انظر ترَ قلائد الذهب والجواهر على نحور الجواري، على حين تشتهي الحرة كسرة من خبز. انظر ترَ المناصب وقد خلت من أربابها، وترَ الناس يهيمون كالأنعام، بل هم أضل سبيلاً. حقًا لقد عز الذليل، وذل العزيز، وطمع الغرباء في البلاد، فها هم ينتشرون في الأرض، ويعيثون فيها فسادًا.

كانت هذه كلمات الحكيم إيبور إلى أحد الفراعنة، اضطربت البلاد في عهده، محذرًا إياه من الثورة التي توشك تشتعل بعد انتشار الفساد السياسي واتساع الفجوة الطبقية بعد أن ضربت مصر كارثة طبيعية. فلم يكن الشعب المصري هو ذلك الشعب الخانع لفراعنته الذين بقوا في التاريخ مضرب المثل في الاستبداد. بل عرفت مصر الفرعونية ثورات متتابعة، لكن أغلبها بقي موجهًا ضد المحتل الأجنبي.


الثورة ضد المحتل 1580 ق.م

إذا كان المصري القديم قد ثار ضد حكامه وملوكه لرفع الظلم، فمن الطبيعي إذن أن يثور ضد المحتل. فخلال القرن السادس عشر ق.م، حكمت الأسرة الثالثة عشر شمال البلاد، وحكمت الرابعة عشر الجنوب، مما أدى إلى انقسام مصر، فاستغل الهكسوس الوضع ودخلوا إلى مصر عن طريق الدلتا. ثار المصريون ضد الهكسوس، وقاد ثورتهم ثلاثة ملوك؛ هم الملك سقنن رع تا عا، وكامس، والملك أحمس الذي قضى على الهكسوس نهائيًا.

بدأ الملك سقنن بلم شمل المصريين حوله بعد تشتتهم، وكان بجوارهم في ميدان المعركة حتى لقي حتفه في إحدى المعارك، ولُقب بـ «الملك الشجاع». واصل الملك كامس المسيرة وكان أكثر دهاءً وذكاءً خصوصًا في الأمور العسكرية، فواصل الحرب مع الشعب ضد الهكسوس وانتصر في كثير من المعارك واستعاد جزءًا كبيرًا من أرض الدلتا.

وبعد موته، استلم راية الحرب الملك أحمس الذي حاصر الهكسوس ما يقرب من ثلاث سنوات حتى استسلموا.


الثورة الدينية 1374 ق.م

كان للجانب الديني أهمية كبيرة عند المصريين القدماء، وقد عاش المصريون فترات طويلة في مرحلة تعدد الآلهة، فكان الإله آمون هو الإله الأكثر شعبية حتى تخطت ثروة كهنة المعبد ثروة الأسرة الحاكمة، فقرر ملوك الأسرة الثامنة عشر أن يقللوا شعبية الإله آمون بتقوية عبادة الإله رع في الشمال ليحدوا من سلطة رجال الدين (الكهنة). وبعد انقسام الآلهة بين الشمال والجنوب، انقسمت البلاد سياسيًا وبدأ كل فصيل يكفر الآخر، وكان المستفيد الأوحد من هذه الانقسامات هم الكهنة الذين تزداد ثروتهم بزيادة تقديم القرابين لكل إله.

زادت الانقسامات حتى تولى الحكم الملك أمنحتب الرابع، فبدأ عهده بقرار توحيد الآلهه تحت راية الإله «آتون»، ويرمز له قرص الشمس الساطعة، وفي نهاية أشعة الشمس كفوف أيادٍ ترمز للخير والعطاء، وغيّر الملك اسمه إلى إخناتون، ويعني حرفيًا: «هذا يرضي آتون». وظل أثناء سنوات حكمه ينادي الناس بعبادة الإله الواحد آتون (بعض المؤرخين يعتقدون أن الملك إخناتون كان يعبد «الله» كما عرفه التوحيد الإبراهيمي لاحقًا).

لم تعجب تلك القرارات رجال الدين (الكهنة)، فكانت نهاية حكم إخناتون بعد سبعة عشر عامًا من الحكم على أيديهم، فقاموا بثورة ضده وضد أفكاره التوحيدية، وعادت البلاد إلى سابق عهدها من عبادة الآلهة المختلفة والإله ذي الشعبية «آمون».


الثورة ضد الآشوريين 609-663 ق.م

يعتبر الفرعون المصري بسماتيك الأول أحد أهم ملوك مصر، ليس فقط لأنه مؤسس الأسرة 26 التي أسمى المؤرخون عهدها «عصر النهضة»، بل لأنه حارب الآشوريين والكوشيين واستعاد الأرض، واستعاد معها مكانة مصر سياسيًا وعسكريًا.

