كان شهرًا مليئًا بالأحداث والمنافسة، ففي وسط أجواء مونديال روسيا التي تأهلت فيها مصر، ورغم خسارتها، فإنها تأهلت أيضًا لمنافسة أخرى، لكن هذه المرة حظيت بالمركز الأول. هذا الفوز كان نصيبها في المسابقة الدولية للغواصات الآلية، التي تقام في الولايات المتحدة الأمريكية، ويتنافس فيها عدد لا بأس به من دول العالم.

في حديث لـ «إضاءات»، قدم لنا مهندس «محمود عاصم» أحد المؤسسين في المشروع الكثير من المعلومات عن قصة بداية الفريق المكون من ثمانية مهندسين من جامعة الإسكندرية دفعة العام 2017، خمسة منهم من أوائل دفعة «كهروميكانيكا – electromechanics»، حيث بدأوا جميعًا في التفكير بعمل مشروع تطبق فيه نظريات الهندسة التي يتعلمونها.


المسابقة الدولية للغواصات الآلية

أما عن المسابقة الدولية، فقد انطلقت مسابقة «Remotely Operated underwater Vehicles» أو اختصارًا «ROV» منذ العام 2002، بدعم ومشاركة العديد من المؤسسات العلمية، أهمها وكالة الفضاء الأمريكية «ناسا»، الداعمة والراعية لها، يشاركها كل من مركز علوم البحار المتقدمة «MATE»، والمؤسسة الوطنية لدعم العلوم «NSF»، وبالتعاون أيضًا مع كبرى الجامعات والمؤسسات البحثية الأمريكية.

في الوطن العربي، تتم المسابقة بشكلٍ تنافسي داخل الجامعات في كل بلد من أجل التأهل دوليًا. تتنافس الجامعات محليًا كمرحة أولى، ثم تتقدم الفرق المتأهلة للمشاركة في المسابقة الإقليمية التي تقام في مصر. تفضّل الجامعات أن يكون هناك أكثر من فريق ممثلًا عنها في المنافسة لتحظى بفرصة تأهل أكبر للمسابقة الدولية، وحتى يتم التعريف عن المسابقة بشكلٍ أوسع داخل مصر.

يتأهل للمسابقة الدولية الفائزون بالمركز الأول والثاني من مصر، والفريق الأول من الوطن العربي، بالإضافة إلى الفريق الفائز من الأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا والنقل البحري، باعتبارها راعيًا ومنظمًا للمسابقة الدولية داخل مصر. وتشارك مصر في المسابقة الدولية منذ نحو عشر سنوات.

وفي مسابقة هذا العام، تأهلت جامعة الإسكندرية. أما على مستوى الوطن العربي فتأهلت المغرب، لكن عقبات السفر وتأخر صدور التأشيرات حال دون مشاركة الفريق في المسابقة الدولية.


بداية Vortex

أعضاء الفريق المؤسس

على مدار ثلاث سنوات لم يستطع الفريق تحقيق نجاحات على المستوى المحلي، حتى العام الماضي، عندما بدأ الفريق في تحسين آلياته والعمل على المشروع بشكلٍ أكثر تركيزًا خاصة مع اقتراب موعد تخرجهم من الجامعة.

نجح الفريق في التأهل للمركز الأول على مستوى مصر، ثم حصلوا على المركز الثالث عالميًا للمرة الأولى في العام 2017 محققًا أعلى مركز لمصر في تاريخ مشاركتها في المسابقة الدولية، ومتفوقًا على أكثر من 45 فريقًا على مستوى العالم، أهمها أمريكا وإنجلترا والهند والصين وكندا، وتركيا.

تخرج الفريق من الجامعة، وباعتبار أن المسابقة للطلاب قبل التخرج، لم يشارك الفريق الرئيسي في المسابقة، أو يتخلى عن حلمه في إيجاد مشروعات تنموية، فقاموا بتدشين مشروع «Vortex Engineering Program» أو اختصارًا «VEP»، من أجل تأهيل الطلاب الراغبين في الالتحاق بالمسابقة.


