في عام 2005 بدأت مجلة «فورين بوليسي Foreign Policy» بالتعاون مع «صندوق السلام Fund For Peace» في إصدار تقرير سنوي عن الدول الفاشلة، تغير الاسم فيما بعد للتقرير السنوي للدول الهشة. وتقوم الفكرة بالأساس على محاولة رصد والوقوف حول مدى هشاشة الدولة محل الدراسة من خلال مجموعة من العوامل «12 عاملا» يتم تقييمها رقميا للدول من 0-10 حيث أن 10 هي الأقل استقرارا بينما 0 هي الأعلى استقرارا.

والنتيجة النهائية تصبح مجموع تلك العناصر التي حصلت عليها الدولة من أصل 120 درجة وكلما كانت الدرجات أقرب لـ120 كان ذلك مؤشرا بارتفاع هشاشة الدولة والعكس صحيح.

ويعد مصطلح «الدول الهشة» مصطلح حديث نسبيا في الدراسات الأكاديمية، وذلك على الرغم من انشغال الباحثين الاكاديميين بالظاهرة نفسها والتي تتمثل في عجز الدولة عن الوفاء والإتيان بالاحتياجات الأساسية وتطلعات المواطنين، ومن هذا المنطلق عادة ما يشار إلى الدول الهشة بالدول الضعيفة أو الفاشلة أو المنهارة.

وعادة ما يشير مصطلح الدول الضعيفة إلى الدول الفقيرة والتي تعاني من أزمات في إقرار منظومة الأمن والعدالة ودولة القانون، مما قد يستتبع فشل الدولة في السيطرة على بعض المناطق الخاضعة لها. بينما يشار بالدول الفاشلة أو المنهارة إلى الدولة التي فقدت القدرة على إقرار الأمن والنظام مما أدى لفقدانها للسيطرة بشكل كلي على بعض المناطق من إقليمها مما قد يؤشر لانهيارها تماما.(i)


المؤشرات الاجتماعية

  1. تصاعد الضغوط الديمغرافية زيادة السكان، وسوء توزيعهم، والتوزيع العمري، والنزاعات المجتمعية الداخلية.
  2. الحركة السلبية والعشوائية للاجئين أو الحركة غير النظامية للأفراد.
  3. الميراث العدائي الشديد مما يشيع عدم العدالة، والاستثناء السياسي والمؤسسي.
  4. الفرار الدائم والعشوائي للناس (هجرة العقول، وهجرة الطبقات المنتجة من الدولة، والاغتراب داخل المجتمع).
  5. غياب التنمية الاقتصادية لدى الجماعات المتباينة كعدم المساواة في التعليم والوظائف والدخل، ومستويات الفقر.
  6. الانحطاط الاقتصادي الحاد (الدخل القومي، وسعر الصرف، والميزان التجاري، ومعدلات الاستثمار، وتقييم العملة الوطنية، ومعدل النمو، والتوزيع، والشفافية والفساد).
  7. فقدان شرعية الدولة «إجرام الدولة» (فساد النخبة الحاكمة، وغياب الشفافية والمحاسبة السياسية).
  8. التدهور الحاد في تقديم الخدمات العامة.
  9. انتهاك حقوق الانسان وغياب القانون وتقييد الصحافة والتعسف.
  10. تنامي نفوذ المؤسسات العسكرية لتصبح دولة داخل الدولة.
  11. تنامي الانشقاقات داخل النخب بالدولة مما يهدد بالحروب الأهلية «النخب الدينية والعرقية المتنافرة على سبيل المثال».
  12. تدخل دول أخرى أو فاعلين سياسيين خارجيين (التدخل العسكري أو شبه العسكري داخليا في الدولة.

الاهتمام العالمي بقضية فشل وانهيار الدول

وتحظى قضية فشل وانهيار الدول بأهمية جوهرية ومحورية في النظام الدولي لما لها من تبعات على النظام. فما برح التمييز بين ما هو شأن داخلي للدول وما هو إقليمي بفضل العولمة السياسية والاقتصادية وثورة الاتصالات. ومن هنا أعادت الملابسات إعادة تعريف مفهوم عدم التدخل في الشأن الداخلي للدول الوارد بميثاق الأمم المتحدة في مادتها الثانية بندها السابع.

