أقر مجلس الوزراء في اجتماعه يوم الخميس 18 يونيو الجاري، مشروع الموازنة العامة للدولة للعام المالي 2015/2016 تمهيدًا لرفعه للرئيس عبد الفتاح السيسي، وذلك بعد عقد المزيد من المداولات والمباحثات بين الجهات التنفيذية، في ظل غياب الإطار التشريعي للدولة، وذلك من أجل إصدار موازنة تعمل على خدمة السياسات الاقتصادية الرامية إلى خفض مؤشرات العجز الكلي والدين العام للبلاد، من خلال تخفيض الدعم والإنفاق الحكومي مع العمل في الوقت ذاته على دعم منظومتي التعليم والصحة وتوجيه المخصصات المالية اللازمة لعملية تطويرهما.

العوار الدستوري والقانوني بالموازنة

للمرة الثانية على التوالي بعد 30 يونيو 2013، تتخلف وزارة المالية عن الوفاء بالتزاماتها القانونية بنشر مشروع الموازنة العامة، بتقسيماتها الاقتصادية والوظيفية والإدارية، قبل ثلاثة أشهر من إقرارها حتى يُتاح للشعب بكياناته المختلفة الاطلاع والمناقشة في كافة بنود الموازنة التي تعتبر تقديرًا لإيرادات ومصروفات الدولة خلال العام المالي القادم.

فكان لابد أن تلتزم وزارة المالية بعرض مشروع الموازنة العامة على مجلس الوزراء وإحالته إلى مجلس الشعب قبل بدء السنة المالية بثلاثة شهور أي في موعد غايته الأول من أبريل من كل عام. ولأنه لا يوجد إطار تشريعي للدولة، في ضوء غياب مجلس الشعب، كان لا بد من عرض الموازنة العامة للدولة على اللجان الاقتصادية داخل الأحزاب المختلفة لإتاحة نوع من الشفافية والمشاركة المجتمعية في إعداد الموازنة والتي هي حق أصيل للمواطن طبقًا لما يكفله له الدستور المصري.

منشور اعداد الموازنة العامة للدولة

وعلى الرغم من إصدار وزارة المالية منشور إعداد الموازنة العامة لأول مرة في ديسمبر 2014، وكذلك إصدار البيان المالي التمهيدي لمشروع الموازنة في مارس 2015، إلا أنه لم يتم دعوة أي من الأحزاب والقوى السياسية والمجتمعية خلال مرحلة مناقشة الموازنة، والتي يُفترض أن تكون خلال الثلاثة أشهر الممتدة من أبريل حتى يونيو، مما يشير إلى أن الهدف من إصدار البيان هو تحسين ترتيب مصر في مؤشر شفافية الموازنات الدولية التي تفرض عليها الالتزام بإتاحة أرقام الموازنة العامة أمام المواطنين كافة.

وتأتي أهمية الإعلان عن الموازنة العامة للدولة بمدة كافية قبل إقرارها من قبل رئيس الجمهورية، لكونها أداة مهمة للمواطن يمكن من خلالها معرفة أهم سياسات وانحيازات النظام السياسي القائم، حيث تعد الموازنة العامة من أهم الأدوات الحكومية تأثيرًا على حياة المواطنين ومعيشتهم، وذلك لما تشتمل عليه من وضع بنود الإنفاق وأُطر السياسات الخاصة بمجالات تلمس حياة المواطن اليومية كالصحة والتعليم ونصيبهم من الثروة القومية للبلاد.

وعلى الرغم من كون الموازنة العامة في تعريفها العام هي “أوجه إيرادات ومصروفات أموال الشعب خلال عام مالي قادم”، أي أنها بالأساس ملك لكل مواطن في الدولة، نجد أن الموازنة تظل من أعقد وأبعد المسائل عن المواطن العادي بل وعن المتخصصين في المجال، لصعوبة التدخل في رسم وصياغة السياسة العامة للدولة.

وفي ظل توجه الدولة الحالي لاتباع نوع من السياسات التقشفية التي تهدف إلى الحد من الإنفاق الحكومي وكذلك تخفيض الدعم، والذي يهم بالدرجة الأولى الفئات محدودة الدخل في المجتمع، يأتي التأكيد على حق المواطن في المعرفة والحصول على المعلومة خاصةً فيما يتعلق بأكثر السياسات الاقتصادية تأثيرا على حياته، وهي الموازنة العامة وكل ما يرتبط بها من موازنات الوزارات والهيئات والشركات القابضة وغير ذلك من وحدات الجهاز الإداري للدولة، وذلك لما تعكسه تلك السياسات المالية المعتمدة من توجهات الدولة الأساسية، هل هي لصالح المواطن كما يتم الإعلان، أم أنها استمرار لخدمة فئات بعينها دونما الالتفات إلى حياة المواطن الذي أصبح يُعاني من الفقر المدقع في ظل الارتفاع المستمر لأسعار الغذاء والخدمات الأساسية كالكهرباء والطاقة.

