في الماضي لجأ بعض العاملين في مجال الصحة العقلية لاتخاذ تدابير متطرفة نحو المثليةالجنسية، بإيداع المثليين في مؤسسات للصحة العقلية وإجراء عمليات الإخصاء والعلاج بالصدمة الكهربائية، في محاولة لمنع الأشخاص من أن يكونوا مثليين جنسيين أو ثنائيي الجنس أو متحولين جنسيًا.

حتى اليوم ما زالت بعض هذه الممارسات يتم استخدامها، دون قانون يُجرمها، ويرافق هذه الممارسات مجموعة متنوعة من العلاجات السلوكية والمعرفية وحيل نفسية لتغيير اتجاه الانجذاب الجنسي أو تغيير الهوية الجنسية.

ويدّعي القائمون على العلاج قدرته على تغيير التوجه الجنسي للشخص من مثلي إلى مغاير، والمبني على افتراض أن المثلية الجنسية اضطراب عقلي أو افتراض أن المثلي يجب أن يغير توجهه الجنسي.


النظريات القديمة في علاج المثلية

كان هناك اعتقاد قديم بأن المثلية الجنسية عبارة عن حالة نفسية عابرة يمكن تخطيها حسب رغبة الشخص. وفي أواخر القرن التاسع عشر وتقدم الطب النفسي، بدأ النظر إلى المثلية على أنها خطيئة وأحد أعراض الفساد الأخلاقي وليست مرضًا نفسيًا.

وفي النصف الأول من القرن الماضي اعتقد سيجموندفرويد في أن البشر يولدون مزدوجي الجنس، وبعد ذلك يختارون ما يفضلونه جنسيًا بطريقة غير مباشرة، ويمكن إعادة توجيه هذا التفضيل «الشذوذ» مرة أخرى إلى الاتجاه الطبيعي بالتحفيز المناسب. وقام فرويد بتطبيق ما توصل له والعمل على تصحيح «الشذوذ الجنسي» من خلال التنويم المغناطيسي.

في حين كان يقوم زميله النمساوي «يوجين ستايناخ» بتجربة زراعة خصيات الرجال المغايرين في أجساد الرجال المثليين، ومعهما اعتقد المحلل النفسي المجري «ساندور فيرينسي» أن السبب في المثلية يكمن في كراهية النساء أو مظهر من مظاهر القلق المكبوت من المجتمع.

أما الأبرز على الإطلاق في هذه الفترة كان ما فعله عالم الأعصاب الأمريكي «والتر فريمان»، من عمليات فصل فص المخ الجبهي للرجال والنساء المثليين في 23 ولاية أمريكية في الأربعينيات والخمسينيات، وتُعد هذه العملية تدخلاً جراحيًا يتم الاستعاضة به عن العلاج النفسي.


ما الذي يحدث في جلسات العلاج؟

إن الطرقالكلاسيكيةلعلاجالمثلية تقوم على تثبيت الأقطاب الكهربائية بالقضيب والخصيتين، أو المهبل لدى النساء، مع الأصابع والصدر والذراعين، ثم عرض صور إباحية لأشخاص من نفس النوع وتوصيل الأقطاب بالكهرباء لمدة 5 ثوان على 100 فولت، ليتزامن التفكير في نفس الجنس بالألم الشديد، ويستمر العلاج بهذه الوسيلة لعدة أشهر، بمتوسط 1000 صدمة كهربائية.

ويتم أيضًا حقن الشخص بأدوية تحفز على القيء والإسهال لعدة أيام دون استخدام المرحاض أو تغيير ملابسهم للاشمئزاز من أنفسهم ومن جنسهم، وهناك حالات تم تقييدها في أسرّة مليئة بالمخلفات البشرية لأيام مع عرض صور لرجال عراة من أجل التخلص من الرغبات المثلية، وتم الإبلاغ عن وفاة حالات بينما كانت تخضع لهذه الممارسات بمستشفيات الطب النفسي والعصبي جراء غيبوبة وتشنجات بعد حقنهم بكميات كبيرة بمادة الأبومورفين المحفزة على القيء.

