كل عام عند اقتراب شهر رمضان المبارك يدور الخلاف الدائم بين معظم الدول العربية والإسلامية حول بداية الشهر الهجري، وهذا ما نلاحظه جميعا كل عام في التصريحات والوسائل الإعلامية. لكن هذا الخلاف لا يقتصر على شهر رمضان فقط، وإنما على جميع الأشهر الهجرية. فالتقويم بالنسبة للأمة الإسلامية أهم ما يكون من أي تقويم آخر، فعليه تقوم كل فرائضنا بداية من تحديد مواقيت الصلاة إلى باقي الفروض، كمعرفة شهر محرم، وعليه بداية العام الهجري، وبداية شهر شوال لمعرفة عيد الفطر، وأول شهر ذي الحجة لمعرفة وقفة عرفات وبداية عيد الأضحى.

يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ

سورة البقرة – 189

ويعود ذلك الاختلاف لأسباب عدة؛ منها: على أي مبدأ نستند، وبأي طريقة نرصد، فالقمر بحركته وأطواره هو الحكم الفصل في هذه القضية. فلماذا نختلف إذن؟


القمر

يدور القمر حول الأرض دورة تابع حول كوكبه في 27.32 يوم تقريبا، لكن نحن نحكم على دورة القمر حول الأرض بأطواره، وهي الأجزاء المضيئة لنا بسبب انعكاس ضوء الشمس عليه، وبسبب إزاحة الأرض للقمر أثناء دوران الأرض حول الشمس، فيتأخر الشهر القمري ليكون 29.53 يوم بداية من الاقتران إلى الاقتران، والاقتران هو عندما يقع القمر على خط واحد بين الأرض والشمس، فلحظة وجود القمر في الاقتران يكون القمر في طور المحاق، أي مظلم تماما، ولا يُرَى نهائيا. ومن هذه اللحظة يبدأ الشهر القمري، أما عن بداية الشهر الهجري فلابد من ظهور الهلال ورؤيته في الأفق، وهنا تختلف بداية الشهر من هلال إلى هلال، فيكون الشهر الهجري في هذه الحالة بين 29 و30 يوما.

واستخدام الشهر القمري ليس مقتصرا فقط على التقويم الهجري للمسلمين، ولكن هناك الكثير من الشعوب التي يعتمد تقويمها على أوجه القمر، كالصين ومعظم شرق آسيا. والشهر عندهم يبدأ من بدر إلى بدر، وأيضا في تحديد عيد القيامة، فهو يرتبط بالبدر بعد أول يوم أحد بعد الاعتدال الربيعي.

مراحل القمر طوال الشهر القمري

لكي يبدأ الشهر الهجري لابد من رؤية الهلال، ولكن يولد الهلال وهو قريب من الشمس، فتصبح رؤيته صعبة للغاية، وخصوصا عندما يولد الهلال بعد غروب الشمس بوقت قليل جدا.

ولمعرفة بداية الشهر الهجري يوجد طريقتان: رؤية العين، والحساب الفلكي.


الرؤية بالعين

– عن ابن عباس، رضي الله عنهما: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذكر رمضان فقال: «لا تصوموا حتى تروا الهلال، ولا تفطروا حتى تروه، فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين».

– عن أبي هريرة قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: «إذا رأيتم الهلال فصوموا، وإذا رأيتموه فأفطروا، فإن غم عليكم فصوموا ثلاثين يوما».

الشهر القمري الشرعي

ومن هنا أخذ الفقهاء رؤية الهلال على الرؤية بالعين المجردة. فعندما يأتي يوم 29 من الشهر الهجري يخرجون إلى الصحارى وأماكن الرصد البعيدة عن المدن والتلوث، وينظرون جهة الأفق الغربي لحظة غروب الشمس، فإن رأوا الهلال أصبح اليوم التالي هو أول الشهر الجديد، وإن لم يروه يصبح اليوم التالي هو المتمم للشهر الحالي، واليوم التالي له هو أول أيام الشهر الجديد.

ولكن هنا تحدث مشاكل كثيرة؛ منها: إن ولد الهلال ربما يصبح من الصعب رؤيته بسبب ضوء الشمس لحظة الغروب، وأيضا وجود غيوم في حالة السحب أو المطر أو العواصف. كل هذا يجعل الهلال صعبا رصده بالعين المجردة، فيكملون الشهر الحالي ثلاثين يوما، ويخالفون الهلال وبعض الدول والأماكن الأخرى التي ظهر فيها بوضوح.

