عندما نستحضر ذكرى أدولف هتلر، الزعيم النازي الشهير، لن نتذكّر إلا الخراب والدمار اللذين أصابا العالم بسببه.

لكن، ما لم يره العالم من حياة هتلر، هو الطفل البار بوالدته، والعاشق المُحِب لحبيبته، ومثل هذه العلاقات لعبت دورًا كبيرًا في تشكيل شخصيته التي اتخذت قرارات مصيرية غيّرت من تاريخ الدنيا. وبهذا تكون هذه الأم التي ربّت هتلر والحبيبة التي عشقته سرًا لعبت دورًا في تغيير تاريخ العالم دون أن تدري.

ويمكن القول، إن هناك ثلاثة نساء- تحديداً- هن صاحبات التأثير الأعظم في سيرة الرجل؛ أمه «كلارا هتلر» وعشيقتيه «جيلي روبال» و«إيفا براون».

كلارا هتلر

كنت أحب أمي حد العبادة.
هتلر متحدثًا عن والدته.

كانت والدة هتلر السيدة «كلارا» امرأة محبة لبيتها هادئة خجولة ذات طبع لطيف، وذلك على عكس زوجها ووالد هتلر السيد «ألويس» الذي عمل موظفًا حكوميًا، وكان صارمًا حاد المزاج.

وعندما كان والد هتلر ينهال عليه ضربًا، تذهب إليه الأم لتلاطفه وتخفف عنه، وهكذا كان حنان ورقة كلارا يعوّضان ما يُلاقيه هتلر الصغير على يدي أبيه القاسي.

يذكر هتلر في كتابه كفاحي، أن أباه كان يود توجيهه نحو الدراسة التي تضمن له وظيفه حكومية فيما بعد، رغم ميله إلى دراسة الفنون، وخاصةً الرسم، ولهذا وقعت مناوشات بينهما بسبب هذا الأمر، فرض فيها الأب إرادته والتي أذعن لها هتلر كارهًا.

وعندما تُوفِّي الوالد، جدّدت الأم رغبتها في استكمال رؤية الأب، ووجَّهت الابن نحو ذات المسار الدراسي الذي سيؤدي إلى وظيفة حكومية مضمونة، ولكن هذه المرة تصرّف هتلر بشكلٍ مغاير تمامًا، فلم يُشاكس أمه ووافق على رغبتها، ولم يُرد أن يضايقها بالرفض كما فعل في البداية مع أبيه.

بعدها لعب الحظ دوره مع هتلر، حين أصيب بنزله شعبية، وطلب الطبيب أن يتوقف عن الدراسة لعام كامل، وخلال هذه المدة لاحظت والدته ميله إلى التصوير والرسم، فوافقت على اِلتحاقه بمعهد الفنون.

اشترت له الأم بيانو، وكان بداية تعرّفه على الفنون، ومنه انطلق يرسم ويلون ويستمع للموسيقى ويكتب الشعر. كذلك حرصت كلارا على مشاركة هتلر اهتماماته، فكانت تذهب معه إلى المسرح لحضور العروض، وحرص على أن تكون هديته لها كل عام في عيد مولدها هو الذهاب معًا إلى المسرح.

كانت تلك الأعوام هي «سنوات هناء هتلر» على حد قوله، حتى جاءت الطامة التي عكّرت صفو حياته، حين مرضت والدته بسرطان الثدي ثم ماتت. أثناء مرضها كان هتلر هو من يرعاها على أكمل وجه، ويُحقق لها كل ما تتمنى، ويحاول دائمًا إظهار حبه لها، وكان يُقيم بجوارها في المطبخ لأنه الجزء الأكثر دفئًا في المنزل.

وزعمت بعض التقارير الإعلامية، أن الطبيب الذي كان يُشرف على علاج الأم، وشهد على حب هتلر لها وانهياره لفراقها كان يهوديًا. ولما فشل في علاجها، تحولت حالة الامتنان التي كان يكنّها هتلر له إلى غضبٍ شديد بسبب موت والدته. وكانت المفارقة أن يتعرّض هذا الطبيب، ضمن الطائفة اليهودية، إلى إجراءات قمع شديدة ترافقت مع صعود هتلر إلى السُلطة.

كانت «كلارا» هي حب هتلر الوحيد والضوء الساطع في حياته، وبانطفاء هذا الوهج عاش في ظلام نفسه وظلام العالم بوحشيته، حيث عانى الفقر وقلة الحيلة، واضطر الذهاب  إلى فيينا من أجل العمل وكسب الرزق.

جيلي روبال

أطلقت جيلي روبال على هتلر لقب العم وولف. قصة دنيئة، لكنها تعطي بعض الأفكار عن نفسية هتلر.
«رونالد هايمان» في كتابه «هتلر وجيلي».

علاقة غامضة جمعت بين هتلر و «جيلي روبال»، ابنة أخته غير الشقيقة «أنجلا».

عاشت جيلي روبال في بداية حياتها بعيدًا عن خالها هتلر. تُوفِّي عنها أبوها في سن صغيرة، بعدها انتقلت هي وشقيقتها الصغرى للعيش مع أمها في منزل خالها (هتلر) في ميونخ، بعد ما عيّن هتلر أخته للعمل مُدبِّرة لمنزله.

حينها كانت جيلي في الـ 17 من عُمرها، وكانت تعيش أسوأ أوقاتها؛ فقيرة يتيمة، فقدّم لها هتلر الأموال والاهتمام والرعاية. سريعًا، تطوّر اهتمام هتلر، من خال يهتم بابنة أخته إلى عاشقٍ مهووس.

