في اليوم الثاني عشر من شهر أغسطس/ آب عام 2012، توجه «آدم لانزا» (بعمر 21 عامًا) إلى مدرسة «ساندي هوك» الابتدائية، وقتل حوالي 26 شخصًا بكل برود. في بداية تحقيقه، عثر المحقق مايكل ميدري على جهاز لتحديد المواقع داخل منزل لانزا. وباستخراج البيانات منها وتحليلها، وجد أن لازنا كان قد ذهب لمكان الحادث تسع مرات في أشهر سابقة من نفس العام، وكان يظل لساعات طويلة في الموقع.

كما قادت البيانات مايكل إلى مركز تسوق يبعد عن منزل لانزا حوالي 20 كيلومترًا كان معتادًا على زيارته، وسريعًا ما تعرف عليه العمال هناك وأخبروه أنه كان يأتي ليلعب لعبة «أركاديا» كثيرًا، كانت أحيانًا تصل مدة لعبه إلى 10 ساعات في الليلة الواحدة، حتى أن المدير كان يضطر لفصل اللعبة ليجبره على الرحيل.

ومع فحص القرص الصلب لجهازه الحاسوبي، وجدت عليه مجلات خاصة بالأسلحة، وكذلك صور لقتلة كولومبيين مثل «إيريك هاريس»، وقائمة بمكونات متفجرات TNT، وكذلك مجموعة من ألعاب التصويب والقتال مثل لعبة «Call Of duty»، ولعبة «Dead or alive»، وكذلك لعبة «Grand Theft Auto».

لكن المدهش في ذاته هو اكتشاف اهتمام لانزا بلعبة «Dance Dance Revolution»، والتي يتم فيها الرقص على المربعات الملونة على إيقاع البوب الآسيوي، الأمر الذي لم يكن فقط مفاجئًا للمحققين، بل كان أيضًا على خلاف للتكهنات التي كان يتم تداولها في الإعلام وفي الشارع الأمريكي على أن الألعاب العنيفة هي من حولت لانزا إلى قاتل.

في إحصائيات من مركز مكافحة الأمراض واتقائها، وجد أن القتل وإيذاء شخص لآخر هو السبب الثالث لأكثر خمسة أسباب شيوعًا مسببة للوفاة في الولايات المتحدة الأمريكية وذلك لمن هم أعمارهم بين سنة واحدة إلى 44 سنة، كما أوضحت البيانات أن احتمالية أن يكون القاتل أو المسبب للإيذاء صديقك أو أحد معارفك هي الضعف، كما أن عدد الرجال مستخدمي العنف يفوق النساء بنسبة كبيرة.


دراسات عن ألعاب الفيديو وعلاقتها بالعنف

تقنية, ألعاب حاسوب, العنف والألعاب, ألعاب الكمبيوتر

مع ازدياد العنف ومسبباته وفي عالم ازدادت فيه وسائل الترفيه الرقمية، تم توجيه أصابع الاتهام تجاه ألعاب الفيديو التي تتسم بالعنف على أنها أحد مسببات حالات العنف الرئيسية في المجتمع.

ففي دراسة أجرتها كلية الطب بجامعة إنديانا على مجموعة من الشباب وملاحظاتهم أثناء لعبهم لعبة فيديو عنيفة لمدة أسبوع واحد، وجدت تغيرات واضحة في مناطق محددة من الدماغ. لا يعني ذلك بالتأكيد أن لعبة الفيديو هي المسبب الأول للعنف أو حتى العامل المساعد في ذلك، لكن دعا إلى سؤال مهم؛ وهو ماهية تأثير تلك اللعبة على الدماغ وتحفيز سلوك العنف.

من أجل التعرف على ذلك، حاولت مجموعة من الدراسات رسم فروق واضحة بين الألعاب الجيدة والألعاب السيئة. ففي عام 2010 قام توبياس جريتماير من جامعة ساسكس وكذلك سيلفيا من جامعة لودفيغ ماكسيمليان بتجربة على مشاركين قاموا بلعب 3 أنواع مختلفة من الألعاب، إحداها لعبة إيجابية، والثانية لعبة عنيفة، والأخيرة لعبة حيادية.

وأثناء قيام أحد المختبرين بالحصول على مجموعة من البيانات وبطريق الخطأ أوقع مجموعة من الأقلام من على الطاولة على الأرض، وإذ بالنتيجة أن من لعبوا اللعبة الإيجابية دفعتهم الرغبة للمساعدة لالتقاط الأقلام من على الأرض ضعفي هؤلاء الذين لعبوا لعبة عنيفة أو محايدة.

وفي محاولة لاستنباط نتائج لعب ألعاب تتسم بالعنف، أجرى أحد الباحثين بجامعة لوكسمبورج مع آخر من جامعة ماربورغ تجربة على مجموعة من اللاعبين عديمي الخبرة وذوي الخبرة في لعب لعبة Grand Theft Auto، ولعبة أخرى لقيادة السيارات لمدة 15 دقيقة.

