محتوى مترجم
المصدر
aeon
التاريخ
2020/4/9
الكاتب
ماسيمو بيجليوتشي
أستاذ الفلسفة في جامعة نيويورك.

غالبًا ما يُقتبس عن الفيزيائي الأمريكي ريتشارد فاينمان قوله «يمكنك إدراك الحقيقة بجمالها وبساطتها». ظهرت العبارة في كتاب كيه. سي. كول، كاتبة العلوم الأمريكية، في كتابها الاهتزاز بالتأثير: تأملات في الفيزياء كأسلوب حياة (1985)، ولم أجدها في كتابات فاينمان أو تسجيلاته. ومع ذلك، نحن نعلم أن فاينمان كان يكن احترمًا كبيرًا للفيزيائي الإنجليزي بول ديراك، الذي اعتقد أن النظريات في الفيزياء ينبغي أن تكون بسيطة وجميلة.

كان فاينمان بلا شك واحدًا من علماء الفيزياء البارزين في القرن العشرين. ومن مساهماته؛ مشاركته في مشروع مانهاتن والتحقيق في كارثة تحطم مكوك الفضاء تشالنجر في عام 1986، بالاضافة إلى فوزه بجائزة نوبل في عام 1965 مشاركةً مع جوليان شوينجر وشينيتشيري توموناجا لعملهما الأساسي في الكهروديناميكا الكمية، وفي فيزياء الجسيمات الأولية. وعزف أيضًا على آلة البانجو الوترية!

على الرغم من كونه مثل العديد من علماء الفيزياء في جيله والجيل اللاحق (وعلى عكس أولئك المنتمين إلى الجيل السابق، بما في ذلك ألبرت أينشتاين ونيلز بور)، لم يلمع نجم فاينمان في مجال فلسفة العلوم، وهذا أقل ما يقال. ربما قال إن فلسفة العلم مفيدة للعلم كإفادة علم الطيور للطيور (تأصيل مصدر الكثير من الاقتباسات المنسوبة إليه أقرب إلى المحال). وقد أثار هذا استجابات لا تعد ولا تحصى من فلاسفة العلم، منها؛ أن الطيور غبية جدًّا بحيث لا يمكنها دراسة علم الطيور، أو أنه لولا علم الطيور، لانقرض العديد من أنواع الطيور.

المشكلة هي أنه من الصعب الدفاع عن نظرية أن الحقيقة يمكن إدراكها من خلال جمالها وبساطتها، وهي نظرية ساهمت في إدخال الفيزياء الأساسية في هذه الفوضى. لمزيد من المعلومات حول الموضوع الأخير، تفقد كتاب المتاعب مع الفيزياء (2006) لي سمولين، أو وداعًا للواقع (2013) بقلم جيم باغوت، أو اشترك في مدونة بيتر وويت. لنكون واضحين، عند مناقشة بساطة وجمال النظريات، نحن لا نتحدث عن «شفرة أوكام» (التي كتب عنها زميلي إليوت سوبر لموقع Aeon).

شفرة أوكام هي أداة استرشادية حكيمة تزودنا بدليل بديهي لمقارنات الفرضيات المختلفة. في حال تساوي الأشياء الأخرى، ينبغي أن نفضل الأبسط. وبشكل أكثر تحديدًا، كان الراهب الإنجليزي وليام أوكام (1287-1347) يعني أنه لا ينبغي أن تتضاعف معطيات «الكيانات [الافتراضية]» دون ضرورة (كما قال الفيلسوف الأيرلندي الفرنسي الأيرلندي جون بانش في القرن السابع عشر). وهكذا، فإن شفرة أوكام مبدأ معرفي، وليس مبدأً ميتافيزيقيًّا. إذ يتعلق بكيفية معرفتنا للأشياء، بينما تبدو تصريحات فاينمان وديراك حول الطبيعة الأساسية للواقع.

ولكن؛ كما أشارت الفيزيائية النظرية الألمانية سابين هوسينفلدر (أيضًا على Aeon)، لا يوجد أي سبب على الإطلاق للاعتقاد بأن البساطة والجمال هما دليلان موثوقان للواقع المادي. وهي على حق لعدد من الأسباب.