فوفقا لدراسة Folscher الصادرة عن مبادرة الشفافية والمساءلة التابعة لمؤسسة المجتمع المفتوح في عام 2010 [i]، لا يعادل مفهوم شفافية الموازنة مفهوم الإفصاح عن مكوناتها، وإنما يمتد ليشمل قياس مدى كون كافة المعلومات والبيانات المرتبطة بالموازنة العامة للدولة متاحة ومفصح عنها بشكل مقروء ودقيق ويسهل الوصول إليه في زمن مناسب، ويقصد بالمعلومات هنا كافة أنواع المعلومات المتعلقة بالأنشطة والقواعد والخطط والعمليات المالية.

دراسة فولشر الصادرة عن مبادرة الشفافية والمساءلة

وكذلك يضع صندوق النقد الدولي أربع ممارسات أساسية لتفعيل شفافية الموازنة وهي؛ أولًا: الوضوح التام في الأدوار والمسئوليات، ثانيًا: عملية الموازنة المفتوحة؛ بأن تكون هناك عملية واضحة ومفتوحة للإدارة المالية للدولة بشكل عام، تشمل المحاور التشريعية والقانونية والإدارية، فتغطي الإيرادات والسياسة الضريبية والصناديق وكافة الهيئات وكافة الأصول والخصوم العامة، ثالثًا: إتاحة المعلومات للجمهور، رابعًا: التأكيد على نزاهة المعلومات المتاحة ودقتها.

ومن ثم نجد أن شفافية الموازنة هو أمر منصوص عليه في كافة الأنظمة الديمقراطية ذات الحكم الرشيد، والشفافية هنا تُعني الوضوح الفعال لمؤشرات الموازنة ومكوناتها، في كافة مراحلها والتي تشمل الإعداد والإقرار والتنفيذ والمراجعة، بحيث يكون هناك وثائق واضحة ومكتوبة ومتاحة بشكل ميسر في كل مرحلة من المراحل.

فغياب الإفصاح عن الموازنة وإتاحتها للعامة قبل إقرارها يجعل مصر تخل بالتزاماتها على المستوى القانوني والدستوري، حيث ينص الدستور المصري في مادته 68 على حرية تداول المعلومات والبيانات والإحصاءات وإتاحتها للشعب. وعلى مستوى القوانين، فيحظر قانون الصحافة رقم 96 لسنة 1996 في مادته التاسعة فرض أي قيود تعوق حرية تدفق المعلومات أو يكون من شأنها تعطيل حق المواطن في الإعلام والمعرفة.

المادة 68 من دستور 2014

ولكن على الرغم من نص الدستور والقوانين على حرية إتاحة وتدفق المعلومات، إلا أن قانون الموازنة العامة للدولة رقم 53 لسنة 1973 يفتقد إلى نص صريح يُلزم الحكومة بنشر الوثائق المتعلقة بالموازنة، بل يقصر ذلك الحق على أعضاء البرلمان، وحيث أنه لا يوجد برلمان في الوقت الحالي، فبالتالي ليس هناك ما يُلزم الحكومة بالإعلان والإفصاح عن الموازنة العامة قبل إقرارها.

مخصصات التعليم والصحة في الموازنة العامة

ولم تفتقد الموازنة العامة للدولة للعام الجديد مبادئ الشفافية والإفصاح فحسب، بل أخلت بنصوص الدستور المصري فيما يخص التزام الدولة بتخصيص نسبة من الإنفاق الحكومي للصحة لا تقل عن 3% من الناتج القومي الإجمالي كما ورد بالمادة (18) من الدستور، وكذلك التزام الدولة بتخصيص نسبة من الإنفاق الحكومي للتعليم لا تقل عن 4% من الناتج القومي الإجمالي كما ورد بالمادة (19) من الدستور.

المادة 18 و19 من دستور 2014

الموازنة “مغلوطة” بلغة الأرقام

يبلغ العجز المقدر في مشروع الموازنة نحو 281 مليار جنيه أو ما يعادل 9.9% من الناتج المحلى الإجمالي، وتقول الحكومة أن ذلك العجز يأتي متراجعًا بنحو 0.9% عن العجز المتوقع بنحو 10.8% للعام المالي الجاري ومقارنة بعجز بلغ نحو 12.8% خلال عام 2013/2014.

ولمعرفة مدى صحة الأرقام وتعبيرها عن الواقع الذي يمر به الاقتصاد المصري، لا بد من الوقوف على أرقام العجز المحققة بالفعل خلال العشرة أشهر الممتدة من یولیو- أبریل ٢٠١٥/٢٠١٤ والتي تشير إلى تحقیق عجز في الموازنة العامة للدولة بنحو ٩.٩% نسبة إلى الناتج المحلى (230,9 ملیار جنيه)، مقابل عجز قدره 8.2% (163,3 مليار جنيه) خلال الفترة المماثلة من العام 2013/2014. مع الأخذ في الاعتبار أن العام 2013/2014 يعتبر عاما استثنائيا نتيجة المنح التي حصلت عليها الدولة من الدول الخليجية والتي أسهمت في تخفيض العجز الكلي للدولة خلال هذا العام.

ومن المتوقع تحقيق عجز كلي خلال العام الجاري 2014/2015 بنحو 239,9 مليار جنيه، وبالمقارنة بأرقام العجز المتوقع خلال العام القادم 2015/2016 والمقدرة بنحو 281 مليار جنيه، نجد أن هناك زيادة في العجز الكلي بنحو 41 مليار جنيه، وبالتالي يعتبر العجز الكلي خلال العام القادم هو الأكبر من نوعه الذي تواجهه مصر على مدى السنوات الماضية. ذلك التقدير يأتي بناءً على الأرقام المُطلقة للعجز وليس على حسابات الحكومة طبقا للأرقام المنسوبة إلى التطور في الناتج المحلي الإجمالي للدولة.