وقضية فشل وانهيار الدول من القضايا الأساسية التي تشكل وعي المجتمع الدولي. ففي القرن العشرن كانت قضايا كالفقر والحكومات غير الديموقراطية تعدو بمثابة قضايا داخلية محضة، وفي فترة الحرب الباردة كان ينظر للصراع الأيديولجي والتسابق بين القطبين باعتباره المحرك الأساسي لفشل وانهيار أنظمة لصالح أنظمة أخرى مدعومة من القوى المناوئة، بينما في عالم اليوم وبفضل المؤثرات سالفة الذكر تؤدي تلك المشاكل إلى تفاقم أزمات كالهجرة غير الشرعية وتجارة الأسلحة والجريمة المنظمة والانخراط تحت ألوية حركات أصولية فترتد سلبا تلك الأزمات على أعضاء المجتمع الدولي.

وربما أبرز ما يمكن الإشارة إليه في هذا السياق قضية اللاجئين السوريين الناجمة عن حالة الاقتتال الداخلي بين القوات النظامية السورية والفصائل الإسلامية المتطرفة وقوات المعارضة وهو ما يعد بالوصف الكلاسيكي شأنا داخليا بيد أن تبعاته ألقت الضوء على قضايا انسانية أثارت حفيظة العديد من المواطنين والمهتمين بدول اوروبا بشأن تعديل بعض أحكام قوانين اللجوء الانساني كما حدث في المانيا والنمسا والمجر. ومن ثم تحول نطاق القضية من مجرد حدث داخلي إلى قضية انسانية عالمية.


وضع مصر في التقرير في 2015

في التقرير الأخير الصادر للدول الهشة في 2015 جاءت مصر في المركز 38 برصيد 90 نقطة من 120، وقد صنفت في شريحة «الدول ذات الإنذار» حيث يتم تقسيم حالة الدول إلى عشرة شرائح من حيث درجة الخطورة كالآتي:

  • دول ذات إنذار عالٍ جدا.
  • دول ذات إنذار عالٍ.
  • دول ذات إنذار؛ «مصر».
  • دول ذات تحذير عالٍ جدا.
  • دول ذات تحذير عالٍ.
  • دول ذات تحذير.
  • دول ذات استقرار بسيط.
  • دول مستقرة.
  • دول مستقرة جدا.
  • دول في تمام الاستقرار.

وباستقراء وضع مصر في الأعوام السابقة نجد ما يلي:

ترتيب مصر في تقرير الدول الهشة

أفضل ترتيب حصلت عليه مصر في ال 7 أعوام الماضية كان في عام 2010 حينما حلت في المركز 49 برصيد 87.6 نقطة، بينما أفضل تقييم رقمي كان في عام 2011 برصيد 86.8 ويلاحظ أن مصر جاءت في الترتيب 45 بين دول العالم مما يشير إلى أهمية النظر إلى كلا من الترتيب الدولي والتقييم الرقمي. ومن ثم يعد الوضع المصري في 2010 أفضل بشكل عام من 2011 على الرغم من حصول مصر على تقييم رقمي أفضل في 2011 إلا أن مؤشر الترتيب الدولي كان أفضل في 2010.

ويشير الجدول السابق إلى التوزيع المفصل لدرجات مصر في التقييمات السبع الأخيرة حتى عام 2008. وبالرغم من الأحداث العديدة على الساحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية إلا أن الوضع لم يتغير؛ حيث ظلت مصر في نفس المنطقة في التقييم طوال تلك الأعوام وهي منطقة «الدول ذات الإنذار» باختلافات طفيفة في الترتيب داخل نفس الشريحة.

وتشير القراءة الأولية لمجموع درجات مصر في الجدول السابق إلى تحسن طفيف في المجموع الإجمالي للعناصر في أعوام 2011 برصيد 86.8 يليها عام2010 برصيد 87.6، بينما تشير القراءة المقارنة إلى تمحور المجموع الإجمالي لدرجات التقييم الرقمي حول المتوسط الحسابي لمصر 89.3 (المجموع الإجمالي للتقييمات مقسوما على عدد سنين تلك التقييمات)، وبنفس المنطق يلاحظ أيضا ثبوت نسبي في التقييمات الرقمية لكل عنصر على حدة؛ حيث تشير المتوسطات إلى ما يلي:

متوسطات التقييم في الحالة المصرية

وباستقراء الجدول السابق نجد على الرغم من التطورات الهائلة على الصعيد الداخلي من 2009 حتى 2015 إلا أن هذا الكم المتسارع من الأحداث لم ينعكس بشكل واضح على المعايير الرقمية المشار إليها في التقييم، حيث تقف أغلب العناصر عند نفس المتوسطات إذا ما أخذت بالمقارنة بأرقام التقييم الأخير في 2015 بل على العكس من فرضية تحسن الأحوال السياسية والاقتصادية والاجتماعية للداخل المصري فإن أغلب التغيرات المنظورة تشير إلى تدنٍ عن المتوسط العام. كما في حالة انتهاكات وسطوة الأجهزة الأمنية التي وصل تقييمها الرقمي إلى 8.2 في 2015 علما بأن المتوسط 7.

