لقد عاشت «دولة إسرائيل» 22 يومًا في حالة من القلق والحيرة والاستعداد، حتى صدر الأمر للجيش الإسرائيلي لصد العدوان.

هكذا قدّم الصحفي الإسرائيلي «شلومو نيكدمون» كتابه «ما قبل ساعة الصفر .. قصة الأحداث التي سبقت حرب الأيام الستة»، والذي يسرد فيه قصة تطور الأحداث الدرامية التي وقعت في «إسرائيل» خلال الـ 22 يومًا التي سبقت النكسة.

ويقوم هذا الكتاب على وثائق أصلية وعلى شهادات رواها «أبطال» تلك الأحداث على مدار تلك الأيام، كما يكشف عن وثائق سرية حول تطور سير الأمور التي سبقت تشكيل حكومة التكتل القومي، إذ احتوى على تقارير مفصلة عن المقابلات والمحادثات والجلسات التي نُشرت للمرة الأولى في هذا الكتاب ولم يكن أحد على علم بها.

كذلك يقدم الكاتب سردًا لجملة تطورات الموقف في الدول العربية وفي عواصم العالم المختلفة على ضوء الأحداث التي كانت تتم في إسرائيل في ذلك الوقت. ويُذكر أن هذا الكتاب قد صدر عام 1968، أي بعد عام من النكسة.


أقصى درجات ضبط النفس

وصل نبأ الاستعداد الذي أُعلن في الجيش المصري إلى رئيس الوزراء ووزير الدفاع «ليفي أشكول»، ورئيس هيئة أركان حرب الجيش «إسحاق رابين» في أثناء العرض العسكري بمناسبة عيد الاستقلال يوم الأحد الموافق 14 مايو/أيار 1967، إذ بدأ الجيش المصري في ذلك الوقت بالتحرك بأسلحة معظمها إنتاج سوفيتي في عرض عسكري حافل إلى قرب الحدود المصرية الإسرائيلية، حيث أعلن «جمال عبد الناصر» عبر كافة وسائل الاتصالات الحديثة أن مصر تتقدم بالقرب من شبه جزيرة سيناء، وقد كان هذا العرض العسكري في رأي الكاتب هو قمة سلسلة العنف التي تعرضت لها إسرائيل.

وفي يوم الثلاثاء 16 مايو/ أيار، أرسل الجنرال المصري «محمد فوزي» رسالة إلى القائد الهندي التابع للقوات الدولية الرابطة على الحدود الدولية بين مصر وإسرائيل، رسالة يأمره فيها بسحب القوات الدولية دون تأخير.

وفي تحليل الكاتب لهذا الموقف، فإن جمال عبد الناصر لم يعط اعتبارًا للاضطراب الدولي الذي أحدثه تصرفه، إذ استمر في إرسال جنوده المدججين بالسلاح إلى داخل سيناء وتحولت شبه جزيرة سيناء إلى قاعدة عسكرية ضخمة مليئة بمئات الدبابات.

وأفادت التقارير التي قُدمت إلى إسرائيل من عواصم العالم ومن بينها واشنطن، أن تحركات الجيش المصري محض استعراض عضلات، وأنه على إسرائيل ألا تترك لنفسها العنان في الرد. وبالفعل بعد مشاورات بين رئيس الوزراء ووزير الدفاع، تم إعلان التعبئة الجزئية في صفوف قوات الاحتياط، بينما أخذت القوات المصرية مواقعها بالقرب من مواقع المراقبة التابعة لقوات الطوارئ الدولية.


إسرائيل في حيرة من أمرها

إننا لا نريد شن هجوم.

قالها أشكول من فوق منصة الكنيسيت إلى الدول العربية، مؤكدًا أنه ليس من مصلحته إلحاق الضرر بأمن الدول العربية.

في يوم الخميس 18 مايو/أيار، بعث وزير الخارجية المصري آنذاك، «محمود رياض»، مذكرة إلى سكرتير الأمم المتحدة يطالبه فيها بإنهاء قضية قوات الطوارئ الدولية داخل أراضيها وفي قطاع غزة، ولم يفسر العالم ذلك سوى أنه مجرد مناورة لا أكثر. إلا أن إسرائيل وقعت في حيرة من أمرها، ففي يوم الجمعة 19 مايو/أيار جرت مناقشات طويلة حول مسألة الدفاع ضد أي هجوم جوي أم الاستجابة لأمر الولايات المتحدة بضبط النفس، وذلك في ضوء وصول أنباء عن ظهور طائرات مصرية في سماء إسرائيل.

