مجال استكشاف الفضاء مليء بكثير من الأمور المجهولة بالنسبة لنا حتى الآن: ماذا حدث قبل الانفجار الكبير؟ ما هي المادة المظلمة؟ هل سنتواصل مع حضارة ذكية أخرى، أم مقدر لنا أن نبقى وحدنا نطفو فوق هذه البقعة الصغيرة المهملة داخل هذا الكون الشاسع؟ والآن ظهر مجهول جديد خلال الأيام الماضية ليأسر مجتمع الفضاء والعالم بأكمله: أين سيهبط الصاروخ الصيني العملاق على كوكب الأرض عندما يسقط من السماء؟

الصاروخ الصيني يندفع حاليًّا عبر الغلاف الجوي، ويدور حول الكوكب كل 90 دقيقة تقريبًا، متجهًا إلى ما يُعرف باسم “عودة الدخول بدون تحكم”، واستنادًا إلى مسار الصاروخ، تشير آخر التقديرات إلى أن عودة دخول المجال الجوي للأرض ستحدث في وقت ما بين يومي السبت 8 مايو والأحد 9 مايو.

في حين أن توقيت هبوط الصاروخ الصيني بدقة يعد أمرًا غير معروف، ومن غير الواضح أيضًا أين قد يهبط الحطام تحديدًا على الكوكب، إلا أن الخبراء في مجال الفضاء يذكرون أنه لا داعي للقلق. كما يذكر الفلكي جوناثان ماكدويل، من معهد هارفارد سميثسونيان للفيزياء الفلكية، عبر تويتر: “إن كنت تقف في المتر مربع الخاطئ، ضمن 250 تريليون متر مربع من الأرض، حيث قد يقع الحطام، إذًا فأنت في ورطة. خلاف ذلك، يمكنك الاطمئنان”.

ومع ذلك، فإن الأمر ليس بهذه البساطة أيضًا، لأن هذا الصاروخ هو الأول ضمن عدة مهام تخص وكالة الفضاء الصينية في بناء محطة فضاء جديدة خاصة بها، فهل نرى هذا السيناريو يتكرر في كل مرة؟ ثم ما هي قصة الصاروخ الصيني وكيف خرج عن السيطرة؟ وما هي المخاطر المستقبلية؟ وهل هناك حوادث سابقة كتلك الحادثة؟ دعنا نحاول البحث عن بعض الإجابات معًا!

ما هي قصة الصاروخ الصيني؟

أطلقت الصين هذا الصاروخ، الذي يحمل اسم  Long March 5B، في 29 أبريل الماضي لتضع أولى وحدات محطة الفضاء الجديدة في مدار كوكب الأرض. انفصل الجزء الأساسي عن الوحدة بعد الإطلاق، وظل يدور حول الكوكب منذ ذلك الحين، لكنه يدور خارج نطاق السيطرة وبدون أي مدخلات من محطات التحكم الأرضية.

عادةً ما تحاول منصات الإطلاق التأكد من أن أجزاء الصواريخ المتبقية من العملية تسقط بعد وقت قصير من الرحلة، وأن تسقط غالبًا في المحيطات، مع أن بعض قطع الحطام، في مناسبات نادرة، تسقط على الأرض. لكن مشكلة الصاروخ الحالية هي أنه يهيم في مدار الأرض المنخفض بسرعة تتجاوز 27 ألف كيلومتر في الساعة، وسيدخل الجسم الضخم إلى الغلاف الجوي بدون تحكم، ومن المتوقع أن تنجو أجزاء من الصاروخ من عملية الاحتراق عند دخول الغلاف الجوي وتصل إلى السطح، وهو ما يعني أن وكالة الفضاء الصينية لا يمكنها تحديد مكان سقوط أي جزء من أجزاء الحطام.

أين سيهبط حطام الصاروخ الصيني؟

في مكان ما على كوكب الأرض، وهذا كل ما نعرفه حتى الآن. بهذه البساطة؟ نعم، حتى هذه اللحظة، لأن مسار الصاروخ خارج عن السيطرة، وهذا هو مصدر القلق الحالي. وفي هذه الحالات، المكان يحكمه توقيت السقوط، ولا يزال توقيت عودة دخول الصاروخ غير مؤكد بدقة.

