أصدرت نيابة أمن الدولة العليا قرارا بضبط وإحضار الصحفيين عمرو بدر ومحمود السقا بتهمة «التحريض على التظاهر»، بعد تظاهرات شهر أبريل/نيسان الماضي لرفض قرار بيع جزيرتي تيران وصنافير للمملكة العربية السعودية. فقرر الصحفيان الاعتصام بمقر نقابة الصحفيين بعد مداهمة قوات الشرطة لمنزليهما.

مالأمر الذى دعا قوات الأمن إلى اقتحام مبنى النقابة في يوم 2 مايو/أيار 2016 للقبض على الصحفيين، في سابقة من نوعها منذ إنشاء النقابة بعام 1941، وفي مخالفة لنص المادة 770 من قانون نقابة الصحفيين؛ التي تنص على أنه: «لا يجوز تفتيش مقار نقابة الصحفيين ونقاباتها الفرعية أو وضع أختام عليها، إلا بموافقة أحد أعضاء النيابة العامة وبحضور نقيب الصحفيين أو النقابة الفرعية أو من يمثلها». لم تكن تلك هي الواقعة الأولى لاعتصام أحد الصحفيين للتخلص من ملاحقة الداخلية بسبب قضايا رأي، حيث سبقهم إبراهيم عيسى واحتمى بالنقابة من ملاحقة الداخلية له -فى عهد محمد حسني مبارك-، بتهمة إهانة الرئيس ولم يتم اقتحام النقابة والقبض عليه.

فكان اقتحام الشرطة للنقابة مثير لغضب الصحفيين، ما أدى إلى تجمعهم وإعلان اعتصامهم أمام النقابة، بالإضافة إلى دعوة مجلس النقابة لجمعية عمومية طارئة للدفاع عن حقوق الصحفيين المهدرة اليوم 4 مايو/أيار 2016.

وقفت قوات الأمن حائلا دون وصول وفود نقابات الصيادلة والأطباء والمهندسين والمعلمين والمحاميين إلى نقابة الصحفيين

حُوصرت النقابة خلال اليومين السابقين بقوات من الشرطة، كما تعرض الصحفيون إلى المضايقات المختلفة. كما وقفت قوات الأمن حائلا دون وصول وفود نقابات الصيادلة والأطباء والمهندسين والمعلمين والمحاميين وقيادات التحالف الشعبي الاشتراكي والحزب المصري الديمقراطي إلى مقر نقابة الصحفيين لإعلان التضامن. إلا أن بعض المسيرات من بينهم مسيرة المحاميين، استطاعت خرق الحاجز الأمني والوصول إلى مقرالنقابة.

كما أظهرت الصحف المصرية تضامنها بمنشيتات تتابع اعتصام النقابة وتستعد للجمعية الطارئة، من بينها صحيفة «الوطن» و«المصري اليوم» و«الشروق» و«الوفد» و«روزاليوسف» و«المصور»، كما وضعت مواقع الصحافة الإلكترونية المصرية شريطة سوداء على صفحاتها، تعبيرًا عن حالة الحداد على الصحافة المصرية بسبب ما تتعرض له من انتهاكات.


السلطة والإعلام

ليس من عمل الصحافة أن تنشر على الناس اختلاف الآراء بين أعضاء الحكومة، لقد تخلصنا من مفهوم الحرية السياسية الذي يذهب إلى القول بأن لكل فرد الحق في أن يقول ما يشاء
أدلوف هيتلر عن الصحافة

ظهرت «نظرية السلطة» فى الإعلام بإنجلترا بين القرن السادس عشر والسابع عشر، وأعتمدت على أفكار أفلاطون وميكيافيللي؛ حيث تتبع فلسفة الحكم المطلق (الحق الإلهي) فتعتبر السلطة ملكًا للحاكم فقط لعدم قدرة الشعب على تحمل المسئولية كما ينبغي. فتكون السلطة هي مصدر المعلومات بخضوع الإعلام للسلطة الحاكمة،فتراقب ما يتم نشره، وتحظر ما لا يفيد معرفته -من وجهة نظر السلطة-، سواء فى الوسائل الحكومية أو الخاصة.