نشأت علاقة سرية بينهما، تطورت سريعًا، لكنها شهدت نهاية مأساوية بعد ما وُجدت مقتولة وغارقة في دمها، وهي في الـ 23 من عُمرها، داخل شقة في ميونيخ على بعد خطوات من غرفة نوم هتلر.

تضاربت الآراء التي حاولت تفسير مقتل هذه الشابة الألمانية، فاعتقد البعض أن مقربين من هتلر خافوا من انفضاح أمر وجود علاقة بين هتلر وابنة أخته، وهو ما سيُدمِّر مساعي الحزب القومي الاشتراكي (النازي) الساعي للوصول إلى السُلطة، فقتلوها وصرّحوا بأنها انتحرت خوفًا على سمعته. فيما ترددت رواية أخرى، أن جيلي كانت حاملًا من رجل يهودي، وهو ما دفعه لقتلها والتخلص منها ومن جنينها.

وحتى الآن، لم تُحسم أي من هذه الآراء، لأنه- وحتى يومنا هذا- لا تزال السلطات النمساوية ترفض كافة المطالب بإعادة فتح القضية مرة أخرى، بما ستتضمنه من أعمال نبش رفات جيلي وإخضاعها لعددٍ من الفحوصات والتحاليل، التي قد تساهم في حل هذا اللغز.

إيفا براون

لم يكن هتلر هو صورة الحبيب الكامل في قلب إيفا الشابة الرومانسية، لكنه كان الرجل الذي يُريحها ويهتم بها مثل الأب. حاول هتلر دائمًا أن يجعل الحياة معها ممتعة وسعيدة قدر الإمكان.
من كتاب «كينيث ألفورد»: «إدولف هتلر وإيفا براون: اثنا عشر عامًا عشيقة، يومين كزوجة».

هي الزوجة الوحيدة لهتلر، والتي لم تتمكن من الحفاظ على لقب «زوجة هتلر» طويلاً، فلقد ماتت بعد زواجها منه رسميًا بيوم ونصف.

ولدت إيفا لعائلة بافارية متوسطة الحال، ودرست في المدارس الكاثوليكية. تعرفت على هتلر في سن الـ 17، حيث كانت تعمل مساعدة لـ«هاينريش هوفمان» المصور الشخصي لهتلر، وبعدها بـ3 سنوات أصبحت عشيقته، وعاشا معًا في بيته بميونخ، وفي عام 1936 ذهبت للعيش في الشاليه الخاص به في بيرشتسجادن.

قال المؤرخة الألمانية «هايكه جورتيماكر» في كتابها «الحياة مع هتلر»، إن إيفا كانت ملتزمة بالخط السياسي لهتلر، فأيّدت ودعّمت آراءه السياسية النازية وقدّمت له كثيرًا من الدعم النفسي، ما مكّنها من الفوز بمشاعر رجل صعب المراس وديكتاتور مثل هتلر.

وعلى الرغم من قُربها من الزعيم الأول لألمانيا، فإنها لم تقم بدورٍ مؤثر على صعيد السياسة الألمانية، بسبب ظروف الحرب التي أجبرت النساء على العمل داخل البيوت لخدمة أزواجهم المحاربين.

ورغم أن العلاقة بينهما دامت لسنوات فإن زواجها تأخر كثيرًا بسبب قناعة هتلر أنه «متزوج من ألمانيا» والتي لطالما ردّدها للألمان، فأعتقد أنه حال إعلانه الزواج من إيفا سيصبح كالممثل الذي يفقد جمهوره من النساء العاشقات، وبالتالي سيفقد مصداقيته ولن يستطيع مرة أخرى حشد هذا الكم الرهيب من الدعم الشعبي النسائي؛ لذلك كان يُفضل مقابلة إيفا في المنتجع الجبلي بعيدًا عن أنظار المؤيدين من الشعب.

لعبت إيفا دورًا مهمًا في توثيق الحياة الشخصية لهتلر، فكانت تُصوّر لحظاته الخاصة بكاميرا السينما الخاصة بها، كما صوّرت عددًا كبيرًا من قادة الحزب النازي خلال زيارتهم هتلر في منتجعه.

وفي السبعينيات عثر مصور ألماني يُدعى «لوتز بيكر» على مجموعة من الأفلام المنزلية التي قامت إيفا بتصويرها، والتي أظهرت فيها هتلر خلال اجتماعه بكبار القادة النازيين مثل «جوزيف جوبلز» و«ألبرت سبير» و«يواكيم فون ريبنتروب»، وهم مسترخون في ضوء الشمس، يشربون القهوة ويمزحون أمام الكاميرا، كما صوّرت هتلر خلال حديثه مع أبناء رفاقه.

وبهذه الأفلام، عرضت إيفا جانيًا مجهولًا من حياة الزعيم النازي، فظهر عبر عدسة إيفا حنونًا لا يكف عن الضحك ومداعبة الأطفال، وهو تناقض مع الصورة الحديدية الأسطورية المُصدَّرة من قِبلَ دعاية الحزب النازي.

صوّرت إيفا أفلامها كما شاءت حينما كان المشروع النازي يعيش ذروة نجاحه خلال عام 1941، ولكن بعدها مرَّت ألمانيا بهزائم متلاحقة في روسيا وشمال أفريقيا، وأصبح الوضع أكثر خطورة على ألمانيا، ومعها توقفت إيفا عن التصوير.

ورغم الانهيار المتتالي الذي عاشه هتلر إثر مراقبته حلمه وهو ينهار، وقوات الحلفاء تقترب منه شيئًا فشيئًا، فإن إيفا بقيت معه ولم تتخلَ عنه، حتى انتحرا معًا بعد هزيمة ألمانيا في الحرب العالمية الثانية عام 1945.

تم إنتاج هذا المقال ضمن برنامج استخدامات متعددة، الذي تنظمه مساحة 6 باب شرق