الغضب شعور طبيعي، ليس علينا إنكاره، بل يجب التعامل معه ومع آثاره السلبية المتعددة، فهو صورة من فقدان السيطرة على السلوكيات بحسب المصادر النفسية والطبية، فعند شعورك أنت أو طفلك بالغضب يفرز الدماغ مواد كيميائية تسبب التغييرات التي تشعر بها في جسدك من توتر واضطرابات.. هذه الحالة ردة فعل طبيعية، وربما تكون دفاعية، قد تحميك من مخاطر جسمانية جسيمة.

ربما يكون هذا الخبر سارًّا، ولكن على الجانب الآخر من النهر، فالغضب يمكن أن يتحول سريعًا إلى حالة من التحدي والعدوانية والدخول في نوبات غضب عنيفة، وإذا لم يتعلم طفلك كيفية التعامل مع هذه المشاعر الغاضبة دون إنكارها فستسبب له الكثير من المشكلات النفسية والاجتماعية، مثل رفض أقرانه له، وعدم انسجامه اجتماعيًّا مع الآخرين، وقد تصل به إل ضعف الصحة النفسية عند وصوله لمرحلة البلوغ.

فلتعلم طفلك أن المؤثرات الخارجية قد تصل به إلى حد الغضب، نعم من حقك عزيزي الطفل أن تغضب، ولكن لا دخل للمؤثرات الخارجية بردة فعلك تجاه ما تعرضت له من ضغط، أنت وحدك المسئول عنه، فغالبًا يدخل الطفل في نوبات غضب وما ينتج عنها من إساءة للتصرف وفقد السيطرة على سلوكه، بسبب عدم معرفته تفسير المشاعر التي يمر بها، ولا التعبير عنها، ولا كيفية التصرف المناسب مع مثل هذه المشاعر التي تبدو أكثر تعقيدًا من تصورات صغارنا الغضة.

كذلك هناك بعض الأطفال وربما الكبار أيضًا لديهم صعوبة في التعبير اللفظي عن مشاعرهم، كما يعاني أيضًا الكثير من البالغين من الإسقاط الخاطئ تعبيرًا عن شعورهم بالغضب غير المروض باستخدامهم طرقًا عنيفة، كالصراخ للتعامل مع صغارهم مما يؤدي إلى نقل تجربة سيئة لهم، ووصول فكرة خاطئة لهم بأنه هكذا تدور الأمور دائمًا!


تقنيات العلاج بالفن

حسب الرابطة الأمريكية للعلاج بالفن، فإن تقنيات العلاج بالفن تساعد على التعبير الإبداعي للتغلب على قيود اللغة، فإذا كان الأمر صعبًا على صغارنا أو مربكًا أو مؤلمًا، ولا يستطيعون التعبير عنه بالكلمات أو حتى بالكتابة، فربما يكون باستخدام الكثير من الفنون البصرية التي تتجاوز الكلمات للألوان والكتل من رسم، تشكيل، نحت كولاج، أو حتى المهارات اليدوية الحرفية، تساعد هذه التقنيات على:

  1. التفكير البصري: يمر معظمنا بتجارب مختلفة من خلال الصور التي نحفظها في ذاكرتنا، مثل الأحداث المؤلمة. يسمح لنا العلاج بالفن أن نتعامل مع هذه الصور.
  2. التنفيس العاطفي: تساعد التقنيات على إطلاق أو تطهير أنفسنا من المشاعر القوية من خلال إخضاعها للمناقشة.
  3. إنتاج عمل فني: العلاج بالفن هو نشاط عملي يتضمن العديد من التجارب الملموسة ويغذي اهتمامنا الطبيعي كبشر في خلق الأشياء.
  4. الفن للجميع، لا توجد موهبة فنية ضرورية. إن الرسم وغيره من الفنون البصرية الفنية متاحة بسهولة للجميع تقريبًا، بغض النظر عن العمر أو القدرة. كل شخص لديه القدرة على الإبداع من خلال الفن، لذلك كل التعبير مقبول.
  5. إنها طريقة للمعرفة. يساعدنا فن الإبداع على التعبير عن أنفسنا، ومساعدتنا على فهم معتقداتنا وأفكارنا الخاصة. قد نجد أسبابًا لألمنا أو اكتئابنا أو قلقنا.
  6. تحسين الوظائف الإدراكية، الحسية والإدراكية.
  7. تقدير النفس وزيادة الوعي الذاتي.
  8. تحسين المهارات الاجتماعية.
  9. تقليل الصراعات والإحساس بالفزع والحزن.

تتدرج هذه التقنيات بين:

  1. مرحلة التعبير والتنفيس عن المشاعر وإقرارها باستخدام طرق رمزية، وهذا هو قلب العلاج بالفن، فأنت تتعامل مع ما وراء مشاعر الغضب بشكل عميق، وليس فقط مع مظاهره.
  2. مرحلة الهدوء والاسترخاء.
  3. مرحلة السعادة من خلال صنع تجربة فنية جديدة، وذلك باستبدال الإبداع بالغضب.