وترى النظرية أن من يعمل فى الصحافة يكون من خلال امتياز ممنوح من رأس النظام السياسي والزعيم الحاكم، فكيف للصحفي أن ينتقد السلطة؟

كان الهدف من وراء النظرية السلطوية هو جعل الإعلام أداة لبناء نسق اجتماعي ذى توجه واحد منظبط، إلا أن نتائج تطبيق تلك النظرية بإنجلترا وفرنسا وألمانيا وغيرها من الدول، أتت بأوضاع اقتصادية وسياسية واجتماعية لا يحتمل المواطن قسوتها. فبدأت الانتقادات تطفو على السطح حتى ظهرت «نظرية الحرية» بالإعلام، ليُصبح الإعلام خادما لمصالح المحكوم وليس الحاكم، و تم إلغاء الرقابة المشددة على الطبع والنشر وجعل الرأي العام هو الرقيب الأول، والنظر إلى الشعب على إنه غير قاصر فى تبني الآراء والتعبير عنها.

وثبتت أهمية الصحافة للمجتمع باعتبارها أداة لمواجهة المسكوت عنه وكشف الحقائق. فمثالًا على الدور المهم الذي تلعبه الصحافة؛ ا ستطاع الصحفي الاستقصائي الأمريكي سيمر هيرش أن يكشف الانتهاكات التي تعرض لها المسجونين بسجن أبو غريب بالعراق، وكان المتورط فيها جنود أمريكان. كما استطاع مجموعة من الصحفيين بصحيفة «واشنظن بوست» كشف ما يعرف ب «فضيحة ووترجيت» حيث تجسس الرئيس الأمريكي السابق ريتشارد نيكسون على مكاتب الحزب الديمقراطي الأمريكي المنافس بالانتخابات الرئاسية، مما أدى إلى استقالة الرئيس نيكسون بسبب هول الحادثة.


مصر وحرية الصحافة

تحتل مصر المركز 159 في مؤشر حرية الصحافة السنوي لعام 2016 الصادر عن مُنظمة «مراسلون بلا حدود»، حيث تراجعت بمركز واحد عن عام 2015. ويعتمد التصنيف على معايير أساسية؛ أهمها تعددية واستقلالية الإعلام، بيئة العمل والانتهاكات التي يتعرض لها الصحفيين، والإطار القانوني الذي تتبعه الدولة فى أنشطتها الإعلامية وكذلك المعلوماتية.

يوجد 20 صحفيا بالسجون المصرية

وأصدرت المنظمة تقريرًا عن الحرية الصحافية فى مصر؛ وأشارت فيه إلى سوء الأوضاع التي يعمل بها الصحفيون المصريون، وتعرضهم للكثير من المضايقات الأمنية حيث يوجد 20 إعلاميًا بالسجون المصرية،من بينهم المصور الصحفي محمود أبو زيد والشهير ب«شوكان»، حيث تم احتجازه منذ ما يقرب من عامين وتم إحالة قضيته إلى محكمة الجنايات، ويتم تمديد احتجازه على ذمة القضية دون محاكمة.

وبحسب «مراسلون بلا حدود» مصر تعتبر من أكبر سجون العالم التي تحتوي على صحفيين بعد الصين وإيران وأريتريا. هذا بالإضافة إلى نقل المنظمة لشهود تفيد بتعرض هؤلاء الصحفيين إلى التعذيب داخل محبسهم. وفي تقرير شهري لشبكة المدافعين عن حرية الإعلام فى العالم العربي «سند» صُنفت مصر كثاني دولة يتعرض بها الصحفيون للعديد من الانتهاكات من قِبل السلطة الحاكمة،وبالنسبة لعام 2016 سجل مرصد «صحفيون ضد التعذيب» 222 حالة من الإنتهاكات ضد الإعلاميين والصحفيين أثناء تأدية عملهم.

