ظهرت إعادة استخدام الأشياء القديمة كنوعٍ من التقاليد العريقة في مصر القديمة، حيث تُظهِر إحدى الجداريّات المُكتَشفة في تل العمارنة أحد الأمثلة التي تدل على ميل المصريّ القديم لإعادة استخدام كل ما هو مُتاحٌ حوله؛ فعندما مات الملك إخناتون تم تدمير ذكرى عائلته على الحجر الذي يذكر ملوك مصر القديمة ويدعو لعبادة الإله آتون.
وتم إعادة استخدام هذا الحجر لاحقًا ليكون أساسًا لمُلك الملك مرنبتاح؛ إلا أنه في العصر الحديث تم كشف هذا التزييف الفجّ في تاريخ واحدٍ من أهم ملوك مصر الفرعونية. ويخبرنا التاريخ أنه ربما كان قدماء المصريين أول من عرفوا عملية إعادة التدوير؛ بإعادة استخدام أوراق البردي، وكذلك المصنوعات الذهبية. كما قاموا بإعادة استخدام الأكفان في أوقات الأزمات الاقتصادية.
وبالرغم من الفرق الشاسع في المقارنة بين حجم وكيفية إعادة التدوير في مصر و بعض الدول الأوروبية، كدولة السويد مثلا، والتي وصلت لنسبة 99% في إعادة تدوير المخلفات؛ إلا أن مصر تقوم بكثيرٍ من الصناعات التي تعتمد على عملية إعادة التدوير. وبالرغم من عدم وجود إحصائياتٍ دقيقةٍ تتحدث عن الحجم الفعليّ لهذه العملية؛ لكنها تزداد على أرض الواقع بمعدّلٍ مُطّردٍ يومًا بعد يوم.
رسم بياني يوضح معدلات نمو إعادة التدوير في السويد بين عامي 1975-2012
رسم بياني يوضح معدلات نمو إعادة التدوير في السويد بين عامي 1975-2012.

تبدأ عملية إعادة التدوير بمرحلة الفصل، التي يتم فيها فصل وتصنيف محتويات المُخلّفات بأنواعها إلى فئاتٍ مثل: الورق، والزجاج، والبلاستيك، والألومنيوم، والقماش، والإلكترونيات، وغيرها، ثم يتم تصنيف هذه الفئات لفئاتٍ فرعيةٍ مثل ورق الكارتون، و ورق الجرائد، والأوراق الملونة، ..إلخ. لكن نجد أنه من الأفضل أن تتمّ عملية الفصل من المصدر؛ أي المنزل، فتتمُّ بذلك المرحلة الأوّلية لإعادة التدوير التي من المُفترض أن توفّر الملايين من الجنيهات، والآلاف من فرص العمل، والحصول على بيئةٍ نظيفة.
حاويات قمامة في سنغافورة
حاويات قمامة في سنغافورة.

حيّ «الزبّالين»

إذا قمنا بأخذ قطاعٍ رأسيّ في صناعة إعادة التدوير داخل مصر، سنجد نموذجًا يمثّل تجربةً متكاملةً ناجحةً في حي الزبالين، منشية ناصر، المقطم، محافظة القاهرة.فلنعد سويًّا بالزمن للوراء قليلا حتى العام 1910 تقريبًا، حيث بدأت الموجة الأولى من المهاجرين القادمين من واحة الداخلة في الصحراء الغربية، ثم نتقدم قليلًا للأمام حتى حقبة الثلاثينيّات والأربعينيّات، التي تشهد الموجة الثانية من المهاجرين القادمين من محافظة أسيوط الذين استقروا في هذا الحيّ، وعملوا بجمع قمامة القاهرة، وتصنيفها، ومعالجتها، وبيع كل ما يمكن بيعه منها، نجد هذا التكتّل السكانيّ الذي يُقدّر بحوالي سبعين ألف نسمة؛ حيث تعمل كل العائلة في هذا المجال رجالًا و نساءً و أطفالًا في مئات الورش، ويتم توزيع الهمام بدايةً من جمع القمامة ونقلها وتصنيفها. وبالإضافة إلى أنهم يُعانون من كثيرٍ من المشاكل مثل نقص أو انعدام الصرف الصحيّ والمياة النظيفة، عِوضًا عن الرائحة المزمنة للقمامة الملقاة في كل مكان؛ منتجةً بيئةً خصبةً للأمراض المتنوعة، ومشاكل أخرى مثل عدم وجود المستشفيات والمدارس؛ ففي حيّ الزبّالين، تنعدم وسائل الحياة الآدمية كاملة.ويتم استخدام الخنازير بشكل أساسيّ، حيث تقوم بالتغذّي على المخلفات الحيوية؛ تاركةً كلّ المخلفات التي يمكن إعادة تدويرها. وبذلك أيضا نشأت تجارةٌ جانبية؛ هي تجارة الخنازير وبيعها للمطاعم السياحية. وعند دراسة نسب القمامة التي يتم إعادة تدويرها في هذا الحي، نجد أنه يتفوّق على نسبٍ عالميةٍ أحيانا، حيث يقوم حيّ الزبّالين بإعادة تدوير 80% من قمامة القاهرة، في حين أن الشركات العالمية لا تتجاوز نسب الـ 20%.
صورة5
الخنازير التي تقوم عليها عملية فصل المخلفات.

