لا أعدك بالطبع أن تصبح مُتخصصًا في الاقتصاد بعد قراءة كافة العناوين المُقترحة في هذا «المقال-الدليل»؛ فهذا يتطلّب سنوات من الدراسة الجادة المنظمة، لكني أزعم أيضًا أني لن أقدم لك بضعة عناوين عشوائية، تخرج بعد قراءتها بمعلومات متفرقة غير مُمنهجة، لا تغنيك فتيلاً في فهم ما حولك حقًا!

الاقتصاد هو علم اجتماعي ذو أهمية خاصة، فهو علم بحث أمور معيشتنا في بعدها المادي، وهذا ليس تعريفًا وافيًا للعلم بالتأكيد، ولا بموضوعه في شموليته، لكنه يكفي مجازًا، بقدر بداهته المنطقية، وبقدر ما في اختزاله في تلك البداهة من خطأ كذلك! لهذا فهو ذو حساسية خاصة، كونه يمسّ بأكثر أشكال المباشرة أكبر وأخطر صراعاتنا على هذا الكوكب، «صراع الثروة»، بل «صراع الحياة» نفسها بالنسبة لأغلب البشر!

ومن هنا أهمية أن تفهمه، وأن تفهم قبل ولوجه أرض الألغام التي ستطأها بقدميك، متوقعًا بأكبر قدر ممكن الفخاخ للإيقاع بك! فوعيك هنا، حقيقيًا أم زائفًا لا فارق، يساوي أموالاً وهيمنة بالنسبة للبعض؛ فلا تدعهم يخدعونك! ولنبدأ على بركة الله.

الخطوة الأولى: ما هو الاقتصاد؟

دليل المبتدئين الشامل إلى علم الاقتصاد — توم جورمان

أولى الخطوات هي بلا شك معرفة ماهية العلم، أي ما هو باقتصاد، وما ليس كذلك، ما موضوعه ونطاقه وقضاياه، فضلاً عن علاقته بالعلوم الأخرى، وبلا شك منهجيته في بحث وتناول كل ما سبق، وصولاً إلى تطبيقاته الموضوعية والنوعية، ويجب أن يكون كل ذلك من منظوريه الرسمي (المدرسة الليبرالية السائدة) والنقدي (المدارس اليسارية والاجتماعية بتنوّعاتها)، وهو ما يمكن أن توفّره العناوين التالية بإيجاز شديد:

1.دليل المبتدئين الشامل إلى علم الاقتصاد، لتوم جورمان: وهو يقدم لك بداية جيدة ومُبسّطة للاقتصاد من منظور المدرسة الرسمية، الليبرالية، المؤيدة للنظام الرأسمالي.

2.محاضرات في الاقتصاد السياسي الماركسي، لإرنست ماندل: يمثل الرؤية المقابلة للمدرسة الرسمية في الاقتصاد، وهما مختلفان جزئيًا في القضايا محل النقاش ذاتها، وفي تعريف العلم نفسه، وإن كانت تقاطعاتهما مهمة لمزيد من فهم الاقتصاد وتوسيع رؤية المهتم به.

3.فلسفة علم الاقتصاد، لدكتور جلال أمين: يقدم لك خلفيات عدد من المفاهيم الاقتصادية الهامة، والجدل والخلاف حولها، وكونها ليست مفاهيم نهائية أو مطلقة.

الخطوة الثانية: الصورة الكلّية!

قادة الفكر الاقتصادي — روبرت هيلبرونر

بعد تكوين هذه الرؤية العامة عن الاقتصاد، تأتي ضرورة امتلاك صورة كلية له، ما يتأتى بوعي تعدد الأنظمة الاجتماعية والرؤى الاقتصادية ضمنه، فليس في الاقتصاد من رؤية واحدة، ولا نظامًا أخيرًا، كما تصوّر المدرسة الرسمية، بل لعل الاقتصاد أحد أكثر العلوم جدلاً حتى بخصوص أعمق أساساته، وفي هذا نقترح العناوين التالية كبداية:

1.تاريخ الفكر الاقتصادي..الماضي صورة الحاضر، لجون كينيث جالبريث: يعرض رؤية بانورامية لتاريخ الفكر الاقتصادي بقلم عالم اقتصاد أمريكي بارز ونزيه، صاحب رؤى نقدية ثاقبة.