فالحكومة أعلنت مرارا وتكرارا أن السبب الرئيسي للتأخر في إقرار الموازنة هو أنها تريد تخفيض عجز الموازنة، خصوصا بعد أن رفضها الرئيس عبد الفتاح السيسي قبل ذلك لوعوده المستمرة بتحقيق استقرار في الاقتصاد الكلي من خلال تخفيض العجز في الموازنة، وعلى الرغم من ذلك وجدنا أن العجز سيرتفع بأكثر من 40 مليار جنيه خلال العام المُقبل، فضلا عن استمرار ارتفاع معدلات الدين وزيادة الإنفاق العام للدولة.

بيانات الموازنة العامة للدولة

بمراجعة البيان المالي للعام المالي الجاري نجد أن هناك اختلاف كبير بين الأرقام والنسب التي أعلن عنها وزير المالية في بيانه الأخير عن مشروع الموازنة، فعلى سبيل المثال أظهر مشروع الموازنة للعام المالي الجديد زيادة في الإيرادات العامة بنحو 26% إلى 612 مليار جنيه، بينما بمراجعة البيان المالي للموازنة المتوقعة للعام الجاري 2014/2015 والمتوقع بها إيرادات بحجم 548,6 مليار جنيه نجد أن الزيادة ستكون بواقع 11.6% فقط.

وكذلك أظهر مشروع الموازنة للعام 2015/2016 ارتفاعا في حجم المصروفات العامة بنحو 20% إلى 885 مليار جنيه، بينما بمراجعة البيان المالي للموازنة المتوقعة للعام الجاري 2014/2015 والمتوقع بها مصروفات بحجم 789,4 مليار جنيه نجد أن الزيادة ستكون بواقع 12.1% فقط.

وإن كانت الحكومة صادقة في الأرقام المُعلن عنها، إلا أن عدم الإعلان عن منشورات الموازنة، بتقسيماتها الاقتصادية والوظيفية والإدارية، والتي عادةً ما تشتمل على الموازنة المعدلة للعام الجاري والتي تختلف في أرقامها بطبيعة الحال عن تلك المُقدرة في بداية العام المالي، يجعل هناك لبس واختلاف كبير لدى المُطلعين على بيانات المالية العامة للدولة مما ينتج عنه فروق كبيرة في تقديرات المتعاملين مع الموازنة.

التوجهات الرئيسية للموازنة تحيد عن الفقراء

الفقر في مصر

لم تأت الموازنة بأولويات أو سياسات أو رؤى جديدة يمكن القول أنها تختلف كثيراً عن سابقيها، بل ربما تعكس الموازنة السياسات ذاتها التي كانت متبعة من قبل نظام الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك. فعلى عكس ما أعلن عنه النظام الحالي، رئاسة عبد الفتاح السيسي، من إعطاء الأولوية للفقراء ومحدودي الدخل، نجد أن الموازنة لا تعكس أي انحياز يُذكر للفقراء أو ذوي الحاجة للدعم.

وبحسب بيان الموازنة الذي تم إقراره من قبل مجلس الوزراء، بلغ إجمالي الإنفاق على الصحة نحو 64 مليار جنيه بزيادة 11,3 مليار جنيه أو نحو 21.5% عن العام السابق، وتقول الحكومة أن ذلك يأتي بهدف إحداث تطوير “ملموس” في الخدمات الصحية يشعر بها المواطنون خاصة الفئات الأولى بالرعاية، كما زادت مخصصات التعليم الأساسي والجامعي بنحو 9,2 مليار جنيه بنسبة 8.3% إلى 120 مليار جنيه، بخلاف الإنفاق على برامج التدريب المختلفة، وذلك في إطار الاهتمام بالعنصر البشرى كأساس للتنمية وزيادة قدرة الأفراد على الحصول على فرص عمل والمشاركة في ثمار التنمية.

بالتالي يصل إجمالي الزيادة في الإنفاق على التعليم والصحة مجتمعين إلى 20,5 مليار جنيه فقط، وبالتأكيد تلك الزيادة غير كافية على الإطلاق لإحداث أي تغيير يُذكر النسبة لأهم مجالين يجب الاهتمام بهما وتطويرهما. فعلى صعيد قطاع الصحة، نجد أن الفئة الدنيا، والتي تمثل النسبة الأكبر من الشعب المصري، لا تتمتع بالتأمين الصحي اللازم والذي يكفله الدستور، بل إن التأمين الصحي في مصر يقتصر فقط على الموظفين الحكوميين، ذلك بالإضافة إلى فقر العديد من المحافظات وخاصة في الصعيد إلى العديد من المستشفيات، والأجهزة المعدات اللازمة.

أما قطاع التعليم المصري، فبعيداً عن الحاجة المُلحة لتغير المناهج التعليمية والوسائل والطرق الدراسية التي تتطلب مزيداً من الانفتاح على العالم الخارجي من خلال تطبيق النظم التعليمية ذات التكنولوجيا الحديثة، نجد أن قطاع التعليم يحتاج إلى مدارس جديدة، بالإضافة إلى المعاناة من انخفاض مستوى المعلمين في جميع المراحل التعليمية، وسوء مستوى البحث العلمي والتعليم الجامعي في مصر.