مثال على المؤسسات التي تمارس أساليب العلاج تلك حاليًا في أمريكا هي الرابطة الوطنية للبحث وعلاج المثلية الجنسية (NARTH)، وقد شكّلها مجموعة من المعالجين الذين يؤيدون ويمارسون علاجات التحويل الجنسي، ويشجعون على استخدام الكهرباء والتنويم والعلاج السلوكي والمعرفي والعلاجات الهرمونية والأدوية العقلية وغيرها.

وفي بريطانيا تنتشر دعوى الجماعات الدينية لعلاج المثلية، وأشهرهم هي جماعة «Core Issues Trust» والتي تتعاون مع الأشخاص الذين يسعون للتحرر من مثليتهم والعودة كمغايرين ومقبولين مجتمعيًا.

وتسعى الجماعتان لمنع تطبيق قوانين تمنع عملهم، بحجة أن الحظر سيحرم الإنسان المثلي من حقه في العلاج، الذي يهدف إلى مساعدته على تشكيل حياته كما يحلو له.


اليمين المسيحي يتصدى للمثلية وينشر العلاج

مع ظهور اليمين المسيحي الأمريكي كصوت معارض في ستينيات القرن الماضي وحصوله على القبول الاجتماعي، تزايدت خطاباته ضد المثلية ووجوب القضاء عليها، وانخرطت الجمعيات المسيحية في ممارسة العلاج وتحريض الآباء على إخضاع الأطفال والمراهقين للعلاج بدافع أن هذه الميول الجنسية غير طبيعية ومخجلة. وكان نتاج هذه الخطابات ارتفاع نسبة مرضى الاكتئاب والقلق والإدمان والمنتحرين بين المثليين ومضطربي الهوية.

في الوقت ذاته، أحيت الكنائس الأمريكية المحافظة فكرة أن المثلية الجنسية هي خطيئة وتهديد للبنية الأخلاقية والقيم العائلية، وأن الله يعاقب هؤلاء بالإيدز «وباء المنحرفين المعاقبين»، الذي انتشر في الثمانينات.

تم التحايل على المواطنين في العديد من الحالات، بأن يدعي القساوسة المروجون للعلاج من المثلية بأنهم كانوا مثليين أيضًا ولكن شفاهم العلاج بإرادة الله، ويحكون تجاربهم الخاصة في التغلب على الرغبة الجنسية المثلية، ومن ثَمَّ عرضهم المساعدة على الآخرين. وبلغ إنفاق جماعات الضغط المسيحي في عام 1998 على إعلاناتهم عن علاج المثلية 600 ألف دولار في صحف مثل «نيويورك تايمز» و«وول ستريت جورنال» و«يو إس إيه توداي» و«لوس أنجلوس تايمز»، واستخدمت الجماعات أشهر الأطباء الأمريكيين كواجهة لها، ومنهم الطبيب «جوزيف نيكولوسي»، والذي توفي عام 2017، بعد أن جعل من الترويج لفكرة إمكانية علاج المثلية مهنة زائفة مربحة جدًا.


ما الذي حدث للقاصرين في معسكرات الكنيسة؟

تم استخدام أساليب علاج المثلية واضطراب الهوية مع القاصرين الذين يتم إرسالهم لمعسكرات جماعات مسيحية متحفظة، حيث كان يتم نقل الأطفال والمراهقين بالقوة والتهديد بالتقييد والضرب من منازلهم إلى المعسكرات.

وفي عام 2006، تم رفع دعوى قضائية ضد WWASP & Cross Creek من قبل 25 ضحية للمعسكرات المسيحية، وأظهرت شكوى المراهقين والأطفال أن المرافقين من إدارة المعسكر كانوا يجبرونهم على أكل القيء، ويعتدون جنسيًا عليهم، وكانوا يسمحون للطلاب الأكبر سنًا بالاعتداء الجنسي على الطلاب الأصغر سنًا، وتعرض الأطفال أيضًا للضرب والركل والتقييد ووضعهم في أقفاص مع الكلاب، أو حبسهم بمفردهم في أقفاص صغيرة، أو في الأقبية المظلمة، وإجبارهم على التبول والتبرز أمام زملائهم، وإجبارهم على تنظيف المراحيض والأرضيات بفرش الأسنان الخاصة بهم ثم استخدامها كفرشاة أسنان بعد ذلك.