وكنتيجة لذلك ستتاح لهم الفرصة لاختيار ما يشاؤون بين مجموعة من الهدايا التي تنقسم إلى قسمين: هدايا صحية (جل استحمام، مزيل عرق، معجون أسنان) وأخرى غير صحية (علبة شاي، مفكرات لتدوين ملاحظات، دببة مطاطية). وجد الباحثون أن مجموعة اللاعبين عديمي الخبرة الذين لعبوا لعبة «Grand Theft Auto» اتجهوا إلى تطهير أنفسهم بعد لعب هذه اللعبة العنيفة، الأمر الذي يعرف بتأثير ماكبيث، واختيار المنتجات الصحية أكثر من اللاعبين ذوي الخبرة في لعبها أو اللاعبين عديمي الخبرة الذين لعبوا لعبة قيادة السيارات.


هل تؤدي هذه الألعاب إلى العنف حقًا؟

الدراسات السابقة لا تثبت أن هذه الألعاب تؤدي إلى عنف بشكل قاطع. والجدير بالملاحظة كذلك هو أنه مع انتشار ألعاب الفيديو العنيفة في السنوات الأخيرة، انخفض عدد الشباب الذي يمارسون العنف بأكثر من النصف بين عامي 1994 و 2010 وفقًا لوزارة العدل الدولية.

وفي تحليل لبيانات مبيعات الألعاب من 2004 إلى 2008، في عام 2011، وجد سكوت من جامعة بايلور مع بنجامين إنجلستر من مركز الأبحاث الاقتصادية الأوروبية وكذلك مايكل وارد من جامعة تكساس أن هناك تزامنًا بين ارتفاع مبيعات الألعاب المتسمة بالعنف وانخفاض نسبة الجرائم خاصة العنيفة منها، وخلصوا إلى أن ظهور أي تأثيرات سلوكية سلبية تدفع للعب مثل هذه الألعاب قد لا تعوض، لأن الأشخاص المتسمين بالعنف ينجذبون إلى هذه الألعاب وكلما زاد وقت لعبهم لها، قل الوقت المتاح لهم والذي يستغرقونه في عمل وأداء جريمة ما.

في تقرير نشر عام 2015 من جمعية علم النفس الأمريكية، ذكر أنه يوجد علاقة ثابتة بين ألعاب الفيديو العنيفة والإدراك والسلوك العدواني، والحد من السلوك الإيجابي والتعاطف والحساسية تجاه الأمور العدوانية. لكن لم يذكر التقرير أو يعني بذلك أن ألعاب الفيديو العنيفة هي العامل الأكبر أو السبب الأساسي في حدوث العنف والاتسام به، على عكس العوامل الأخرى المسببة لذلك مثل العنف الأسري والتربية القاسية ومشكلات المدرسة المختلفة.

كذلك لم يعني مضمونه بأن ألعاب الفيديو تسبب سيلاً من الأفكار أو المشاعر العدوانية، على الفور وفي كل طفل. وعلى الرغم بأن هناك العديد من الدراسات تجد رابطًا صغيرًا بين هذه الألعاب ونوع من أنواع العدوان، إلا أن هناك كذلك الكثير منها الذي يفشل في العثور على هذا الارتباط أو يعثر عليه لكن في ظروف معينة فقط ولأشخاص محددين بصفات معينة.

كما وجد الباحثان «بول أداتشي وتينجا ويلوغبي» أن التنافسية الشديدة القائمة عليها اللعبة، بغض النظر عن كون اللعبة تتسم بالعنف أم لا، هي التي قد تؤدي إلى الإحباط والعدوانية نتيجة الصراع مع اللعبة. وفي دراسة حديثة نشرت في عام 2018 في مجلة ناتشر تهدف لمعرفة تأثير ألعاب الفيديو العنيفة على مجموعة من الشباب، جزء منهم يمارس لعبة عنيفة وكانت «GTA V»، والآخر يمارس لعبة إيجابية وهي «THE SIM 3».

تم اختبار المشاركين قبل وبعد التجربة على المدى الطويل وكذلك في موعد المتابعة المحدد بعد شهرين. بالرغم من استخدام اختبارات شاملة مكونة من استبيانات واختبارات سلوكية رقمية تقيم السلوك العدواني، والمزاج، والقلق، والتعاطف، والكفاءات الشخصية وغيرها، فلم يجدوا تأثيرات سلبية ذات صلة باللعبة العنيفة.

في الواقع، أظهرت ثلاثة اختبارات فقط من 208 اختبار أن هناك علاقة مع فرضية وجود صلة بين العنف وممارسة ألعاب فيديو عنيفة. وخلصت الدراسة إلى أنه لا يوجد آثار ضارة لممارسة ألعاب الفيديو العنيفة.