التعليم في مصر

ووسط ضآلة الزيادة في مخصصات قطاعي التعليم والصحة في مصر، تستمر الحكومة في النهج ذاته فيما يخص المبالغ المخصصة للإنفاق على أجور العاملين في الدولة والتي تُقدر في مشروع موازنة العام المالي الجاري بنحو 228 مليار جنيه بزيادة 27,3 مليار جنيه أي بنسبة نمو 14% عن الإنفاق على الأجور خلال العام المالي الجاري. وتمثل مصروفات الأجور نحو 26% من إجمالي الإنفاق العام في مشروع الموازنة.

ويمثل الإنفاق على الأجور ومصروفات وفوائد الدين العام مجتمعة نحو 54% من إجمالي الإنفاق العام، وترتفع تلك النسبة إلى 80% من إجمالي الإنفاق العام عند إضافة مصروفات الدعم والمنح والمزايا الاجتماعية. أي أن 80% من موازنة الدولة يذهب لأوجه الإنفاق المختلفة بعيداً عن الاستثمارات الحيوية التي يُمكن من خلالها خلق مصادر إضافية لتمويل الموازنة بعيداً عن المصادر التقليدية والتي تعتبر الضرائب أهمها، وذلك يُعني أن الحكومة دائماً وأبداً ما تلجأ لسد لمحاولات سد العجز في الموازنة من خلال الحلول التقليدية السهلة سواء كان بفرض ضرائب جديدة على السجائر أو تقليل الإنفاق على دعم المواد البترولية دونما التوجه للحلول الإبتكارية.

البورصة المصرية

والجدير بالذكر هنا أن الحكومة تراجعت عن ما تم اتخاذه من قرارات حول فرض ضريبة على الأرباح الرأسمالية بالبورصة، ففي بداية تولي السيسي للرئاسة صدق على قانون يفرض بموجبه ضريبة على التوزيعات النقدية بواقع 10% بجانب ضريبة أخرى بنسبة 10% على الأرباح الرأسمالية من الاستثمار في البورصة، وبعدما أثار ذلك القرار غضب رجال الأعمال الذين مثلوا ورقة ضغط على الحكومة، وبعد ضغوط كبار المستثمرين على البورصة مما تسبب في خسائر فادحة للبورصة خلال العام الأول من حكم السيسي، قامت الحكومة في مايو 2015 بإصدار قرار بتأجيل العمل بضريبة الأرباح الرأسمالية لمدة عامين. ولاقى تراجع الحكومة استنكارا من غالبية القوى السياسية والمنظمات الدولية وعلى رأسها صندوق النقد الدولي.

وكذلك إلغاء الضريبة بمعدل 5% الإضافية على من يتخطى دخله مليون جنيه سنوياً على الرغم من خفض الدعم على الوقود وارتفاع أسعار الكهرباء على الشرائح الفقيرة والمتوسطة مما يعني انعدام مبدأ العدالة الضريبية.

وربما الشئ الإيجابي الذي يلزم التنويه إليه، هو التطور الملحوظ في منظومة دعم الخبز والسلع الغذائية والتي خُصص لها مبلغ 38,4 مليار جنيه، والتي تم تطويرها خلال العام الجاري ومن المقرر أن تدخل التطبيق الكامل على مستوى الجمهورية خلال العام المالي المقبل، وذلك مع توقع زيادة عدد المستفيدين من منظومة دعم الخبز بنحو 3 ملايين مواطن خلال العام القادم ليصل إجمالي عدد المستفيدين من هذه المنظومة إلى نحو 70 مليون مواطن.

ولكن ليس هناك تأكيداً على استمرار دعم السلع بذلك الرقم المُعلن، فتلك الأرقام تقديريه وليست نهائية.

وأخيراً، لم تعكس الموازنة الجديدة الانتقال المُعلن عنه من قبل وزارة المالية في منشور الموازنة خلال ديسمبر 2014، بشأن تطبیق موازنة البرامج بصورة تدریجیة لتقییم مدى كفاءة الإنفاق العام والبرامج والمشروعات التي تتبناها الدولة وحتى یكون توجیه الموارد الإضافیة المطلوبة في ضوء الاستحقاق الدستوري لزیادة الإنفاق على الصحة والتعلیم والبحث العلمي بدءاً من موازنة العام المالي القادم.

وختاما، كانت هناك ضرورة مُلحة على الحكومة الحالية بإتاحة معلومات تفصيلية ومبسطة عن الموازنة العامة للدولة، فضلا عن ضرورة إجراء حوار مجتمعي يمثله الشعب بكياناته المختلفة بما يضمن مشاركة المواطن في رسم السياسات العامة للدولة حتى يشعر المواطن بأنه الفاعل الرئيس في الدولة وليس مُجرد مفعول به يتم ترسيم حاضره ومُستقبله طبقا لما يتراءى للقائمين على وضع السياسات وتنفيذها بالدولة دونما أخذ رأي المواطن في أهم القرارات التي تمس حياته اليومية.

