إنه قرار خطير، ولكن يجب تنفيذه لحماية ثرواتنا

الباجي قائد السبسي في خطابه عن قرار نزول الجيش لحماية موارد تونس

انطلقت مظاهرات احتجاجية فى العديد من المدن التونسية خلال الأشهر الماضية وبلغت أوجها في مايو 2017، رفضًا لقانون المصالحة الاقتصادية الذي اعتبره الشعب عودة الثورة للخلف، بينما قرر الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي نزول الجيش للحفاظ على سيطرة النظام على موارد الدولة من الحركات الاحتجاجية الطامحة في عرقلة الإنتاج كخطوة احتجاجية، لإعلان الرفض الشعبي لمحاولات النظام التصدي للثورة للسيطرة على الثروة.


بداية الأزمة: المصالحة الاقتصادية

خلال الأشهر القليلة الماضية شهد البرلمان التونسي حالة من الجدل بسبب مشروع قانون المصالحة الاقتصادية، والذي تقدمت به الرئاسة التونسية إلى البرلمان لمناقشته والتصديق عليه. ويهدف مشروع القانون إلى العفو عن 400 من رجال الأعمال المحسوبين على نظام الرئيس التونسي الأسبق زين العابدين بن علي الذي هرب من تونس عقب اشتعال الثورة التونسية.

وينص مشروع القانون، على العفو عن الموظفين العموميين وأشباههم بخصوص الأفعال المتعلقة بالفساد المالي والاعتداء على المال العام، ما لم تكن تهدف إلى تحقيق منفعة شخصية.

وتم توقيع اتفاقية تصالح فى 27 أبريل/ نيسان بين شقيق ليلى بن علي ومحمد الناصر الطرابلسي بصفته مرتكب انتهاك فساد مالي وشخص آخر بصفته متضررًا، وهي الاتفاقية التي تمت برغم عدم الموافقة الرسمية من البرلمان حتى الآن على القانون، بما يطرح العديد من التساؤلات حول الإصرار على تطبيق القانون والتصالح مع رموز نظام بن علي برغم عدم موافقة البرلمان والرفض الشعبى للقانون.

ليست هذه هي المرة الأولى التي يطرح فيها هذا القانون فقد عرض القانون للمرة الأولى فى 14 يوليو/ تموز من العام 2015، بواسطة الحكومة التونسية والتي أحالته للبرلمان، ولكن نظرًا للرفض الشعبي في ذلك الوقت تم سحب مشروع القانون.

وعاد القانون للمناقشة في البرلمان يونيو/ حزيران عام 2016، لكنه أيضًا توقف نتيجة لوجود رفض شعبي له، حتى عاد للمناقشة من جديد بعدما تقدمت به الرئاسة التونسية مرة أخرى في شهر أبريل/نيسان الماضي، ووصفته بالمكمل لمسار العدالة الانتقالية، وأنه يسهم في فتح باب الاستثمار وتنشيط الاقتصاد الوطني التونسي، وما يزال مشروع القانون حتى الآن أمام لجنة التشريع العامة بالبرلمان التونسي.


القانون يشعل الاحتجاجات بتونس

لم يكن مشروع القانون سوى شرارة لاشتعال موجة غضب جاءت بالتزامن مع احتجاجات لقرابة الألف شاب في محافظة تطاوين القريبة من الحدود الليبية، للمطالبة بالتوظيف وتحسين الأوضاع الوظيفية، وهي الاحتجاجات التي انتشرت جنوب ووسط تونس و تسببت في توقف وإغلاق حقول نفطية لشركتين أجنبيتين للطاقة.

وفي 25 أبريل/ نيسان الماضي شهدت شوارع محافظة قفصة جنوب تونس مظاهرات حاشدة نظمتها الحملة، وشارك فيها العشرات من الحقوقيين والنقابيين أمام الاتحاد المحلي للشغل، وبعدها انطلقت بشوارع المدينة رافضين الردة على الثورة التونسية من خلال ذلك القانون.

وتصاعدت الاحتجاجات في نهاية أبريل/ نيسان في شارع الحبيب بورقيبة العاصمة التونسية ضد مشروع القانون، ولم يتعرض أحد لتلك الاحتجاجات التي عاودت مرة أخرى في مايو الجاري لتنطلق من جديد في «قفصة» بانضمام قطاعات جديدة للحركة الاحتجاجية. كما لم يغب التيار الإسلامي في تونس عن المشهد، فأعلنت حركة النهضة التونسية رفض القانون بصيغته الحالية، داعية إلى إدخال تعديلات جوهرية عليه.

