معرض القاهرة الدولي للكتاب هو محفل يلتف حوله كل محبي ومريدي الثقافة والمعرفة. فدائمًا ما تجد زواره يأتون إليه من كل حدب وصوب راغبين أن يحصلوا من كل جديد فيه على جرعة معرفية جديدة يستزيدون بها.

وكما هو معروف عن هذا الحدث الكبير الذي يضم ضمن جوانبه العديد من الفاعليات، بداية من دور عرض، وبيع الكتب مختلفة الأنواع والمجالات، انتقالًا إلى الندوات والمناقشات الثقافية والفنية، وصولًا إلى العروض الفنية التي تقام طوال أيام المعرض والتي دائمًا ما تجذب كل الزوار ليجدوا فيها ما يبحثون عنه.

فحتى الذين مازالوا في خطواتهم الأولى في مجال القراءة؛ يحضر البعض منهم الندوات ليحصل على بعض الأفكار والمعلومات في المناقشات التي تجرى لعرض موضوعات الكتب أو الموضوعات العامة، فيعتبرها البعض بداية ليحصل من خلالها على طرف الخيط الذي سيسير وراءه في طريق بحثه عن المعرفة التي يرغب بها.

ولكن على الرغم من ذلك، فلا تجد للجانب العلمي أحد الأعمدة المهمة والرئيسية في الإطار المعرفي مكانًا بين تلك الندوات. فإذا أردت أن تستزيد في المجال العلمي، فلن تجده سوى في الكتب فقط.

ولن تتمكن من إيجاد مناقشة واحدة أو ندوة تتحدث عن أحد هذه الكتب أو استضافة واحد من الأساتذة أو الباحثين ليتحدث عن أحد الموضوعات العلمية، ليبسطها للجمهور فيحرك شغفهم نحوها. فكأنما تجد أن هذه الكتب أو هذه الموضوعات ما وجدت إلا لأصحابها العارفين بها فقط.


الجاحظ وعلوم الحيوان

إبراهيم فاروق في عرض علمي للأطفال بجناح مؤسسة الكويت للتقدم العلمي

لكن ومع ذلك الغياب الواضح وسط أجواء المعرض، كان هناك بعض البصيص الذي يشير لوجود العلم ولوجود مكانة كبيرة له عند زوار المعرض. فعند وصولك عند صالة 19 ستجد طوابير طويلة واقفة خارجها في انتظار دورها لتتمكن من الوصول إلى جناح «مؤسسة الكويت للتقدم العلمي».

هذه المؤسسة، والتي بجانب بيعها لعدد من الأعمال العلمية في المجالات المختلفة، فهي تتعاون مع مؤسسة «ألف اختراع واختراع» لتقديم عرض علمي بسيط يجذب الجمهور والأطفال بداية من سن 4 سنوات، وحتى كل الأعمار.

يقوم المسؤولون هناك في البداية بعرض فيلم يتكلم عن حياة «الجاحظ» وأعماله، وبالأخص علوم الحيوان. ويتوفر كتاب بسيط أيضًا للأطفال يحكي تلك التفاصيل، وبمجرد الانتهاء من الفيلم يقوم المسؤولون ببدء عرضهم العلمي المبسط.

يقول «إبراهيم فاروق» أحد المسؤولين عن العرض:

«بعد انتهاء الفيلم نبدأ بعدها بشرح بعض اللمحات البسيطة من حياة «الجاحظ»، ونستند على كل واحدة منها في جانب مختلف. فنتكلم عن الحفريات وكيفية اكتشافها واستخراج الحيوانات منها، ونعلمهم بعض المعلومات المتعلقة بها.

ثم نتحدث عن الحشرات وأشكالها المختلفة، والفروق بين كل واحدة والأخرى، والوظائف التي تؤديها، بالإضافة إلى العرض الثالث الذي نقوم فيه بعرض تشريح للضفدعة لنعلمهم تركيب جسمها. كما أننا نختم ذلك العرض بتعريفهم بكل التطبيقات في حياتنا والتي استلهمناها من الحيوانات.

