تكريم الأم أمر ضارب بجذوره في التاريخ، تكشف عنه أساطير الحضارات المتباينة، ففي الماضي البعيد كان الفراعنة من أوائل الأمم التي قدست الأم، فخصصوا يوماً للاحتفال بها، وجعلوا من «إيزيس» رمزاً للأمومة، وسموا العديد من الآلهة بأسماء الأمهات، كما تخيلوا وكأن السماء أمًا تلد الشمس كل صباح.

واحتفل الإغريقيون بعيد الأم، خلال احتفالات الربيع المهداة إلى الإله الأم «ريا» زوجة «كرونس» الإله الأب، وعلى غرارهم احتفل الرومان بعيد الأم لمدة ثلاثة أيام توافق احتفال الربيع لديهم المسمى بـ«هيلاريا» من 15 إلى 18 مارس/آذار.

وفي العصر الحديث، تعتبر بريطانيا أول دولة تم فيها تخصيص يومٍ للاحتفال بعيد الأم يوافق نهاية صيام الـ40 يوماً، وذلك منذ القرن السابع عشر، حتى الآن. وفي عام 1870 طالبت امرأة تُدعى «جوليا وارد هاو» مرارًا بأن يخصص يوم 4 يوليو/تموز من كل عام للاحتفال بعيد الأم.

وعربيًا، ترجع فكرة الاحتفال بعيد الأم عندما زارت إحدى الأمهات الكاتب الراحل علي أمين، في مكتبه وقصت عليه قصتها وكيف أنها ترمَّلت ولم تتزوج ثانيةً، وكرّست حياتها من أجل أولادها، وظلت ترعاهم حتى تخرجوا في الجامعة، واستقلوا بحياتهم، وانصرفوا عنها تماماً.

بعدها طرح «أمين» في عموده اليومي «فكرة» بجريدة «أخبار اليوم» تخصيص يوم للاحتفال بالأم، وبعد نشر المقال انهالت الخطابات المرحبة بهذه الفكرة، واختار القراء تحديد يوم 21 مارس/آذار وهو بداية فصل الربيع ليكون عيداً للأم ليتماشى مع فصل العطاء والصفاء والخير، وكان أول احتفال بعيد الأم في 21 مارس/آذار عام 1956، وهكذا خرجت الفكرة من مصر إلى معظم بلاد الشرق الأوسط.

يختلف عن ذلك دول المغرب والجزائر وتونس حيث تحتفل بهذا العيد في الأحد الأخير من شهر مايو/آيار من كل عام، والأمر يتكرّر في فرنسا، والسويد،وجمهورية الدومينيكان، وهايتي، ومدغشقر، وجزر موريس، وساحل العاج، وبعض هذه الدول تؤجل عيد الأم إلى مطلع يونيو/حزيران إذا تصادف الأحد الأخير من مايو مع عيد حلول «الروح القدس».

ويحتفل اليابانيون بعيد الأم في الثاني من مايو/آيار، حيث يقيم الأطفال معرضاً للصور باسم «أمي». بينما يحفل الإسبان به في الأول من مايو/آيار، حيث يرتبط لديهم بالاحتفال بتكريم السيدة مريم العذراء. وفي الهند، تدوم الاحتفالات لمدة 10 أيام، ويطلقون على عيد الأم «درجا بوجا» وهو اسم أحد الآلهة التى تبعد عنهم الشر.


الأم العربية: مضطهدة الحقوق ومكبلة بالقوانين

تعيش الأم العربية بلا حقوق تكفلها الدولة، بل تغوص في متاهة القوانين التي تكبلها وتعيق حركتها، حيث صار العنف واقعاً معايشاً في البيوت العربية، وخطر الوفاة جراء الإهمال الطبي قلقاً يحوم حولها، كل ذلك يضاف إلى نيران الحروب التي تحاصر حاضها ومستقبل أبنائها.

وتشير دراسة سابقة لمنظمة الصحة العالمية إلى «ارتفاع نسبة العنف الجنسي والجسدي بين فئة النساء المتزوجات إلى 37% في منطقة البحر المتوسط، مقارنة بـ25% في البلدان الأوروبية، و30% على مستوى العالم».

ومن الجانب القانوني، تسن الدول العربية تشريعات تضر بحقوق المرأة خاصة المتزوجات والأمهات، منها قوانين «حرية التنقل» و«منح الجنسية» حيث لا تمنح المرأة العربية أولادها جنسيتها إذا تزوجت من رجل أجنبي، وفي المقابل يمنح الرجل العربي الجنسية لأبنائه في حال زواجه من أجنبية.

