ما يحدث في تطاوين مؤامرة، ومن يقومون بالتخريب «مندسون».
والي تطاوين عما تشهده الولاية من احتجاجات

خيمت سحب الغضب على سماء تونس من جديد بعدما شهدت ولاية تطاوين مواجهات دامية بين قوات الأمن والمحتجين ضد تهميش الدولة لهم،مما أسفر عن دهس سيارة تابعة للحرس الوطني الشاب مصطفى السكرافي في منطقة الكامور لفض تظاهرات الأهالي السلمية المستمرة منذ شهرين بالقوة وحرق خيامهم لإنهاء اعتصامهم، مما دفع المتظاهرين إلى إضرام النار بمقر إقليم الحرس الوطني والمنطقة الجهوية للأمن العمومي واقتحام مقر الولاية.


تطاوين: لا تراجع

الرخ .. لا

بكلمتين وستة أحرف كتب متظاهرو تطاوين مستقبلاً تشهده تونس اليوم، فبالرغم من تجاهل الحكومة لمطالبهم على مدار أشهر استطاعت الاحتجاجات في تطاوين أن تتسرب إلى العاصمة ومحافظات أخرى، معلنه التصدي للحرب التي شنها النظام على التحركات الاحتجاجية التي تجوب البلاد لحماية الثروة ورجال أعمال تونس على حساب الثورة.

«الرخ .. لا» أو «لا .. تراجع» شعار رفعه المعتصمون بمخيم الكامور الشهر الماضي، معلنين استمرار غضبهم المنصب على الحكومة التونسية، فـ تشهد ولاية تطاوين -المهمشة- بجنوب شرق تونس احتجاجات مستمرة بداية من شهر أبريل/ نيسان الماضي، لحقها اعتصام بمنطقة «الكامور» المعروفة بكونها ممرًا آمنًا لعمليات نقل الغاز والنفط في الصحراء التونسية؛ حيث تزخر تطاوين الثرية بالغاز والنفط بالشركات الأجنبية النشطة في مجال التنقيب.

مما دعا المحتجين لإغلاق مضخة الغاز بالمنطقة -المؤمّنة من قبل قوات الجيش التونسي والحرس الوطني- أمس 21 مايو في محاولة لفت النظر إلى مطالبهم بالتوظيف داخل المنطقة الثرية بالغاز، وهو ما اعتبره رئيس الوزراء التونسي يوسف الشاهد «إعاقة للإنتاج وقطعًا للطرقات» من الواجب التصدي له، في خطاب استكمله الرئيس السبسي في 10 مايو/ أيار بقرار نزول الجيش إلى شوارع تونس لحماية موارد البلاد من المحتجين.

والجدير بالذكر أن تونس تشهد وضعًا اقتصاديًا متأزمًا خاصة في قطاع الغاز والطاقة الذي يخيم عليه الغموض وتهم مختلفة بالفساد،وتعرف تطاوين بكونها من أكبر ولايات تونس في المساحة وأثراها في الغاز والبترول، إلا أنها تعاني من فقر شديد ووضع تنموي متدهور وبمعدل بطالة يتجاوز 30%، مما دفع أهاليها للمطالبة بالتوظيف إلى جانب ضرورة الكشف بشفافية عن حجم الثروات الطبيعية بالمنطقة التي ينص الدستور التونسي بأحقية الشعب بها.


قانون المصالحة: من المستفيد؟

الإفلات من المحاسبة يعطي لمنتهكي حقوق الإنسان ضوءًا أخضر للاستمرار في انتهاكاتهم، وعدم معاقبة الجرائم الاقتصادية يتسبب فقط في مزيد من الفساد.
مديرة مكتب هيومن رايتس ووتش في تونس آمنة القلالي

تلوح من جديد شعارات الثورة في سماء تونس بعد أن اشتعلت الاحتجاجات مجددًا بعدة مدن، في تحدٍّ واضح لقرارات الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي بنزول الجيش التونسي إلى الشوارع لحماية موارد الدولة على حساب الثورة، فبجانب احتجاجات تطاوين تشهد تونس حالة غضب أخرى، حيث شنت حملة «مانيش مسامح» عددًا من التظاهرات الشعبية بالشهر الجاري لرفض قانون المصالحة الاقتصادية.

حيث تقدمت الحكومة التونسية في منتصف عام 2015 للبرلمان بمشروع قانون يهدف للتصالح مع رجال أعمال نظام الرئيس التونسي الأسبق زين العابدين بن علي، من خلال العفو عن المتورطين في تهم متعلقة بالفساد المالي، وهو ما أثار حنق الشعب وقتذاك والضغط على الحكومة حتى تراجعت عن المشروع بشكل مؤقت، وقد تم إعادة طرحه للمناقشة بالبرلمان في يونيو 2016.

اعتبر المتظاهرون قرارات السبسي تراجعًا في أهداف الثورة التونسية، حيث يعتبر التصالح مع المتورطين في تهم الفساد المالي انتكاسة في محاسبة المسؤولين عن تدهور الدولة خلال فترة حكم بن علي، وتشجيعًا لاستمرار الجرائم الاقتصادية والإفلات من العقاب على حساب إرساء العدالة الانتقالية بعد الإطاحة بحكم بن علي.

بينما برر السبسي قراراته بكونها خطوة لتشجيع الاستثمار في تونس باسترجاع الأموال المنهوبة وتوجيهها لتنمية البلاد، والجدير بالذكر أن الدولة -بصفتها الاعتبارية- قد تقدمت بـ685 طلب مصالحة، حسبما أوضحت هيئة الحقوق والكرامة، هذا إلى جانب تلقيها 1800 طلب مصالحة من جهات أخرى.

اقرأ أيضًا: مانيش مسامح: السبسي يعلن الحرب على الثورة في تونس


فشل سياسي وتهديد أمني: هل تستمر تونس في عدالتها الانتقالية؟

تعاني تونس منذ تولي السبسي حالة من عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي أدى إلى خوف الشعب من غض نظر النظام عن العدالة الانتقالية، وازداد الأمر سوءًا بظهور نجل الرئيس التونسي حافظ السبسي على الساحة بقيادته لحزب نداء تونس، هذا إلى جانب فشل النظام في امتصاص غضب الشعب أو تحقيق خطط التنمية التي أعلن عنها رئيس الحكومة أثناء زيارته لولاية تطاوين بالشهر الماضي.

وتدخل الجيش التونسي في المشهد السياسي بعدما أعلن السبسي نزوله للشوارع لحماية موارد الدولة في خطوة تصعيدية ضد تحركات الشعب الاحتجاجية مما يزيد في استفزاز مشاعر المتظاهرين، كما هددت وزارة الدفاع في 21 مايو/ أيار باستخدام القوة في مواجهة أي محاولات لعرقلة الإنتاج، وهو ما ينذر باستمرار حالة الاحتقان الشعبي التي تسيطر على الأجواء بتونس وتجدد المواجهات بين الأمن والمتظاهرين.

وتلقى النظام السياسي بتونس ضربات قاسية خلال الفترة الماضية، فبعدما هزت الحركات الاحتجاجات الشعبية عرش السلطة مجددًا بمنتصف مايو الجاري، رفضًا لمشروع قانون المصالحة الاقتصادية المقترح من الرئيس التونسي، يشهد النظام الآن حركة احتجاج واسعة للدفاع عن أحقية الشعب بثروات البلاد وتنمية الوطن معلنة إصرارًا واضحًا في مواجهة الفساد واستكمال خطواته تجاه تحقيق العدالة الانتقالية.