الهوامش

[i] Alta Fölscher, “Budget transparency: New frontiers in transparency and accountability”, Transparency & Accountability Initiative, Open Society Foundation, 2010.

اقرأ المزيد

السياسة الاقتصادية للسيسي: ماذا استهدفت وماذا حققت؟ (1) السياسة الاقتصادية للسيسي: ماذا استهدفت وماذا حققت؟ (2) بعد عام من السيسي؛ هل تحسنت الحالة الاقتصادية؟ المؤتمر الاقتصادي: ما هي الاتفاقات التي تمت؟ المؤتمر الاقتصادي: بعد المليارات.. هل يجني المواطن الثمار؟
هاني قدري وزير المالية

العوار الدستوري والقانوني بالموازنة

للمرة الثانية على التوالي بعد 30 يونيو 2013، تتخلف وزارة المالية عن الوفاء بالتزاماتها القانونية بنشر مشروع الموازنة العامة، بتقسيماتها الاقتصادية والوظيفية والإدارية، قبل ثلاثة أشهر من إقرارها حتى يُتاح للشعب بكياناته المختلفة الاطلاع والمناقشة في كافة بنود الموازنة التي تعتبر تقديرًا لإيرادات ومصروفات الدولة خلال العام المالي القادم.

فكان لابد أن تلتزم وزارة المالية بعرض مشروع الموازنة العامة على مجلس الوزراء وإحالته إلى مجلس الشعب قبل بدء السنة المالية بثلاثة شهور أي في موعد غايته الأول من أبريل من كل عام. ولأنه لا يوجد إطار تشريعي للدولة، في ضوء غياب مجلس الشعب، كان لا بد من عرض الموازنة العامة للدولة على اللجان الاقتصادية داخل الأحزاب المختلفة لإتاحة نوع من الشفافية والمشاركة المجتمعية في إعداد الموازنة والتي هي حق أصيل للمواطن طبقًا لما يكفله له الدستور المصري.

منشور اعداد الموازنة العامة للدولة

وعلى الرغم من إصدار وزارة المالية منشور إعداد الموازنة العامة لأول مرة في ديسمبر 2014، وكذلك إصدار البيان المالي التمهيدي لمشروع الموازنة في مارس 2015، إلا أنه لم يتم دعوة أي من الأحزاب والقوى السياسية والمجتمعية خلال مرحلة مناقشة الموازنة، والتي يُفترض أن تكون خلال الثلاثة أشهر الممتدة من أبريل حتى يونيو، مما يشير إلى أن الهدف من إصدار البيان هو تحسين ترتيب مصر في مؤشر شفافية الموازنات الدولية التي تفرض عليها الالتزام بإتاحة أرقام الموازنة العامة أمام المواطنين كافة.

وتأتي أهمية الإعلان عن الموازنة العامة للدولة بمدة كافية قبل إقرارها من قبل رئيس الجمهورية، لكونها أداة مهمة للمواطن يمكن من خلالها معرفة أهم سياسات وانحيازات النظام السياسي القائم، حيث تعد الموازنة العامة من أهم الأدوات الحكومية تأثيرًا على حياة المواطنين ومعيشتهم، وذلك لما تشتمل عليه من وضع بنود الإنفاق وأُطر السياسات الخاصة بمجالات تلمس حياة المواطن اليومية كالصحة والتعليم ونصيبهم من الثروة القومية للبلاد.

وعلى الرغم من كون الموازنة العامة في تعريفها العام هي “أوجه إيرادات ومصروفات أموال الشعب خلال عام مالي قادم”، أي أنها بالأساس ملك لكل مواطن في الدولة، نجد أن الموازنة تظل من أعقد وأبعد المسائل عن المواطن العادي بل وعن المتخصصين في المجال، لصعوبة التدخل في رسم وصياغة السياسة العامة للدولة.

وفي ظل توجه الدولة الحالي لاتباع نوع من السياسات التقشفية التي تهدف إلى الحد من الإنفاق الحكومي وكذلك تخفيض الدعم، والذي يهم بالدرجة الأولى الفئات محدودة الدخل في المجتمع، يأتي التأكيد على حق المواطن في المعرفة والحصول على المعلومة خاصةً فيما يتعلق بأكثر السياسات الاقتصادية تأثيرا على حياته، وهي الموازنة العامة وكل ما يرتبط بها من موازنات الوزارات والهيئات والشركات القابضة وغير ذلك من وحدات الجهاز الإداري للدولة، وذلك لما تعكسه تلك السياسات المالية المعتمدة من توجهات الدولة الأساسية، هل هي لصالح المواطن كما يتم الإعلان، أم أنها استمرار لخدمة فئات بعينها دونما الالتفات إلى حياة المواطن الذي أصبح يُعاني من الفقر المدقع في ظل الارتفاع المستمر لأسعار الغذاء والخدمات الأساسية كالكهرباء والطاقة.

فوفقا لدراسة Folscher الصادرة عن مبادرة الشفافية والمساءلة التابعة لمؤسسة المجتمع المفتوح في عام 2010 [i]، لا يعادل مفهوم شفافية الموازنة مفهوم الإفصاح عن مكوناتها، وإنما يمتد ليشمل قياس مدى كون كافة المعلومات والبيانات المرتبطة بالموازنة العامة للدولة متاحة ومفصح عنها بشكل مقروء ودقيق ويسهل الوصول إليه في زمن مناسب، ويقصد بالمعلومات هنا كافة أنواع المعلومات المتعلقة بالأنشطة والقواعد والخطط والعمليات المالية.