وفي حين أن بعض الدراسات تقول إن الألعاب تساهم في تركيز الأفكار العدوانية وانخفاض في سلوك المساعدة الإيجابي، إلا أن الدراسة الأحدث أوضحت أن هذه التأثيرات تكون على المدى القصير ولا تزيد عن مدة 15 دقيقة، وهو الأمر الذي يتسق مع دراسة أجراها الباحث كريستوف بارليت وتلاميذه في عام 2009 وأوضحت أن الشعور العدواني وكذلك التصرف العدواني يتلاشى بعد 4 دقائق من لعب اللعبة، ومعدل نبض القلب المرتفع يدوم فقط لمدة 5 إلى 10 دقائق.

لذا نستخلص من كل ما سبق أنه حتى الآن لم يتضح أن لعب ألعاب الفيديو العنيفة يكسب لاعبيها سلوكًا عنيفًا أو له تأثير سلبي على سلوكهم الاجتماعي، وإن كان ذلك يحدث فهو على المدى القصير فقط، أو يحدث في ظروف محددة لأشخاص محددين ذوي ظروف خاصة.


الاحتمالات المتاحة أمام أولياء الأمور للتعامل مع الأمر

يملك الوالدان ربما ثلاثة احتمالات للتعامل مع ألعاب الفيديو العنيفة ووجودها داخل البيت من عدمه، رغم وجود عدد كبير من الدراسات يبين محدودية التأثير سلبًا لهذه الألعاب على أولادهم، لكن يبقى الوالدان هما من يقرران بشكل أساسي الأمر في النهاية.

منع الألعاب نهائيًا

يقرر مجموعة من الآباء حظر هذه الألعاب نهائيًا في منازلهم، فقط من حيث المبدأ لأنهم لا يريدون تشجيع أو دعم آليات الترفيه العنيف، ولذلك فجوابهم يكون لا، لأنها لا تناسب قيمهم. لكن إن قرروا ذلك فيجب عليهم إيضاح الأسباب الكامنة وراء قرارهم والذي بالتأكيد سيكون من خلال حوار مثير معهم حينها، كما أن عليهم كذلك أن يستبدلوا هذه الألعاب بأنشطة أخرى توفر المتعة والترفيه لأولادهم.

السماح باللعب

سيقرر بعض الآباء بأنهم غير قلقين من تأثير ممارسة هذه الألعاب، قد يكون هذا الوضع صحيحًا أيضًا إذا كانت منازلهم مريحة وهادئة، وجيرانهم مسالمين إلى حد معقول. كذلك يفضل أن يكون أطفالهم سعداء وعطوفين بشكل عام، ويتمتعون على الأقل بمستوى جيد في مدرستهم، وكذلك لديهم من الأصدقاء الجيدين، ولهم اهتمامات أخرى بجانب ممارسة هذه الألعاب.

الوصول إلى حل وسط

تقنية, ألعاب حاسوب, العنف والألعاب, ألعاب الكمبيوتر

يحاول بعض الآباء إيجاد أرضية وسط يمكن الوقوف عليها مع أطفالهم لحل هذه المعضلة، فهناك طرق عديدة يمكن من خلالها مراقبة الأطفال أثناء لعبهم على النحو الآتي:

أولًا: يمكن للآباء التأثير في المحتوى الخاص بالألعاب التي يلعبها أطفالهم، حيث يمكنهم تجنب الألعاب التي تحمل عنفًا واقعيًا، كما يمكنهم توجيه الأطفال نحو ألعاب الفيديو الممتعة والمثيرة لكن ليست العنيفة منها. ويمكن من خلال موقع common sense media قراءة مراجعات لألعاب الفيديو الأمر الذي يساعد على اتخاذ قرار مستنير تجاه لعبة معينة.

ثانيًا: يمكن للآباء الحد من الوقت الذي يقضيه الأطفال في ممارسة ألعاب الفيديو، فلا توصي الأكاديمية الأمريكية لطب الأطفال بأكثر من ساعة لأطفال المدارس الابتدائية، وأكثر من ساعتين لأطفال المدارس الثانوية. وإن كان أسهل من الناحية العملية السماح بممارسة الألعاب في أيام معينة وساعات معينة وإبقاء الأجهزة الإلكترونية عامة بالليل خارج غرفة الأطفال.

ثالثًا: يمكن للوالدين أيضًا التعامل مع تأثير ألعاب الفيديو العنيفة عن طريق اللعب بها مع أطفالهم أو التحدث معها عنهم. لكن يتطلب الأمر بعض الحذر بشأن الوعظ مع الأطفال الأكبر سنًا، وكذلك المراهقين. سيساعد هذا في فهم وجهة نظر أطفالك عن اللعبة، بصورة أكبر وكذلك تعليمهم التفكير النقدي والنظر إلى الألعاب بصورة أكثر تحليلية.