لكن بعد التطور التقني والمراصد الفلكية وقدرة الحساب الفلكي على حساب موقع القمر وميقات ميلاده بدقة تصل لبضع ثوانٍ أصبح من السهل الحساب والتنبؤ ببداية الشهر الهجري. واعتمد بعض الفقهاء على أن ديننا دين يسر ودين لكل العصور، وبسط الأمور استنادا على الحساب الفلكي، واعتمادا على إجزائه عن رؤية الهلال بالعين المجردة في حالة فشلها.

– قال تعالى: «هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَٰلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ» يونس 5.

وهنا اعتمد البعض على الأخذ بالحساب الفلكي والتقنية البصرية الحديثة، تفسيرا لما ورد في القرآن الكريم، وليس في الأحاديث الشريفة رد على من قال بجواز الصوم بالحساب الفلكي.


الحساب الفلكي

لرؤية الهلال بالحساب الفلكي لا بد من معرفة عدة أسس:

1. القمر يتأخر في شروقه وغروبه كل يوم 13 درجة سماوية، أي حوالي 50 دقيقة في الوقت، وهذا ما يجعل الهلال سابقا أو متاخرا عن الشمس وقت الغروب. ففي يوم 29 من كل شهر هجري إذا ثبت غروب القمر قبل الشمس أو ميلاد القمر بعد غروب الشمس أو حدث كسوف شمسي أثناء غروب الشمس فإن الشهر يتم ثلاثين يوما كاملا.

2. إذا كان الحساب يثبت أن الشمس غربت وكان الهلال فوق خط الأفق (خط التقاء الأرض والسماء على مد البصر)، هنا نعتمد على مدة المكث القمري، وهي المدة التي يمكثها القمر فوق الأفق بعد غروب الشمس، وتكون بين بضع ثوانٍ و40 دقيقة. ولكن دائما تكون مدة المكث قليلة ويصعب رؤية الهلال بسبب ضوء الشفق الشمسي، ويكون الهلال في هذه اللحظة لا تقل نسبة إضاءة سطحه عن 1%، لذلك وضعت الشروط التالية لتأكيد رؤية الهلال:

  • ألا يقل عمر القمر من لحظة الميلاد أو الاقتران عن 14 ساعة عند غروب الشمس.
  • أن يبتعد القمر عن الشمس لحظة غروبها مسافة لا تقل عن 8 درجات سماوية.
  • أن يغرب القمر بعد غروب الشمس بـ 30 دقيقة أو أكثر.

ففي حالة توافر هذه الشروط تثبت رؤية الهلال بالحساب الفلكي، ويكون من السهل رؤيته بشكل واضح وسهل في السماء بعد غروب شمس يوم 29 من الشهر الحالي، ولا نقاش.


أسباب الخلاف بين دول العالم الإسلامي

تختلف دائما الدول العربية خاصة، والإسلامية عامة، في تحديد بداية الشهر، فمنها ما يستقل برأيه لسبب سياسي، أو لاستقلالية عن باقي الدول في طرق الرصد، ومنها ما يتمسك بالرؤية الشرعية للهلال ولا يأخذ أبدا بالحساب الفلكي، حتى لو كان هناك مجرد غيوم أو ضباب تسبب في حجب الرؤية.

وبسبب ترامي أطراف الدول الإسلامية شرقا وغربا، فبعض الدول تري الهلال في نصف الكرة الغربي ولا يُرَى في النصف الشرقي من العالم. وهناك دول أخرى تعتمد على الحساب الفلكي بشكل كامل. والبعض يختلف في مآخذ الهلال فيأخذ بالرؤية مرة، والشهر الذي يليه يأخذ بالحساب.

وهناك من يصوم لصوم المملكة العربية السعودية دون الاعتماد على رؤية الهلال في بلده.

فتقويم أم القرى الذي تسير عليه السعودية يأخذ إذا غرب القمر بعد الشمس ولو بدقيقة، فيصبح اليوم التالي أول أيام الشهر الهجري الجديد.

