النيتروجين في حمضنا النووي، والكالسيوم في أسناننا، والحديد في دمنا، والكربون في فطائر التفاح، جميعها صنعت داخل النجوم المنهارة، إننا مصنعون من غبار النجوم.

كارل ساجان

نحن نصنع على مهل، فرغم أن حياة الإنسان قصيرة، فإن المرحلة التي تسبق هذه الحياة طويلة للغاية، تستغرق ملايين السنين لصناعة العناصر التي تدخل في تكويننا. نبدأ جميعا بسحابة مكونة بشكل رئيسي من الهيدروجين وسابحة في الفضاء بين النجوم.

تسمى هذه السحابة «سديم Nebula». والذي ينفصل إلى سحب صغيرة تتحول إلى «نجوم أولية Protostar»، ومصير كل سحابة يعتمد على كتلتها، فإذا كانت الكتلة لا تسمح ببدء اندماج نووي، فإنها تتحول إلى قزم بني، أما إذا كانت الكتلة كافية لبدء التفاعلات الاندماجية، فإنها تبدأ في المراحل التالية معتمدة –مجددا- على الكتلة، فأصغر كتلة ممكنة لنجم هي 0.08 من كتلة الشمس، بينما أكبر كتلة لنجم تمت ملاحظتها كانت تعادل حوالي 150 مرة كتلة الشمس. يعتقد العلماء أن أكبر كتلة نظرية يمكن أن يصل إليها نجم هي 200 مرة كتلة الشمس، فأكبر من ذلك لن يستطيع النجم التماسك وستتشتت سحابة الغاز سريعا.


من نجم أولي إلى ما قبل النمط الأساسي

نظاق الجبار على اليمين، ونجم الشعرى اليمانية أسفل الصورة

إذا اخترنا مرحلة ما في حياة النجم لتمثل أقرب صورة ذهنية للمشاهد فستكون مرحلة النمط الأساسي، حيث يكون النجم في هذه المرحلة مستقرا ومشعا للضوء والحرارة، ويمكن القول إن هذه الصورة الذهنية هي أقرب ما يكون للحقيقة، فالغالبية العظمى من النجوم في مجرتنا (درب التبانة) -وحتى في الكون عموما- تصنف كنجوم من النمط الأساسي، ومن ضمنها شمسنا – النجم الأشهر والأقرب- وجيراننا مثل الشعرى اليمانية (Sirius، وهو أسطع النجوم في السماء ليلا، ورابع ألمع جرم في السماء بعد الشمس والقمر وكوكب الزهرة)، وأيضا رجل القنطور ( المعروف بـ ألفا سنتاوري Alpha Centauri، وهو أقرب نظام نجمي لمجموعتنا الشمسية ويبعد عنها حوالي 4.3 سنة ضوئية).

لكن كيف يخوض النجم رحلته من مرحلة النجم الأولي إلى مرحلة النمط الأساسي؟

مقارنة لأحجام بعض النجوم

لنفهم ذلك دعنا الآن نقترب من أحد النجوم الأولية، نرى أن درجة حرارة المركز تزداد، كما يزداد الضغط ويستمر في الانكماش. غلاف الغبار المتبقي الذي يحيط بالنجم الوليد يبدأ في السخونة ويتوهج بزهو في نطاق الأشعة تحت الحمراء من الطيف، لكن حتى هذه المرحلة لا يمكن للضوء المرئي الصادر عن القلب في اختراق غلاف الغبار، ما زالت تصعب رؤية النجم، لكن في النهاية فإن ضغط الإشعاع الناتج من التفاعلات داخل مركز النجم الوليد يزيح معظم هذا الغلاف بعيدا، ويبدأ النجم مرحلة جديدة من التطور.

الآن أصبح النجم قابلا للرؤية، لكن بعض النجوم تحتاج إلى مرحلة أخيرة قبل أن تصبح نجوما من النمط الأساسي، وتسمى هذه المرحلة: ما قبل النمط الأساسي ( pre-main sequence stage)، وتعتمد –كما كل شيء في حياة النجم- على كتلته، فبحسب الكتلة يتحول النجم إما إلى مرحلة «تي تاوري (T Tauri)» أو «هيبرغ أي/ نجم بي ( Herbig Ae/Be star (HABe)»، هذا إذا كانت كتلته أقل من حد معين، أما إذا كانت أكبر فإنه يتحول إلى نجم من النمط الأساسي مباشرة. سنفهم هذا الآن.


نجوم وسيطة

نجم تي تاوري

تحدد الكتلة إذا ما كان النجم سيمر بالمرحلة الوسيطة أم لا، فإذا كانت الكتلة أقل من مرتين كتلة الشمس، فإنها تدخل في مرحلة تسمى «تي-تاوري وسميت هذه المرحلة على اسم نجم تي-تاوري أو تي-الثور (T Tauri stars (TTS)، وهو نجم مشهور يمثل هذه المرحلة من حيث الخصائص.