على سبيل المثال؛ استلهمنا أفكار من الحيوانات التي تتمكن من السير على الحائط، فصنعنا روبوتات قادرة على مثل ذلك الأمر. تعلمنا الطيران من الطيور وصنع الطائرات، وقدرة عين القطة على تجميع الضوء بداخلها وتركيزه وعكسه، فاستفدنا منها في صناعة الكشاف الضوئي في السيارات».

ويقول «حسن علاء» أحد المسؤولين عن العرض كذلك:

«الفيلم ينتهي بعرض بعض المشاكل الطبيعية مثل الانقراض، فنطرح بعض الأسئلة على الأطفال لنعرف مدى علمهم بالانقراض ومخاطره على البيئة. ومن هنا ننطلق إلى انقراض الديناصورات. فنعرض بعض الحفريات الحقيقية، والتي ندفنها في صندوق من الرمال، ويعلمونهم كيفية استكشافها واستخراجها من البداية حتى يصلوا إلى الحفريات.

اقرأ أيضًا:لماذا يجب علينا إنقاذ الأنواع المهددة بالانقراض؟

ثم نعرفهم بالفروق المختلفة بين كل نوع والآخر. كما نخبرهم بالاكتشاف الحديث للديناصور المصري «منصوراصورس» وأنه أول ديناصور يتم اكتشافه من باحثين مصريين بالكامل، وهذا يجذب الجميع بمن فيهم كبار السن، فيتعلمون من خلال تلك المعلومات كيفية الحفاظ على البيئة وحماية الكائنات فيها من خطر الانقراض».

اقرأ أيضًا: منصوراصوروس شاهين: ماذا يخبرنا عن ديناصورات أفريقيا؟

ويكمل «حسن» أن الجزء الخاص بتشريح الضفدعة يهتمون فيه بتعليمهم كيف أن هناك تشابهًا كبيرًا في أجسامنا مع الحيوانات الأخرى من ناحية تركيبها، ويعرفونهم بالفروقات. على سبيل المثال، تمتلك الضفدعة لقلب يتكون من ثلاث حجرات فقط على عكس قلبنا الذي يحتوي على أربع حجرات، فيهتمون بتعليمهم مدى أهمية اهتمامهم بتلك الكائنات وحمايتها وعدم أذيتها لأنها لا تختلف كثيرًا عنا.

وأما الجزء الثالث، والذي يخص الحشرات فيشاهدون فيه بعضًا من الحشرات الحقيقية المحفوظة بمادة الفورمالين ويرونها تحت الميكروسكوب، ليتمكنوا من التعرف على كافة تفاصيلها وتراكيبها. على سبيل المثال يرون العضو المسؤول في النحلة عن امتصاص رحيق الأزهار لتصنع منه فيما بعد عسل النحل، ويعلموهم مدى أهميتها في تعليمنا الكثير من الاكتشافات الحديثة.

ويقول «إبراهيم» إن الأطفال لا يشاهدون فقط، بل يشاركون في تلك العروض، ويساعدهم في القيام بتلك الأشياء بأنفسهم حتى تترسخ عندهم تلك المعلومات والأفكار، ويدعوهم من خلالها للبحث عنها بشكل أكبر ليعرفوا عنها بشكل أفضل وأكثر.


علوم السماء داخل إحدى صالات المعرض

أنشطة بداخل جناح الجمعية المصرية لعلوم الفلك

لم يكن الأمر مقتصرًا على ذلك الجانب فقط من علوم الجيولوجيا والأحياء، فكان للسماء وعلوم الفلك مكان خاص يجذب كل محبيه إليه. فإذا زرت صالة 3 ستجد تجمعًا كبيرًا يقف أمام الجناح الخاص بـ«الجمعية المصرية لعلوم الفلك»، والتي تثبت حضورها المميز للعام الثالث على التوالي.

