ورغبة جوبيتر بالمزيد من القرب من زوجته جونو، إن استطاع.
جوته، بتصرف.

بعد هزيمة ساتورن أمام ابنه جوبيتر، وتركه لمنصب كبير الآلهة، ارتقى جوبيتر-أكبر الآلهة وأقواها- لسدة الحكم السماوية، ورافقته زوجته وأخته جونو ليكونا معًا ومع مينرفا ثالوث الكابيتولين. لكن جوبيتر ولتمتعه بالقوة الكبرى، كان دومًا ما يحاول الحفاظ على منصبه، وكلما أراد أن يخطط لأذى الآلهة الأخرى، أحاط نفسه بحجاب من الغيوم تمنعه عن أعين الآخرين، لكنّ جونو كانت دومًا ترى خلال تلك الغيوم، لتكتشف حقيقة جوبيتر ومخططاته. ناسا الآن تُرسل «جونو» خاصة بها إلى كوكب المشتري «جوبيتر» لكشف ما يجري تحت تلك الأعاصير والغيوم التي يتمتع بها العملاق الغازي الأكبر في مجموعتنا الشمسية.

قبل أن نبدأ الحديث عن هذه المهمة الضخمة، التي امتدت من 2011 وستستمر حتى 2018، سأترككم تشاهدون هذا المقطع من ناشونال جيوجرافيك، والذي يبدو فعلًا تشويقةً لفيلم سينمائي، العلم مع ناسا أمتع!.


لماذا ندرس المشتري؟

ليس أقدم الكواكب تشكلًا فحسب، بل أكبرها أيضًا، فيبلغ حجمه 300 ضعف حجم كوكب الأرض، وهو ثالث ألمع جسمٍ في السماء بعد القمر والزهرة (ولذلك سُمي بالمشتري: أي استشرى باللمعان). يتمتع هذا العملاق الغازي بجاذبيّة هائلة تحتفظ بكل تلك الغازات حوله، حيث أنّ مكوّنيّه الرئيسيّين –مثل الشمس- هما الهيليوم والهيدروجين، وقد يقول البعض أنّ المشتري كاد أن يكون قاب قوسين أو أدنى من التحوّل لشمسٍ ثانيّة، لكن هناك فرق أساسيّ علينا أن نتذكره دائمًا، فعندما تكلمنا عن تشكّل النجوم عرفنا أنّه أثناء تكوّن النجم، واكتسابه لكتلة هائلة، تؤدي للضغط على الذرات بما فيه الكفاية لتبدأ تفاعلات الاندماج النووي، وهذا يحصل في كتلة تساوي 1\12 من كتلة الشمس تقريبًا، أو هذا هو أصغر نجم استطعنا رؤيته حقًا.

ماذا عن المشتري؟. حسنًا، كتلة المشتري هي 1\1000 تقريبًا من كتلة الشمس، أي أنّ الكتلة لا تسمح بالضغط الكافي لبدء التفاعلات في مركزه، ونحتاج إلى حوالي 80 ضعفًا من العملاق معًا للتحول إلى نجم!. وكما يقول فيل بلايت مازحًا: «القول بإنّ المشتري نجم فاشل هو قول غير منصفٍ حقًا، بل هو كوكب ناجحُ جدًا!».

ويبقى المشتري مختبئًا تحت عباءته الكثيفة من الغيوم السامة، مخفيًا جوفه، ويحيط به أخطر حزام إشعاعات في النظام الشمسي، لذلك فإن الوصول إليه ودراسته شيء صعب فعليًا.


المشتري وناسا: علاقة حبّ وخوف

بدأت ناسا باستكشاف كوكب المشتري منذ عام 1973، حيث حلّق المسبار بيونير 10 بالقرب من العملاق الغازي، وتبعه في السنة التي تلتها شقيقه المسبار بيونير 11. إحدى مهام بيونير 10 كانت دراسة إشعاعات المشتري، لكن أثناء هذه الدراسة تأثرّت المركبة بسبب قوة هذه الإشعاعات، لكنّها لم تُدمر كليًّا، وأكملت سيرها في الفضاء العميق، ما بعد نبتون.

في 1979، أطلقت ناسا فوياجير 1 و2، اللتين قامتا بالتحليق قرب المشتري للحصول على اندفاع جذبوي (Gravity Assist) في مارس ويوليو، وأثناء هذه العملية التقط المسباران صورًا رائعةً للمشتري وأقماره، ومنها اكتشفنا للمرة الأولى وجود المحيطات على سطح أوروبا.