أهم أشكال إعادة التدوير

الغاز الحيوي

ماذا يحدث إذا عدنا للوراء قليلًا واحتفظنا بالمُخلّفات الحيوية، مثل: بقايا الطعام، والمُخلّفات الصلبة، ومواد نباتية وحيوانية، وسمحنا لها بالتخمّر في ظروفٍ لا هوائية؟، سينتج غاز الميثان بشكلٍ أساسيّ وغاز ثاني أكسيد الكربون، وبإنشاء مفاعلات الغاز الحيويّ، سنستطيع التخلّص من المخلفات الحيوية بشكلٍ مثاليّ لا يُلوّث البيئة. ويُستخدم غاز الميثان كوقودٍ، بشكلٍ مباشر، في المحرّكات أو خلطه مع الوقود الأحفوريّ. وبذلك نحصل على طاقةٍ مُتجدّدة رخيصة الثمن.
نموذج لمفاعل للغاز الحيوي
نموذج لمفاعلٍ للغاز الحيويّ.

البلاستيك

خطوات إعادة تدوير البلاستيك1. الفرز:لفصل البلاستيك عن باقي القمامة، ثم فصل أنواع البلاستيك المختلفة.الغسيل: للتخلّص من كل ما يعلق بالبلاستيك من بواقي مواد عضوية وغيرها، وتتم عملية الغسيل غالبًا بمحلول الصودا الكاوية مع الماء الساخن.2. الطحن:للحصول على قطعٍ بلاستيكيةٍ صغيرة يمكن معالجتها مراتٍ أخرى.3. التحبيب:وهو تحويل القطع والرقائق الى حُبيبات، بحيث تكون مشابهةً للحبيبات التي يتم الحصول عليها عند تصنيع المواد البلاستيكية من المشتقات البترولية، وتسهل هذة العملية بيع الحبيبات المُعاد تدويرها بأسعارٍ مناسبة، دون الحاجة إلى تحويلها إلى منتجاتٍ كاملة التصنيع.4. التشكيل:وفي هذة العملية يتم تحويل الحبيبات إلى منتجٍ نهائيّ صالحٍ للاستخدام، من خلال عمليات الحقن أو النفخ أو البثق؛ وهي العمليات الإنتاجية المعروفة للبلاستيك. ومن الأفضل ألا يُستخدم البلاستيك المُعاد تدويره لنفس الغرض السابق الذي كان يُستعمل له، وكذلك ضرورة عدم استعماله لحفظ المواد الغذائية خصوصا عند التعامل مع الحرارة العالية أو التجميد.
إعادة تدوير البلاستيك
إعادة تدوير البلاستيك.

