محتوى مترجم
المصدر
UniverseToday
التاريخ
2017/05/17
الكاتب
مات وليامز

منذ أواخر عشرينيات القرن الماضي، أدرك الفلكيون حقيقة أن الكون في حالة من التمدد. فبعد أن تنبأت بهذه الملاحظة في البداية نظريةُ آينشتين عن النسبية العامة، استمرت في تنشيط النموذج الكوني المقبول على نحو واسع؛ نظرية الانفجار العظيم. ومع ذلك، أصبح الأمر محيرًا إلى حد ما في التسعينيات، عندما أظهرت بعض المشاهدات المعدّلة أن معدل تمدد الكون يتسارع منذ بلايين السنين.

أدى هذا إلى نظرية الطاقة المظلمة، وهي قوة خفية غامضة تقود تمدد الكون. وبالمثل قامت الطاقة المظلمة بتفسير «الكتلة المفقودة»، ولذلك أصبح من الضروري إيجاد هذه الطاقة المحيرة، أو على الأقل تقديم إطارٍ نظريٍ أكثر تماسكًا لها. وهذا بالضبط هو ما تحاول دراسة جديدة من جامعة كولومبيا البريطانية UBC فعله من خلال الافتراض بأن الكون يتمدد نتيجة تقلبات في الزمان والمكان.

قام على الدراسة –التي نشرت مؤخرًا في مجلة Physical Review D– طالب الدكتوراه بقسم الفيزياء والفلك في جامعة كولومبيا البريطانية؛ كانجدي وانج. وتحت إشراف الأستاذ في نفس الجامعة وليام أونروه (الذي طرح مفهوم تأثير أونروه) وبمساعدة زن زو (طالب دكتوراه آخر من الجامعة)، قام الفريق بطرح صورة جديدة عن الطاقة المظلمة.

رسم بياني يظهر تمدد الكون من وقت الانفجار العظيم إلى العصر الحالي

بدأ الفريق من خلال تناول التناقضات الناشئة عن النظريتين الأساسيتين اللتين تفسران سويًا كل الظواهر الطبيعية في الكون، ألا وهما النسبية العامة وميكانيكا الكم، واللتان تفسران بشكل فعال الكون على مستوياته الأكبر (كالنجوم، والمجرات، والعناقيد) والأصغر (الدقائق المكوّنة للذرات).

وللأسف، لا تتفق هاتان النظريتان عند أمر صغير يسمى بالجاذبية، والتي ما زال العلماء غير قادرين على تفسيرها من خلال ميكانيكا الكم. ويعد وجود الطاقة المظلمة وتمدد الكون نقطة اختلاف أخرى. فلأي مبتدئ، تسبب النظريات المرشحة كطاقة الفراغ vacuum energy، التي تعد أحد أكثر تفسيرات الطاقة المظلمة شهرة، تناقضات خطيرة.

فطبقًا لميكانيكا الكم، تحتوي طاقة الفراغ على كثافة الطاقة كبيرة جدًا. ولكن إن صح هذا، ستتنبأ نظرية النسبية العامة بأن الطاقة سيكون لها أثر جذب قوي، والذي قد يكون قويًا بما فيه الكفاية كي يدفع حجم الكون نحو الانفجار. فكما أخبر البروفيسور أونروه Universe Today من خلال البريد الإلكتروني:

«تكمن المشكلة في أن أي حساب بسيط لطاقة الفراغ سينتج قيمًا مهولة. فإذا افترضنا أنه يوجد حد ما للأمر، إذ لا يمكن لأحد أن يصل إلى كثافات طاقة تزيد على كثافة طاقة بلانك (أو 10 95 جول/م3 تقريبًا)؛ فإن الباحث سيصل إلى ثابت هابل –مقياس الوقت الذي يتضاعف فيه الكون تقريبًا- من رتبة 10-44 ث. لذا، يكون القول المعتاد هو أن هناك شيئا ما يقوم بطريقة ما بتقليل هذا، بحيث يصبح معدل التمدد الفعلي بدلًا عن ذلك هو 10 بلايين سنة. لكن «بطريقة ما» هذه غامضة، ولم يأتِ أحدٌ ولو بنصف آلية مقنعة».