نافذة الدخول تمتد على مدى 18 ساعة، وهذه نافذة كبيرة من الوقت، وسوف يستمر توقيت وموقع عودة الدخول في التغير والاختلاف، كما أشارت شركة تتبع المركبات الفضائية Space-track. ومع استمرار انحدار الصاروخ في المدار الأرضي، ستقل تلك الشكوك، وستتحسن التنبؤات المتعلقة بتوقيت وموقع دخوله. لكن نقطة الدخول للصاروخ في الغلاف الجوي لن تُعرف بدقة حتى قبل وقت قصير من حدوثها بالفعل!

كم حجم الحطام الذي قد يصطدم بالأرض؟

عندما تسقط الأجسام من الفضاء، سواء كانت طبيعية أو اصطناعية، عبر الغلاف الجوي للأرض، فإنها تواجه هواءً كثيفًا بصورة متزايدة، مما يسبب الاحتكاك الشديد وغالبًا ما يحرقها ويدمر معظمها. ولكن عندما يقارب 22 طنًّا، فإن الجزء الأساسي من الصاروخ الصيني كبير بما يكفي بحيث من المحتمل ألا يتم تدميره بالكامل أثناء عملية الدخول. ولكن من الصعب التنبؤ بكمية الحطام التي يمكنها أن تصل إلى الأرض، ويعتمد ذلك على شكل المركبة وكتلتها وموادها وعوامل أخرى!

وفي مايو من العام الماضي 2020، ضربت قطع من صاروخ صيني مماثل الأرض بالقرب من منطقة مأهولة بالسكان؛ كانت قد أطلقت الصين صاروخًا يحمل مركبة فضائية أولية إلى مدار الأرض المنخفض، ثم هبطت البقايا فوق المحيط الأطلسي، ولكن بعض القضبان المعدنية، بطول 33 قدمًا، هبطت على دولة ساحل العاج بقارة أفريقيا، حيث تم الإبلاغ عن أضرار بأحد المباني ولكن لم يُصب أحد.

هل اقتربت النهاية ويجب أن نقلق؟

 

لا، لم تقترب النهاية بعد، ولا يوجد خطر كما يظهر على مواقع التواصل الاجتماعي. في حين أن فرص هبوط الحطام على مناطق مأهولة بالسكان ليست صفرًا، إلا أن احتمال سقوطه عليها منخفض للغاية. حتى من دون عودة دخول للغلاف الجوي بدون سيطرة عليه، فمن المرجح أن يتحطم الصاروخ الصيني في أحد المحيطات، وهي أكثر شيء في كوكبنا الأزرق لحسن الحظ.

الحطام يسقط من الغلاف الجوي كل يوم، وربما فرص تعرضك للصعق من البرق أكبر من فرص سقوط حطام فضائي فوق رأسك. الحطام الفضائي الذي يخرج عن السيطرة هو أحد المشاكل التي نسمع عنها تحديدًا لأنها نادرة الحدوث، كما أنها قابلة للحل، وفي المرات القليلة التي تحطمت فيها قطع كبيرة جدًّا من النفايات الفضائية على الأرض على مر السنين، كالصواريخ والأقمار الصناعية وحتى المحطات الفضائية الكاملة، لم ينتهِ العالم أو تحدث كارثة إنسانية ضخمة!

هل هناك حوادث مشابهة في تاريخ الفضاء؟

أول مخطة فضاء أمريكية Skylab

في سبعينيات القرن الماضي، محطة الفضاء Skylab، وهي أول محطة فضاء أمريكية، هبطت من السماء عبر الغلاف الجوي. بحلول نهاية العقد، بدأت المحطة تفقد ارتفاعها، ولم تكن مصممة للمناورة بنفسها في المدار الأعلى، والمكوكات الفضائية التي اعتقدت ناسا أن بإمكانها المساعدة في سحبها لم تكن جاهزة بعد، لذا سقطت المحطة للأسفل. كان بإمكان ناسا إعطاؤها دفعة أو اثنتين، ولكن المحطة الفضائية كانت خارجة عن السيطرة وتهيم في مسارها الخاص.

في عام 1979، كان القلق لدى مراقبي ناسا من أن بعض الحطام يمكن أن يصل إلى أمريكا الشمالية، حتى إن إدارة الطيران الفيدرالية أغلقت المجال الجوي فوق ولاية مين في أقصى الشمال لحماية الطائرات. وقبل ساعات من عودة دخول المحطة، أعطى المهندسون أمرًا لمحطة Skylab بإطلاق بعض المحركات مما نتج عنه بعض الميل الذي عدَّل مسارها قليلًا، وأدى إلى هبوطها فوق المحيط. كان تعديل اللحظة الأخيرة ناجحًا جزئيًّا، وسقط معظم المحطة بالفعل في المحيط الهندي، لكن بعض الحطام كان مبعثرًا على طول ساحل أستراليا الغربية. وفجأة، أصبح الحطام الفضائي تذكارًا، يبحث عنه الناس على طول الساحل في بقايا المحطة الأمريكية.