دراسة فولشر الصادرة عن مبادرة الشفافية والمساءلة

وكذلك يضع صندوق النقد الدولي أربع ممارسات أساسية لتفعيل شفافية الموازنة وهي؛ أولًا: الوضوح التام في الأدوار والمسئوليات، ثانيًا: عملية الموازنة المفتوحة؛ بأن تكون هناك عملية واضحة ومفتوحة للإدارة المالية للدولة بشكل عام، تشمل المحاور التشريعية والقانونية والإدارية، فتغطي الإيرادات والسياسة الضريبية والصناديق وكافة الهيئات وكافة الأصول والخصوم العامة، ثالثًا: إتاحة المعلومات للجمهور، رابعًا: التأكيد على نزاهة المعلومات المتاحة ودقتها.

ومن ثم نجد أن شفافية الموازنة هو أمر منصوص عليه في كافة الأنظمة الديمقراطية ذات الحكم الرشيد، والشفافية هنا تُعني الوضوح الفعال لمؤشرات الموازنة ومكوناتها، في كافة مراحلها والتي تشمل الإعداد والإقرار والتنفيذ والمراجعة، بحيث يكون هناك وثائق واضحة ومكتوبة ومتاحة بشكل ميسر في كل مرحلة من المراحل.

فغياب الإفصاح عن الموازنة وإتاحتها للعامة قبل إقرارها يجعل مصر تخل بالتزاماتها على المستوى القانوني والدستوري، حيث ينص الدستور المصري في مادته 68 على حرية تداول المعلومات والبيانات والإحصاءات وإتاحتها للشعب. وعلى مستوى القوانين، فيحظر قانون الصحافة رقم 96 لسنة 1996 في مادته التاسعة فرض أي قيود تعوق حرية تدفق المعلومات أو يكون من شأنها تعطيل حق المواطن في الإعلام والمعرفة.

المادة 68 من دستور 2014

ولكن على الرغم من نص الدستور والقوانين على حرية إتاحة وتدفق المعلومات، إلا أن قانون الموازنة العامة للدولة رقم 53 لسنة 1973 يفتقد إلى نص صريح يُلزم الحكومة بنشر الوثائق المتعلقة بالموازنة، بل يقصر ذلك الحق على أعضاء البرلمان، وحيث أنه لا يوجد برلمان في الوقت الحالي، فبالتالي ليس هناك ما يُلزم الحكومة بالإعلان والإفصاح عن الموازنة العامة قبل إقرارها.

ولم تفتقد الموازنة العامة للدولة للعام الجديد مبادئ الشفافية والإفصاح فحسب، بل أخلت بنصوص الدستور المصري فيما يخص التزام الدولة بتخصيص نسبة من الإنفاق الحكومي للصحة لا تقل عن 3% من الناتج القومي الإجمالي كما ورد بالمادة (18) من الدستور، وكذلك التزام الدولة بتخصيص نسبة من الإنفاق الحكومي للتعليم لا تقل عن 4% من الناتج القومي الإجمالي كما ورد بالمادة (19) من الدستور.

المادة 18 و19 من دستور 2014

الموازنة “مغلوطة” بلغة الأرقام

يبلغ العجز المقدر في مشروع الموازنة نحو 281 مليار جنيه أو ما يعادل 9.9% من الناتج المحلى الإجمالي، وتقول الحكومة أن ذلك العجز يأتي متراجعًا بنحو 0.9% عن العجز المتوقع بنحو 10.8% للعام المالي الجاري ومقارنة بعجز بلغ نحو 12.8% خلال عام 2013/2014.

ولمعرفة مدى صحة الأرقام وتعبيرها عن الواقع الذي يمر به الاقتصاد المصري، لا بد من الوقوف على أرقام العجز المحققة بالفعل خلال العشرة أشهر الممتدة من یولیو- أبریل ٢٠١٥/٢٠١٤ والتي تشير إلى تحقیق عجز في الموازنة العامة للدولة بنحو ٩.٩% نسبة إلى الناتج المحلى (230,9 ملیار جنيه)، مقابل عجز قدره 8.2% (163,3 مليار جنيه) خلال الفترة المماثلة من العام 2013/2014. مع الأخذ في الاعتبار أن العام 2013/2014 يعتبر عاما استثنائيا نتيجة المنح التي حصلت عليها الدولة من الدول الخليجية والتي أسهمت في تخفيض العجز الكلي للدولة خلال هذا العام.

ومن المتوقع تحقيق عجز كلي خلال العام الجاري 2014/2015 بنحو 239,9 مليار جنيه، وبالمقارنة بأرقام العجز المتوقع خلال العام القادم 2015/2016 والمقدرة بنحو 281 مليار جنيه، نجد أن هناك زيادة في العجز الكلي بنحو 41 مليار جنيه، وبالتالي يعتبر العجز الكلي خلال العام القادم هو الأكبر من نوعه الذي تواجهه مصر على مدى السنوات الماضية. ذلك التقدير يأتي بناءً على الأرقام المُطلقة للعجز وليس على حسابات الحكومة طبقا للأرقام المنسوبة إلى التطور في الناتج المحلي الإجمالي للدولة.

