محتوى مترجم
المصدر
التاريخ
2016/04/23
الكاتب

في بدايات القرن العشرين، كانت الأورام السرطانية الوحيدة الممكن علاجها هي الأورام الصغيرة غير المنتشرة والتي يمكن إزالتها جراحيًّا بالكامل، ثم بدأ استخدام الإشعاع لمقاومة الأورام الصغيرة والبقايا التي لم يتم إزالتها جراحيُّا، وأخيرًا جاء العلاج الكيميائي ليقضي على الأورام السرطانية الصغيرة التي لا يمكن استهدافها جراحيًّا أو إشعاعيًّا، كما يتم استخدامه أيضًا كعلاج مساعد بعد الجراحات للقضاء على أي خلايا سرطانية متبقية في الجسم (1). ومع التطور المستمر لفهمنا للمرض وطبيعته ولوظائف الجسم البشري بوجه عام، فإن التطور في علاجات السرطان تطور مستمر ودائم، ويهدف ذلك التطوير دائمًا لتقليل الأعراض الجانبية لعلاجات السرطان المتاحة حاليًا، وجعل العلاج أكثر دقة في استهداف الخلايا السرطانية وأقل سمّية وتأثيرًا على الأنسجة غير المصابة بالسرطان، بالإضافة لمحاولات جعل العلاج أكثر فاعلية بالتأكيد.


العلاج المناعي Immunotherapy

يتكون الجهاز المناعي في الطبيعي من عدد من الأعضاء وأنواع خاصة من الخلايا في جسم الإنسان التي تعمل على حماية الجسم من الأمراض والعدوى. تتجول الخلايا المناعية والمواد التي تنتجها تلك الخلايا في الجسد من خلال الدم، لتقوم بحماية الجسم من العدوى، وكذلك فإن تلك الخلايا تشارك في حماية الجسد من الإصابة بالسرطان. يتمتع الجهاز المناعي بالقدرة على مراقبة كافة المواد التي تدخل الجسم، وبمجرد التعرف على مادة غريبة لا يتم التعرف عليها كأحد الخلايا أو المواد الطبيعية في الجسم فإن الجهاز المناعي يقوم بمهاجمتها وتدميرها.

صورة توضح كيفية مهاجمة الخلايا المناعية (الخلايا البيضاء الصغيرة) لإحدى الخلايا السرطانية.

لماذا لا يقوم الجهاز المناعي بتدمير جميع الخلايا السرطانية؟!

على الرغم من قدرة الجهاز المناعي على التعرف على الأجسام الغريبة ومواجهتها، فإن الجهاز المناعي يجد بعض الصعوبة في التعرف على الخلايا السرطانية، لأن السرطان ينتج عن خلل يصيب بعض الخلايا الطبيعية مما يدفعها لأن تنقسم وتنمو بشكل خارج عن السيطرة (2). ولذلك فإن الخلايا السرطانية في كثير من الأوقات لا تكون مختلفة بشكل كافٍ عن الخلايا الطبيعية حتى يستطيع الجهاز المناعي التعرف عليها ومهاجمتها (3). بالإضافة إلى أنه حتى في المرات التي يستطيع فيها الجهاز المناعي التعرف على الخلايا السرطانية، فإنه لا يكون دائمًا قادرًا على تدمير تلك الخلايا، حيث تقوم الخلايا السرطانية في بعض الأوقات بإفراز مواد تقوم بتثبيط/تحييد الجهاز المناعي، وفي أوقات أخرى يكون معدل انقسام الخلايا السرطانية ونموها أكبر من معدل قدرة الجهاز المناعي على تدمير تلك الخلايا، ولذلك قام العلماء بتطوير عدة وسائل لمساعدة الجهاز المناعي في التعرف على الخلايا السرطانية وتدميرها (3).

كيف يعمل العلاج المناعي للسرطان؟

يستهدف العلاج المناعي للسرطان تعزيز قدرة الجهاز المناعي على التعرف على الخلايا السرطانية والقضاء عليها، عن طريق زيادة كفاءة الجهاز المناعي بشكل عام، أو توجيه الجهاز المناعي لمهاجمة نوع معين من الخلايا بشكل خاص.