وفي أثناء ذلك، استجابت قوات الطوارئ الدولية بالفعل للطلب المصري، وتوقفت عن أداء مهامها على طول خطوط الهدنة، وتم إنزال علم الأمم المتحدة وبدأ أفراد الألوية الفلسطينية التابعة للجيش المصري يأخذون مواقعهم في الأماكن التي تخلت عنها القوات الدولية. أما إسرائيل فقامت باستدعاء شباب إسرائيل من جنود الاحتياط للخدمة في السلاح وزيادة معسكرات جيش الدفاع في الجبهة الجنوبية.

كان الكنيسيت في ذلك الوقت في حالة من الغليان، إذ دارت مناقشات حادة بين أعضاء الكنيسيت، بين من اعتبر أن التصرفات المصرية محض مناورات واستعراض عضلات لا تستدعي كل هذا القلق، وبين من اعتبر ما يحدث هو محاصرة من جيش عبد الناصر ولا بد من الوقوف ضدها وعلى رأسهم مناحم بيجن زعيم المعارضة، الذي دعا إسرائيل لاستخدام حقها في الدفاع الذاتي القومي.


مضايق تيران والملاحة الإسرائيلية

اعتبرت إسرائيل أن إغلاق المصريين لمضايق تيران بمثابة خطوة فجائية عدائية كاسرة كل التعهدات التي قدمها الغرب لإسرائيل.

في 23 مايو/أيار، أغلق المصريون مضايق «تيران» وتم الإعلان بعدم السماح بمرور أي سفينة إسرائيلية في تلك المضايق، أو مرور أي إمدادات استراتيجية إلى إسرائيل بواسطة سفن غير إسرائيلية، مما أصاب السياسيين هناك بالذعر الشديد، إذ اعتبروه خطوة فجائية عدائية كاسرة بذلك كل التعهدات التي قدمتها الدول الغربية لإسرائيل بحرية المرور في مضايق تيران، حيث وصلت التخوفات بين الساسة في إسرائيل إلى أن مصر ستلجأ إلى حرب كيميائية ذات أضرار بالغة الخطورة وهو ما اعتبروه مساسًا بأمنهم وسيادتهم.

وجراء ذلك اتجه «أشكول» بتوجيه ندائه واستغاثته للدول الكبرى للعمل الجاد من أجل ضمان حرية الملاحة في الميناء الجنوبي لإسرائيل، وعلى إثر ذلك اعتبر الرئيس الأمريكي «ليندون جونسون» أن فرض الحصار على الملاحة الإسرائيلية أمر غير مشروع، وأن من شأنه أن يشكل كارثة على قضية السلام، وأن بلاده ملزمة بضمان الاستقلال السياسي لكل دول المنطقة ولا تقبل بأي شكل أي عدوان.

وفي 26 مايو/أيار، قابل جونسون «أبا إيبان»، وزير خارجية إسرائيل آنذاك، وإبراهام هريمان سفيرها في واشنطن، وأكد جونسون خلال المقابلة أن الولايات المتحدة تبحث عن الوسائل التي تضمن تنازل عبد الناصر عن إغلاق المضايق وطلب من إسرائيل ألا تقوم بأي عمل ضد مصر.

بينما أعرب رئيس وزراء بريطانيا «هارولد ويلسون» في لقاء مع أبا إيبان، عن غضبه إزاء غلق المضايق وأنه لا يقبل بهذا الحصار، وبالفعل أرسلت بريطانيا سكرتير الدولة السياسي للشئون الخارجية جورج طومبسون إلى واشنطن من أجل التشاور مع حكومة الولايات المتحدة حول الجهود الواجب اتخاذها ضد الحصار المصري.

وفي تلك الأثناء كانت سكرتيرة حزب المباي «جولدا مائير» ترسل رسائل خاصة إلى زعماء الأحزاب الاشتراكية، تطالبهم بأن يبذلوا قصارى جهدهم بالضغط على حكوماتهم من أجل تكوين جبهة عالمية قادرة على صد الهجوم الناصري الذي بات يهدد الكيان الإسرائيلي، وكانت تهدف من تلك الرسائل تذكير الزعماء الاشتراكيين بنكبة اليهود في أوروبا وتناشدهم العمل على منع تكرار هذه النكبة.