الفريق الفائز

أعضاء الفريق الفائز في مسابقة هذا العام

تعطينا الأخطاء دائمًا دورسًا لنتعلم منها، وهذا ما فعله الفريق الحالي. بدأ الفريق بالعمل متجنبًا أخطاء السابقين، مما أهلهم للمسابقة، والفوز بالمركز الأول من المرة الأولى. يتكون الفريق من نحو 15 طالبًا، جميعهم من كلية الهندسة من أقسام متنوعة مثل: «computer communications، electromechanics, electric, mechanic» في الفرقتين الثانية والثالثة جامعة الإسكندرية، باستثناء قائد الفريق فهو طالب في كلية الزراعة.

الروبوت الآلي

غواص آلي من تصنيع الفريق

تهدف المسابقة بشكلٍ عام لتصنيع روبوتات آلية تعمل بشكلٍ أفضل تحت الماء، بمواصفات معينة، تتنوع مهمتها من روبوت لآخر. كانت مهمة الروبوت في مسابقة هذا العام هي البحث ودراسة الزلازل، واكتشاف التغيرات في قاع المحيطات بعد موجة زلزال، أيضًا البحث داخل المحيطات عن حطام الطائرات المفقودة من أجل مهمات بحثية، أو الحصول على حطامها لحفظها في متاحف مخصصة.

أما عن طريقة عمل الغواص الآلي، فهو مزود بكاميرات لنقل صورة حية من تحت الماء، وبناءً عليها يتم التحكم في الروبوت عن طريق أفراد الفريق فوق سطح الماء.

صنع الفريق غوّاصًا آليًا بمواصفات ملائمة للمهام المطلوبة وهو ما أهلهم للفوز، حيث وصل وزنه إلى نحو 16 كلغ بمساحة تتراوح بين 50- 55 سم2. حاز الروبوت المصري على مجموع 240 نقطة من أصل 250 في الاختبارات تحت الماء، وبفارق كبير عن المركز الثاني، والذي احتله فريق من روسيا.


شركة مصرية محلية

ليست المشاركة في المسابقات الدولية فحسب هي مهمة أو هدف المشروع، بل يهدف بشكلٍ أساسي إلى شقين تعليمي وصناعي. الشق الصناعي الأساسي هو الاهتمام بتكنولوجيا البحار، والعمل على المشروع وتطويره ليصبح أول شركة مصرية تقوم بتصنيع الغواصات الآلية بمكونات وإنتاج محلي كامل، كما يسعى الفريق لينافس عالميًا في المجال.

أما في الجانب التعليمي، فيهدف المشروع ليصبح أكاديمية تُعلّم الطلاب الراغبين في المجال أساسيات تصنيع الغواصات الآلية، من خلال دورات متخصصة. يمكن متابعة فعاليات المشروع وتطورات أعمالهم من خلال صفحتهم الرسمية على فيسبوك من هنا: Vortex

ترعى شركة الاتصالات «we» المسابقة داخل مصر، حيث توفر كافة متطلبات الفريق. حصل الفريق أيضًا على تكريمات رسمية عديدة من داخل جامعة الإسكندرية. وبجانب هذا لا زال هناك الكثير من العمل. هناك أيضًا بعض العقبات بحاجة لحلها مثل الحصول على تمويل أكبر للمشروع، أو تسهيل التصريحات الأمنية لتجريب وعمل الغواصات في البحر، واهتمام الدولة بهذا المجال الصناعي، لأن توفير منتج محلي في هذه التكنولوجيا البحرية سوف يوفر على الدولة والشركات المصرية مبالغ طائلة من العملة الصعبة في استخدام أجهزة خارجية، نظرًا لارتفاع أسعارها من الخارج.


فريق المركز الثالث

الغواصات الآلية, مصر, مسابقة الغواصات الآلية, هندسة, جامعة الإسكندرية, علوم

استحوذ على المركز الثالث في نفس المسابقة فريق «صنع في الإسكندرية – Made In Alex» أو اختصارًا «MIA»، وبذلك تكون مصر وتحديدًا جامعة الإسكندرية قد ظفرت بمركزين عالميًا في مسابقة هذا العام للغواصات الآلية.

أخيرًا.. يبدو أن مصر لديها الكثير لتقدمه للعالم على الرغم من كل شيء بفضل عقول شبابها. ينقصهم فقط تسليط الضوء عليهم، والاهتمام ورعاية متطلباتهم. بالإضافة للتفكير بشكلٍ حقيقي لتبني وتطوير مشروعاتهم. فهل يمكن أن نرى ذلك حقًا يومًا ما؟