الفكرة الشائعة عن السموم، هي أنها مواد ضارة تَُوضَعُ في الأكل عمدًا أوعرَضًا، فتسبب للمرءِ آلامًا شديدة، ونوباتٍ من القيء، والإسهال، وقد تتطور إلى الوفاة الفورية في حالة استخدام سمٍّ شديد. لكن هذا الشكل التقليدي من السموم هو الأقل شيوعًا، أما الأكثر انتشارًا، ودهاءً، فهي تلك المواد التي تتسرب إلى أجسامنا، لتفسد صحتها بشكل بطيءٍ، وغير ملحوظ.

أصبح معلومًا للكثيرين أن السمنة تعتبر في ذاتها مرضًا، يفتح علينا أبواب أمراضٍ أخطر، كارتفاع الضغط، والسكر، وأمراض شرايين القلب التاجية، وتلك الأخيرة أصبحت بلا مُنازع القاتل الأول في العالم، لا سيما من خلال أشرس مضاعفاتها المتمثل في أمراض شرايين القلب التاجية ومضاعفاتها، والتي تُعَدُّ السببَ الأول للوفاة في العالم، بما يقارب 9 ملايين ضحية عام 2016م، ويليها في المركز الثاني جلطات المخ، والتي تُسهمُ في حدوثها نفس عوامل الخطر، بجانب عشرات الملايين ممن جعلت تلك الأمراض حياتَهم أكثر صعوبة على كافة المستويات، وعطلت إنتاجيتَهم المادية والمعنوية.

وقد أسهمت أنماط غذائنا الحديثة غير الصحية في معظمها في تفافم وباء السمنة، لاعتمادنا أكثر فأكثر على الأطعمة الغنية بالنشويات والسكريات، كالمخبوزات والحلويات والشيكولاتة بكافة أنواعها، وتلك الكثيفة في نوعيات الدهون الضارة كالمُحمَّرات، والمقليات لا سيَّما ما يُستخدَم فيه السمن الصناعي الذي يعتبر نموذجًا على الدهون المتحولة شديدة الخطورة، والسمن والزبد حيواني المصدر، والغني بالدهون المُشبَّعة الضارة والتي تضاعف فرص الإصابة بأمراض الشرايين المختلفة.

في السطور التالية سنركز على نوعٍ من الزيوت يستخدم بكثافةٍ الآن في الكثير من أطعمتنا، والتي يستهلكها الكبير والصغير، وبالأخص المُعلبَّات كالجُبن والشيكولاتة والمعجنات والزبد الصناعي … إلخ. وهو رغمَ كونِه نباتي. المصدر، فإنه يشبه الدهون الحيوانية في خطورتها المحتملة على الصحة. 

زيت النخيل وزيت نواة النخيل 

ينتسبُ زيتُ النخيل إلى مجموعة الزيوت الاستوائية والذي تضاعف في العقود الأخيرة الاعتماد عليه وعلى نظرائه في الصناعات الغذائية، نتيجة الانخفاض النسبي في تكلفته، وكذلك لأنه لا يكون سائلًا في درجة حرارة الغرفة العادية مثل باقي أنواع الزيوت النباتية، مما يساهم في تحسين والحفاظ على شكل وقوام وطعم الأطعمة المزوَّد بها. ومن النادر أن تقرأ قائمة المكونات في غالب الأغذية المحفوظة، إلا وتجده بين مكوناتها، أو تحت اسم مراوغ هو الدهون النباتية أو الزيوت النباتية. وقد أسهَم في انتشاره أيضًا الاعتقاد السائد أنه أكثر صحيةً بكثير من الدهون المتحولة الموجودة في السمن الصناعي.

يُستَخلَص زيتُ النخيل palm oil من ثمرة نخيل الزيت oil palm tree، والتي تتواجد طبيعيًّا في المناطق الحارة لا سيما في غربي وجنوب غربي أفريقيا، لكن الموقع الرئيس لها الآن جنوب شرقي آسيا، في ماليزيا وإندونيسيا، اللتيْن توسعتا في استزراعها نظرًا لزيادة الطلب الصناعي على زيتها. وهناك نوع آخر هو زيت نواة النخيل palm kernel oil، ويُستخدَم بتوسعٍ أيضًا، لكنه يُستَخرَج من نواة – بذرة –  تلك الشجرة وليس الثمرة.

يكمن الاختلاف بين النوعيْن في نسبة الدهون المُشبعة – الضارة – في كليْهما. الأسوأ هو زيت النواة الذي تصل النسبة فيه إلى حوالي 85%، بينما في زيت النخيل تكون 50%، وهي نفس النسبة تقريبًا في الزبدة، وحوالي 4 أضعاف النسبة التي يحتويها زيت الزيتون مثلًا، والذي يعتبر من نماذج مصادر الدهون الصحية.

زيت النخيل على الميزان

يمثل زيت النخيل ثُلُث الكمية المنتجة عالميًّا من الزيوت النباتية، ويمتاز بأنه الأرخص سعرًا، ولذا شاع استخدامه في العديد من الأغراض الصناعية، حتى غير الغذائية مثل الصابون، ومستحضرات التجميل، ومعجون الأسنان.