كما تتشابه قوانين الدول العربية المتعلقة بالحضانة، ففي غالبية هذه الدول تنتهي حضانة النساء للذكور في عمر أقل منه للإناث، علماً أن زواج الأم يُسقط حق حضانتها، وفي المقابل، لا يسقط حق الحضانة عن الأب في حالة زواجه ثانية، وذلك في جميع الدول العربية ما عدا المغرب الذي يمنح قانون الأحوال الشخصية فيها الأم حضانة أبنائها بعد زواجها الثاني إلى أن يبلغوا عمر السابعة.

وعلى صعيد الجهود الأممية، يُعد تحقيق أمومة أكثر أماناً أولوية قصوى بالنسبة لصندوق الأمم المتحدة للسكان، حيث يعمل الصندوق مع الحكومات حول العالم، وخبراء الصحة والمجتمع المدني لتدريب العاملين بالحقل الصحي، وتحسين توفر الأدوية وخدمات الصحة الإنجابية الأساسية، وتعزيز الأنظمة الصحية الخاصة بصحة الأم.

وفضلاً عن هذا،يسعى صندوق الأمم المتحدة للسكان ليجعل الحمل والولادة آمنين قدر الإمكان، حيث ضاعف عدد العمليات الجراحية العلاجية التى قام بدعمها فى الفترة بين 2010 و2013.

وطبقًا لتقرير صندوق الأمم المتحدة للإسكان، تتعرض ما يقرب من 830 سيدة للوفاة كل يوم لأسباب تتعلق بالحمل أو الولادة؛ وهو ما يعني وفاة سيدة كل دقيقتين تقريباً.

وأطلقت منظمة «اليونيسف»، المبادرة العالمية لـ«تشجيع الأمهات على الرضاعة الطبيعية»، وذلك بعدما أثببت التقارير أن ممارسات الرضاعة الطبيعية والتغذية التكميلية تعد سيئة، فنسبة 38% فقط من أطفال العالم الذين تتراوح أعمارهم بين 0-6 أشهر يتلقون الرضاعة الطبيعية الخالصة، ولا يحظى معظم الأطفال الصغار بنظام غذائي مقبول.

وتتعاون اليونيسف عبر المبادرة مع الحكومات لوضع وتنفيذ السياسات التي توفر الدعم للنساء من أجل ممارسة الرضاعة الطبيعية. ويشمل هذا تشريع إجازة الأمومة من أجل السماح للنساء بقضاء المزيد من الوقت مع أطفالهن قبل العودة للعمل، وسياسات العمل الداعمة للأسرة، وتحسين فرص الحصول على الأغذية التكميلية الكافية وفي المناطق التي تعاني من انعدام الأمن الغذائي.

لاجئة سورية تصل السواحل اليونانية

المرأة المعيلة

لا تزال الفوارق الصارخة بين الجنسين موجودة لدى الدول العربية، بالرغم من تحقق بعض التقدم على مدى العقود الماضية، إلا أن المرأة لا تزال تكسب أقل من الرجال في سوق العمل بنسبة 24%، بينما يصل المتوسط العالمي لمشاركة المرأة في القوة العاملة 50%، وفي الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تصل نسبة مشاركتهن إلى نصف هذه النسبة، وفقًا لبيانات البنك الدولي.

ووفقاًلتقرير «المرأة وأنشطة الأعمال والقانون 2016» الذي أصدره البنك الدولي، فإن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تشهد عدداً من الحواجز القانونية والتجارية التي تحول دون التحاق المرأة بالقوى العاملة في المنطقة، يتسبب في خسائر تقدر بنحو 27% من الدخل.

وفي العالم العربي ظاهرة المرأة المعيلة متزايدة؛ وتسبب الحروب ضغوطاً شديدة على المرأة تضطرها إلى العمل وإعالة أسرتها، ولو كانت خادمة في المنازل، أو نبش القمامة بحثاً عما يمكن بيعه أو استهلاكه، أو اللجوء للتسول.

ففي سوريا أكدت دراسة لمركز «مساواة» أن التعداد الرسمي للأرامل لم يتجاوز 2 بالألف قبل الحرب في سوريا. ولكنه ارتفع حاليا فبين كل ست نساء هناك أرملة واحدة على الأقل، ولم يختلف الوضع كثيراً في العراق، وتفقد قرابة 150 امرأة أزواجهن يومياً في العراق لأسباب مختلفة أهمها الإرهاب والحرب ضد تنظيم الدولة، وهو ما يحتم عليهن إعالة أنفسهن وأسرهن.