عندما يتحرك شيء في الفضاء بنفس سرعة المحطة الأمريكية Skylab، أو الصاروخ الصيني الآن، حتى أدنى تحول أو مؤثر خارجي يمكنه أن يغير مساره بآلاف الكيلومترات، ليرسله من قارة إلى أخرى. دفع قرار ناسا المحطة للطيران بأمان فوق جنوب كندا وولاية مين، ولكنه ربما كان سبب هبوطها في أستراليا، حتى أن الرئيس الأمريكي حينها جيمي كارتر اعتذر للشعب الأسترالي عن تلك الفوضى!

وفي عام 1991، هبطت محطة فضائية سوفيتية فارغة بدون تحكم على الأرجنتين، وظهرت ككرة نارية تضيء السماء. وصل بعض الحطام إلى الأرض، مما أشعل حرائق صغيرة في مكب نفايات في مدينة ساحلية جنوبية، ولكن لم تكن هناك إصابات.

وفي عام 2018، عادت أول محطة فضائية صينية، Tiangong-1، إلى الأرض محترقة فوق جنوب المحيط الهادئ، مع بقايا تهبط في الماء بالقرب من تاهيتي. كان قد فقد المسؤولون الصينيون الاتصال بالمركبة الفضائية قبل عامين، مما أثار تكهنات قلقة حول المكان الذي قد تهبط فيه المحطة الخارجة عن السيطرة. كما ذكرنا حادثة سقوط الصاروخ الصيني في مايو من العام الماضي على ساحل العاج، بدون أن تحدث إصابات.

هل ستتكرر تلك الحادثة في المستقبل؟

منصة إطلاق صواريخ

قد لا يهدد الصاروخ الصيني بحدوث كارثة فورية، لكنه يظل أمرًا يثير القلق مستقبلًا، والصين لا تقدم الكثير لتخفيف المخاوف، وكما رأينا تلك لم تكن المرة الأولى التي تفقد فيها السيطرة على أحد الأجسام الفضائية الخاصة بها، بجانب أن برامج وأنشطة الفضاء هناك تكتنفها السرية كالعادة، سواء في الداخل أو في الخارج. وربما هذا هو مصدر القلق الرئيسي من الصين، بعيدًا عن التهويل الإعلامي. ما يثير القلق هو أن استراتيجية الصين الواضحة لإطلاق مركبات فضائية كبيرة تشمل السماح لبقايا الصواريخ بالعودة إلى الأرض بدون تحكم، وبالنسبة لعمليات الإطلاق الأصغر في البلاد، عندما لا تصل أجزاء الصاروخ نفسها إلى المدار، فإنها تعود وتسقط على المناطق الريفية هناك!

وهي ليست نفس الاستراتيجية المستخدمة لدى باقي وكالات الفضاء في الكوكب التي تتعمد إزالة مراحل الإطلاق في المدار فوق المحيط، أو تركها في مدار الأرض، أو كما تفعل شركة سبيس إكس بإعادتها إلى منصات الهبوط وإعادة استخدامها من جديد.

والمشكلة أنه لا يوجد قانون فضائي يغطي الأجسام التي تسقط على الأرض، الأمر متروك للدول للإشراف على الأجسام الفضائية الخاصة بها وأين تقع. وفيما يتعلق بالآليات القانونية التي تحكم عودة دخول الأجسام، لا توجد في الواقع أي التزامات تخصها، وليس هناك أي معاهدات دولية مثلًا.

لكن الأمر المثير للقلق أكثر حول الحطام الفضائي من النوع الذي لا يلاحظه معظم الناس؛ الفضاء حول الأرض مليء بالأقمار الاصطناعية وأجزاء الصواريخ وغيرها من الكتل المعدنية، وبعض الأشياء يمر أحيانًا بالقرب من بعض بخطورة، حتى إنها تصطدم بعضها ببعض. ولا يذكر قانون الفضاء الكثير حول تنظيم حركة المرور هناك أيضًا، ولكن الفضاء يزداد ازدحامًا كل يوم، حتى بدون صاروخ صيني شارد!