فالحكومة أعلنت مرارا وتكرارا أن السبب الرئيسي للتأخر في إقرار الموازنة هو أنها تريد تخفيض عجز الموازنة، خصوصا بعد أن رفضها الرئيس عبد الفتاح السيسي قبل ذلك لوعوده المستمرة بتحقيق استقرار في الاقتصاد الكلي من خلال تخفيض العجز في الموازنة، وعلى الرغم من ذلك وجدنا أن العجز سيرتفع بأكثر من 40 مليار جنيه خلال العام المُقبل، فضلا عن استمرار ارتفاع معدلات الدين وزيادة الإنفاق العام للدولة.

بمراجعة البيان المالي للعام المالي الجاري نجد أن هناك اختلاف كبير بين الأرقام والنسب التي أعلن عنها وزير المالية في بيانه الأخير عن مشروع الموازنة، فعلى سبيل المثال أظهر مشروع الموازنة للعام المالي الجديد زيادة في الإيرادات العامة بنحو 26% إلى 612 مليار جنيه، بينما بمراجعة البيان المالي للموازنة المتوقعة للعام الجاري 2014/2015 والمتوقع بها إيرادات بحجم 548,6 مليار جنيه نجد أن الزيادة ستكون بواقع 11.6% فقط.

وكذلك أظهر مشروع الموازنة للعام 2015/2016 ارتفاعا في حجم المصروفات العامة بنحو 20% إلى 885 مليار جنيه، بينما بمراجعة البيان المالي للموازنة المتوقعة للعام الجاري 2014/2015 والمتوقع بها مصروفات بحجم 789,4 مليار جنيه نجد أن الزيادة ستكون بواقع 12.1% فقط.

وإن كانت الحكومة صادقة في الأرقام المُعلن عنها، إلا أن عدم الإعلان عن منشورات الموازنة، بتقسيماتها الاقتصادية والوظيفية والإدارية، والتي عادةً ما تشتمل على الموازنة المعدلة للعام الجاري والتي تختلف في أرقامها بطبيعة الحال عن تلك المُقدرة في بداية العام المالي، يجعل هناك لبس واختلاف كبير لدى المُطلعين على بيانات المالية العامة للدولة مما ينتج عنه فروق كبيرة في تقديرات المتعاملين مع الموازنة.

التوجهات الرئيسية للموازنة تحيد عن الفقراء

بيانات الموازنة العامة للدولة
الفقر في مصر

لم تأت الموازنة بأولويات أو سياسات أو رؤى جديدة يمكن القول أنها تختلف كثيراً عن سابقيها، بل ربما تعكس الموازنة السياسات ذاتها التي كانت متبعة من قبل نظام الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك. فعلى عكس ما أعلن عنه النظام الحالي، رئاسة عبد الفتاح السيسي، من إعطاء الأولوية للفقراء ومحدودي الدخل، نجد أن الموازنة لا تعكس أي انحياز يُذكر للفقراء أو ذوي الحاجة للدعم.

وبحسب بيان الموازنة الذي تم إقراره من قبل مجلس الوزراء، بلغ إجمالي الإنفاق على الصحة نحو 64 مليار جنيه بزيادة 11,3 مليار جنيه أو نحو 21.5% عن العام السابق، وتقول الحكومة أن ذلك يأتي بهدف إحداث تطوير “ملموس” في الخدمات الصحية يشعر بها المواطنون خاصة الفئات الأولى بالرعاية، كما زادت مخصصات التعليم الأساسي والجامعي بنحو 9,2 مليار جنيه بنسبة 8.3% إلى 120 مليار جنيه، بخلاف الإنفاق على برامج التدريب المختلفة، وذلك في إطار الاهتمام بالعنصر البشرى كأساس للتنمية وزيادة قدرة الأفراد على الحصول على فرص عمل والمشاركة في ثمار التنمية.

بالتالي يصل إجمالي الزيادة في الإنفاق على التعليم والصحة مجتمعين إلى 20,5 مليار جنيه فقط، وبالتأكيد تلك الزيادة غير كافية على الإطلاق لإحداث أي تغيير يُذكر النسبة لأهم مجالين يجب الاهتمام بهما وتطويرهما. فعلى صعيد قطاع الصحة، نجد أن الفئة الدنيا، والتي تمثل النسبة الأكبر من الشعب المصري، لا تتمتع بالتأمين الصحي اللازم والذي يكفله الدستور، بل إن التأمين الصحي في مصر يقتصر فقط على الموظفين الحكوميين، ذلك بالإضافة إلى فقر العديد من المحافظات وخاصة في الصعيد إلى العديد من المستشفيات، والأجهزة المعدات اللازمة.

أما قطاع التعليم المصري، فبعيداً عن الحاجة المُلحة لتغير المناهج التعليمية والوسائل والطرق الدراسية التي تتطلب مزيداً من الانفتاح على العالم الخارجي من خلال تطبيق النظم التعليمية ذات التكنولوجيا الحديثة، نجد أن قطاع التعليم يحتاج إلى مدارس جديدة، بالإضافة إلى المعاناة من انخفاض مستوى المعلمين في جميع المراحل التعليمية، وسوء مستوى البحث العلمي والتعليم الجامعي في مصر.

