في موسم عيد الفطر 1989، والذي يمثل أقرب نظير شمسي لعيد 2022 في بداية مايو، عبر دورة رمضانية كونية كل 33 سنة، استقبلت السينمات 6 أفلام مصرية جديدة، لا يوجد أي شيء مميز بهذه الأفلام التي يبدو معظمها أفضل بدرجة طفيفة من موجة أفلام مقاولات الفيديو التي بدأت تنحسر في العام السابق، وتصارعت هذه الأفلام على حوالي 150 صالة عرض فقط قبل التحول إلى المجمعات السينمائية متعددة الشاشات، وهو معدل جيد بعد إصلاح وإعادة تشغيل بعض السينمات المعطلة سابقاً. يمكن لهذه الجولة التاريخية أن توضح مدى اتساع السوق السينمائي في نهاية الثمانينيات رغم تدهوره تقنياً ومالياً، ومقارنة هذا مع ضيق السوق في 2022، رغم أرقام العيد التي تبدو جيدة في النظرة الأولى.

هل نلوم كورونا؟

بدأ عام 2022 بسؤال ثقيل للسينما المصرية: هل سيكون هذا هو عام التعافي من أزمة كورونا التي ضربت العامين السابقين؟ لم يكن ضرورياً الانتظار حتى عيد الفطر لمعرفة الإجابة، فإيرادات الربع الأول من العام تشير بوضوح للنتيجة.

يعتمد الربع الأول على موسم رئيسي للأفلام في عطلة منتصف العام الدراسي، بدأ 2022 بإطلاق ناجح لفيلمي “الجريمة” و”من أجل زيكو” اللذين جمعا سوياً خلال 13 أسبوعاً 61 مليون جنيه، أو 73% من إيرادات كل أفلام الربع الأول التي وصلت إلى 83.7 مليون.

يبدو هذا جيداً مقارنة بعام 2019 الذي كان أقصى انتعاشة لشباك التذاكر المصري خلال العشر سنوات السابقة، وفيه كانت إيرادات الأفلام 114 مليون جنيه (تعادل 137 مليون بأسعار العام الحالي)، يعني هذا أن الربع الأول من 2022 أقل بنسبة 40% من عام الأساس في 2019.

لا يمكن لوم كورونا على هذا، فقاعات السينما تعمل بكامل سعتها منذ عيد الأضحى 2021، وشبابيك التذاكر في افتتاحات الأفلام الكبيرة كانت مزدحمة كالعادة. المشكلة كانت في نوع وكم الأفلام المتاحة للجمهور، فرغم اكتظاظ مخزون الأفلام التي تعطل عرضها بسبب كورونا، قرر الموزعون أن يمر ربع كامل بتقديم 8 أفلام فقط، نصفهم من الأفلام الصغيرة التي لم تصل مجتمعة إلى مليون جنيه واحد، وكان إطلاقها يهدف إلى الترويج لعروضها التلفزيونية وعبر المنصات.

خلال نفس الفترة في 2019 عُرض 14 فيلماً جديداً، معظمهم كان من الأفلام الصغيرة، مع أداء جيد للأفلام المتوسطة والجريئة مثل 122 والضيف وقصة حب. هذه الجرأة افتقدتها أفلام العام الحالي، بقرار الموزعين أنه لا مكان لمزيد من الأفلام خوفاً من الهبوط التدريجي في الإيرادات مع اقتراب رمضان في أبريل.

اقرأ أيضاً: الصعود إلى حافة المليار.. شباك تذاكر سينما مصر 2019

قليل من الأفلام: قليل من الشاشات

في عيد الفطر الحالي استمر السماح بعرض الأفلام الأجنبية بعد إلغاء قرار حكومي قديم بمنعها في الأعياد لإتاحة الشاشات بالكامل للأفلام المصرية، بينما منعت الرقابة عرض Doctor Strange in the Multiverse of Madness الذي كان يمكن له تسجيل مفاجأة مماثلة لفيلم مارفل السابق Spider-Man: No Way Home الذي حقق أعلى إيرادات لفيلم أجنبي في تاريخ شباك التذاكر المصري.

يبدو قرار منع دكتور سترينج وكأنه في مصلحة الأفلام المصرية، لكن في الحقيقة كانت غرفة صناعة السينما مدركة أن أفلام العيد الثلاثة ستكفي بالكاد لتشغيل 70% من شاشات العرض، رغم انكماش هذه الشاشات في آخر سنتين. كورونا لم تتسبب فقط في تقليل سعة صالات العرض إلى الثلث في بداية الأزمة، ولكنها أيضاً أدت لقلة الأفلام المتاحة لإبقاء دور العرض قيد التشغيل، وهكذا أصبحت الأزمة ذاتية التغذية: قلة الأفلام تدفع الشاشات للانكماش – انكماش الشاشات يقلل عدد الأفلام.