العلاج المناعي غير الموجه

يعتمد الجهاز المناعي على بعض المواد الكيميائية لتنظيم كيفية انتشار الخلايا المناعية والتواصل بينها، يطلق على تلك المواد «سيتوكين cytokine». لا تقوم تلك المواد باستهداف الخلايا السرطانية على وجه التحديد، لكنها تقوم بزيادة كفاءة الجهاز المناعي بوجه عام ومن ثم تؤدي إلى تحسين الإستجابة المناعية ضد الخلايا السرطانية (3). تستخدم بعض هذه المواد كعلاج للسرطان بمفردها، ويستخدم بعضها كعامل مساعد للعلاج الأساسي (3)، ومن تلك المواد الكيميائية:

إنترلوكين Interleukins: وهي أحد أنواع السيتوكين والتي تعمل كإشارات كيميائية للربط بين خلايا الدم البيضاء وبعضها.

إنترفيرون Interferon:من النوع ألفا، يقوم بزيادة قدرة الخلايا المناعية على مهاجمة الخلايا السرطانية، كما أنه يقوم بإبطاء تكاثر بعض الخلايا السرطانية بشكل مباشر.

العلاج المناعي الموجه

http://gty.im/161213214

يعتبر اكتشاف المستضدات antigens الخاصة بالأورام واحدًا من أكبر الاكتشافات أثرًا في تطوير معرفتنا بمرض السرطان، حيث تم استخدام تلك المستضدات كوسيلة للعثور على الأورام وتشخيص المرض، ومؤخرًا بدأ استخدامها كوسيلة لتدمير الخلايا السرطانية عن طريق استعمال بعض التقنيات التي استحدثت في سبعينات القرن الماضي لإنتاج كميات كبيرة من الأجسام المضادة التي تستهدف تلك المستضدات بوجه التحديد، ومن ثم تكون قادرة على مهاجمة الخلايا السرطانية بشكل حصريّ (3). وقد ساهمت التطورات التي خضعت لها تلك الطرق باستخدام تقنيات الحمض النووي المؤتلف recombinant DNA في زيادة فعاليتها وتحجيم أعراضها الجانبية. وقد تم اعتماد أول العلاجات المناعية الموجهة المعتمدة على الأجسام المضادة لعلاج السرطان في أواخر التسعينات لعلاج سرطان الثدي والغدد الليمفاوية. يتم حاليًا استخدام تلك العلاجات بشكل روتيني في علاج بعض أنواع السرطان، وهناك العديد من الدراسات التي تستهدف زيادة استخدامها في باقي أنواع السرطان (3).

كما تعمل بعض الأدوية على إيقاف الآليات التي تكبح عمل الخلايا المناعية، حيث تحتوي الخلايا المناعية على بعض الآليات التي تساعدها على تمييز الخلايا الجسدية من الخلايا الغريبة، تلك الآليات تقوم بكبح نشاط الخلايا المناعية ومنعها من مهاجمة الخلايا إلا بشروط محددة، وتقوم بعض الخلايا السرطانية باستخدام تلك الآليات لمنع الخلايا المناعية من مهاجمتها، ولذلك تعمل بعض الأدوية على إيقاف بعض تلك الآليات المحددة التي تستخدمها الخلايا السرطانية لحماية نفسها ومن ثم تزيد من قدرة الخلايا المناعية على مهاجمة السرطان. وقد أثبتت الأبحاث عام 1996م قدرة تلك الأدوية على تدمير الأورام في الفئران (4)، وفي عام 2010م وُجد أن المصابين بسرطان الجلد المنتشر metastatic melanoma قد عاشوا لفترة متوسطها 10 أشهر باستخدام تلك الأدوية مقارنة بـ 6 أشهر بدونها، وهي المرة الأولى التي يستطيع فيها أي دواء زيادة المدة التي يحياها المرضى بذلك السرطان (4).