قبل توليه الحكم، حدث انقسام للسلطة في عصر الأسرة 21 بصفقة مشبوهة بين رجال الدين وورثة الحكم، وبات الحكم بين أيدي رجال الدين، فلم يعجب ذلك شيشنق الأول، كبير ضباط الجيش وكان ليبيًا أمازيغيًا متمصّرًا، فقام بطرد رجال الدين إلى الجنوب. هناك، اتحد رجال الدين مع الكوشيين، واستمر حكم شيشنق ومن بعدَه لمصر فيما عرف لاحقًا بحكم الأسرة 22 الليبية/الأمازيغية، ثم تلت هذه الأسرة أسرتان هما الأسرتان 23 و24، وكانت سيطرتهما بالأساس على الشمال، وتزامن مع حكمهما حكم أسرة كوشية في الجنوب، وعرفوا لاحقًا بالأسرة 25 الكوشية، ثم قرر ملوك كوش غزو مصر.

بسبب خلافات الحكم في الشمال، سيطر الكوشيون على الشمال والجنوب مما لفت نظر الآشوريين إلى أرض مصر التي يتناحر عليها الجميع، فدارت معركة بين الجانبين. في هذا الوقت، ظهر أمير من أمراء الدلتا، هو نكاو الأول والد بسماتيك الذي حارب الجانبين المتناحريين على مصر معًا، لكنه لم يستمر طويلا إذ قُتل في معركة من المعارك.

وقتها، بات يحلق في الأفق نجم ساطع هو الشاب بسماتيك الذي كان أكثر ذكاءً من والده، فقام بترتيب البيت من الداخل وتواصل مع الأمراء في مصر الوسطى، واستعان بالمرتزقة من أجل تعزيز الجيش، وعقد صفقات مع الكهنة من أجل التخلي عن دعم الكوشيين. وعندما حانت اللحظة المناسبة، أمر الجيش بالتحرك العسكري لطرد الآشوريين من الأراضي المصرية.


الثورات مصرية ضد الفرس 430 – 330 ق.م

يروي المؤرخ العظيم هيرودوت أن مصر كانت تعيش لحظات متعثرة في تاريخها خلال القرن الخامس ق.م، فكان دخول الفرس لها سهلاً من خلال الصحراء الشرقية، وكانت هذه نصيحة أحد الضباط المرتزقة المنشقين عن الجيش المصري. لم يتمكن الجيش المكون أغلبه من المرتزقة الإغريق من التصدي للفرس، فاضطر الملك المصري بسماتيك الثالث للتراجع والانسحاب، واستغل قائد جيوش الفرس قمبيز الفرصة وحاصر الجيش المصري في منف.

احتل قمبيز مصر، وفكر بخبث ودهاء في التقرب لشعب مصر بتعلم لغتهم والتدين بدينهم والاهتمام بالثقافة المصرية. وعندما فشل، ظهر الوجه الآخر له، فبدأ التعامل بوحشية مفرطة، حيث أخرج مثلاً جثة الملك أحمس الثاني وحرقها، ونهب الذهب والفضة الموجودين في القصور الملكية.

بعد وفاة قمبيز، تولى الملك دارا الذي لم يختلف عنه. وعندما انشغل دارا بحرب المدن الأيونية التي انهزم فيها الفرس، استغل المصريون الفرصة لإعلان الثورة على الفرس، فكانوا يهاجمون مراكز الإمداد ومستودعات التموين الخاصة بجند الحاميات الفارسية في البلاد. وعندما علم دارا بالأمر، توعد المصريين بأشد أنواع العقاب لكنه مات قبل أن ينفذ تهديده.

تولى بعد دارا ابنه اكزركسيس الذي قمع الثورة حتى مات هو أيضًا، وتولى بعده ابنه اكزركسيس الثاني الذي استمر في حربه ضد اليونان. ولكن هذه المرة، استغل المصريين كجنود تُحارب معه حتى اغتيل هو أيضًا على يد قائد الحرس، فاستغل المصريون الفرصة ثانية وأعلنوا الثورة تحت قيادة الملك إيناروس الذي يُعتقد أنه كان ابنًا لبسماتيك الثالث، وبدأت المواجهة المباشرة بين الفرس والثوار حتى انسحب الفرس إلى الحدود، فتمكن المصريون من جزء من مدينة منف، واحتل الفرس الجزء الآخر، وظلت الحرب بينهم حوالي ثمانية عشر شهرًا حتى تمكن الفرس من فك الحصار، وهُزمت الجيوش المصرية وأعدم الملك إيناروس.

بعد وقوع مصر ثانية في أيدي الفرس، كان الإسكندر قد دخل غزة، وكان من السهل بعدها دخول مصر، ليس فقط لامتلاكه جيشًا أقوى، ولكن أيضًا لمساعدة المصريين له بعدما عاشوا أعوامًا كثيرة في محاولات لطرد الفرس.

انبهر الإسكندر بحضارة مصر وبدأ هو الآخر سياسة التقرب إلى المصريين في محاولات لإرضائهم، فاحترم آلهتهم وقدم لها القرابين، وسافر إلى كل أرجاء مصر حتى نال لقب «ابن آمون»، وأمر ببناء مدينة الإسكندرية لتكون ولاية لحكمه. وبعدما نظم شؤون الدولة المصرية، سافر وراء الفرس الفارين حتى وصل إلى الهند.