بادئ ذي بدء، يُظهر تاريخ الفيزياء (وللأسف، نادرًا ما درسه الفيزيائيون) بوضوح أنه وجب التخلي عن العديد من النظريات البسيطة لصالح النظريات القبيحة والأكثر تعقيدًا. وأن نظرية الحالة الكونية المستقرة هي أبسط من نظرية تتطلب تسارع توسع الكون. ومع ذلك ما زال العلماء يعتقدون أن الكون يتوسع منذ 14 مليار عام تقريبًا. أدرك يوهانس كيبلر، في القرن السابع عشر، أن نظرية كوبرنيكوس كانت جميلة جدًّا بحيث لا يمكن تصديقها، لأنه، وكما اتضح، لا تدور الكواكب حول الشمس في دوائر مثالية (وفقًا لجماليات الإنسان!) بل تتبع إلى حدٍّ ما قُطوعًا ناقصة (أحد أنواع القطوع المخروطية) قبيحة.

وبطبيعة الحال، معروف أن الجمال ينبع من عين الرائي، وما بدا لفاينمان على أنه جميل قد لا يكون جميلًا بالنسبة للفيزيائيين أو علماء الرياضيات الآخرين. الجمال قيمة إنسانية، وليس عنصرًا ماديًّا موجودًا في الكون. علماء الأحياء هنا يعرفون أفضل. إن القدرة على التقدير الجمالي في جنسنا البشري هي نتيجة لعملية تطور بيولوجي، قد تنطوي على الانتخاب الطبيعي. ولا يوجد أي سبب على الإطلاق للاعتقاد بأننا طورنا حسًّا جماليًّا يصادف أنه مصمم، بطريقة ما، لاكتشاف النظرية النهائية لكل شيء.

المغزى من القصة، أنه ينبغي على الفيزيائيين ترك فلسفة العلم للمحترفين، وأن يلتزموا بما يجيدونه. والأفضل من ذلك: هذه المساحة حيث الحوار المثمر العابر للتخصصات ليس مجرد احتمال، ولكن يمكن القول أنها ضرورة. كما كتب أينشتاين في رسالة إلى زميله الفيزيائي روبرت ثورنتون في عام 1944:

أتفق معك تمامًا حول أهمية القيمة التعليمية للمنهجية بالإضافة إلى تاريخ وفلسفة العلم. يبدو لي الكثير من الناس اليوم -وحتى العلماء المتخصصين- كشخص رأى آلاف الأشجار ولكنه لم يشاهد غابةً قط. تمنح المعرفة بالخلفية التاريخية والفلسفية هذا النوع من الاستقلال عن تحيزات جيله، والتي يعاني منها معظم العلماء. هذا الاستقلال الناجم عن البصيرة الفلسفية هو -في رأيي- علامة التمييز بين مجرد حِرَفيٍّ أو متخصص وباحث حقًّا عن الحقيقة.

ومن المفارقات، أن أفلاطون -فيلسوف- هو الذي جادل بأن الجمال هو دليل للحقيقة (والخير)، وعلى ما يبدو لم يلتق أبدًا بشخص غير صادق من الجنس الآخر (أو نفس الجنس، بحسب ما قد يقتضيه الحال). كتب عن ذلك في الندوة، في الحوار الذي يتضمن، من بين أمور أخرى، التربية الجنسية من سقراط. ولكن الفلسفة حققت الكثير من التقدم منذ أفلاطون، وكذلك العلم. 

لذا من الجيد أن العلماء والفلاسفة على حدٍّ سواء أن يقوموا التنسيق مع بعضهم البعض قبل التعبير عن النظريات التي قد يكون من الصعب الدفاع عنها، خاصة عندما يتعلق الأمر بالشخصيات المؤثرة على الجمهور. وعلى حد تعبير فيلسوف آخر، لودفيغ فتغنشتاين، في سياق مختلف: «حينما لا يستطيع المرء الحديث، فعليه أن يصمت».