الألومنيوم

يتم إنتاج الألومنيوم الجديد عن طريق التحليل الكهربائي لأكسيد الألومنيوم الذي يحتاج إلى خام البوكسيت في وجود طاقةٍ كهربيّةٍ عاليةٍ لعملية التحليل الكهربيّ في مجمع الألومنيوم في نجع حمادي. وإذا وضعنا بالاعتبار عدم وجود خام البوكسيت في مصر، الذي يتم استيراده من أستراليا، ومشاكل الطاقة الكهربيّة في مصر في الوقت الحالي؛ نجد أنه من الأفضل إعادة تدوير الألومنيوم؛ لأن كلّ كيلو جرامٍ من الألومنيوم المُعاد تصنيعه يقوم بتوفير 8 كيلو جراماتٍ من خام البوكسيت و 4 كيلو جرامات من المواد الكيميائيّة المستخدمة في عملية التصنيع، ويتم أيضا توفير كميةٍ كبيرةٍ من الطاقة الكهربية تصل إلى 15 كيلو وات في الساعة.إذن كيف تتم عملية إعادة تدوير الألومنيوم؟تتم عن طريق تجميع علب الألومنيوم مثل عُلب المشروبات الغازية والمأكولات المُعلّبة، ثم توضع فى حاوياتٍ لمعالجتها و تنظيفها من الشوائب؛ لتكون جاهزةً لإعادة تدويرها. تؤخذ هذه المخلّفات إلى ماكينة كبس و طحن الألومنيوم لتكون جاهزةً للصهر والتشكيل، ثم تدخل المخلّفات المعدنية في أفرانٍ بدرجة حرارةٍ عالية لتذوب و يزول الطلاء منها و تتخلص من أي شوائب.وأخيرًا، يُصبّ خام الألومنيوم المصهور في قوالب، ثم تؤخذ إلى الطواحين و الدرافيل لتدرفل و تكون مسطّحةً على هيئة صفائح مرنة و قوية؛ ليسهل تشكيلها و تصنيعها. وتؤخذ الصفائح إلى ماكينات تشكيلٍ و تصنيع بها قوالب بأشكال مختلفة، لإنتاج أشكالٍ مختلفة من منتجات الألومنيوم، وأيضا إنتاج قطاعاتٍ مختلفة. ويمكننا إنتاج علبٍ معدنيةٍ مرةً أخرى من العلب المستعملة.
إعادة تدوير الألومنيوم.

الإلكترونيات

إعادة تدوير الألومنيوم
المخلفات الإلكترونية هي الأجهزة الإلكترونية التي انتهى عمرها الافتراضي وأصبحت غير صالحةٍ للاستخدام. وتعتبر هذه المخلفات ثاني أخطر نوعٍ من المخلّفات بعد المُخلّفات النووية؛ لاحتوائها على عناصر سامة يمكنها التسبّب في أضرارٍ خطيرةٍ على صحة الإنسان والبيئة إذا تمّ التعامل معها بشكلٍ خاطئ.ويُقدّر حجم المخلّفات الإلكترونية بأكثر من 50 مليون طنّ سنويًا، وهو في حالة ازدياد مستمرة؛ نظرًا للتطور التكنولوجيّ الدائم؛ فكلما تطوّرت الأدوات التكنولوجية، زاد حجم المخلّفات الإلكترونية؛ نظرًا للسعي المتواصل من جانب المستخدمين لاقتناء التكنولوجيا الجديدة، فيما لا يتم التخلّص سوى من 15 مليون طنّ فقط من تلك النفايات.وللأسف لا يوجد حصرٌ من جهاتٍ حكوميةٍ أو خاصةٍ في مصر عن حجم المخلّفات الإلكترونية الناتجة من المصريين، إلا أنّ دراسةً قامت بها إحدى الشركات، تشير إلى تراوحها بين 40 إلى 50 ألف طنّ سنويا، وتُجري وزارتا الاتصالات والبيئة حاليًا حصرًا دقيقًا لهذه السوق؛ لتوفير بياناتٍ دقيقةٍ عنها. وتعدّ شاشات الكمبيوتر crt ضمن قائمة المخلّفات الأكثر رواجًا بالسوق المصريّ، ويُقدّر عددها بملايين الوحدات .و نجد أن المخلفات الإلكترونية تأتي من ثلاثة مصادر رئيسية: الجهات الحكومية التي تطرح مزايداتٍ للأجهزة الإلكترونية المستهلكة، والمستهدف التخلص منها من خلال الهيئة العامة للخدمات الحكومية التابعة لوزارة المالية، المصدر الثاني شركات القطاع الخاص، سواء كانت محلية أو عالمية، أما المصدر الثالث فهم الأفراد المستهلكون.وتشير الدراسات إلى وجود كمياتٍ كبيرةٍ من الأجهزة الإلكترونية المتهالكة المُخزّنة لدى الأفراد؛ فلا يخلو أي بيتٍ مصريّ من جهاز كمبيوتر قديم و 3 أو 4 هواتف محمولة غير مستخدمة. و مازال مجال إعادة تدوير المخلفات الإلكترونية في مصر في أولى خطواته، مع بعض محاولاتٍ بسيطة لتنظيم إعادة الاستخدام والتصنيع بالشكل المثالي، مع تجنب ضررها على البيئة.
المراجع
  1. إعادة التدوير في السويد
  2. الوقود الحيوي
  3. ريسيكلوبيكيا
  4. Avfall Serige
  5. Terence Ong
  6. Jorge Saenz, Associated Press
  7. حي الزبالين