كذلك قامت إدارة المعسكر بحرمان الأطفال من القدر الكافي من الطعام، وتعريضهم لدرجات حرارة عالية أو باردة لفترات طويلة وبالتبادل، وإجبار الأطفال على تعليق أكياس رمل حول جذوعهم ورقابهم طوال اليوم أو لعدة أيام، وحرمانهم من استخدام المرحاض لأيام، وتهديدهم بالقتل إذا أخطروا شخصًا عما حدث لهم، والكذب عليهم بأن والديهم يعرفون بما يحدث داخل المعسكر، ومن أجل إتمام هذه الممارسات كان يتم عزل الأطفال عن ذويهم وحرمانهم من استخدام الهاتف، أو زيارة الوالدين أو المراسلة.


هل يمكن علاج المثلية الجنسية واضطراب الهوية؟

اعتبرت جميع مؤسسات الصحة المهنية والعقلية الرائدة في العالم علاج التحويل الجنسي علاجًا غير فعال ومؤذٍ، وحذرت من أن هذه الممارسات التي لا تأتي بنتائج إيجابية قد تتسبب في أضرار بالغة. فوفقًا لتقرير صادر عن جمعية علم النفس الأمريكية لعام 2009، فإن الأساليب السابقة التي أسهب التقرير في شرحها تستند على فرضية أن «المثلية الجنسية» مرض واضطراب، في حين أنه تم إزالتهما بالفعل من الدليل التشخيصي للجمعية الأمريكية للطب النفسي عام 1987، ومن تصنيف منظمة الصحة العالمية للاضطرابات العقلية عام 1992.

وفي عام 2005 وقّع ممثلون عن هيئة الخدمات الصحية البريطانية والكلية الملكية للأطباء النفسيين والمؤسسات النفسية الاستشارية مذكرة تفاهم تفيد بأن علاج التحول الجنسي غير أخلاقي، وضار على الأرجح، وأن المثلية ليست مرضًا ولا يوجد دليل واضح على أنه يمكن تغيير التوجه الجنسي من خلال هذه الوسائل. ولكن يخضع الشخص المثلي الذي يسعى لتغيير حياته الجنسية للعلاج بسبب رهاب المثلية الذي يعاني منه داخليًا، وبسبب الأخطار والضغوط الناشئة عن تعرضه للتمييز الخارجي.

وفي دراسة أجريت عام 2002، كانت النتيجة أنه من بين 202 رجل ممن خضعوا لعلاج التحويل الجنسي، حاول 34 منهم الانتحار إما أثناء أو بعد العلاج، ولم يتم العثور على حالة ناجحة واحدة للتحويل.


كيف تتعامل الحكومات مع علاج المثليين؟

مع تطور البحث الأكاديمي في السنوات الأخيرة ثبت أن كافة محاولات علاج المثلية واضطراب الهوية مجرد تعذيب للأفراد. وبعد سنوات من برامج الحملات الانتخابية، والضغط القانوني، ستتبع حكومة بريطانيا مثيلاتها من الدول الأوروبية والدول الأخرى مثل كندا وأستراليا وأمريكا، وتحظر علاج التحويل الجنسي.

وتعهدت رئيسة الوزراء البريطانية تريزاماي بالقضاء على علاج المثليين بعد انتشار تقرير دولي يؤكد أن هذا النوع من العلاج أكثر انتشارًا مما كان عليه، بعد مسح شمل 108 ألف شخص مثلي.

وقد أصبح علاجالتحويلالجنسي اليوم محظورًا بشكل كامل في الأرجنتين والبرازيل ومالطا وتايوان فقط. ورغم حظره أيضًا في دول مثل كندا وأستراليا وإسبانيا وأمريكا إلا أن ممارسته ما زالت متاحة هناك، وغالبًا ما تستهدف الأفراد الأكثر ضعفًا.

أما في ماليزيا، فإن الحكومة تدعم ممارسة الأطباء لعلاج المثلية واضطراب الهوية الجنسية. وهناك عيادات طبية في الصين تقدم خدمة علاج المثلية باستخدام الصعق الكهربائي للمخ والأعضاء التناسلية. ويشارك الأخيرتين عدد كبير من الدول، التي يمارس فيها الأطباء أساليب علاج التحويل الجنسي بشكل قانوني ومقبول مجتمعيًا.