كما يتضح جليا في الفارق الرقمي بين تقييمي 2008 و2015 «+2.1». كذلك ملف حقوق الانسان – والذي ينعكس في الحرمان من التطبيق العادل لحكم القانون وغياب سيادة القانون وانتشار انتهاكات حقوق الإنسان كالحكم العسكري، وقوانين الطوارئ، والاعتقال السياسي، والعنف المدني، وتقييد الصحافة، وخوف الناس من السياسة …إلخ – ارتفع مؤشره الرقمي في 2015 إلى 9.8 مسجلا بذلك أسوأ تقييم منذ عام 2008، مرتفعا عن المتوسط البالغ 8.93.

أخذا في الاعتبار الفارق بين 2008 و2015 الذي صار من واقع التقرير 1.3. علما بأن ملف حقوق الانسان كان أحد الملفات الأساسية في الحراك الاجتماعي والسياسي الذي شهدته مصر ابتداءً من عام 2005 إلى أن بلغ ذروته في 2011 باندلاع ثورة 25 يناير، ولكن النتائج الفعلية لم تكن حتى الآن على الصعيد المأمول في ظل عدم إيلاء المشكلة الاهتمام الكافي وتصاعد أحداث العنف بين أفراد الشعب والسلطة وعدم وجود آلية معتبرة لتحقيق للعدالة الانتقالية وليس الانتقائية.


وضع مصر عربيا وفق تقرير الدول الهشة

ارتفع مؤشر تقييم ملف حقوق الإنسان في 2015 إلي 9.8، مسجلا بذلك أسوأ تقييم منذ عام 2008، مرتفعا عن المتوسط البالغ 8.93

بالنظر إلى التردي الواضح في المؤشرات الرقمية للوضع الداخلي عادة ما يتم الإشارة إعلاميا إلى الإقرار بحقيقة هذا الانحدار المنطقي – من وجهة نظر البعض – لما تموج به المنطقة العربية من صراعات وتدخلات واقتتال داخلي، كما في سورية والعراق وليبيا واليمن، مما حدا بالبعض للقول بأن الوضع الحالي هو أفضل ما يمكن الوصول إليه في ظل الظروف الراهنة. ومن خلال الأسطر المقبلة نسعى للوقوف على حقيقة تلك الفرضية بالولوج عربيا للمقارنة بين الوضع الداخلي وبين الوضع العربي لبلدان المنطقة. وكما هو مبين أدناه الترتيب العام للدول العربية في التقرير الصادر 2015.

ترتيب الدول العربية

جاءت مصر عربيا في المرتبة السابعة مباشرة بعد ليبيا التي تشهد حالة من الاقتتال الداخلي منذ اندلاع ثورتها المسلحة على نظام القذافي فبراير/شباط 2011 وحتى تاريخه تشهد الساحة الليبية اقتتالا عنيفا بين القوات النظامية وقوات المعارضة، فضلا عن عمليات منسوبة للتنظيمات الأصولية وعلى رأسها الدولة الإسلامية، يليها العراق الذي يشهد حالة من الوهن والانقسام جعلته في مصاف الدول الأكثر هشاشة لما يموج به من صراعات داخلية جعلته بيئة خصبة للتناحر ولبزوغ مولد واحدة من أخطر الحركات الأصولية «داعش»، فضلا عن الصراعات التقليدية الدائرة منذ الاحتلال الأمريكي 2003.

ثم سورية التي تشابه إلى حد بعيد الوضع الداخلي الليبي من الاقتتال الداخلي بين القوات النظامية والتي تحظى بدعم إيراني وغطاء دولي من روسيا والصين جنب سورية قرارات مجلس الأمن، باعتبار النظام السوري خطرا على السلم والأمن الدوليين لارتكابه جرائم حرب.

ومن ناحية أخرى قوات المعارضة المدعومة من الدول الغربية بالإضافة إلى التنظيمات الأصولية المتشددة كالدولة الإسلامية، كذلك اليمن التي تشهد حالة متشابكة من الانقسامات بين تنظيم القاعدة والحوثيين والنظام المدعوم من قوى خليجية كالسعودية والمعارضة، ثم بالأخير السودان والصومال وهما دائمي التواجد في مناطق الخطر والتفكك منذ سنين.