ولم يكن اللقاء التالي قريبًا، فقد انتظرت ناسا عشرة أعوامٍ أخرى قبل إرسال المسبار جاليليو في 1989، والذي وصل إلى المشتري في 1995 ودرس الكوكب وأقماره لثمانية أعوام قبل أن يواجه موته المحتوم، كي لا يلوّث أيًّا من أقمار المشتري، والتي يُعتقد بإمكانية تواجد حياة خارج أرضيّة عليها.

ثم كانت جونو!، لكن ما هي جونو؟.


جونو: مركبة ناسا الرائدة

جونو هي مركبة فضائيّة بقطر 3.5 مترًا وبارتفاع 3.5 مترًا أيضًا، وهي المركبة الفضائيّة الأولى التي تعمل بواسطة الطاقة الشمسيّة، ولذلك فهي مجهزة بثلاث لوحاتٍ للطاقة الشمسيّة والتي يمتد كلّ واحد منها 9 أمتار، لتحمل وزن المركبة البالغ 3,625 كغ.

انطلقت جونو في 5 أغسطس/آب 2011، على متن الصاروخ Atlas V551 من فلوريدا، لتتوجه إلى العملاق الغازي، مسافرةً مسافة تبلغ حوالي 2.8 مليار كليومترًا، ثم تدور حول العملاق 37 مرةً، وتستكشف قطبي هذا العالم الغريب.

بعض مميزات جونو:

  • أبعد مركبةٍ فضائيّة تعمل بالطاقة الشمسيّة حتى الآن.
  • ستكون المهمة الأولى التي تدور حول كوكبٍ خارجيّ (الكواكب الخارجيّة هي التي تقع خارج حزام الكويكبات، وتشمل أربعة كواكب: زحل، المشتري، أورانوس ونبتون) من القطب إلى القطب.
  • أول مركبة تصمم لتعمل ضمن حقل إشعاعات المشتري.
  • المركبة الأولى التي تحمل خزينة من التيتانيوم لتحمي الأدوات العلمية من الأشعة.
  • أول مركبة فضائيّة تحلق بواسطة أجزاء مطبوعةٍ بواسطة تقنيّة الطباعة ثلاثية الأبعاد.
  • أسرع مركبة فضائية أثناء دخول مدار كوكب بسرعة 250,000 كم\ساعة تقريبًا.
  • أول مركبةً تلتقط صورًا عالية الدقة للمشتري في التاريخ.

الأسئلة التي تطمح جونو لإجابتها

هناك عوامل كثيرة لم تسمح لناسا باسكتشاف هذا العملاق الغازي الكبير مسبقًا، أمّا الآن فتأمل الوكالة للوصول إلى جواب شافٍ لعدد كبيرٍ من الأسئلة، حول المشتري والميزات التي يبديها، أهم تلك الأسئلة هي التالية:

كيف تشكل المشتري؟: ولادة العملاق الأكبر

ستحلق جونو بحالة دوران دائم، فهي تدور بمعدل ثلاث مرات في الثانية، وبهذه الطريقة تتوجه معدات المركبة التسع نحو المشتري 400 مرة عندما تحلّق جونو من القطب إلى القطب، كاشفةً المزيد من أسرار المشتري وخفاياه.

هناك قصتان ترويان ولادة العملاق، تقول الأولى أنّ كتلًا ضخمةً من الغبار الفضائي والثلج تجمعت وتكتلت بعيدًا في هامش نظامنا الشمسي، ثم امتلكت بسبب هذه الكتلة مركزًا شديد الصلابة يتمتع بجاذبية لجذب كل تلك الغازات والعناصر الثقيلة نحوه، ثم انتقل هذا الكوكب الوليد إلى مكانه الحالي قريبًا من الشمس. تقول القصة الأخرى إنّ العملاق ولد في مكانه الحالي، من بقايا الغازات والغبار الذي تركته الشمس بعد تكوّنها، حيث تجمعت هذه الغازات معًا وأصبحت كثيفةً بما فيه الكفاية لجذب المواد الباقية وتشكيل الكوكب. لا نعرف أيّ القصتين هي الصحيحة، فكلاهما صحيح علميًا، ننتظر من جونو تأكيد إحداها.