وانضمت مدينة طبرية القريبة من العاصمة التونسية للاحتجاجات، بعدما شهدت حدثًا يعيد للأذهان ذكرى «بو عزيزي» ففى 10 مايو/ آيار الجاري، أ شعل شاب تونسي يعمل بائع فاكهة النيران في جسده أمام قسم الشرطة اعتراضًا على منع شرطة البلدية له من البيع، وتم إسعافه ونقله إلى المستشفى.

لكن موقف الشاب التونسي لم يمر مرور الكرام، فقد تجمع العشرات من أبناء المدينة محتجين على سوء الأوضاع الاقتصادية، وقطع المتظاهرون الطرق الرئيسية مشعلين إطارات السيارات. و أطلقت قوات الشرطة قنابل الغاز المسيل للدموع واعتقلت عشرات المحتجين خلال المواجهات التي انتشرت في شوارع طبرية بين الأمن والمحتجين.

وهو ما يعزز احتمالات تكرار المشهد حال استمرار الاحتجاجات الرافضة لمشروع قانون المصالحة مع رجال الأعمال المنتمين لنظام زين العابدين بن علي، أو المحتجين على الأوضاع الاقتصادية في جنوب تونس.


حملة مانيش مسامح تولد من رحم الأزمة

تعلن حملة «مانيش مسامح» حالة الطوارئ الشعبية ضد مشروع قانون «المصالحة الاقتصادية والماليّة» وتدعو في هذا السياق كل التونسيين والتونسيات إلى التجند والالتزام بحالة التأهب القصوى، غاية إسقاط مشروع هذا القانون.

هكذا أعلنت حملة «مانيش مسامح» والتي تشكلت عام 2015 كرد فعل رافض من قبل نشطاء تونسيين، لقانون المصالحة الاقتصادية، عن مشاركتها ودعوتها للحشد للتظاهر داخل وخارج تونس ضد مشروع القانون .

الحملة التي تضم عبر صفحتها بمواقع التواصل الاجتماعي فيس بوك أكثر من 50 ألف متابع شاركت فى الدعوة للمظاهرات التي نظمت فى 25 أبريل/ نيسان الماضي بمحافظة قفصة.

كما كانت الحملة هي الداعية والمنظمة لمظاهرات شارع الحبيب بورقيبة في نهاية أبريل/ نيسان الماضي، وأيضًا نظمت خلال الأيام الماضية فاعليات في العاصمة الفرنسية باريس رفع خلالها أعضاء الحملة لافتات رافضة لقانون المصالحة.

وقال عضو الحملة مالك الصغيري، إن الحملة ترى أن القانون تبييض للفساد لا المصالحة، وأن الحملة بعد عامين من العمل، تضم مئات من الشباب التونسي، داخل تونس وخارجها بطريقة سلمية، وأن القانون هو استكمال لسياست اقتصادية وسياسية ظالمة.

وقد قررت الحملة استمرار التصعيد والتظاهر في 13 مايو/ آيار 2017 بشارع الحبيب بورقيبة وقد أعلنت الحملة، أن الاتحاد الجهوي للشغل بقفصة سينظم مسيرة في نفس توقيت مسيرة الحملة.


خطاب السبسي ونزول الجيش للشوارع

صباح الأربعاء 10 مايو/ آيار ووسط حضور قرابة 200 من المسئولين التونسيين تحدث الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي لجموع الشعب التونسي محذرًا مما سماه تهديد مسيرة الديمقراطية، حيث أ علن الرئيس التونسي عن نزول الجيش لحماية منشآت إنتاج الغاز والفوسفات والنفط، بعد اندلاع احتجاجات تهدف إلى عرقلة الإنتاج في جنوب البلاد.

لم يكتف الرئيس التونسي بإعلان نزول الجيش، ولكن أ علن أيضًا عن إعادة هيكلة وزارة الداخلية، وفي خطوة وصفها المراقبون بأنها تصعيدية وأنها الهدف الرئيسي من نزول الجيش والسبب وراء الخطاب. وقال السبسي إنه سيمنع قطع الطرق كشكل من أشكال الاحتجاج، لأن البلاد ما زالت تقاوم الأرهاب وأن الاحتجاجات أنهكت المؤسسة الأمنية.

وكرد واضح من الرئيس التونسي على الاحتجاجات التي تشهدها تونس قال:واعتبر الشعب التونسي قرارات السبسي تصعيدا واضحا ضد الرافضين لقانون المصالحة، وكذلك الاحتجاجات العمالية والاعتصامات التي تطالب بحق العمل والتوزيع العادل للثروة، وأن السبسي قد أعطى إشارة الصدام مع المتظاهرين التي لم تحدث طيلة أيام الاحتجاج الماضية.