خط زمني للانفجار العظيم وتمدد الكون

وفي الوقت الذي حاول فيه علماءٌ آخرون حل هذه التناقضات من خلال تعديل نظريات النسبية العامة وميكانيكا الكم، اتبع وانج وزملاؤه طريقًا آخر. حيث شرح وانج لـ Universe Today قائلًا:

«تحاول الدراسات السابقة إما تعديل ميكانيكا الكم بطريقة ما لجعل طاقة الفراغ صغيرة، أو تعديل النسبية العامة بطريقة ما لجعل الجاذبية سببًا لتخدير طاقة الفراغ. لكن ميكانيكا الكم والنسبية العامة هما أكثر نظريتين نجحتا في تفسير كيفية عمل كوننا … وبدلًا من محاولة تعديلهما، نعتقد بأنه يجب علينا أن نفهمهما بشكل أفضل. فنحن نسلّم بكثافة طاقة الفراغ الكبيرة التي تتنبأ بها ميكانيكا الكم، ونتركها تتجاذب طبقًا للنسبية العامة بلا تعديل أي منهما».

ولأجل دراستهم، قام وانج وزملاؤه بمجموعات جديدة من الحسابات على طاقة الفراغ وأخذوا كثافة الطاقة المرتفعة المُتنبأ بها في الحسبان. ثم أخذوا في الاعتبار إمكانية كون نسيج الزمكان على أصغر المستويات –أصغر بملايين المرات من الإلكترونات- يتعرض لتقلبات شديدة، تتأرجح في كل نقطة بين التمدد والانكماش.

وبينما تتحرك بين هذا وذاك، ينتج عن هذا التأرجح تأثير نهائي يجعل الكون يتمدد بطء، ولكن بمعدل متسارع. وبعد القيام بحساباتهم، أشاروا إلى اتساق هذا التفسير مع كلٍ من كثافة طاقة الفراغ في الكم والنسبية العامة. وفوق ذلك، تتسق مع ما كان يشاهده العلماء في كوننا لقرن كامل تقريبًا. فكما وصفها أونروه:

«أظهرت حساباتنا أنه يمكن لنا الاعتبار بشكل متماسك أن الكون على المستويات الصغرى يتمدد وينكمش بمعدل سريع وغير طبيعي، ولكن على مستوى أكبر، ونتيجة لتجاوز المتوسط على هذه المقاييس الصغيرة، لا يمكن للفيزياء ملاحظة هذه «الرغوة الكمومية». ولها تأثير جانبي صغير في إعطاء ثابت كوني فعال (تأثير من نوع الطاقة المظلمة). الأمر يشبه من ناحية ما موجات المحيط التي تتحرك كما لو أنه أملس بشكل كامل، لكننا نعلم على الحقيقة أن هناك رقصا مذهلا لذرات المياه، وأن الأمواج تتجاوز متوسط هذه التقلبات، وتتحرك وكأن السطح أملس تمامًا».

فعلى عكس النظريات التي ترى أن القوى المختلفة التي تحكم الكون لا يمكن التوفيق بينها وأنها يجب أن تلغي بعضها بعضًا، يقدّم وانج وزملاؤه صورةً يبدو فيها الكون أنه متناغم دائمًا. وفي هذا السيناريو، تقوم آثار طاقة الفراغ بإلغاء نفسها، وكذلك تسبب التمدد والتسارع الذي نشاهده طوال الوقت.

على الرغم من كونه مبكرًا القول بذلك، إلا أن صورة الكون شديد الدينامية هذا (حتى ولو على أصغر المستويات) من الممكن أن تقوم بتثوير فهمنا للزمكان. وعلى أقل تقدير، ستثير هذه النتائج النظرية جدلًا في المجتمع العلمي، وكذلك تجاربَ تهدف لتقديم دليل مباشر. وهذا، كما نعلم، هو السبيل الوحيد لتطوير فهمنا عن هذا الشيء المسمى بالكون.

لقراءة أوسع:UBC News, Physical Review D