تحتل الغدة الدرقية مكانًا حيويًا في أجسامنا بالمعنييْن الحقيقي والمجازي. فهي تحتل تشريحيًا جزءًا مهمًا من مقدمة العنق، حيث يحتضنُ فصَّاها الحنجرة- معبر أنفاس الحياة- من الخارج، ووظيفيًا، تعتبر من أهم الغُدد في أجسامنا، حتى شاع بين جمهور الناس إطلاق لفظة «الغدة» من دون تعيين، وتكون هي المقصودة، نظرًا لشهرتها، وشيوع الإصابة بأمراضها.

تفرز الغدة الدرقية هرمون الثيروكسين، الذي يلعب دورًا محوريًا في عمليات الأيض الخلوي، والمعروفة لدى عامة الناس بعمليات الحرق، مثل حرق الدهون من أجل منح خلايا الجسم الوقود اللازمة لإدارتها. وبالتالي فإنّ أي اختلالٍ في كمية إفرازها للثيروكسين بالزيادة أو بالنقصان، تؤثر على نشاط الجسم وعلى الوزن، كما تترك بصمة كبيرة على كافة أجزاء الجسم تقريبًا لاسيَّما القلب والشرايين والجلد والعين والجهاز الهضمي. واختلالات الغدة الدرقية، من أكثر الأمراض شيوعًا في العصر الحديث. فعلى سبيل المثال يقدر عدد الأمريكيين المصابين بها بأكثر من 20 مليون إنسان.

في السطور التالية، سنشير إلى أبرز اختلالات الغدة الدرقية، ونصائح مباشرة ومهمة لتقليل فرص الإصابة بمثل تلك الاختلالات.

أشهر اختلالات الغدة الدرقية

1. فرط نشاط الغدة الدرقية

هناك حالات مرضية عديدة تؤدي إلى زيادة إفراز هرمون الثيروكسين، من أبرزها داء جراف المناعي، الذي ينشأ نتيجة وجود أجسام مضادة تُحفّز إفراز هرمون الثيروكسين من الغدة الدرقية، وكذلك بعض الأورام الحميدة أو الخبيثة المُفرزة للثيروكسين.

وأشهر الأعراض التي تدفع إلى الشك في الإصابة بفرط نشاط الغدة الدرقية، تسارع واضطراب ضربات القلب، وزيادة التوتر العصبي والانفعال، ونقص الوزن رغم زيادة الشهية، وصعوبة تحمل حرارة الجو المرتفعة، والأرق الشديد وصعوبة النوم، وفرط نشاط الجهاز الهضمي والإصابة بالإسهال، واضطرابات الدورة الشهرية لدى السيدات.

وفي حالة ظهور بعض أو أكثر تلك الأعراض، يجب طلب مشورة طبيب أمراض الغدد الصماء، والذي سيقيَّم الحالة، ويطلب تحاليل الغدة الدرقية وأشهرها «TSH» و«free T3 and T4»، والتي ستؤكد أو تنفي التشخيص، ثم يصف الطبيب العلاج الأنسب لكل حالة مثل بعض الأدوية التي تثبط إنتاج وإفراز الثيروكسين، أو العلاج الإشعاعي باليود المشع، أو استئصال الغدة الدرقية كليًا وجزئيًا بالجراحة. وكذلك العلاج المتخصص حسب نوع الأعراض، مثل طلب مشورة طبيب القلب في حالة الإصابة ببعض اختلالات ضربات القلب مثل التسارع أو الارتجاف الأذيني.

2. خمول الغدة الدرقية

في المقابل، لدينا أسباب تؤدي إلى خمول الغدة الدرقية، مثل بعض الالتهابات الفيروسية أو المناعية التي تصيب أنسجة الغدة، وتؤثر على قدرتها على إنتاج وإفراز الثيروكسين، وكذلك التعرض للإشعاع أو الإصابة ببعض الأورام الخبيثة التي تتلف الغدة.

وكثيرًا ما تظل أعراض خمول الغدة الدرقية خفية لوقتٍ طويل، أو تظهر على هيئة أعراضٍ غير قاطعة، مثل الشعور بالإجهاد، أو زيادة الوزن تدريجيًا. ومن أبرز الأعراض المرضية المُميِّزة لخمول الغدة الدرقية، الإصابة بالإمساك الشديد، والشعور بالكسل الجارف، وزيادة الوزن رغم فقدان الشهية، وزيادة الكوليسترول في الدم، وجفاف الجلد، وضعف الشعر، كما قد يؤدي خمول الغدة الدرقية إلى الإصابة بالاكتئاب النفسي. وكل تلك الأعراض ناجمة من ضعف تفاعلات الأيض- الحرق- التي تزود خلايا الجسم المختلفة بالطاقة اللازمة لها لتعمل بكفاءة وفاعلية.