ماذا يقدم العلاج بالفن لإدارة غضب صغارنا؟

قبل أن نستعرض بعض الأفكار علينا تأكيد نقطتين مهمتين:

1. اصنع مساحة خاصة لطفلك: وذلك بتخصيص مساحة خاصة للتعبير عن الغضب يلجأ لها في حالات الغضب المختلفة، ويمكن أن يكون لها ديكور ونسق يختاره معك طفلك بألوان تجلب الراحة والاسترخاء، وتعلق بها الأعمال الفنية التي صنعها الطفل من قبل تعبيرًا عن حالات غضب سابقة، وربما يعطي اسمًا مميزًا هذه المساحة، من اختياره الخاص.

2.التعرض للفن كعائلة: يوفر العمل الفني الجماعي كأسرة فرصًا طبيعية للتفاعلات الاجتماعية الإيجابية، مثل مشاركة الخامات، ومشاركة المساحة الفنية، وتبادل الإطراءات، أو حتى تقديم الاقتراحات إذا احتاج شخص ما إلى بعض المساعدة في حل المشكلات، ففي بعض الأحيان يكون من الأسهل التحدث عن أعمالنا الفنية أكثر من أنفسنا، ولجعل الأطفال ينفتحون حول إبداعاتهم، علق على أعمالهم بمثل هذه الكلمات:

  • أخبرني عن لوحتك/عملك الفني.
  • هل هناك قصة وراء هذه الرسمة؟
  • ما هو الشعور الذي تريد التعبير عنه؟
  • هل للوحتك عنوان؟
  • كيف فعلتها؟
  • من أين جاءت أفكارك؟
  • ما هو الجزء الأكثر صعوبة فيها؟

من المهم جدًّا التعليق على السلوك الإيجابي أكثر من مناقشة نتيجة العمل الفني نفسه، فعلى سبيل المثال قل:

«أنا حقًّا أحب الطريقة التي … / اتبعت فيها الخطوات بعناية / ركزت لفترة طويلة / استمررت فيها بالعمل بالرغم من إحباطك».


أفكار يمكن اللجوء إليها لتجاوز مشاعر الغضب

1. أرسل بطاقة/رسالة لمن يهمه الأمر

يبدو للجميع أنه من الأسهل التعبير عن الأذى أو الغضب أو الاعتراف به عندما تكون هناك مسافة بينك وبين المشكلة. لهذا فإن نشاط إرسال البطاقة البريدية يمكن أن يكون تمرينًا جيدًا للاكتشاف الذاتي الذي يحفز أفكارًا مثل “ماذا سأقول للشخص الذي أغضبني إذا لم أكن مرغمًا على مواجهته؟” إليك الخطوات:

  • اطبع هذا الملف واطلب من صغيرك – ربما يكون هذا النشاط مناسبًا للأطفال الذين تمكنوا من الكتابة بشكل جيد – أن يكتب رسالة إلى الشخص الذي أغضبهم أو إلى شخص يريد مشاركة مشاعره معه.
  • على الجانب الفارغ المقابل، اترك مساحة حرة لطفلك للتعبير الفني بها.

2. ما بداخل قلبك

اطبع ووزِّع أوراق العمل ووجه الصغار لكيفية ملء قلوبهم على الورق، إما باللون المناسب لمشاعرهم الحالية، أو بخطوط تعكس حالتهم النفسية، لتمثيل عواطفهم داخل القلب المرسوم. ناقش مع الطفل كيف مثَّل عواطفه / قيمه داخل القلب المرسوم، ولماذا اختار الخامات أو الألوان تحديدًا.

3. نشاط الورقة المضغوطة

ينقسم هذا النشاط إلى مرحلتين: الأولى فيها إدارة جيدة للغضب، والثانية تحويل مسار هذا الغضب لإنتاج عمل فني.

1. الأدوات التي سنحتاجها:ورق أبيض، أقلام ملونة أو أي نوع من الألوان.

2. الخطوات:

  1. إذا دخل صغيرك لنوبة غضب فاطلب منه سريعًا أن يحضر ورقة ويضعها بقبضته ويضغط عليها جيدًا حتى تصبح كرة مضغوطة. سيساعده هذا الأمر في تصريف بعض من غضبه.
  2. بعد ذلك اسأل طفلك عن إذا ما كان يريد تحويل غضبه إلى شيء “هادئ وجميل”.
  3. إذا وافق فاطلب منه أن يفتح كرة الورق بعناية.
  4. اطلب منه الآن تتبع المساحات البينية التي نتجت عن ضغط الورقة وتحويلها إلى كرة وتلوينها.

4. كولاج الورق الممزق

كولاج الورق الممزق، غضب، طفل، فن
  1. اطلب من طفلك رسم ما جعله يصل إلى حد الغضب على ورقة.
  2. اطلب من طفلك تمزيق رسمته.
  3. اجعل طفلك يجمع ما مزقه واصنع من القطع الممزقة لوحة جديدة من الكولاج تجعله سعيدًا.

