كان السؤال قبل المباراة عمن أرادها أكثر، الثنائي يمر بإحدى أسوأ الفترات في مسيرته إن لم تكن أسوأها؛ «بيب» لم يفز في آخر 5 مباريات وهو ما لم يحدث منذ عامه التدريبي الأول، و«مورينيو» تلقى 13 هزيمة في مبارياته الـ27 الأخيرة في البريمييرليج، رقم احتاج لـ 135 مباراة في بداية مسيرته للوصول له.

بالطبع أجابت التشكيلات عن السؤال؛ «سيلفا» و«دي بروين» لم يكونا ليحتملا المزيد من المباريات خاصة مع حلول برشلونة ضيفًا ثقيلًا على ملعب الاتحاد خلال أسبوع، ولولا إصابة «سمولينج» و«بايلي» لبدءا المباراة غالبًا.

تشكيل الفريقين مع التقييمات وأبرز الاحصائيات – المصدر whoscored.com

في تحليله الأخير بالجارديان يقول «جايكوب ستاينبرج» أن «مورينيو» عليه أن يقود ثورة على نفسه أولًا قبل قيادة أخرى في مانشستر يونايتد، وأنه قادر على العودة مرة أخرى إن أراد؛ فرغم أن الرؤية التكتيكية لم تكن أهم مميزات «فيرجسون» إلا أنه كان عبقريًا في تجديد دمائه وحفظ النظام والالتزام داخل الفريق، كان «فيرجسون» «Disciplinarian» أكثر منه «Tactician» كما يقال في أروقة التدريب، وهو بالضبط ما يحتاج «مورينيو» لفعله؛ فقط عليه أن يتذكر كرة تشيلسي الخرافية في 2005 و2006 ويتذكر من كان يقف على الخط حينها.

«جوناثان ويلسون» يخالف «ستاينبرج» الرأي، ويرى أن أفضل سنين «جوزيه» قد مرت بالفعل، وأن عينا البرتغالي لم تعد تلمع – حرفيًا – بنفس الذكاء المتقد الذي ميزهما فيما مضى، بل يبدو «جوزيه» متعبًا مجهدًا أكثر من أي شيء آخر، الأمر الذي لاحظه «ستاينبرج» نفسه حتى أنه طالب «مورينيو» بسرعة التأقلم مع فقدانه للهالة الكاريزمية التي أحاطته منذ بداياته، إن جاز التعبير.

على العكس ورغم الهزيمة الكاسحة من برشلونة، بدا وكأن «بيب» لم يكن يحتاج لإثبات الكثير قبل اللقاء؛ ربما لأنه ما زال يتصدر الدوري أو ربما لأن البطولة لا تعني الكثير لأغلب المشاركين فيها من الأصل، لكن المباراة كانت على النقيض لاعتبارات قُتلت بحثًا، لذا دخل «بيب» المباراة بهدف الفوز وبدأ بشكل رائع بالفعل؛ استخلاص سريع، انتشار مثالي، ولعب عمودي مباشر بقيادة المايسترو الشاب «أليكس جارسيا» الذي غلبت روحه المغامرة على أداء وسط وهجوم السيتي، خاصة في الثلث الهجومي الذي أكمل فيه الـ«سيتيزينز» مرة ونصف عدد التمريرات التي أكملها لاعبو اليونايتد في العشرين دقيقة الأولى (36-24)، وهي نفس الفترة التي نجح فيها السيتي في استخلاص الكرة 6 مرات مقابل مرة واحدة للشياطين.