وغالبًا ما يُعالَج خمول الغدة الدرقية بتعاطي جرعات دوائية من هرمون الثيروكسين يحددها الطبيب حسب شدة أعراض الحالة، وأرقام تحاليل تقييم الغدة الدرقية.

تعليمات صحية للحفاظ على الغدة الدرقية

سنلخِّص في نقاطٍ سريعة للغاية بعض التعليمات التي يمكن للجميع القيام بها من أجل الحفاظ على سلامة وحيوية الغدة الدرقية:

1. الحفاظ على الصحة والمناعة بوجهٍ عام وتجنب إصابات البرد والإنفلوانزا قدر المستطاع

يتأتّى هذا بالحفاظ على قسطٍ جيد من النوم، والمواظبة على الطعام الصحي المتوازن وعلى الرياضة المعتدلة بالمشي نصف ساعة يوميًا كحد أدنى. وكذلك بالحصول على لقاح الإنفلوانزا الموسمي كل عام. والسبب في تلك النصيحة، هو أن بعض الإصابات الفيروسية التنفسية قد تمتد إلى الغدة الدرقية، فتسبب التهابات الغدة الدرقية، والتي قد تُتلفها فتسبب نقص إفراز هرمون الثيروكسين.

اقرأ: كيف نقي أجسامنا من أمراض الشتاء؟

2. أطعمة صديقة للغدة الدرقية

اليود هو أهم المغذيات الحيوية للغدة الدرقية، فهو يدخل في بناء هرمون الثيروكسين. ولذا كانت تشيع الإصابة باضطرابات الغدة الدرقية في المناطق البعيدة عن البحر التي يندر فيها تناول الوجبات البحرية الغنية باليود، كما كان يحدث في مصر لسكان واحات الصحراء الغربية قبل الشروع منذ سنواتٍ طويلة في تعزيز ملح الطعام باليود لتعويض هذا النقص.

ومن أهم أمثلة الأطعمة المفيدة للغدة الدرقية بوجهٍ خاص:

  • منتجات الألبان: لا سيما الزبادي والحليب وكذلك الأيس كريم، وتحتوي على مقدار جيد من اليود.
  • البيض: لوجود اليود والسيلينيوم، بشرط تناول البيض كاملًا بالصفار.
  • الخضروات الورقية: مثل السبانخ والخس، وذلك لغناها بالأملاح الحيوية المفيدة مثل الماغنيسيوم.

3. أطعمة لا يُنصَح بالإكثار منها لمن يعانون من خمول الغدة الدرقية

معظم هذه الأطعمة التي سنذكرها مفيدة في العموم، وليست مضرة بالصحة للأشخاص الطبيعيين، لكنها فقط لا يُنصَح بالإكثار منها لمن يعانون بالفعل من خمول الغدة الدرقية. من أمثلة تلك الأطعمة: البروكلي، والقرنَّبيط، والكرنب، والفراولة، والخوخ، والبطاطا. والفول السوداني.

4. تجنب التعرض للإشعاع الضار 

منذ عقود، ظهرت أبحاث علمية مُحكَّمة تؤكد خطورة التعرض للإشعاع الضار على صحة وسلامة الغدة الدرقية، عن طريق التسبب في ظهور السرطانات الخبيثة بها، أو إتلاف خلاياها والإصابة بخمول الغدة الدرقية.

وتعتمد شدة الأثر الضار على عامليْن هاميْن، الأول هو كمية الإشعاع الذي يتعرَّض له المرء، والثاني هو مدة التعرض وتكراره على مدار سنوات. والواجب على منْ تحتَّم عليهم مهنتهم التعرض للإشعاع الضار، مثل أطباء الأشعة، والعلاج الإشعاعي، والقسطرة القلبية… إلخ، ارتداء الأزياء الواقية من الإشعاع المعزَّزة بالرصاص العازل، ومن ضمنها الجزء المخصص لحماية الرقية والغدة الدرقية، والذي يتكاسل عن ارتداء البعض.

5. التشخيص والعلاج المُبكَّريْن

في حالة الإصابة ببعض الأعراض التي تُرجَّح وجود فرط نشاط أو خمول للغدة الدرقية، من المهم للغاية طلب المشورة الطبية من طبيب مختص بأمراض الغدد الصمَّاء، وذلك لاستكمال التشخيص، ومعرفة سببِه المُحدَّد، ثم وصف العلاج على الفور، وذلك للسيطرة على الأعراض قبل حدوث مضاعفات جوهرية.