5. النول الدائري الورقي (نشاط نسيج)

النول الدائري، نسيج، غضب، طفل، فن

تعتبر عملية النسج عملية مهدئة للأعصاب إلى حد كبير، كما يمكن أن يستمر الطفل في العمل فيها لمدة طويلة تبقيه مشغولًا بعيدًا عن التوتر والانشغال بالآثار السلبية للغضب.

الأدوات المطلوبة: ورق قوي (أي كرتون أو طبق فوم)، خيوط، مقص، قلم رصاص، خرز (اختياري)، مسطرة، إبرة خياطة (اختياري)، لصنع دائرة النول:

  1. ارسم دائرة على الورق أو الطبق.
  2. اقطع الدائرة.
  3. ضع علامات متساوية على محيط الدائرة بالقلم الرصاص.
  4. قص العلامات المرسومة قطعًا صغيرة حتى ينفذ منها الخيط.

شاهد الفيديو التالي لتوضيح طريقة عمل النول.

6. اصنع تمثالًا لغضبك

تمثال، طمي، صلصال، غضب، طفل، فن

يعد التشكيل بعجينة الصلصال أو الطمي من أهم تقنيات العلاج بالفن للتعبير عن المشاعر المختلفة. فليس المهم هنا فقط هو المنتج النهائي للتشكيل، بل إن عملية التشكيل في حد ذاتها مفيدة وكاشفة للعالم الغامض بداخل صغارنا. باستخدام الصلصال نتعرض للتعبيرات المختلفة من خلال تجربة اللمس والحركة، والتشكيل ثلاثي الأبعاد أو تجسيد المشاعر والانتقال من المجرد الحسي للملموس المجسد، ومنها ننطلق إلى عمليات البناء والتفكيك لهذه الأعمال، ومنها لهذه المشاعر المعبرة عنها.

الخطوات:

  1. اختر عجينة الصلصال أو الطمي.
  2. ادفع طفلك لتجسيد ما يغضبه أو من يغضبه في عمل نحتي بسيط رمزي.
  3. بعد الانتهاء من التشكيل اطلب من طفلك تدمير العمل النهائي تمامًا.

7. ارسم واديًا وجبلًا

يمثل الجبل الوقت الذي كان الطفل فيه سعيدًا، أما الوادي فهو يمثل وقتًا كان فيه الصغير حزينًا أو غاضبًا، ادعُ صغيرك لإضافة العناصر التي تعكس أحداثًا تعبر عن كلا الحالتين في لوحته.

8. ضع رسمًا أو رسالة ببالون

ارسم مشاعرك الغاضبة السلبية أو مشاعرك الجميلة ثم انشرها بإلصاقها ببالون. ضعها إما على بالون وإما بداخله، ثم انفخه واتركه حرًّا في الهواء.

9. حول خطوطك العشوائية لتصميم

اجعل طفلك يأخذ ورقة وأقلامًا ملونة، يفضل الأقلام الشمعية من أجل ليونتها، ليقوم بوضع خطوط عشوائية مستقيمة ودائرية كما يشاء (خربشات)، ثم ادعه ليهذب هذه الخطوط، لتصميم ملون به تفاصيل. يمكن استخدام هذا التمرين كأداة للابتعاد عن الرسم الواعي وتمكين أطفالنا من الاستفادة من خيالهم. يترجم فيها الطفل مشاعره لخطوط ومساحات لونية، ويمكن بعدها إذا كان كبيرًا سنًّا أن يحول خربشاته العشوائية إلى لوحة فنية متقنة.

10. الرسم /التلوين بالأصابع

غضب، طفل، فن، رسم، ألوان
غضب، طفل، فن، رسم، تلوين، أصابع

إن الرسم أو استخدام الأصابع في التلوين هو فن يعنى بالحركة التي تحقق حرية التعبير، فأنت ترسم ما تشعر به، بالإضافة إلى ما تراه، فالرسم بالأصابع هو تنفيس للكبار كما الصغار، فهو يساعد على الاستقرار النفسي، كما أن هناك علاقة مثيرة بين لمس الطفل الألوان بشكل مباشر وبين أمر داخلي للطفل أو البالغ على حد سواء. فهذا النوع من الرسم يستخدم العديد من الحواس، فإن لوحة الإصبع لديها إمكانات كبيرة للشفاء الروحي والنفسي، فهو نشاط جيد لتعزيز الثقة والقدرة على التعبير عن نفسك بشكل كامل.

الأمر المهم في كل الأنشطة السابق ذكرها هو أن تستمتع بوقتك أنت وطفلك. لا يهم إذا كان المشروع الفني ناجحًا تمامًا، إنها فرصة للمحاولة مرات عديدة لاحقة. ولكن الخبرة الفنية والشعورية التي توفرها تقنيات العلاج بالفن لا يعوضها أي تصورات مثالية عن المنتج الفني النهائي. فقط استمتعوا!