2.قادة الفكر الاقتصادي، لروبرت هيلبرونر: أحد أمتع كلاسيكيات تاريخ الفكر الاقتصادي، لعالم اقتصاد بارز، وهو أقدم نسبيًا، لكنه عميق ومحايد وممتع بجمعه الإنساني والفكري في إطار واحد.

3.أفكار جديدة من اقتصاديين راحلين..مدخل للفكر الاقتصادي الحديث، لتود جي باكولز: كتاب أحدث من السابقين، يغطي خطوطًا فكرية أحدث لم يغطها العملان الكلاسيكيان السابقان.

4.رأسمالية واشتراكية..تاريخ مختصر لمعركة العصر، لـم. ألبيرتيني: كما يشير العنوان، يقدم تاريخًا واقعيًا للنظامين الاقتصاديين الأساسيين والأشهر عالميًا، مؤكدًا أن كليهما يعاني الأزمات، وأن تطبيقاتهما الواقعية تخضع للسياقات الاجتماعية والتاريخية الخاصة؛ فليس لدى أي نظام ضمانات بالنتائج!

5.الليبرالية الجديدة، لدكتور أشرف منصور: يقدم عرضًا ممتعًا للأفكار المؤسسة اقتصاديًا واجتماعيًا وسياسيًا للتيار الليبرالي، ونقادها الأساسيين، ويمثل خلفية ضرورية لأي مهتم بالاطلاع عليها، سواءً كان معها أو ضدها.

6.الليبرالية الجديدة..موجز تاريخي، لديفيد هارفي: ويكمّل العمل السابق بتاريخها الواقعي بقلم أحد أبرز نقادها عالميًا.

7.فكر الأزمة..دراسة في أزمة علم الاقتصاد الرأسمالي، لدكتور رمزي زكي: يقدم عرضًا أكثر فنية لأزمة الاقتصاد الليبرالي، بقلم عالم اقتصاد مصري عظيم، صاحب رؤى نقدية ومواقف علمية منضبطة، وأنصح القارئ الجاد بالبحث عن باقي أعماله، والاطلاع عليها.

8.نقد الاقتصاد السياسي، لدكتور محمد عادل زكي: يطرح رؤىً نقدية في الفكر الاقتصادي وماهية علم الاقتصاد السياسي عمومًا، وبعض قضايا الاكثر أهمية، تفيد القارئ العام والمتخصص على السواء.

9.المذاهب الاشتراكية، لدكتور أحمد جامع: يعطي صورة عامة جامعة عن المذاهب الاشتراكية الكلاسيكية بقلم محايد ونزيه.

الخطوة الثالث: المشكلات النوعية

كتاب تحولات الطبقة الوسطى في الوطن العربي — أحمد موسى بدوي

بعد ذلك المسح العام، ننتقل إلى تكوين فكرة عامة عن فروع الاقتصاد التطبيقية والنوعية، والتي تأتي على رأسها قضايا المالية العامة (كيف تنفق الحكومات أموالنا؟)، والسياسة النقدية (أدوات تداول القيم فيما بيننا، بما فينا الحكومة)، وتوزيع الدخل والثروة (العدالة الاجتماعية)، والسياسات البشرية (متطلبات رأس المال البشري من تعليم وصحة وغيرها)، والعلاقات الاقتصادية الدولية (علاقة الاقتصاد المحلي بالدولي)، والتنمية الاقتصادية (قضية التخلّف والتطوّر الاجتماعي)، ونذكر مما يتناول هذه القضايا عناوين مثل:

1.لماذا تفشل الأمم؟ أصول السلطة والازدهار والفقر، لدارن أسيموجلو وجيمس روبنسون: يناقش قضايا التخلف و التنمية من منظور مؤسسي حديث، مؤكدًا أهمية طريقة تنظيم النشاط الاقتصادي، وهو مهم في فهم القارئ لعلاقة الاقتصاد بالسياسة والإدارة غيرها من أبعاد اجتماعية.