إحصائيات العشرين دقيقة الأولى من المباراة – المصدر whoscored.com

بدا واضحًا من البداية أن «بيب» اختار اللجوء للأطراف، الأمر الذي لم يثمر عن الكثير لأن ظهيريه «كليشي» و«مافيو» لم يصعدا إلا في مناسبات قليلة، وكثيرًا ما وجد «نافاس» و«نوليتو» أنفسهما بلا دعم حقيقي يسمح لأي منهما بالتوغل للمنطقة؛ خطة «بيب» ارتكزت على التنويع بوجود «كليتشي» في العمق ومن خلفه «ساني» و«جارسيا» على الترتيب لالتقاط الكرات الثانية، لعبة «نافاس» تعني عرضية مباشرة ما يعني بالتبعية دخول «نوليتو» للعمق من الجهة العكسية كمهاجم إضافي، والعكس عند «نوليتو» بنزوعه للعمق مباشرة باستغلال قدمه العكسية، وهنا غالبًا ما فشلت اللعبة لأن الأخير لم يجد أيًا من «سيلفا» أو «دي بروين» لتبادل التمريرات الثنائية التي عادة ما تضعه في مواجهة المرمى، لهذا لم يغير خروجه الكثير؛ لأن المشكلة لم تكن في «نوليتو» من الأصل، بل في ندرة المساندة الهجومية من العمق بغياب أبرز صناع لعب السيتي وقبوع البديل الوحيد – «جوندوجان» – على دكة البدلاء؛ وكأن «بيب» اختار من البداية أن يخاطر بغياب صُناع لعبه عن المشهد أملًا في هدف مبكر يدفع «مورينيو» لمخاطرة غير محسوبة خاصة في ظل تعرضه للكم الأكبر من الضغوط، النتيجة أن «بيب» اكتفى بالتحليق حول مشكلته وانطلقت صافرة النهاية قبل أن يبدأ حتى في حلها.

لذا رأينا سيتي مغايرًا تمامًا بعد نجاح «مورينيو» في امتصاص الـ20 دقيقة الأولى أو فشل هجوم السيتي في استغلالها أيهما أقرب، خاصة أن اليونايتد امتلك العديد من الحلول في العمق على عكس الضيوف؛ بوجود «بوجبا»، «ماتا» وهبوط «إبراهيموفيتش» المتكرر لخلق الفرص لـ«راشفورد» المندفع، وبدأ الشياطين الدخول في المباراة تدريجيًا رغم الأخطاء الكارثية على مستوى الدفاع والتمرير والتي أتى أغلبها من «بليند» رغم أن الجميع توقعها من «روخو»، لينتهي الشوط الأول بفرصة وحيدة محققة في حقيبة «بيب» من رأسية «كليتشي» التي أخطأت المرمى.

كليشي ومافيو لم يمنحوا الجناحين الدعم الكافي رغم تألق الأخير اللافت (يمين) مقابل صعود منتظم لكل من فالنسيا وشو من اليونايتد (يسار) – المصدر whoscored.com
بيب اهتم بالأطراف كونه يملك أدواتها، عكس مورينيو الذي اعتمد على العمق بوجود أدواته ولم يبرز من أطرافه إلا راشفورد كمهاجم ظل – المصدر whoscored.com

يقول «بيب» أن الخصوم لا يلجأون للدفاع أمامه لأنهم يريدون ذلك بل لأنه يجبرهم؛ الجديد أن هذا هو ما فعله «مورينيو» في بداية الشوط الثاني بالضبط؛ ضغط هجومي مستمر اضطر الـ«سيتيزينز» للتراجع وأسفر عن عدة فرص للشياطين وكأنها إعادة لبداية الشوط الأول بعكس الألوان، لا تحتاج للإحصائيات لتدرك أن الربع ساعة الأولى كانت الأصعب على السيتي منذ عدة مباريات، العشر دقائق الأولى للدقة حتى تسجيل «ماتا» لهدفه، وكأن «جوزيه» استجمع كل ما بقى فيه من قوة لتوجيه لكمة أخيرة يعلم أنها ضرورية، وهو ما حدث بالفعل لأن «مورينيو» يعلم أن استمراره في فقد الكرة وترك وسط الملعب للسيتي كان سيسفر عن هدف عاجلًا أو آجلًا، أو على الأقل سيمنح خصمه الأفضلية النفسية في الأشواط الإضافية.