العلاج المستهدِف للسرطان targeted therapy

حتى أواخر التسعينات من القرن الماضي، كانت كل أساليب العلاج المستخدمة في علاج السرطان تعمل من خلال قتل الخلايا أثناء عملية الانقسام، وأثناء تلك العملية، كانت بعض الخلايا الطبيعية أيضًا تتعرض للضرر، لكن الخلايا السرطانية كانت أكثر تأثرا بالعلاج نظرًا لسرعة انقسامها (1). تعمل العلاجات المستهدِفة عن طريق التأثير على العمليات التي تتحكم في نمو وانقسام وانتشار الخلايا السرطانية، بالإضافة إلى التأثير على الإشارات التي تتسبب في موت الخلايا السرطانية، وتعمل تلك العلاجات بعدة آليات منها:

مثبطات إشارات النمو Growth Signal Inhibitors

http://gty.im/463580710

عوامل النمو Growth Factors: هي مواد كيميائية شبيهة بالهرمونات وتعمل على تنظيم عملية انقسام وتكاثر الخلايا، وقد تم اكتشاف دورها في النمو الجنيني وإصلاح الجروح في ستينات القرن الماضي. لاحقًا لوحظ أن وجود أشكال غير طبيعية من تلك العوامل، أو مستويات عالية من تلك العوامل يساهم في نمو وانتشار الخلايا السرطانية (1). تقوم تلك الأدوية بإيقاف مسار انقسام وتكاثر الخلايا السرطانية عبر وسيلة من ثلاث وسائل (5):

– خفض مستويات عوامل النمو بالجسم.

– حجب مستقبلات عوامل النمو في الخلايا السرطانية ومن ثم لا تستطيع الخلايا السرطانية التعرف على عوامل النمو.

– إعاقة مسار العمليات التي تتم داخل الخلايا السرطانية نتيجة لارتباط عوامل الانقسام بمستقبلاتها في الخلايا السرطانية

مثبطات تكوين الأوعية الدموية

يحتاج الجسم في الطبيعي عملية تكوين الأوعية الدموية الجديدة، حيث تساعد في عمليات شفاء الجروح وإصلاح الأنسجة التالفة، لكنه وفي حالة مرض السرطان، فإن نفس العملية تعمل على تكوين أوعية دموية صغيرة تقوم بإمداد الورم السرطاني بالدم الذي يحتاجه الورم للنمو (1). تعمل الأدوية المثبطة لتكوين الأوعية الدموية على منع الأورام السرطانية من تكوين الأوعية الدموية الجديدة، ومن ثم تحجيم قدرتها على النمو والانتشار (1). كانت تلك الفكرة للعلاج مطروحة منذ أوائل سبعينات القرن الماضي، لكن أول دواء تم اعتماده لعلاج السرطان باستخدام تلك الطريقة كان هو الأفاستين Avastin عام 2004م وتم اعتماد عدد من الأدوية المعتمدة على نفس المبدأ منذ ذلك الحين (1).

العقاقير المسببة للموت المبرمج للخلايا

صورة توضح كيفية مهاجمة الخلايا المناعية (الخلايا البيضاء الصغيرة) لاحدى الخلايا السرطانية

الموت المبرمج للخلايا هو عملية طبيعية يتم من خلالها موت الخلايا التي تعرض الحمض النووي الخاص بها للتلف بدرجة تستعصي على الإصلاح؛ مثل الخلايا السرطانية (1)، تقوم الكثير من أدوية السرطان (كالعلاج الإشعاعي والكيميائي) بالتسبب في بعض التغيرات في الخلايا التي تؤدي في النهاية للموت المبرمج لتلك الخلايا، لكن الأدوية المستهدِفة في تلك الفئة تختلف عن باقي العلاجات، حيث أنها موجهة بشكل مباشر لمكونات الخلايا التي تتحكم في بقاء الخلايا أو موتها (1).


في وقت ما كان السرطان كلمة يخاف الناس من ذكرها في الأماكن العامة، وكان الناس نادرًا ما يعترفون بكونهم ناجين من مرض السرطان خوفًا من الوصمة الاجتماعية والتفرقة، ونتيجة للعمل المستمر والتقدم الكبير في نسب الشفاء وفي فهم المرض والقدرة الأكبر على التعامل معه وتفسيره، أصبح كثير من الناس قادرين على مناقشة تجاربهم مع المرض ووصف ما يمرون به أثناء العلاج والمتابعة وكلهم أمل في تغيير وجهة النظر التي كانت سائدة بأن السرطان مرض غير قابل للشفاء.

المراجع
  1. The History of Cancer
  2. السرطان؛ من النظرية إلى العلم المثبت
  3. Cancer Immunotherapy
  4. Cancer Immunotherapy
  5. Cancer growth blockers