تبدأ هذه الفترة بعد نهاية مرحلة النجم الأولي، حيث الجاذبية ما زالت هي المصدر الرئيسي الذي يجعل كتلة الغاز المكونة للنجم متماسكة، لذلك يوجد دوما بالقرب من السحابة الجزيئية الأم.

قد لا يكون النجم قد امتلك ضغطا ودرجة حرارة كافيتين لبدء تفاعلات الاندماج النووي في المركز، لكنه يبدو للناظر كنجم، بل وأكثر لمعانا، لأنه يكون أكبر حجما وفي نفس الوقت فإن درجة حرارته ليست بعيدة عن درجة حرارة نجم عادي. يدور هذا النجم في هذه المرحلة حول نفسه بمعدل يتراوح بين مرة كل يوم واحد ومرة كل 12 يوما، وهو دوران سريع بالمقارنة مع نجم في مرحلة النمط الأساسي مثل الشمس، والذي يدور حول نفسه بمعدل متوسط مرة كل شهر.

يكون نجم تي-تاوري مغطى بالعديد من البقع النجمية (المعروفة لنا في الشمس على أنها البقع الشمسية، وهي مناطق درجة حرارتها أبرد بحوالي 500 إلى 2000 درجة مئوية من السطح المحيط بها) كما تهب على سطح النجم رياح نجمية عاتية وهي عبارة عن تدفق غاز من الطبقات العليا للغلاف الجوي للنجم. ويستمر النجم في هذه المرحلة من 10 إلى 100 مليون سنة، قد تبدو لنا فترة طويلة لكنها مقارنة بحياة نجم متوسط فهي فترة قصيرة، حيث يقضي النجم معظم حياته كنجم في مرحلة النمط الأساسي.

إذا كانت الكتلة 2 – 8 مرات كتلة الشمس، فإنها تدخل في مرحلة تسمى: هيربيغ أي/ نجم بي ( Herbig Ae/Be star (HABe)، وتتميز هذه المرحلة بالمقارنة بمرحلة تي-تاوري بقصرها، فهي تستمر لأقل من 10 ملايين سنة، كما أن النجم يتميز بكونه أكثر سطوعا.

يكون «هيربيغ أي/ نجم بي» محاطا بكتل من الغبار التي لم تستطع أن تسقط داخل النجم، كما أنها لم تتحرك بسبب الرياح النجمية بعد –كتل الغبار هذه يتكون منها كواكب أو كويكبات في الأغلب. هذه الكمية من الغبار تساعد في التعرف على نوع النجم عند رصده، فهو يظهر كنجم عادي لكن مع رصد كمية كبيرة من الأشعة تحت الحمراء.

إذا كانت الكتلة أكبر من 8 مرات من كتلة الشمس فإن النجم لا يمر بهذه المراحل الوسيطة، بل يصبح نجما من النمط الأساسي مباشرة.


نجوم النمط الأساسي

الشمس، أشهر نجم في مرحلة النسق الأساسي

هذه المرحلة من حياة النجم هي الأطول، ويعتمد طول هذه الفترة على كتلة النجم، فنجم له كتلة مثل كتلة الشمس يستمر في هذه المرحلة لمدة مليار سنة، وكلما ازدادت كتلة النجم، كان عمره أقصر، لأن مع زيادة الكتلة، فإنه يشع كمية أكبر من الطاقة في وقت أقل، وهذا الفقد السريع في الطاقة يعني نهاية أسرع للنجم، فنجم له كتلة تعادل 15 مرة كتلة الشمس سوف يعيش في مرحلة النمط الأساسي لـ 10 ملايين سنة فقط، بينما نجم له 0.25 من كتلة الشمس سوف يعيش في هذه المرحلة لـ 7 مليارات سنة.

تبدأ هذه المرحلة عندما تصل درجة الحرارة إلى 10.000 درجة كيلفن فيتأين غاز الهيدروجين (التأين هو عملية تحول الغاز إلى أيونات، أي يفقد أو يكتسب إلكترونات، وفي هذه الحالة فإن الهيدروجين يفقد الإلكترون الوحيد في الذرة، ويتحول إلى نواة هيدروجين تحتوي بروتونا واحدا)، ثم يحين دور غاز الهيليوم فيتأين هو الآخر، وبارتفاع درجة الحرارة حتى 100،000 درجة كيلفن يكون كل الغاز قد تأين. يمكن القول ان النجم خرج من مرحلة النجم الأولي عندما يكون معظم الغاز قد تأين وأصبح بلازما (البلازما حالة للمادة، تحدث عند درجة حرارة مرتفعة جدا، وفيها تتأين المادة وتصبح كل الإلكترونات حرة غير مرتبطة بالذرة).