إحدى الطرق لمعرفة كيفيّة تشكّل الكوكب هي معرفة كميّة الماء في غلافه الجويّ، حيث ستقوم أدوات قياس الإشعاع الميكرويّ بحساب كميّة المياه بين سحابات الهيليوم والهيدروجين الكثيفة، لتخبرنا بكيفيّة تشكّل المشتري، فإن تشكّل المشتري بعيدًا عن الشمس، حيث الفضاء شديد البرودة، فإنّ العناصر الأخرى في المشتري كانت ستحمل معها كميّةً أكبر من الماء، لكن إن تشكّل قريبًا من الشمس فإنّ الماء لن يكون بتلك البرودة، ولن يُحمل مع العناصر الأخرى، وإن لم يحتو المشتري أيّ قطعٍ ثلجية فإنّ جونو ستجد كمية ماء أقل من التي نتوقع أن نجدها.

كل هذه التفاصيل ستساعدنا في رسم صورةٍ عن نشأة المشتري، وبسبب مكانته الكبيرة، فإنّ أيّ معلومة جديدة ستغيّر في فهمنا لبداية نشأة نظامنا الشمسي، وتشكّل الكواكب الداخلية، وربما أيضًا نشأة الحياة.

ماذا يوجد في الداخل؟، السؤال المحيّر: هل للمشتريّ لبّ صلب حقًا؟

إن كان للمشتري نواة صلبة فعلًا، فإنّ حقله المغناطيسي سيكون مختلفًا قليلًا؛ مما يؤدي لتأثير ضئيل لكن قابل للقياس على مدار جونو، وسنعرف هذه التغييرات بواسطة تأثير دوبلر على الموجات الراديويّة التي تٌرسل من جونو وتعود للأرض. سنحصل على معلومات من جونو تؤكد إن كان للعملاق لب صلب أو لا.

ستدرس جونو الحقل المغناطيسيّ والحقل الجذبوي الخاص بالمشتري لتأكيد وجود لب كثيف تحت كلّ تلك السحابات. هناك احتمال أنّ يكون اللب صخريًا أو صلبًا لكنّه لن يكون كالحجارة الموجودة على الأرض، فهو يتعرض لكمية من الضغط تماثل عشرات ملايين المرات من تلك التي يتعرض لها كوكبنا، ونحن فعلًا لا نعرف كيف تتصرف المعادن في تلك الدرجات من الضغط العالي. إن كان للكوكب لب فإنّ ذلك يؤكد فكرة أنّ الكوكب تشكّل من قطعٍ ثلجيّة ضخمة، كما يؤكد أنّ هناك الكثير من العناصر الثقيلة داخله.

سيساعد ذلك أيضًا في معرفة التطوّر الكوكبي للمشتري، هل تجمّعت الغيوم الغازية من النظام الشمسي البدئي وكوّنت هذا الكوكب، أم أنّ هذه الغازات تمّ جذبها بواسطة لب حجريّ كبير؟.

الحقل المغناطيسي هائل القوّة: كيف تشكّل؟، وما هو حجمه الفعلي؟

تحمل جونو بين طيّات معدّاتها مقياسًا للمغناطيسيّة، والذي سيرسم بصورةٍ دقيقة خريطة ثلاثية الأبعاد لحقل المشتري المغناطيسي، وسيبحث عن التغييرات الضئيلة وطويلة الأمد في هذا الحقل، لمعرفة ماذا وكيف يولّد هذا الحقل المغناطيسي الهائل.

هل الشفق القطبي على المشتري مثل ذلك على الأرض؟

يمتد الشفق القطبي لآلاف الكيلومترات على قطبي المشتري، ستقوم الحساسات بتحديد الإلكترونات وأنواع الأيونات التي تقوم بخلق هذا العرض الملوّن البهيج بينما تقوم برقصتها الحلزونية في حقله المغناطيسي.

بالإضافة إلى الصور بالأشعة فوق البنفسجيّة للشفق القطبي التي ستوّضح لنا المزيد عن هذه الظاهرة.

هذه هي الأسئلة التي ستحاول جونو الإجابة عليها، لكن هل سيكون الطريق إلى المشتري سهلًا؟، الكثير من المصاعب واجهت ناسا سابقًا عند إرسالها المسبارات إلى العملاق المخيف. كيف ستتجاوز جونو هذه المتاعب؟، سنتطرق إلى ذلك في الجزء القادم من هذا المقال.

المراجع
  1. Jupiter Orbit Insertion
  2. Nasa-Juno
  3. Mission Juno
  4. NASA’s Juno spacecraft will soon reach Jupiter and start unlocking the planet’s secrets
  5. Five things to know about NASA's Juno mission to Jupiter
  6. NASA's Juno mission is almost at Jupiter and here's why you should care
  7. Everything You Need to Know About NASA's Juno Mission to Jupiter