فتجد كل هواة علوم الفضاء، والباحثين وراء النجوم، ومحبي المعرفة يقفون ليستمعوا للمعلومات التي يخبرهم بها المسؤولون عن الجناح، كما أنهم ينهالون عليهم بالتساؤلات ليجيبوهم بصورة مبسطة. فلا تقف هناك بضع دقائق إلا وسترحل ورأسك محمل بكثير من الأفكار التي ستبهرك وتثير شغفك نحو هذا العلم لتبدأ رحلتك الخاصة في استكشافه.

ويقول المهندس «عصام جودة» مدير الجمعية:

«إن الجمعية المصرية لعلوم الفلك هي جمعية أهلية، تهتم بتعريف عموم الناس بمختلف أعمارهم بكل ما يخلص الفضاء من معلومات وأخبار وأحداث بصورة مستمرة، ويتواجدون بداخل المعرض ليقدموا للجمهور العديد من المعلومات المهمة بالإضافة إلى بعض الخدمات المتعلقة بالفلك».

ويكمل المهندس «عصام»:

«إن الجمعية تتيح بشكل دوري عدد من الندوات والمحاضرات للتعريف بأخبار السماء، وفتح باب النقاش حول بعض جوانب علم الفلك، كما أنها تقوم بعمل رحلات استكشافية للعامة لعدد من المراصد والصحارى لمشاهدة النجوم والحديث عنها والتعريف بها».

وبالإضافة إلى ذلك من خلال جناحهم بالمعرض، فهم يبيعون عددًا من الكتب المهمة مثل كتاب «مقدمة في علوم الفلك»، كما أنهم يتيحون نماذج من الورق يمكن للشخص أن يركبها بنفسه ليكون منها نماذج مصغرة لتليسكوبات الفضاء؛ مثل تليسكوب «هابل، وكيبلر»، وبجانب ذلك يمكنك أيضًا أن تشتري من خلالهم التليسكوبات الصغيرة التي يمكنك استخدامها بنفسك لرصد السماء من منزلك.

وأضاف أن الجمعية تتميز بتقديمها لنموذج «خريطة السماء – Star wheel»، والتي هي من عملهم الخاص لتتيح لهواة الفضاء استكشاف سماء مصر؛ لأنها مخصصة لخط عرض 30 شمالاً، فتناسب كافة الدول الأخرى التي على نفس ذلك الخط مثل الأردن.

وهي مكونة من جزءين تقوم بضبطهم حسب تاريخ اليوم وساعة الرصد لتخبرك بشكل النجوم التي ستراها في السماء، وتحدد لك اتجاه الشمال من خلال «نجم الشمال – North star». ويتوفر أيضًا لديهم كتيب صغير يسمى «دليلك لرصد السماء» ليساعدك بجانب الخريطة على اكتشاف معلومات أكثر وبصورة أفضل.

كما أنك ستجد لديهم عددًا من الهدايا التي يمكنك اقتناؤها من خلالهم، مثل البوسترات الخاصة بـ«السُّدم» مثل «سديم الجبار، السرطان» ودبابيس تحمل صورًا للنجوم لتضعها على حقيبتك أو ملابسك، وتيشيرتات تحمل صورًا للقمر مع أبيات شعر.


طلاب يقومون بالتوعية الطبية

توعية طبية بمعرض الكتاب

لم يتوقف هذا السيل العلمي عند قاعات الدور وداخل أروقة صالات العرض فحسب، فقد تواجد يوم الجمعة 2 فبراير/ شباط فريق من طلاب كلية الصيدلة من جامعات مختلفة، يجمعهم نشاط طلابي يسمى «المؤتمر العلمي للدراسات الصيدلية – SCOPS»، مقره كلية الصيدلة جامعة عين شمس.