يستمر النجم في الانكماش وينهار على نفسه بسبب قوة الجاذبية وترتفع درجة الحرارة حتى تصل إلى 15 مليون درجة كيلفن في المركز، وهي الدرجة التي تبدأ عندها تفاعلات الاندماج النووي. الآن هو أخيرا نجم.


التوازن الهيدروستاتيكي

الجاذبية والضغط تعملان عكس بعضهما حتى يتحقق التوازن الهيدروستاتيكي

نجوم النمط الأساسي تختلف في الحجم والكتلة وشدة الإضاءة، لكنهم يشتركون في شيئين أساسيين، أولهما، أن جميعهم يتحول الهيدروجين في مركزه إلى هيليوم، مطلقا كميات هائلة من الطاقة، وثانيهما، أن طوال فترة حياة النجم في هذه المرحلة فإنه يتميز بحالة من التوازن الهيدروستاتيكي (hydrostatic equilibrium).

ليكون النجم في مرحلة النمط الأساسي، لابد أن يظل في حالة توازن هيدروستاتيكي، هذا يعني أن هنالك حالة توازن بين جاذبية النجم التي تسحب كتلة النجم للداخل، وبين الضغط الناتج عن التفاعلات الاندماجية والذي يحاول أن يدفع كتلة النجم للخارج. هاتان القوتان يجب أن تظلا في حالة توازن، هذا ما يعطي النجم شكله العام الأقرب لكرة.


نجوم تحتضر

تطور نجوم النسق الأساسي فيزياء فلك

دراسة النجوم ليست فقط دراسة للنقاط المضيئة البعيدة في السماء، بل هي أيضا دراسة لنا نحن البشر، فالنجوم هي مصانعنا الأساسية، كل العناصر في أجسامنا -ومعظم العناصر حولنا- صنعت في النجوم، ونحن ورثنا هذه العناصر بعد فنائها، فداخل كل منا ذرات كانت في مركز نجم يوما، شهدت انهياره وموته ومن ثم انفجاره فيما يسمى مستعر أعظم (Supernova).

التفاعلات الاندماجية هي ما يعيش عليه النجوم، لكن هذه التفاعلات لا تستمر إلى الأبد، فالهيدروجين ينفذ متحولا إلى هيليوم، ثم يحاول الحصول على طاقة -من هذا الهيليوم الناتج- عن طريق تفاعلات اندماجية جديدة، محولا الهيليوم إلى العنصر الأثقل منه «البيريليوم»، ثم إلى «الليثيوم» وهكذا، لكن ليست كل النجوم تستطيع خلق هذه العناصر الجديدة.

عملية إنتاج عناصر جديدة من خلال التفاعلات النووية تسمى تخليقا نوويا (nucleosynthesis)، كتلة النجم تحدد نوع العناصر التي ستخلق خلال صراع الأخير في حياة النجم، ويمكن تقسيم أنوع العناصر بحسب الكتلة إلى ثلاثة أنواع:

  • النجوم الصغيرة تستطيع فقط تحويل الهيدروجين إلى هيليوم وتكتفي بذلك.
  • النجوم المتوسطة – مثل شمسنا- تستطيع في نهايات عمرها تحويل الهيليوم إلى أكسجين وكربون.
  • النجوم ذات الحجم الكبير –خمس مرات حجم الشمس- تستطيع تحويل الهيليوم إلى أكسجين وكربون، ثم يتم تحويلهما إلى نيون وصوديوم وماغنسيوم وكبريت وسيليكون، بعد ذلك يتم تحويل هذه العناصر الأخيرة إلى كالسيوم ونيكل ونحاس وعناصر أخرى أثقل إلى أن تصل إلى الحديد، بعد ذلك ينفجر مركز هذا النجم الكبير في مستعر أعظم حيث يتم تخليق العناصر الأثقل من الحديد وبعثرتها في الفضاء.

هكذا تشارك النجوم صنعنا خلال حياتها، وتكمل صناعتنا في موتها، لكن لموت النجوم قصة أخرى نناقشها في المقال التالي.

المراجع
  1. Bisnovatyi-Kogan، Gennady S.،(2011)، Stellar Physics 2: Stellar Evolution and Stability
  2. T Tauri Stars
  3. WHAT ARE THE DIFFERENT TYPES OF STARS?
  4. THE LIFE CYCLE OF A STAR
  5. Herbig Ae/Be stars
  6. Interior Structure of Stars
  7. Main Sequence Stars: Definition & Life Cycle
  8. White Dwarf Stars
  9. Are we really all made of stardust?
  10. End of a Star's Life