التعليم في مصر

ووسط ضآلة الزيادة في مخصصات قطاعي التعليم والصحة في مصر، تستمر الحكومة في النهج ذاته فيما يخص المبالغ المخصصة للإنفاق على أجور العاملين في الدولة والتي تُقدر في مشروع موازنة العام المالي الجاري بنحو 228 مليار جنيه بزيادة 27,3 مليار جنيه أي بنسبة نمو 14% عن الإنفاق على الأجور خلال العام المالي الجاري. وتمثل مصروفات الأجور نحو 26% من إجمالي الإنفاق العام في مشروع الموازنة.

ويمثل الإنفاق على الأجور ومصروفات وفوائد الدين العام مجتمعة نحو 54% من إجمالي الإنفاق العام، وترتفع تلك النسبة إلى 80% من إجمالي الإنفاق العام عند إضافة مصروفات الدعم والمنح والمزايا الاجتماعية. أي أن 80% من موازنة الدولة يذهب لأوجه الإنفاق المختلفة بعيداً عن الاستثمارات الحيوية التي يُمكن من خلالها خلق مصادر إضافية لتمويل الموازنة بعيداً عن المصادر التقليدية والتي تعتبر الضرائب أهمها، وذلك يُعني أن الحكومة دائماً وأبداً ما تلجأ لسد لمحاولات سد العجز في الموازنة من خلال الحلول التقليدية السهلة سواء كان بفرض ضرائب جديدة على السجائر أو تقليل الإنفاق على دعم المواد البترولية دونما التوجه للحلول الإبتكارية.

البورصة المصرية

والجدير بالذكر هنا أن الحكومة تراجعت عن ما تم اتخاذه من قرارات حول فرض ضريبة على الأرباح الرأسمالية بالبورصة، ففي بداية تولي السيسي للرئاسة صدق على قانون يفرض بموجبه ضريبة على التوزيعات النقدية بواقع 10% بجانب ضريبة أخرى بنسبة 10% على الأرباح الرأسمالية من الاستثمار في البورصة، وبعدما أثار ذلك القرار غضب رجال الأعمال الذين مثلوا ورقة ضغط على الحكومة، وبعد ضغوط كبار المستثمرين على البورصة مما تسبب في خسائر فادحة للبورصة خلال العام الأول من حكم السيسي، قامت الحكومة في مايو 2015 بإصدار قرار بتأجيل العمل بضريبة الأرباح الرأسمالية لمدة عامين. ولاقى تراجع الحكومة استنكارا من غالبية القوى السياسية والمنظمات الدولية وعلى رأسها صندوق النقد الدولي.

وكذلك إلغاء الضريبة بمعدل 5% الإضافية على من يتخطى دخله مليون جنيه سنوياً على الرغم من خفض الدعم على الوقود وارتفاع أسعار الكهرباء على الشرائح الفقيرة والمتوسطة مما يعني انعدام مبدأ العدالة الضريبية.

وربما الشئ الإيجابي الذي يلزم التنويه إليه، هو التطور الملحوظ في منظومة دعم الخبز والسلع الغذائية والتي خُصص لها مبلغ 38,4 مليار جنيه، والتي تم تطويرها خلال العام الجاري ومن المقرر أن تدخل التطبيق الكامل على مستوى الجمهورية خلال العام المالي المقبل، وذلك مع توقع زيادة عدد المستفيدين من منظومة دعم الخبز بنحو 3 ملايين مواطن خلال العام القادم ليصل إجمالي عدد المستفيدين من هذه المنظومة إلى نحو 70 مليون مواطن.

ولكن ليس هناك تأكيداً على استمرار دعم السلع بذلك الرقم المُعلن، فتلك الأرقام تقديريه وليست نهائية.

وأخيراً، لم تعكس الموازنة الجديدة الانتقال المُعلن عنه من قبل وزارة المالية في منشور الموازنة خلال ديسمبر 2014، بشأن تطبیق موازنة البرامج بصورة تدریجیة لتقییم مدى كفاءة الإنفاق العام والبرامج والمشروعات التي تتبناها الدولة وحتى یكون توجیه الموارد الإضافیة المطلوبة في ضوء الاستحقاق الدستوري لزیادة الإنفاق على الصحة والتعلیم والبحث العلمي بدءاً من موازنة العام المالي القادم.

وختاما، كانت هناك ضرورة مُلحة على الحكومة الحالية بإتاحة معلومات تفصيلية ومبسطة عن الموازنة العامة للدولة، فضلا عن ضرورة إجراء حوار مجتمعي يمثله الشعب بكياناته المختلفة بما يضمن مشاركة المواطن في رسم السياسات العامة للدولة حتى يشعر المواطن بأنه الفاعل الرئيس في الدولة وليس مُجرد مفعول به يتم ترسيم حاضره ومُستقبله طبقا لما يتراءى للقائمين على وضع السياسات وتنفيذها بالدولة دونما أخذ رأي المواطن في أهم القرارات التي تمس حياته اليومية.

الهوامش

[i] Alta Fölscher, “Budget transparency: New frontiers in transparency and accountability”, Transparency & Accountability Initiative, Open Society Foundation, 2010.