأزهر لمكافحة الإرهاب التي تم إطلاقها في يونيو/حزيران 2015م؛ إستراتيجية الأزهر في مكافحة الإرهاب: تضمنت الإستراتيجية ١٥ نقطة تسعى جميعًا إلى الوصول برسالة الإسلام المعتدل لفئة الشباب، وبالتالي تضمنت الإستراتيجية تطوير مواقع إلكترونية وصفحات على وسائل الإعلام الاجتماعي خاصة بالأزهر.

هذا إلى جانب مرصد إلكتروني (مترجم بعشر لغات – تم إطلاقه بالفعل) يهتم بالرد على الادعاءات والتفسيرات المتطرفة للإسلام من قبل الجماعات الإرهابية. عمل الأزهر أيضًا على تطوير بعض المناهج الدراسية التي تدرس في المعاهد الخاصة به، واهتمت الإستراتيجية بتضمين خطط لإعادة تأهيل الخطاب والوعاظ التابعين للأزهر في محاولة لتجديد الخطاب الديني.

وفي هذا السياق قامت وزارة الأوقاف بغلق العديد من المساجد غير التابعة للأزهر ووقف الكثير من الأئمة غير الحاصلين على رخصة من جانب الأزهر. قامت وزارة الأوقاف أيضًا بتوحيد خطبة الجمعة في يناير/كانون الثاني 2014م، وشكلت تلك الخطوات أيضًا جدلًا حول الحرية الدينية واحتكار الأزهر والأوقاف للدين.

يلاحظ أنه برغم توجه الحكومة إلى تضمين سياسات ناعمة في الحرب الجديدة على الإرهاب كمحاربة الأفكار الإرهابية والمتطرفة، إلا أنه لا زال التوجه العام يتمحور حول السياسات الأمنية والعسكرية التي ثبت عدم جدواها في الماضي.


النتائج في أرقام

برغم الجهود المبذولة من جانب الحكومة المصرية، ففي عام ٢٠١٦م تراجع مركز مصر لـ ١٤٢ بين 163 دولة بحسب مؤشر السلام العالمي الصادر عن معهد الاقتصاد والسلام، وكانت قد احتلت مصر المركز ١٣٧ لعام ٢٠١٥م على حسب ذات المؤشر. جدير بالذكر أن مؤشر السلام العالمي يأخذ في الاعتبار ثلاثة معايير أساسية وهم: مستوى الأمن والأمان في المجتمع، نطاق الصراع المحلي أو الدولي، ودرجة التسليح.

يشير التقرير إلى أن تدهور الأحوال بشكل عام في الشرق الأوسط تمحور حول مستوى الأمن والأمان في المجتمع ونطاق الصراع المحلي أو الدولي، كما تركزت التدهورات على نطاق الصراع المحلي أو الدولي في مصر وتركيا.

عدد الهجمات الأرهابية خارج سيناء

أشار مرصد مؤسسة التحرير إلى انخفاض عدد العمليات الإرهابية في 2016م، ولكنها لا زالت تفوق عدد العمليات الإرهابية قبل 2011م. في حقيقة الأمر لا تعكس الأعداد وحدها الواقع، ولذلك رصدت المؤسسة تطور المجموعات الإرهابية في مصر، ومن أبرز هذه التطورات:

1. ظهور مجموعات إرهابية محلية جديدة: فقد نشأت مجموعات مثل «حركة المقاومة الشعبية» و«العقاب الثوري» وحديثًا «جبهة التحرير»، استهدفوا بالأساس قيادات الشرطة في محافظات عدة.

2. استخدام المجموعات الإرهابية لتكتيكات جديدة: تعتمد المجموعات الإرهابية على التكنولوجيا الحديثة في تجنيد أفراد جدد ولترويج هجماتهم وأفكارهم، وأنتجت داعش فيدوهات دعائية وصل عددها إلى 14 بين شهري أبريل/نيسان و يونيو/حزيران 2016م.

3. التعاون بين داعش و مجموعات إرهابية داخلية: بايعت جماعة سيناء داعش في نوفمبر/تشرين الثاني 2014م.

4. استمرار استهداف مناطق داخلية خارج سيناء: قد نفذت حركة المقاومة الشعبية و داعش 10 هجمات بين يناير/كانون الثاني و يونيو/حزيران 2016م، استهدفت الهجمات محافظات (الجيزة والدقهلية ودمياط).


تقييم الجهود المبذولة

فهل نجحت الحرب على الإرهاب؟ لا توجد إجابة قاطعة بنعم أو لا، ليس فقط لمحدودية المعلومات المتاحة بل أيضًا لنسبية الإجابة؛ بالنسبة لمن نجحت؟ ما هي الأهداف المحددة لقياس النتائج؟. لقد تم عرض تطورات الحرب على الإرهاب وستشير السطور القادمة إلى بعض النتائج:

1. تخلط الحكومة في القوانين والسياسات بين بعض المفاهيم خاصة بين الإرهاب والتطرف، ولم تضع القوانين وسياسات مكافحة الإرهاب حدودًا صارمة عند تضمين الأشخاص و/أو الأفعال تحت مفهوم الإرهاب. ويترتب على ذلك معاقبة أشخاص لم ينتموا لجماعات إرهابية ولم يشاركوا في هجمات إرهابية تحت طائلة عقوبات قانون الإرهاب.

2. لا زالت التوجهات والتدابير العسكرية والأمنية غالبة في إطار إستراتيجية مكافحة الإرهاب. لا شك أنها ذات أهمية، ولكن تطبيق تلك السياسات وحدها لم يفلح ولم يتغير في الأحوال ما يجعلها تفلح الآن، بل على العكس تزايُد الإحباط على الصعيد السياسي والاجتماعي والثقافي يخلق حاجة ملحة لتضمين أبعاد أخرى في إستراتيجية الحرب على الإرهاب.

أخيرًا، تحتاج الحكومة لمساعدة منظمات المجتمع المدني في الحرب الجديدة على الإرهاب، بدلًا من تشريع عقوبات تأديبية على من ينشر معلومات في هذا الصدد!

المراجع
  1. تقرير مؤسسة التحرير السابق ذكره
  2. Global Peace Index 2016
  3. Global Peace Index 2015
  4. Global Peace Index 2015
  5. تجربة الحكومة المصرية في مكافحة الارهاب
  6. Country Reports on Terrorism 2015
  7. تقرير مؤسسة التحرير السابق ذكره
  8. اجراءات قصوى: انتهاكات ضد الأطفال المحتجزين بتهمة تهديد الأمن القومي
  9. قوانين أمام البرلمان: حزمة قوانين الحقوق الأساسية
  10. Tahir Institute for Middle East Police „Quarterly Report April – June
  11. So What’s New?
  12. Egypt’s drive to teach moderate Islam
  13. مصر: قرار بتوحيد خطبة الجمعة ابتداء من الأسبوع القادم