إبادة أم انتصار؟

في يوم الخميس 25 مايو/أيار، بدأ الحصار المصري يزداد أكثر فأكثر ضد إسرائيل، وكانت قوات جيش الدفاع الإسرائيلي موجودة في ميادين القتال، وفي تلك الأثناء بدأ الاتحاد السوفيتي في سياسة أكثر تشددًا من ذي قبل، إذ وصلت إلى موسكو بعثة عسكرية مصرية برئاسة وزير الحربية «شمس بدران» زادت في أعقابها شحنات الأسلحة إلى القاهرة. وعلى إثر ذلك صرح الخبراء في البنتاجون بأنه في حالة نشوب حرب فإن إسرائيل ستحقق النصر، فرغم أن التشكيل العسكري المصري في سيناء كان في نظرهم لا يحمل طابعًا هجوميًا إلا أنهم رأوا الخطورة في الحشود.

وفي الساعات الأخيرة من الليل يوم 26 مايو/آيار، نُشر مضمون الخطاب الذي ألقاه ناصر في مؤتمر النقابات المهنية العربية وأعلن فيه: «إن هدفنا هو إبادة إسرائيل وسوف تكون الحرب شاملة». بالإضافة لما أعلنه أحمد الشقيري، رئيس منظمة التحرير الفلسطينية آنذاك، قبل ساعات في أحد مساجد القاهرة: «إن ساعة تحرير فلسطين قد اقتربت». الأمر الذي أصاب الصف الاسرائيلي بالارتباك خصوصًا بعد رسالة التهديد التي أرسلها الاتحاد السوفيتي إلى إسرائيل.

وفي وسط حالة اليأس من موقف الولايات المتحدة التي أكدت لهم أن حشود مصر دفاعية لا هجومية، خرج أشكول ببيان إلى الجماهير الغاضبة، أكد لهم فيها أن إغلاق مضايق تيران عمل عدواني، وأن إسرائيل سوف تعمل على تشتيت الجهود المتربصة على الحدود الجنوبية، وأن قوة جيبش إسرائيل قادرة على ردع كل معتد، ولكن قوبل هذا البيان بالنقد العنيف والمعارضة الشديدة مع المطالبة بضرورة تخلي أشكول عن منصبه.

وفي يوم الأحد 28 مايو/أيار، بدت مظاهر الاستعداد النفسي للقتال على مواطني إسرائيل وساد جو الحرب في كل بيت، فقد تبرع عمال ميناء «حيفا» بأجر يومين للجيش، وأسرع الإسرائيليون للتبرع بالدم، كما قامت الشركات والمؤسسات المختلفة بدفع مبالغ كبيرة من ضرائب الدخل لصالح إسرائيل وجيش الدفاع الإسرائيلي.


ديان وزيرًا للدفاع

رأى الخبراء في البنتاجون أن التشكيل العسكري المصري في سيناء لا يحمل طابعا هجوميا، وإن رأوا الخطورة في الحشود

بدأت فكرة إنشاء حكومة تكتل قومية في الظهور في 22 مايو/آيار، واستمرت المباحثات حولها دون فائدة، إلا أنه بعد النقد اللاذع الذي تعرض له أشكول في أعقاب بيانه، اجتمع أعضاء الكنيسيت في حالة من الضجر الشديد، وحدث انقلاب مضاد ضد أشكول داخل الكنيسيت، واستطاعوا ممارسة الضغط على أشكول بتعيين آلون وزيرًا للدفاع من أجل إرضاء الجماهير الغاضبة، وفي اجتماع آخر تقرّر تعيين ديان قائدًا للجبهة الجنوبية بناء على طلبه.

لكن هذه القرارات واجهت رفضًا وانتقادًا من قبل شابيرا ورفائيل اللذين ربطا وجودهما في الحكومة بتعيين موشيه ديان وزيرًا للدفاع، بالإضافة إلى مكتب حيروت الذي ربط انضمامه للحكومة بتعيين ديان وزيرًا للدفاع، وبعد نقاشات دامت طويلاً بين مؤيدي إيغال آلون ومؤيدي موشيه ديان، قررت سكرتارية الحزب ضم ديان للحكومة وزيرًا للدفاع، وفي 1 يونيو/حزيران رضخ رئيس الوزراء أشكول لجنرالاته، وتقرّر بشكل رسمي تعيين موشيه ديان وزيرًا للدفاع، وتبيّن حينئذ أن الحرب مقبلة لا محالة.