اقرأ أيضاً: حصاد شباك تذاكر مصر 2021: 500 مليون جنيه رغم الوباء

عيد صغير ضيق للجميع

 

لمعادلة تأثير التضخم، يستخدم مؤشر أسعار المستهلك (CPI) الذي يحتسب نسب التضخم التراكمية الرسمية شهرياً، وبواسطته قُيمت إيرادات الأعوام السابقة بما يعادلها في أبريل 2022 الذي بلغ فيه رقم المؤشر 122.7 نقطة نسبية.

الجدول السابق يُظهر أن أرقام إيرادات عيد الفطر كانت جيدة، حتى بعد تطبيق معادلة التضخم على الأعوام السابقة سيكون العام الحالي متأخراً بنسبة 20% فقط عن عيد 2019 الذي استقبل 5 أفلام، تعرض أحدهم (محمد حسين) لخسارة فادحة، بينما حقق حملة فرعون نجاحاً باهتاً مقارنة بتكلفته.

لكن علينا تذكر أن أرقام 2022 تحققت بزيادة في أسعار تذاكر كل السينمات، وعبر عطلة عيد هي الأطول على الإطلاق، ما يعني أن الرقم المستهدف كان أكثر من 90 مليون جنيه خلال 6 أيام، وتظهر الخسارة واضحة بالمتوسط اليومي لإيرادات العيد: في 2019 كان المتوسط 16 مليون (19.3 مليون بمعادلة التضخم)، بينما توقف متوسط 2022 عند 10.4 ملايين فقط. تصل إيرادات عيد الفطر عادة لأعلى مستوى لها في ثاني أيام العيد بسبب انشغال الجمهور في العادات الاجتماعية خلال اليوم الأول، ثم تنخفض تدريجياً خلال العطلة، في 2019 كانت النسبة بين آخر أيام العطلة وثاني أيام العيد (الأقل إلى الأكثر) هي 60%، في تماسك واضح، النسبة هي 23% فقط في عيد 2022!

يعني هذا أنه رغم تحقيق الثلاثة أفلام لإيرادات جيدة، إلا أنها ستعاني في الأسابيع التالية، خاصة مع جفاف شهري مايو ويونيو تحت وطأة الامتحانات. في عالم ما قبل كورونا، كان السوق السينمائي يضيق بخمسة أفلام بسبب تكالب شركات التوزيع على استغلال أكبر عدد من الشاشات (أكثر من 100 شاشة أحياناً)، في ظروف الموسم الحالي ربما كان من الأفضل “نظرياً” تنويع الأفلام بحيث يتضمن فيلماً واحداً كبيراً، مع فيلمين متوسطين (مثل أشباح أوروبا والفارس اللذين انسحبا)، وفيلم أو اثنين أصغر.

هذا النموذج أقرب للمواسم القديمة التي استطاع فيها السوق استيعاب أفلام أكثر بعدد شاشات أقل، لكن تقسيمة السوق الآن أصبحت ضيقة لدرجة استحالة تطبيق مناورة مماثلة في الأعياد.

«زومبي» في الحي الشعبي

ينقلب العالم ولا يغير المنتج أحمد السبكي خلطته الشهيرة في الإنتاج وإستراتيجية التوزيع: فيلم خيالي من بطولة نجوم مسرح مصر المضمونين في جذب المراهقين من الفئات الشعبية، مع حملة تلفزيونية مركزة بالأسبوع الأخير من رمضان، ويتناسب هذا مع نطاق التوزيع المتاح للسبكي بدور العرض الخاصة بالشركة العربية (إسعاد يونس) التي تحالف معها منذ عدة سنوات.

مقارنة بالإمكانات، نجح السبكي في الوصول للمستهدف بإيرادات 12 مليون جنيه جمعها «زومبي» في أول 7 أيام عرض عبر 47 موقع للعرض، وهي بداية أفضل من عيد الفطر الماضي عندما أطلق فيلمي ديدو وثانية واحدة اللذين جمعا سوياً 18 مليون في الإجمالي مع تحديد السعة القصوى وحفلات العرض للسينمات.

السقا – العنكبوت: الهروب إلى الثلاجة

كان مخططاً إطلاق العنكبوت في عيد الفطر 2020 ثم جمدت كورونا إنتاجه حتى نهاية العام، وكان يمكن لمنتجه وليد صبري (الإخوة المتحدين للسينما) التضحية بنصف الإيرادات المستهدفة وإطلاق الفيلم في صيف 2021 أو بداية 2022، لكنه فضّل تحمل خسائر تجميد الفيلم لعام آخر، لينال إيرادات أقل بمعدل تضخم أعلى، والأخطر كان ظهور نجومه بأكثر من عمل آخر خلال هذه الفترة.

هبط العنكبوت في 80 موقع عرض، بميزة نسبية عن منافسيه لكونه الفيلم الوحيد غير الكوميدي، ورغم هذا توقفت إيرادات أسبوعه الأول عند 20.6 مليون جنيه في 7 أيام.