كما جاء الخطاب تزامنًا مع استقالة «شفيق صرصار» رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات؛ وهي اللجنة التي ستشرف على أول انتخابات بلدية في تونس منذ الثورة التونسية والتي من المقرر إجراؤها هذا العام، وهو ما يطرح العديد من التساؤلات حول توقيت الاستقالة، وهل يعد هذا تمهيدًا لمحاولة حسم الانتخابات بالتزوير لصالح حزب «نداء تونس» الذي يتزعمه نجل الرئيس التونسي حافظ السبسي؟


مؤيدون لنزول الجيش ورافضون للقانون

لا جدوى من النزول إلى الشارع في ظل وجود مؤسسات دستورية، وليست كل مظاهرة بالضرورة شرعية لأن المظاهرات التي توقف الإنتاج وتعطل الموارد ستجبر الدولة على التدخل

وكرد فعل على خطاب الرئيس التونسي وتأييدًا لدعوات التظاهر أعلن منصف المرزوقي الرئيس التونسي السابق، دعمه للمظاهرات ضد قانون المصالحة الاقتصادية والذي وصفه أيضا بقانون تبييض الفساد، داعيًا جموع الشعب التونسي لممارسة حقهم الدستوري في التظاهر السلمي.

ولم تغب حركة النهضة التونسية عن المشهد فقد أ علنت في بيان لمجلس الشورى رفضها للقانون، وأعربت عن تفهمها لدوافع الاحتجاجات التي تشهدها تونس، وعقب خطاب الرئيس التونسي.

قال راشد الغنوشي رئيس الحركة

إن النهضة تؤيد قرار الرئيس بنزول الجيش ونحن مع حماية مؤسسات الدولة ومؤسسات الإنتاج والطرقات ولنا ثقة كبيرة في جيشنا والجيش تولى الدفاع عن الثورة ولم يستغل الأوضاع المهترئة ذلك الوقت ولا سقوط الدولة ليلتقطها إنما تولى حمايتها… بالتالي يتمتع بشرعية عالية في بلادنا… ونحن كما ذكر رئيس الجمهورية في دولة قانون.

كما أعلن نداء تونس تأييده لقانون المصالحة ونزول الجيش حيث وصف عضو المجلس الوطني للحركة محمد محسن القانون «بالضرورة الاقتصادية» نتيجة الأوضاع التي تعيشها تونس وأن الائتلاف الحاكم سيدافع عن القانون. بينما قال القيادي بحركة نداء تونس منير بن صالحة إن السبسي عبر عن أزمة البلد والمصالحة الوطنية مطالبًا المعارضين لنزول الجيش بعدم الخوف.

وبالرغم من خطوات تونس المتقدمة في طريق الديمقراطية فإن الليلة تشبه البارحة، فحزب نداء تونس يسعى للحكم بكافة الطرق والآلاعيب الممكنة في ظل نظام سياسي يستخدم كافة الأدوات القمعية ضد الشعب وتحركاته الاحتجاجية، للاستمرار في الحكم بالسيطرة على موارد الدولة للحفاظ على الثروة على حساب الثورة.

المراجع
  1. تونس.. بائع متجول يضرم النار في جسده ويفجر احتجاجات ومواجهات مع الأمن
  2. تونس في خطر
  3. بعد احتجاجات.. السبسي ينشر جيش تونس لحماية الموارد
  4. بعد رفض شورى النهضة: ما مصير مشروع "المُصالحة" بتونس؟
  5. تونسيون يدعون لحالة طوارئ شعبية رفضا لـ"المصالحة الاقتصادية"
  6. احتجاجات في تونس تعرقل عمليات شركتين أجنبيتين للطاقة
  7. مسيرة ضد قانون المصالحة الاقتصادية بتونس
  8. تجدد الاحتجاجات بتونس رفضا لمشروع قانون "المصالحة الاقتصادية"
  9. مظاهرات في تونس احتجاجا على مشروع قانون المصالحة الاقتصادية
  10. سيلجأون للشعب للتصالح مع أصدقاء بن علي
  11. شقيق ليلى بن علي يبرم اتفاقية مصالحة مع متضرر
  12. تونس: ماذا تخفي الاستقالات الجماعية لأعضاء الهيئة
  13. الرئيس التونسي يكلف الجيش بحماية مناطق إنتاج البترول والفوسفات