2.التاريخ النقدي للتخلف، لدكتور رمزي زكي: يقدم خلفية وافية حول تطور النظام النقدي الدولي، ودوره في علاقات التجارة الدولية والهيمنة الاستعمارية؛ ومن ثم علاقته بالتخلف والتنمية في العالم الثالث؛ ما يمثل كولاجًا شاملاً يجمع عددًا من القضايا الاقتصادية المختلفة في ترابطها.

3.النظام القوي والدولة الضعيفة.. إدارة الأزمة المالية والتغيير السياسي في عهد مبارك، لدكتور سامر سليمان: يناقش الأزمة المالية المصرية المزمنة وآثارها وطرائق معالجتها، وكيف تصوغ التوجهات الفعلية للأنظمة الحاكمة، بغض النظر عما تعلنه، إنه درس مركّز في المالية العامة والاقتصاد السياسي.

4.تحولات الطبقة الوسطى في الوطن العربي، لدكتور أحمد موسى بدوي: رغم أنه كتاب في علم الاجتماع بالأساس، فإنه بمناقشته للطبقات الوسطى في الوطنى العربي، يناقش عددًا من القضايا الاقتصادية وآثارها، كالعجز الصناعي والفشل التنموي وسوء توزيع الدخل ..إلخ من قضايا كلها اقتصادية الطابع، كما أنه يفيد القارئ في توسيع أفق تعاطيه مع الاقتصاد كموضوع اجتماعي.

5.تقارير التنمية البشرية الصادرة عن الأمم المتحدة، وتفيد كفكرة عامة عن أوضاع البشر من تعليم وصحة وغيره، وتحوي معلومات وتحليلات مفيدة عنها وعن ارتباطاتها بحالة التنمية عمومًا.

الخطوة الرابعة: الوعي النقدي

عقيدة الصدمة: صعود رأسمالية الكوارث — ناعومي كلاين

أنت الآن لديك أساس نظري كاف في الاقتصاد، لكنه غير كاف لفهم الاقتصاد واقعيًا مع ذلك، إذ يلزمك بعض من التاريخ الاقتصادي الواقعي ضمن إطاره الاجتماعي الشامل، لتفهمه ضمن إطار كل ما سبق وجمعته من معرفة نظرية؛ فتمتلك وعيًا نقديًا مزدوجًا، تجاه الأفكار والوقائع معًا، وبهذا الصدد يمكنك الاعتماد على العناوين التالية:

1.الاغتيال الاقتصادي للأمم..اعترافات قرصان اقتصادي، لجون بركنز: يناقش برامج المنظمات الدولية في الدول النامية، وكيف أنها لا تستهدف خيرها كما تعلن، كتبه خبير ممن عملوا في تلك المنظمات وخبروا ممارساتها بنفسهم!

2.عقيدة الصدمة..صعود رأسمالية الكوارث، لناعومي كلاين: كتاب لامع في ذات الموضوع، بشكل أكثر شمولية، يربطها بصعود أفكار ميلتون فريدمان النيوليبرالية عالميًا، وكيف خرّبت الاقتصادات الوطنية لصالح فئات اجتماعية محدودة ودول مركزية مهيمنة عالميًا.

3.التحوّل الكبير..الأصول السياسية والاقتصادية لزمننا المعاصر، لكارل بولانيي: تحليل اجتماعي تاريخي شامل للمجتمع الحديث، وكيف تكوّنت مؤسساته الاقتصادية والسياسية، بقلم عالم رائد في الفكر الاقتصادي المؤسسي، يمثل، رغم قدمه، قراءة حتمية بالنسبة لأي مثقف جاد.