لم يكن العنكبوت وحده أسير التجمد، فنجمه أحمد السقا كانت له مشاكل تراكمية بسبب أدواره بفترة التجميد: خلال 2021 ظهر السقا في المسلسل الكارثي نسل الأغراب الذي جلب السخرية لمعظم عناصره، ثم دور في بطولة جماعية بفيلم 200 جنيه الذي كان نجاحه معقولاً، ثم ظهر في إعلان فيلم السرب الذي لم يُستكمل إنتاجه، وفي رمضان قدم أداء غير جذاب لشخصية معتادة منه كضابط مخابرات حربية في مسلسل الاختيار 3، إضافة لظهوره في إعلانين تجاريين، أحدهما كان صوته يبدو فيه متأثراً بأزمة صحية.

الملاحظة الأخيرة تشير بوضوح لصعوبة استمرار السقا كنجم أفلام أكشن كما اعتاد تقديم نفسه قديماً وحتى فيلم هروب اضطراري (2017)، خاصة بلياقته التي ظهر بها مؤخراً في رمضان، فنياً وجسدياً. وبينما أشاد الجمهور بالطرق المبتكرة لتقديم أكشن العنكبوت، وكالعادة في أفلام السقا نال أبطال الأدوار المساندة منى زكي وظافر العابدين إشادات خاصة، مع انتقادات لقصة الفيلم؛ فنادراً ما تناولت الآراء بطل الفيلم نفسه.

«واحد تاني» غير حلمي خالص

مقارنة بفيلمه السابق «خيال مآتة»، عالج أحمد حلمي معظم أخطائه السابقة وضمن لفيلمه واحد تاني كل عوامل النجاح الممكنة: يعتمد الفيلم على التيمة التي حقق بها حلمي أعلى نجاحاته، وهي ازدواج الشخصية، وبدأ حملته الدعائية مبكراً في الأسبوع الثاني من رمضان عبر السوشال ميديا، وبهذا حجز مكاناً مميزاً بمنصة الانطلاق وأصبح فيلمه هو حقيقة العيد التي يحسب الباقون أمورهم طبقاً لها.

تلافى حلمي أخطاء خيال مآتة الذي تعثر في موسم عيد الأضحى 2019 متأخراً بثلاثة أيام عن منافسيه بسبب مشكلات في تجهيز النسخ، وترك حلمي المنتج والموزع وليد صبري، وتعاون مع سينرجي فيلمز (تامر مرسي وأحمد بدوي)، وهي شركة الإنتاج والتوزيع الأكبر حالياً، وحققت 136.6 مليون جنيه من خلال 8 أفلام وزعتها في العام الماضي، وهو ما أتاح لـواحد تاني الانطلاق من خلال 90 موقعاً بأنحاء مصر، جمع منهم 32 مليون جنيه في 7 أيام، بالتأكيد أفضل من خيال مآتة الذي توقفت إيراداته عند 38.4 مليون.

وتعرض جمهور حلمي لمناورة جريئة منه، فرغم حصوله على تقييم رقابي +12 سنة، تحرر حلمي من قيود اللون العائلي الآمن، ولهذا جاءت معظم التعليقات السلبية بأنه -مش حلمي بتاع زمان-. ربما على جمهور حلمي اعتياد التغير، وجمهور العيد من المراهقين لا يبالي بالتقييم الرقابي، بينما لا تتشدد السينمات أصلاً في تطبيق التقييم الرقابي.

هناك علاقة غائمة تربط سينرجي فيلمز بالشركة المتحدة للإعلام، والتي ترأس مرسي مجلس إدارتها حتى مايو 2021، وتتحكم المتحدة في عدد ضخم من وسائل الإعلام (قنوات تليفزيونية ومواقع وصحف ورقية)، ما سمح لها سابقاً بتقديم مساندة ضخمة لأفلام سينرجي مثل “كازابلانكا” (2019)، وهو ما لم يحدث بنفس الحرارة مع واحد تاني.

ودخل «واحد تاني» في موازنة أخرى تخص خطط سينرجي، فمع انكماش موسم الصيف بسبب الامتحانات واندماجه مع موسم عيد الأضحى الذي سينطلق به فيلم سينرجي الأضخم «كيرة والجن»، أصبحت بدائل حلمي ضيقة إذا فاته عيد الفطر، خاصة مع تجهز نجوم آخرين لإطلاق أفلامهم في الأسابيع الضيقة خلال يونيو وقبل الأضحى.

العرض الأول في سينما الشعب

استفاد حلمي معنوياً من اختيار فيلمه تحديداً ليكون العرض الوحيد لمبادرة (سينما الشعب) التي أطلقتها وزارة الثقافة، ومن خلالها أتاحت 5 شاشات عرض تابعة لقصور الثقافة في 4 محافظات (المنوفية والأسكندرية وقنا والجيزة)، بسعر 40 جنيه فقط للتذكرة، وتخطط الوزارة لتطوير المبادرة إلى 60 شاشة، منها 5 محافظات خلال الأسابيع المقبلة.

لم تكن إيرادات سينما الشعب مؤثرة كثيراً في إجمالي مكاسب واحد تاني، فمع حداثة التجربة، كان إجمالي الإيرادات بكل المحافظات 213 ألف جنيه، المشجع في هذه الأرقام هو أن شاشات المنوفية وقنا احتلت المقدمة، بما يعني أن المبادرة لاقت طلباً من الجمهور خارج المحافظات الكبرى.