أما في مصر، تحت إشراف دار الإفتاء المصرية، فتخرج عدة لجان في يوم 29 من الشهر الهجري لالتماس رؤية الهلال في عدة أماكن؛ وهي: مدينة حلوان، والقطامية، وأكتوبر، والسلوم، وقنا، وأسوان، والواحات، وسانت كاترين، وتوشكي، وكل لجنة منها مكونة من فلكي من معهد البحوث الفلكية، وعالم دين من دار الإفتاء، وعضو من هيئة المساحة، وبعض أساتذة قسم الفلك بجامعة القاهرة وجامعة الأزهر، فيخرجون بالأجهزة والتلسكوبات للرصد لتوافق الجانب الشرعي والحسابي.

خريطة رؤية الأهلة يوم الجمعة على مستوى العالم، الأزرق يحتاج إلى تليسكوب، القرنفلي ربما يُرَى بالعين المجردة، الأخضر سيُرَى بشكل مؤكد

هناك أيضا المشروع الإسلامي لرصد الأهلة، وهو عبارة عن مشروع عالمي يشرف عليه مركز الفلك الدولي، تأسس عام 1419هـ الموافق للعام 1998م، يتكون من مجموعة من الراصدين والخبراء والمهتمين بموضوعات الفلك الشرعي، مثل رؤية الهلال ومواقيت الصلاة والتقويم الهجري واتجاه القبلة. ويقوم أعضاء المشروع برصد الهلال كل شهر من مختلف دول العالم، ثم يقومون بإرسال نتائج الرصد لتنشر على الموقع بعد تدقيقها، بحيث يصبح الموقع مرجعا شاملا يبين إمكانية رؤية الهلال لكل شهر، ويبين كذلك نتائج رصد الهلال.


تطبيقات عملية على تحري الأهلة

يوم الخميس 25 مايو/أيار 2017م يوافق 29 شعبان 1438هـ في السعودية، وبالتالي وجب على المملكة الخروج لتحري الهلال، وسيتضح بعدها استحالة رؤية الهلال لأن القمر يقترن ويولد بعد غروب الشمس، فيوم الجمعة 26 مايو/أيار سيكون المتمم لشعبان، والسبت 27 مايو/أيار هو غرة رمضان.

أما مصر فسيكون فيها يوم الجمعة 26 مايو/أيار موافقا لـ 29 شعبان، ووجب على المختصين بمصر تحري الهلال، وسوف يرونه؛ لأنه سيكون بعيدا عن الشمس بنحو 8 درجات بعد غروب الشمس، ومدة مكث القمر فوق الأفق حوالي 30 دقيقة، فبالتالي يحقق شروط الرؤية. إذن سيكون اليوم التالي السبت 27 مايو/أيار هو غرة شهر رمضان المبارك في البلدين ولجميع العالم العربي والإسلامي.


كيف يمكنك تحري الهلال

هلال استطلع رؤية هلال شعبان هلال رمضان

1. عليك أولا تنزيل أي من هذه التطبيقات: Sky map, Star Chart, Sky Walk، من متجر تطبيقات هاتفك، وبعدها تقوم بضبط موقعك أو إدخال اسم مدينتك والتأكد من التوقيت.

2. عليك الخروج يوم الجمعة 26 مايو/أيار 2017م قبل غروب الشمس والذهاب إلى مكان بعيد عن المدينة وعن التلوث، ويفضل أن يكون صحراويا أو ساحليا بشرط كشف منطقة الأفق الغربي كاملة، بدون وجود مناطق سكنية في اتجاه الغروب.

3. ابدأ بفتح التطبيق ورفع الهاتف جهة الأفق الغربي حتى تحدد موقع القمر، وبعدها ابحث بعينك حتى ترى خطا أبيض رفيعا جدا، قرناه لأعلى، هذا هو هلال شهر رمضان المبارك.

المراجع
  1. كتاب يسألونك عن الأهلة / دكتور محمد أحمد سليمان / باب التماس الهلال
  2. كتاب الموسوعة الفلكية / فايجرت – تسمرمان / ترجمة دكتور عبد القوي عياد
  3. مركز الفلك الدولى / المشروع الاسلامى لرصد الاهلة
  4. حلقة تأمل معى / رؤية الهلال / الدكتور نضال قسوم