قاموا بحملة توعية لكل زوار المعرض عن خمسة أمراض شهيرة. يخبرونهم بكيفية حدوث المرض من البداية وأسبابه، وكيف يمكن أن يحموا أنفسهم منها، وكيف يتعرفون عليها من خلال الأعراض، وما هي الوسائل والخطوات الطبية السليمة الواجب اتباعها في حالة شكهم في الإصابة بأي منها ليتمكنوا من علاجها؟.

وقد ناقشوا أمراض مثل «النقرس – الربو – الذبحة الصدرية – حصوات الكلى – القولون العصبي»، وأيضًا كانوا يتواجدون بشكل ثابت معلقين لوحات كبيرة توضح الأمراض التي يتحدثون عنها في داخل الشارع الفاصل بين الصالات ودور العرض المكشوف. كما تقوم مجموعات أخرى منهم بالسير وسط الجموع لمحادثتهم في مدة لا تزيد على ثلاث دقائق فقط عن أحد تلك الأمراض.

يقول «شريف مصطفى» أحد المسؤولين عن تنظيم اليوم:

«كل المشاركين في الفاعلية بما فيهم التنظيم هم بالكامل طلاب يقوموا بعمل حملة التوعية هذه للسنة الثانية على التوالي بداخل معرض الكتاب، ليستهدفوا من خلالها أكبر عدد ممكن من الأشخاص، وأنهم يقومون بتقسيم مواقع المعرض إلى 5 أجزاء بحيث يتواجد كل فريق مسؤول عن الحديث عن مرض في موقع غير الآخر، ثم بعد كل نصف ساعة يقومون بالتبديل مع بعضهم البعض بحيث يغطي كل فريق كل مواقع المعرض».

وأضاف أن المجموعات الثابتة في صورة (أكشاك) يستهدفون أيضًا كل المارة ليشرحوا لهم المعلومات، ويقوموا بتوزيع عدد من الأوراق التي تحمل معلومات بسيطة عن كل مرض من هؤلاء، حتى يتمكن مستمعوهم من الاحتفاظ بها فيما بعد، ويتيحوا لهم أوراقًا في نهاية عرضهم ليبدي لهم الحضور رأيهم فيما قدموه.

إقبال الجمهور

وقال أحد الأشخاص الذين استمعوا لواحدة من تلك المعلومات؛ بأنه بالفعل استفاد كثيرًا مما قدموه وتعلم عن الكثير من الأفعال الخاطئة، والتي كانت تضره وأنه سيهتم بأن يخبر غيره بها.

كما أن هؤلاء الطلاب يستخدمون معهم أدوات بسيطة إما من لوحات أو بعض المجسمات التي صنعوها بأنفسهم، ليتمكنوا من تبسيط المعلومات من خلالها لغير المتخصصين، ويبتكروا في أسلوبهم، حتى يسهلوا تلك المعلومات على المستمعين لهم ليتمكنوا من تذكرها والاستفادة منها قدر الإمكان.


هل سيُخلَق الفارق؟

معرض الكتاب، العلوم، أنشطة علمية

وبذلك وعلى الرغم من الغياب التام للظهور الواقعي للجانب العلمي وسط أروقة الندوات والمناقشات، إلا أن تلك الفاعليات البسيطة استطاعت أن تجذب الكثيرين ليعرفوا عنها ويهتموا من بعدها بالبحث، وتعلم الكثير من خلالها وسعيهم وراء الاستزادة منها.

ولكن هل سيظل ذلك الجانب مقصورًا على الكتب وتلك المجهودات البسيطة، والتي ما زالت تنفذ في إطار ضيق؟ أم سيتمكنون من خلالها من إحداث الاختلاف الذي سيجعل للعلم حضورًا قويًا نراه في العام المقبل، وسط جداول المناقشات والندوات، فهل سيُخلَق ذلك الفارق؟