4.النظام الاقتصادي الدولي المعاصر..من نهاية الحرب العالمية الثانية إلى نهاية الحرب الباردة، لدكتور حازم الببلاوي: تاريخ مُوجز للنظام الاقتصادي الدولي من الحرب العالمية الثانية حتى أوائل الألفية، يمثل خلفية هامة لفهم كثير من التحولات والأوضاع الحالية.

5.الاقتصاد السياسي للتنمية في القرنين العشرية والحادي والعشرين، لدكتور سمير أمين: مثل سابقه، لكن بمنظور أعمق وأشمل من عالم الاقتصاد العربي الأشهر عالميًا، يناقش التحولات الأساسية في النظام الاقتصادي المعاصر، وآثارها على الدول النامية عمومًا.

الخطوة الخامسة: الحسّ التطبيقي

عقيدة الصدمة: صعود رأسمالية الكوارث, ناعومي كلاين, اقتصاد, كتب
كتاب قصة الاقتصاد المصري: من عهد محمد علي إلى عهد مبارك — جلال أمين

بعد كل ما سبق، يلزمك قدرًا من الحسّ التطبيقي المحلي، بمعرفة خلفية اقتصادك الوطني المحلية؛ لتعي سماته الخاصة ومشكلاته النوعية، كأساس لفهم الجدالات التي تدور حولك، وما تتناوله من إشكالات، كذا إطاره الاجتماعي الأوسع؛ باعتبار الاقتصاد لا ينفصل أبدًا عن الاجتماع، ويمكنك أن تبدأ بالعناوين التالية حول الاقتصادين المصري والعربي:

1.قصة الاقتصاد المصري..من عهد محمد علي إلى عهد مبارك، لدكتور جلال أمين: هو عرض مُوجز لتاريخ الاقتصاد المصري عبر قرنين، وكيف أدار حكام مصر شئونها الاقتصادية، ومديونيتها التي صاغت تاريخها!

2.دفتر أحوال الاقتصاد المصري، لدكتور محمود عبد الفضيل: مناقشة مُركزة ومُبسطة لعدد من القضايا الاقتصادية المزمنة في مصر، ورغم تقادم الكتاب نسبيًا، إلا أنه يحوي معلومات وتحليلات هامة، يتشرّب معها القارئ طرائق التفكير الاقتصادية التطبيقية، فضلاً عن أن ما يحويه من رؤى لا يزال صالحًا بشكل ما.

3.رأسمالية المحاسيب..الاقتصاد الاجتماعي لمصر المعاصرة، لدكتور محمد عبد الفضيل: يكمّل الكتاب السابق بمزيد من التحديث، فضلاً عن تأطيره برؤية اجتماعية تعمّق فهم القارئ لمشكلات الاقتصاد المصري.

4.الشعب يريد..بحث جذري في الانتفاضة العربية، لجلبير أشقر: يناقش الحالة الاقتصادية الاجتماعية العربية وفشلها التنموي، وكيف أدت لانتفاضات الربيع العربي؛ مما يمثّل الجذر العميق لها؛ فيوسّع رؤية القارئ للقضايا الاقتصادية بأبعادها السياسية والاجتماعية.

5.خروج العرب من التاريخ، لدكتور فوزي منصور: مناقشة مشابهة لسابقه، لكن بإطار أوسع وأعمق بكثير، حيث يتعلّق بقضية النهوض والسقوط الحضاري في شموليتها.

وفي النهاية ليس ضروريًا لقارئ غير متخصص أن يقرأ كل هذه العناوين، وإن كان واجبًا عليه إذا كان جادًا في تحصيل معرفة اقتصادية كافية، أن يقرأ على الأقل عناونين إلى ثلاثة من كل فئة من الفئات المذكورة أعلاه؛ حتى يكتمل له الحد الأدنى الضروري من الرؤية الكلية والفهم الأساسي، والله المُوفق.