وبناءً عليه فإن سوء الأحوال المصرية وتردي الوضع الداخلي الذي أفضى لتلك المنزلة غير المنطقية لدولة بحجم مصر في المنطقة العربية لا يمكن تعليله بالأحداث الراهنة لما يلي؛

  • باستثناء الصومال والسودان اللتان تشهدان حالة من الوهن والاقتتال منذ زمن ليس بالقريب؛ فإن كل الدول التي شهدت ما يعرف بظاهرة الحراك الاجتماعي والثوري أو ما عرف إعلاميا بالربيع العربي استحال وضعها إلى الكارثي، الأمر الذي حدا بالكثيرين نحو القول إلى تحول الربيع العربي إلى شتاء قارس كما ورد في ملحق تقرير 2015 للدول الهشة.

    ولكن بالنظر إلى بقية المحددات نجد أن مصر لم تشهد حالة الانقسام الداخلي التي شهدتها تلك الدول كما أن طبيعة الثورة المصرية اختلفت كثيرا عن الحركات المسلحة التي قامت في بقية الدول العربية بالإضافة إلى محورية الدور الدولي «النظام العالمي» في كل حالة.

    فعلى سبيل المثال الوضع السوري يحظى بانقسام جعل العالم السياسي مقيدا عن الحركة كنتيجة للصراع بين القوى الكبرى «الولايات المتحدة وحلفائها – روسيا الصاعدة والصين». في حين أن الوضع المصري كان أقرب لإبقاء الأمور على ما هي عليه مع تغيير وتجديد في الأوجه القديمة ولكن بدون تغيير راديكالي أو محوري في أجندة السياسات والتوجهات لا الخارجية ولا الداخلية، وهو ما جعل الحالة المصرية بعيدة كل البعد عن دول كالعراق وسورية واليمن وليبيا.

  • على صعيد آخر فإن الحالة العربية المشابهة لمصر هي الحالة التونسية سواء من حيث الملابسات أو التوقيت الزمني. ومن واقع ما تقدم نجد أن تونس تقع في المرتبة ال12 عربيا وال 86 عالميا «بفارق 48 دولة عن مصر عالميا». أما الدول التي لم تكن داخل إطار الربيع العربي كالجزائر والمغرب جاءت تالية لمصر في التقييم، كلبنان ودول الخليج مجتمعة.
  • بالنظر إلى المحددات الرقمية للحالة المصرية وكما سلف أن ذكرنا؛ في ظل الثبات النسبي للمتوسطات التقييمية والانحدار نجد أن أغلب الملفات المصرية هي ملفات داخلية؛ كالتنمية الاقتصادية غير المتوازنة وعدم الانحياز للفقراء وسطوة الأجهزة الأمنية وخلافه.

    مما يعني أن ملف الإصلاح الداخلي في حاجة إلى إعادة نظر بعيدا عن المنظومة الإدارية الخارجية للحكومة المصرية، بمعنى آخر فقد يمكن التعلل بارتفاع وتيرة التدخلات الخارجية من حركات أصولية متشددة كتنظيم بيت المقدس والدولة الإسلامية، مما يؤدي إلى تدهور معايير هذا العنصر رقميا، ولكن بقية العناصر ذات البعد الداخلي كالتنمية الاقتصادية غير المتوازنة وارتفاع الفجوة وزيادة معدلات طلبات الهجرة واستمرار تدني الخدمات العامة المقدمة من الدولة للمواطن؛ يؤكد على عدم وجود عقد اجتماعي أو حكومي جديد.

    ومن ثم تبقى المنظومة الإدارية بنفس فلسفتها القائمة من قبل الثورة المصرية 2011، وهو ما يؤكد على عدم تبعية الاضمحلال الحالي إلى العناصر الخارجية المحيطة، وإن كانت عنصرا مؤججا، ولكنها ليست حاسمة ولا تعتبر المسبب الرئيسي لما وصلت إليه الدولة المصرية من هذا القدر من الهشاشة.

وأخيرا تجدر الإشارة إلى أن المعادلة المثلى للتخلص من الانهيار الداخلي هي بمعالجة محددات ذلك الانهيار المحتمل، ليس للنظام فحسب ولكن للدولة نفسها؛ بالنظر في الأخطاء البنيوية التي ما انفكت عنها الأنظمة السابقة. فليس من بديل عن التنمية المستدامة كباعث ومحرك أساسي ضد الفشل والانهيار؛ إذ لا تعرف أدبيات التنمية السياسية والاقتصادية الدول الهشة والمنهارة. ومن ثم فإن الحديث عن أي منظومة علاجية لا يعدو عن كونه أكثر من مسكن لمرض عضال قد يتنامى ليصبح الوضع كالسودان والصومال.

المراجع
  1. Crisis States Research Centre, 2007, ‘Crisis, Fragile and Failed States: Definitions used by the Crisis States Research Centre’, CSRC, London School of Economics (LSE), London