كما تشير الإحصائيات الختلفة إلى غلق مصر لـ 10 قنوات فضائية، ومنع صدور صحيفتين ومنع 22 كاتب وصحفي من الكتابة، وتعرض 30 صحفي للفصل التعسفي، بالإضافة إلى مداهمة وغلق 12 مؤسسة إعلامية.


قرارات حظر النشر

أنا عندي اقتراح يا فندم.. لو اترفع حظر النشر عن قضية منتصر، هانشغل الرأي العام. هي دي عصاية موسى اللي هاتبلع كل التعابين
جزء من فيلم الهروب، 1991.

تنص المادة 68 من الدستور المصري المعمول به على أن؛ «المعلومات والبيانات والإحصاءات والوثائق الرسمية ملك للشعب، والإفصاح عنها من مصادرها المختلفة، حق تكفله الدولة لكل مواطن، وتلتزم الدولة بتوفيرها وإتاحتها للمواطنين بشفافية، وينظم القانون ضوابط الحصول عليها وإتاحتها وسريتها، وقواعد إيداعها وحفظها، والتظلم من رفض إعطائها، كما يحدد عقوبة حجب المعلومات وإعطاء معلومات مغلوطة عمدًا، وتلتزم مؤسسات الدولة بإيداع الوثائق الرسمية بعد الانتهاء من فترة العمل بها بدار الوثائق القومية، وحمايتها وتأمينها من الضياع أو التلف، وترميمها ورقمنتها، بجميع الوسائل والأدوات الحديثة، وفقًا للقانون»

يأت قرار النائب العام، المستشار نبيل صادق، بحظر النشر في القضية رقم 4016 لسنة 2016 والمعروفة إعلاميًا باقتحام نقابة الصحفيين -مما تسبب في إثارة الغضب لدى الصحفيين، ليكون الأحدث واستكمالًا لسلسلة من الحظر فى قضايا تهم الرأي العام. حيث شهدت مصر منذ يوليو/تموز 2013 قرارات نيابية بحظر النشر الإعلامي لعدد من القضايا السياسية المختلفة، والتي أتت تحقيقات بعضها بتورط الأجهزة المصرية الحكومية.

ولعل أبرز قرارات حظر النشر الأعلامي؛ صدر بتاريخ 12 فبراير 2015، في قضية مقتل شيماء الصباغ العضو بالحزب الاشتراكي والناشطة السياسية بعد مرور 19 يوم على مقتلها نتيجة لاعتداء الشرطة المصرية على مسيرة التحالف الشعبي الاشتراكي المتجهه لوضع أكاليل الزهور على النصب التذكاري بميدان التحرير يوم 24 يناير/كانون الثاني في الذكرى الرابعة للثورة المصرية.

ووجه حزب التحالف الشعبي الاشتراكي الاتهام إلى الشرطة المصرية بمقتل الصباغ، مما أثار ضجة إعلامية واسعة وانتقادات مؤيدي السلطة المصرية، إلى أن كشفت التحقيقات وبعد قرار حظر النشر؛ أن أحد ضباط الشرطة المصرية يدعي «ياسين صالح» ضربها بطريقة أفضت إلى وفاتها وحكم عليه بالسجن المشدد لمدة 15 سنة.

إحنا فى التزويير ماتقلقش
اللواء ممدوح شاهين

وفي سياق متصل قرر النائب العام هشام بركات آنذاك، حظر النشر فى قضية التخابر مع حماس عقب إذاعة التسريبات التي بدأت في نشرها قناة مكملين فى 4 ديسمبر/كانون الأول 2014، بمكالمة للواء ممدوح شاهين متحدثًا عن تزوير القضية المتهم فيها محمد مرسي بالتخابر مع حماس.

كما تم حظر النشر فى قضية مقتل بركات بعدها فى 29 يونيو/حزيران 2015، بعد ساعتين تقريبًا من نشر صحيفة الوطن لتورط ضابط جيش سابق من قوات الصاعقة فى حادث الاغتيال. وهو ما يشكك من اتهامات السلطة لجماعة الإخوان المسلمين فى كونهم السبب فى مقتله.