إحصائيات الربع ساعة الأولى من الشوط الثاني؛ الشيء الوحيد الذي تفوق فيه السيتي هو الدفاع – المصدر whoscored.com

الباقي للتاريخ؛ عادة ما يكتفي «مورينيو» بلكمة واحدة في تلك المباريات ثم يعود لرُكن الحلبة ضامًا ذراعيه ليختبر قدرة فريقه على تلقي اللكمات بدوره، خروج «راشفورد» و«ماتا» كان مبالغة بعض الشيء خاصة أن البدلاء كانوا «شنيدرلين» وجناح دفاعي كـ«لينجارد»، وربما لو كان من يشغل موقع المهاجم أي لاعب آخر غير «إبراهيموفيتش» لخرج كذلك، ولكن الجديد تلك المرة هو «مورينيو» نفسه؛ انفعالاته وتعبيرات وجهه أثناء الهدف وبعده حتى نهاية المباراة لم تكن ما اعتاده الجميع من «جوزيه»، الاطمئنان والثقة والابتسامة الخبيثة المعتادة بعد تحقق الجزء الأكبر من خطته تم استبدالهم بالخوف والقلق وربما الدهشة من وصوله لتلك النتيجة من الأصل، «مورينيو» القديم كان سيقضي الـ37 دقيقة الباقية في تجهيز تصريحات ما بعد المباراة والبحث عن الطريقة المثلى للسخرية من «بيب» وربما تذكير الجميع بأن «فينجر» لم يفز بالدوري منذ عشر سنوات، «مورينيو» الجديد قضى نصف ساعة من دون أن يدون شيئًا في مذكرته وكأن سرعة وسخونة المباراة لا تسمح بذلك، ووصل أداءه لقمته في الدقيقة 93 وهو يصرخ في لاعبيه بأن عليهم الصمود لدقيقة واحدة إضافية، المفارقة أن كل ذلك لم يكن له داعٍ من الأصل في ظل تعطل ماكينة السيتي الهجومية وعجز «بيب» عن تسديد أي لكمات ولو حتى على سبيل العناد؛ ربما كان «ويلسون» و«ستاينبرج» محقين رغم اختلافهما.

«مورينيو» ارتد على فلسفته تلك المرة واضطر لاستبدال المقاعد التكتيكية مع «بيب» لإحراز هدفه، ليضع الجميع في خيار جديد مثير بين «جوزيه» القديم والجديد؛ الأول يوفر الإثارة خارج الملعب والثاني يوفرها داخله، لعل هذا التحليل يبدو متسرعًا كون «بيب» لم يلعب بأفضل تشكيلاته ولعل هذا هو ما دفع «مورينيو» للمغامرة ولو لعشر دقائق كانت كافية لتحقيق الفوز، وربما هذا هو «مورينيو» الجديد الذي يجب علينا أن نعتاده، وربما أعاده الفوز لطبيعته وهو منهمك الآن في قصف جبهة «بيب» بينما تُكتب هذه السطور، الاحتمالات كثيرة بالفعل؛ لكن المرتدة الأهم تلك الليلة لم يقدها «راشفورد» أو «ماتا» بل قادها «مورينيو» نفسه بفوز نقل كل التساؤلات والأزمات والأضواء الإعلامية لملعب خصمه الأزلي ومنح فريقه قسطًا من الراحة من صخب الإنجليز؛ لعبة تكررت من «جوزيه» عدة مرات عبر تاريخه ولكنها تمت تلك المرة بلا تصريحات جدلية أو اتهامات للحكام أو المساعدين، لذا وحتى ينتهي المؤتمر الصحفي يمكنني القول أن «مورينيو» الجديد أكثر إثارة، فقط إن كان جديدًا حقًا.