وفي المغرب يوجد أكثر من مليون أسرة تعولها النساء، وتعتبر واحدة من كل ست أسر ترأسها امرأة، ووفقا لبيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء 2017 في مصر، فإن حوالي 35% من الأسر المصرية تعولهن امرأة سواء أكانت الزوجة أو الابنة أو الأخت أو حتى الجدة، وذلك لغياب الرجل عن الأسرة لأسباب مختلفة كمرض الرجل، أو الانشقاق الأسري، أو سوء الأحوال المعيشية أو غياب المسؤولية، أو الطلاق الذي يأتي في القاهرة كأعلى نسبة في العالم.

ومع ارتفاع أعداد النساء المعيلات إلى الملايين؛ تظل المرأة المعيلة التي لم ترحمها ظروفها ولا مجتمعاتها ولا غلاء الأسعار تبحث عن منقذ بين الجمعيات والمنظمات الخيرية التي تواجه هي الأخرى قيوداً من قبل مؤسسات الدولة خاصةً العربية منها.


قبل الإنجاب: هذه الدول الأفضل لابنك

يرى تقرير المنتدى الاقتصادي العالمي أن الأمر استغرق تسع سنوات من العمل لإدراك أنه سيتعين على النساء الانتظار 81 عاماً حتى تتحقق المساواة بين الجنسين في العمل للمرأة العربية.

«دولة الرفاه» نظام يطمح إلى الوصول إليه سكان العالم بأسره، بالرغم من معرفتهم أن أنظمة تلك الدول تجمع نسبة مرتفعة من الضرائب، تصل أحيانًا إلى أكثر من نصف الدخل، لكنها في المقابل، تقدم لمواطنيها برامج رعاية اجتماعية، وإعانات ودعماً اقتصادياً وصحياً وتعليمياً؛ مما يجعل المعيشة الأفضل في رعاية الأطفال.

السويد، والنرويج، وفنلندا، هي الأفضل في رعاية الطفولة والاهتمام بالأمومة، بينما العربية هي الأسوأ على الإطلاق.

من هذه الدول، السويد التي تصنف ضمن الدول الرائدة في تنفيذ مبادرة المستشفيات «صديقة الطفل»، إذ إن كل المستشفيات في البلاد بلا استثناء ملتزمة بوضع الرضاعة الطبيعية كأولوية، كما تمنح أطول إجازة أمومة في العالم، إذ تصل إلى 68 أسبوعاً، بالإضافة إلى مرتب شهري لكل طفل حتى بلوغه 16 عاماً. الأمر الذي دفع موقع المنتدى الاقتصادي العالمي (World Economic Forum) للقول في تقرير له عن المملكة الأوروبية «لو كنت مواطناً سويدياً عليك أن تفتخر بذلك».

وبحسب تقرير لمنظمة «أنقذوا الأطفال» Save the Children عن حالة الأمهات في العالم، فإنه يمكن للوالدين في النرويج الاختيار بين الحصول على 100% من رواتبهم بانتظام لمدة 49 أسبوعاً أو 80% من رواتبهم لمدة 59 أسبوعاً. وهي من بين أطول بدلات إجازات الأمومة مدفوعة الأجر في العالم، وهي بذلك الدولة الأفضل في هذا المجال.

وفي فنلندا، يحصل جميع الآباء الفنلنديين على «صندوق الطفل»، والذي يحتوي على الأدوات الضرورية للطفل في عامه الأول، كالملابس الشتوية، وملابس النوم، ومستلزمات الحمام، والحفاضات القطنية، والبطانيات والكتب والألعاب.

و تتشابه الدنمارك مع الدول المجاورة لها، إذ تمنح إجازة أمومة مرنة وطويلة، تحصل الأمهات على 18 أسبوع إجازة أمومة، كما يسمح للوالدين بعد ذلك بأخذ 32 أسبوع إجازة إضافية لرعاية الطفل، بينما يحصل الوالدان على 52 أسبوعاً فقط إجازة مدفوعة الأجر بنسبة 100%، كما يعمل نظام الضمانات الاجتماعية في الدنمارك على توفير إعانات خلال المرض، والحمل والولادة ويمنح مرتبات مالية للآباء والأمهات الذين يعتنون بأطفالهم، تصل إلى 2200 يورو سنوياً للطفل الواحد.