بالإضافة إلى قرار حظر النشر فى القضية المعروفة بـ «مقتل الفوج السياحي المكسيكي» فى الواحات، والمتورط بها الأجهزة الأمنية المصرية بعد أن أعنلت الشرطة المصرية مقتلها لهم بالخطأ. وأيضًا قضية طلب رئيس محكمة جنح مستأنف مدينة نصر السابق، المستشار رامي عبدالهادي، رشوة جنسية فى يوليو/تموز 2015، والذي تقدم باستقالته بعد أن رفع مجلس القضاء الحصانه عنه، ونفى عبد الهادي أن يكون السبب هو الرشوة الجنسية.


الجمعية الطارئة تسود وزير الداخلية

قررت الجمعية أيضا دعوة القنوات الفضائية لدرء الهجوم الضاري الذي يش ضد الصحفيين والنقابة، ومحاولات الفتنة بينهم وبين الشعب، وكذلك رفض التلويح بتوجيه اتهامات قانونية ضد النقيب، واعتبار ذلك نوع من الضغط غير المقبول

كارم محمود، عضو مجلس نقابة الصحفيين فى بيان عقب إنتهاء الجمعية العمومية.

صورة وزير الداخلية المصرية نيجاتيف

شارك حوالي 3 آلاف صحفي بالإجتماع الطارئ الذى حددت النقابة موعده ليكون اليوم 4 مايو/آيار 2016، لبحث واقعة اقتحام قوات الشرطة لمقر النقابة من يومين.وأ علنت النقابة عن عدد من المطالب، أهمها:

  1. تسويد الصفحة الأولى للصحف المصرية بيوم الأحد الموافق 8 مايو/أيار لعام 2016، تحت شعار «لا لحظر النشر»، بالإضافة إلى وضع المواقع الصحفية الإلكترونية شارات سوداء.
  2. إقالة وزير الداخلية.
  3. الإفراج عن جميع الصحفيين المحبوسين بقضايا متعلقة بالتعبير عن آرائهم السياسية.
  4. تقديم اعتذار واضح للصحفيين من قبل رئاسة الجهمورية، مثلما سبق وتم تقديم الإعتذار للمحامين.
  5. وضع تشريع من قبل مجلس النواب خاص بقرارات حظر النشر وضوابطه.
  6. تغليظ عقوبة الإعتداء على الصحفيين أو منعهم من مزاولة عملهم.

كما رفضت النقابة تصريحات وتضامن الخارجية الأمريكية وأي تدخل خارجي، وطالبت الصحف بما فيها «القومية» بكسر حظر النشر المفروض بقضية «اقتحام نقابة الصحفيين»، ومنع نشر اسم وزير الداخلية بكافة وسائل الإعلام ونشر صورته سوداء «نيجاتيف»؛ تعبيرًا عن رفض الصحفيين لاستمراره فى منصبه بعد اتهائكه لحقوقهم.

القرارات أو المطالب من ناحية تبدو كأنها صراع من السلطة، ومن ناحية أخرى تبدو أنها صراع داخل السلطة، فالإعلام لم يصطدم أبدا مع رأس الدولة من بعد أحداث 3 يوليو/تموز ، وهذه هى المرة الأولى التى يصطدم فيها بشكل كلى مع جزء من النظام، فهل يتطور الأمر إلى صراع مع النظام أم يظل صراعا داخله!

المراجع
  1. 7 من أبرز قضايا «حظر النشر» بمصر.. هل شابتها السياسة؟
  2. حظر النشر في اقتحام نقابة الصحفيين وضبط «عمرو بدر ومحمود السقا»
  3. «تصعيد عمومية الصحفيين» في مواجهة «حظر النشر» (تقرير)
  4. 8 gag orders issued on prominent cases since 2015
  5. Life In Nazi Germany 1933-45 Shawn Hsu
  6. اقتحام "النقابة": الحلقة الأخيرة في سلسلة قمع الصحافة في مصر
  7. مؤشر حرية الصحافة