رغم احتواء زيت النخيل على بعض المغذيات المفيدة مثل فيتامين هاء – والذي يُعتبر من مضادات الأكسدة ويحافظ على سلامة المخ – وكذلك على نسبة جيدة من الدهون غير المشبعة المفيدة – والتي تساهم في تقليل الكولسترول الضار بالدم – والموجودة أيضًا في غيره من الزيوت النباتية حسنة السمعة، فإن كثافة الدهون المشبعة فيه تهوي به على مقاييس الأغذية الصحية، لخطورتها على صحة القلب والشرايين، حيث تساهم في زيادة تصلب الشرايين، نتيجة مُفاقمة نسبة الكولسترول الضار في الدم، بجانب زيادة احتمالات حدوث السمنة ومضاعفاتها كالسكر والضغط.

فالدور الإيجابي الذي تقوم به الأحماض الدهنية غير المشبعَة من أجل صحة القلب، أقل بكثير من الدور السلبي للدهون المشبعة على القلب أيضًا، لا سيما مع الإسراف في تناول زيت النخيل، وهذا هو المتوقع من معظم المستهلكين لا سيما ما يخص المعجنات والشيكولاتة التي يحبها الكبير قبل الصغير.

جدير بالذكر أن الجمعية الأمريكية للقلب توصي بألا تزيد نسبة الدهون المشبعة من مجمل السعرات الحرارية اليومية عن 5%، وهو ما يعني 12 – 13 جرامًا فحسب للشخص متوسط الوزن. وهذا المقدار يمكن الحصول عليه من تناول قطعة من الشيكولاتة، أو ساندويتش صغير من الجبن كامل الدسم المحتويين على هذا الزيت.  

وللبيئة أيضًا شكواها 

زيت النخيل كما ذكرنا من الزيوت الاستوائية، فالنخيل الذي يُنتِجُه ينمو في المناطق الاستوائية الحارة. أدى الاستخدام الواسع لزيت النخيل بأنواعه في العديد من الصناعات الغذائية وغيرها كما بيننا، إلى مشكلةٍ بيئية، تمثلت في تدمير مساحاتٍ كبيرة من الحزام الاستوائي الأخضر، والذي يلعب دورًا حيويًّا في حفظ مستويات الأكسجين في الهواء الجوي، والتخلص من الانبعاثات الضارة، حتى إن بعض العلماء يعتبرون تلك الغابات الاستوائية المطيرة بمثابة رئة كوكب الأرض. 

كان ذلك من أجل استزراع المزيد من نخيل الزيت والاستثمار فيه، لا سيَّما في بلدان جنوب شرقي آسيا، والتي كان ما يقارب نصف مساحة الأراضي المنزرعة بنخيل الزيت فيها، غاباتٍ استوائية قبل عقود قليلة. 

تلك الإزالة الجائرة للغابات تهدد أيضًا بمفاقمة كارثة الاحترار العالمي، حيث إن الغطاء الاستوائي يسهم في تخليص هواء الأرض من الكثير من الانبعاثات الضارة – كانبعاثات الكربون – التي تفاقم تلك الظاهرة البيئية الخطيرة التي تنذر بحدوث تغييرات خطيرة في مناخ الأرض، وبالتالي في قابليتها للسُّكنى.

من أجل هذا، تأسست منظمة RSPO المعنية بجعل استغلال زيت النخيل أقل ضررًا للبيئة، حيث تشترط لكي توصي يمُنتَجٍ ما معتمد على زيت النخيل، وتمنحه شعارها، ألا يكون قد تسبب في إزالة غاباتٍ جديدة، وأن يُستَخدَمَ أقل كمية من المبيدات أثناء الزراعة، وكذلك أن تراعي الشركة المنتجة حقوق العمال العاملين في خطوط الإنتاج.

ماذا نفعل؟!

على النطاق الأكبر، يمكن للحكومات والهيئات المسؤولة أن تلعب دورًا في السيطرة على ظاهرة الانتشار الكثيف لتلك الأطعمة التي تفاقم السمنة. فرنسا مثلًا ضاعفت الضرائب على الأطعمة المعتمدة على زيت نواة النخيل لتدفع المنتجين نحو المصادر الدهنية الأغلى سعرًا وأفضل صحيًّا. 

لكن يظل العبء الأكبر علينا كمستهلكين في التحكم في هذا الأمر. علينا أن نعتمد فى الحصول على حاجة أجسامنا من الدهون على الزيوت الأكثر فائدة للصحة، والتي توصي بها جمعية القلب الأمريكية، لا سيَّما زيت الزيتون، وزيت الذرة، وزيت فول الصويا، وزيت عباد الشمس، مع الاعتدال في تناولها أيضًا في حدود السعرات الحرارية المتاحة حسب الوزن والعمر والجنس. 

وكذلك يجب أن نحاول تقليل استهلاك المواد الغذائية المحتوية على  الزيوت الغنية بالدهون المُشبَّعة، بحيث تكون تلك الدهون في الحدود الآمنة صحيًّا، من مجمل السعرات الحرارية اليومية.

للأسف سيواجهنا عائق جوهري، يتمثل في فرق السعر بين الأغذية المعتادة، وتلك الخالية من الزيوت النباتية. في السوق المصري، على سبيل المثال، يصل سعر الجبن الأبيض الخالي من زيت النخيل وأشباهه حوالي 3 أضعاف نظيره من إنتاج نفس الشركة. لكن ما لا يُدرَك كله، لا يُترَك جُلُّه.